كيف تربي أطفالًا أصحاء بطرق وألعاب بسيطة
محتوى مترجم | ||
| المصدر |  | |
| التاريخ | ||
| الكاتب | ||
في عام 1944، نشر عالم الاقتصاد، الفيزياء، الرياضيات والحاسوب جون فون نيومان كتابًا مميزًا، على الأقل بالنسبة لعلماء الرياضيات – إنه كتاب «نظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي» (Theory of Games and Economic Behavior). كتب نيومان الكتاب بمشاركة زميله، أوسكار مورجنسترن، ويتسم هذا المجلد ذي الأبعاد التوراتية تقريبًا بأنه كثيف جدًا وممتلئ بالرياضيات لدرجة أن المتخصص فقط في نظرية الألعاب يمكنه فهمه – بل وعانى بعضهم أيضًا في سبيل ذلك.ومع ذلك، انتشرت نظرية الألعاب لتتجاوز كثيرًا حدود الرياضيات لتصبح أداةً قيّمة لشرح السلوك الإنساني. فهي مستخدمة من قِبل الدبلوماسيين، علماء الأحياء، علماء النفس، علماء الاقتصاد وآخرين في مجالات الأعمال، الأبحاث والسياسة العالمية.يمكن لنظرية الألعاب أيضًا أن تكون أداة مفيدة لتريبة الأطفال. فالأطفال، مثلما يعلم الوالدون، يمكن أن يكونوا مفاوضين أقوياء. وهناك الكثير على المحك؛ فنتيجة المفاوضات بين الوالدين وأطفالهم يمكن أن تؤثر على سعادة العائلة ومستقبل الأطفال.على الرغم من رياضياتها المعقدة أحيانًا، يعد شرح نظرية الألعاب سهلًا: إنها علم التفكير الإستراتيجي. نظرية الألعاب لا تغطي جميع الألعاب، بل فقط الألعاب التي تؤثر فيها إستراتيجية الخصم أو المفاوض على حركتك التالية. ليس لها علاقة بلعبة «سوليتير»، التي لا يكون فيها لدى خصمك – وهو مجموعة من البطاقات – أي إستراتيجية. بينما على الجانب الآخر، تعد لعبة الشطرنج مثالًا جميلًا على ألعاب النظرية، حيث يحاول إستراتيجيان ماكران بشكل مستمر توقع وصد الحركات المتوقعة للطرف الآخر.كما يعتبر تشجيع التعاون بين الأطفال مثالًا رائعًا على نظرية الألعاب. قبل بضعة أعوام، طرح روبرت أكسلرود، أحد منظري الألعاب بجامعة ميشيجان، السؤال التالي: متى ينبغي على الشخص التعاون، ومتى ينبغي عليه أن يكون أنانيًا، ضمن تفاعل مستمر مع شخص آخر؟ فنصّب منافسة حاسوبية بين اثنين من منظري الألعاب، وأذهلته النتائج. لقد فشل أكثر الحلول تقدمًا في هزم شيء يسمى “العين بالعين”، والذي ينطوي على استجابة كل لاعب بفعل نفس ما فعله الآخر. إن تعاون الأول، يتعاون الثاني. وهكذا دواليك. وإن لم يتعاون الأول، فلا يتعاون الثاني.تمثل المزادات موضوعًا آخر لأبحاث نظرية الألعاب، وهي مفيدة للوالدين. لنفترض أن أطفالك يريدون السيطرة على جهاز تحكم التلفاز. عليك أن تنصّب ما يعرف باسم مزاد السعر الثاني بالأظرف المغلقة. فيكتب كل منهم ما ينوي دفعه. وعند فتح الأوراق، يفوز أعلى مراهن بالحق في شراء جهاز التحكم عن بعد بسعر دولار واحد، بالإضافة إلى ثاني أعلى عرض. إنها عملية أفضل كثيرًا من قلب العملة المعدنية لأن أكثر شخص يريد جهاز التحكم عن بعد سيحصل عليه.
كيف تعلم الأشقاء التعاون دون تدخل الأب أو الأم؟
تعتمد صفقات نظرية الألعاب على الإنصاف وتتشابه معها في ذلك عادة العلاقات بين الوالدين والأطفال. فالأطفال منهمكون بفكرة الإنصاف. فإن كان من المفترض قسم قطعة حلوى بين اثنين ولم تٌقسم مناصفة بدقة، سيبدأ الذي حصل على القطعة الأصغر بالصراخ. تقدم نظرية الألعاب للوالدين وسيلة للتغلب على ذلك.لنفترض أنك كسرت قطعة الحلوى إلى قطعتين من نفس الحجم تقريبًا، لكنهما ليستا متطابقتين. وتمكن طفلك من ملاحظة أن هناك فرق. يمكنك أن تفعل أمرًا يبدو منصفًا بشكل واضح: أن تقلب عملة معدنية. يستطيع أطفالك إدراك مدى الإنصاف في عملية قلب العملة؛ فلا أحد يتحكم في النتيجة. ماذا يمكن أن يكون أبسط من أن تقلب العملة المعدنية في الهواء؟ حيث يحصل الفائز على قطعة أكبر قليلًا من الحلوى؛ ويحصل الخاسر على الأخرى. لكن هناك شيء يتغير عندما تلمس العملة الأرض. فالفائز يعتقد عند ذلك أن القرار كان عادلًا تمامًا؛ بينما يطلب الخاسر الإعادة. فبالنسبة له، لا يبدو الأمر منصفًا على الإطلاق.ستكون ابنتك حريصة جدًا قدر الإمكان أثناء تقطيع الكعكة على تقطيعها إلى نصفين متطابقين، لأنه إن لم تفعل، ستحصل هي على القطعة الأصغر. ولأنه قد يكون من غير الممكن تقطيع الكعكة إلى نصفين متطابقين، عليك أن تحدد أن ابنك هو من سيقطّع الكعكة التالية. وتستمر في تناوب الأدوار. هذا عادل، وتظهر نظرية الألعاب أن البشر سيعترفون بأن هذا عادل. إنها طريقة أفضل كثيرًا من عملية قلب العملة الصارمة.والآن لنجعل الأمر أصعب قليلًا. الكعكة نصفها بالشوكولاتة ونصفها بالفانيليا. ابنك يحب الشوكولاتة، وتفضل ابنتك الفانيليا. إن قطعت ابنتك الكعكة بحيث تعطي كلًا منهما نصفًا من الشوكولاتة ونصفًا من الفانيليا، يعد الأمر عادلًا. فكل القطع متساوية الحجم. لكن كلا الطفلين غير سعيد تمامًا، لأن كلًا منهما حصل على قطعة من الكعكة لم يردها. عند ذلك لا بد من تقطيعها بالاتجاه الآخر – أي أن تقسّمها إلى نصف من الشوكولاتة لابنك ونصف من الفانيليا لابنتك، وبذلك يصبح كلاهما سعيدًا. كلا طريقتي التقطيع كانتا عادلتين، لكن القطع إلى أنصاف من الشوكولاتة والفانيليا أظهر ما يطلق عليه «كفاءة باريتو». فكلاهما لم يحصل على معاملة منصفة فقط، بل أيضًا على أفضل نتيجة ممكنة.يمكن أيضًا استخدام نظرية الألعاب لمساعدة العائلة في تحديد مكان قضاء العطلة، ما سيأكلونه على العشاء، كيف تعلم الأشقاء التعاون دون تدخل الأب أو الأم – ومشكلات أخرى عديدة تطرأ بشكل روتيني في العائلة.تعد نظرية الألعاب إحدى هدايا التطور، والتي جعلتنا نتصرف وفق القواعد الرياضية الموضِحة والدقيقة، والتي نستخدمها طوال الوقت. وتعد تربية الأطفال باستخدام نظرية الألعاب طريقة لمساعدة الآباء في الفهم الجلي للقواعد، والتفكير فيما تقوله القواعد بشأن تريبة أطفالٍ ناجحين وأصحاء. يساعدنا فهم نظرية الألعاب في أن نصبح نربي الأطفال على النحو الأمثل. قد لا يتمكن الوالدون و الأطفال من شق طريقهم من خلال كتاب فون نيومان الغامض عادة، لكنهم ليسوا مضطرين لفعل ذلك. فجميعهم منظرو ألعابٍ بالفعل. كل ما يحتاجونه هو القليل من القواعد الجيدة. وهو ما تقدمه نظريه الألعاب.
