للتكنولوجيا في حياتنا دور كبير، خاصةً في تكوين شخصية الطفل والتأثير عليه في عصر المعلومات وانتشار الأجهزة الذكية حولنا في كل مكان، ولا شك أن الطفل أسبق من غيره في التعرف وحب الاستطلاع؛ لذلك يترك كثير من الآباء والأمهات أطفالهم أمام الشاشات دون تحكم منهم، ودون علمهم مقدار الضرر الذي يلحقونه بأطفالهم.

فخلايا المخ مثلًا في حالة تطور سريع منذ الولادة وحتى بلوغ 21 عامًا، ويتأثر مقدار نمو المخ وتطوره بـ المؤثرات المحيطة به، حيث يؤدي التعرض المفرط للتكنولوجيا (الهواتف المحمولة، الإنترنت، أجهزة iPad، التلفزيون) إلى تشتت الانتباه، نقص التركيز وضعف الذاكرة، كما أن تقييد الحركة أثناء استخدام التكنولوجيا يؤدي إلى تأخر الطفل عن التطور الطبيعي، حيث يدخل واحد من كل ثلاثة أطفال المدرسة متأخرًا عن تطوره الطبيعي، مما يؤثر سلبًا على التحصيل الدراسي، لأن الحركة تعزز الاهتمام بالاستكشاف والقدرة على التعلم.

لذلك فإن استخدام التكنولوجيا تحت سن 12 سنة ضار على تطور الطفل، فوفقًا لأحد الأبحاث: 50% من الأطفال دون 12 عامًا لديهم حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي (Facebook وInstagram).


منظمة الصحة: الموبايل مُسبب محتمل لسرطان الأطفال

صنفت منظمة الصحة العالمية، الهواتف الخلوية (والأجهزة اللاسلكية الأخرى) من الفئة 2B (مادة مسرطنة محتملة) بسبب الانبعاثات الإشعاعية، كما أشارت وزارة الصحة الكندية في 2011 إلى أن الأطفال أكثر حساسية من البالغين لأن أدمغتهم وأنظمة المناعة لديهم لا تزال في طور النمو، لذا لا يمكنك القول بأن الخطر سيكون متساويًا بين البالغ والطفل. عن صعوبات التعلم، وانخفاض القدرة على التنظيم الانفعالي مثل نوبات الغضب المتزايدة.

كما أوصت الأكاديمية الأمريكية AAP والجمعية الكندية لطب الأطفال بعدم تعرض الأطفال الرضع حتى سن سنتين للتكنولوجيا نهائيًا، كما حددوا وقت استخدام التكنولوجيا للأطفال من 3-5 سنوات بمعدل ساعة يوميًا، ولمن هم بين عمر 6 و18 سنة لمدة ساعتين في اليوم، لكنه في واقع الأمر فإن الأطفال والشباب يستخدمون التكنولوجيا لفترات قد تصل إلى خمسة أضعاف الموصى به، مما يؤدي إلى عواقب خطيرة وغالبًا ما تهدد حياتهم، ونظرًا لكثرة المتغيرات والمغريات التكنولوجية حولنا وسهولة اقتنائها، حيث نرى كثرة استخدام وتوافر الأجهزة المحمولة بأنواعها بشكلٍ كبير، لا سيما من قبل الأطفال الصغار، فقد أصبح الآباء في حيرة من أمرهم، إذ يجد الطفل جميع أقرانه يحملون الأجهزة الإلكترونية بشكل دائم، فهل يسيرون مع القافلة ويفرحون بما يشغل أولادهم الصغار عنهم ويتباهون بامتلاك أطفالهم واستخدامهم التكنولوجيا على أوسع نطاق بالرغم من صغر سنهم، ويكفَون عن صراخهم ويقللون من مجهودهم مع أطفالهم، أم يحجبونها عنهم لأضرارها ويزيد العبء والمسؤوليات عليهم ويشعر أطفالهم بالحرمان؟

ومن ناحية أخرى تؤثر أفلام الكارتون على مفاهيم الأطفال فتختل الموازين لديهم، فالطفل قد يرى رجلاً يطير في الهواء ويشق القمر مما يسبب تصورات بعيدة عن الواقع، كذلك يرتبط استخدام ألعاب الفيديو والتلفزيون بزيادة السمنة كما ذكرت جامعة هارفرد، فالأطفال الذين يستخدمون الأجهزة الإلكترونية في غرف نومهم لديهم زيادة في السمنة بنسبة 30%، كما يزيد من احتمالية إصابتهم بمرض السكري، كما تؤثر التكنولوجيا على الراحة العامة لجسم الأطفال حيث إن 75% من الأطفال الذين يبلغون 10 سنوات يعانون من اضطرابات في النوم حتى أن مستواهم الدراسي يتأثر بشكل خطير كما ذكرت جامعة بوسطن عام 2012.


الإلكترونيات والاضطرابات

يتعرض الأطفال الصغار في الوقت الحالي بشكل متزايد لارتفاع معدلات العنف البدني والجنسي في وسائل الإعلام، فالعديد من الأفلام والبرامج التلفزيونية يصورون الجنس الصريح والقتل والاغتصاب والتعذيب والتشويه،فيمكن أن يصبح الأطفال عدائيي السلوك بسبب هذا المحتوى الإعلامي العنيف، كما صنفت الولايات المتحدة العنف في وسائل الإعلام على أنه خطر على الصحة العامة بسبب الأثر السلبي على الأطفال.

ويعتبر الإفراط في استخدام التكنولوجيا عاملًا أساسيًا في اضطراب السلوك حيث يسبب ارتفاع معدلات اكتئاب الأطفال، القلق، نقص الانتباه، التوحد، الاضطراب العقلي، وقد يصل للجنون، كما ذكرت جامعة بريستول، حيث يعاني واحد من كل ستة أطفال كنديين من مرض يرجع لاستخدام المفرط للأجهزة.

وعلى الجانب الاجتماعي والترابط الأسري، فقد يتسبب الاستخدام المفرط للتكنولوجيا في انفصال الطفل عمن حوله تمامًا ويصبح أسيرًا لما يشاهده، ويقل التفاعل بينه وبين أسرته، حيث إن النمو والتطور الاجتماعي يحتاج للتفاعل والاحتكاك المباشر، فقد يمكن للأطفال أن يرتبطوا بالأجهزة بشكل كبير، حيث إن واحدًا من كل 11 طفلًا من الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و18 سنة يصل ارتباطه بالتكنولوجيا حد الإدمان.


الوقاية خير من الإدمان

لابد أن نجلس مع أطفالنا ونتفق معهم قبل شراء أي جهاز الكتروني على وضع ضوابط ليُسمح لهم باستخدامه.

1. ضرورة وضوح هذه الضوابط حيث يجب أن تشمل الموعد والمدة والمحتوى أو المضمون ويجب ألا نتهاون في صرف أطفالنا – مهما كانت أعمارهم – عن ألعاب العنف، أو تلك التي تحتوي على ما يخالف قيمنا ومعتقداتنا، وإقناعهم بذلك.

2. الثبات والاستمرارية في تطبيق هذه الضوابط لأن التذبذب يؤدي إلى شعور الطفل بانعدام الثقة بأبويه.

3. لابد من الحزم عند عدم تنفيذ الضوابط، واتخاذ إجراء يمنع حدوث ذلك مستقبلاً، كالمنع من اللعب مدة يوم، وبالمقابل التشجيع عند الالتزام، ولابد من التدرج والمرونة، خاصةً إذا كان الأمر في السابق متروكًا دون ضوابط.

4. لابد من المراقبة والمتابعة عن بُعد، ودون أن يشعر الطفل بذلك؛ خاصة استخدام الإنترنت لمن هم أكبر من 12 عامًا.

5. أزل التلفزيون من غرفة نومك وغرفة طفلك، لأن وقت الشاشة قبل النوم يؤثر سلبًا ويسبب مشاكل سلوكية كما ذكرنا.

6. امنع الأجهزة من مائدة الطعام، لجعل وقت الطعام منطقة خالية من الإلكترونيات حتى التلفاز، حيث إن تناول الطعام مع الشاشات يجعلك تستهلك كمية أكبر من السعرات الحرارية وأقل عرضة لإجراء محادثة مع طفلك والتفاعل بينه وبين الأبوين.

7. ضع هاتفك جانباً في الوقت الخاص بطفلك، وأظهر له أنه أكثر أهمية من الشاشة، العب مع أطفالك ودع خيالهم يركض وراقب حركاتهم وكلامهم ستجد الكثير الذي لم تلاحظه سابقًا عن تطورهم ومهاراتهم.

8. الأفضل أن تسعى لاستبدال الأجهزة الإلكترونية تمامًا ببدائل أكثر فائدة لطفلك، عوضًا عن الوقت الذي يقضيه مع تلك الأجهزة، كتنمية هواياته، شراء الكتب الشيقة، مساعدتك في المطبخ، تشجيعه على الرسم، وممارسة الرياضة البدنية في المنزل أو النادي، استبدالها بألعاب تنمي الذكاء وتزيد من مهاراته الذهنية والمعرفية كالشطرنج.

ستجد أفكارًا كثيرة يمكن تنفيذها مع أطفالك، لتقضي أجمل الأوقات معهم، أوقات تُحفر في ذاكرتكم جميعًا وتجعل من واقعهم أفضل وتزيد من ترابطكم كأسرة واحدة، مما يجعل طفلك يرتبط بأفراد عائلته ويصبح عنده انتماء للعائلة بشكل مصغر وانتماء للوطن من منظور أكبر.

أتمنى لجميع الأسر قضاء إجازة إيجابية مختلفة هذا الصيف، إجازة سعيدة.