كيف تتعامل بشكل سليم مع اللحوم النيئة وتتجنب مخاطرها؟
من منا لا يستمتع بتناول اللحوم! فهي مصدر غني بالبروتين والكثير من العناصر الغذائية المفيدة، إلا أن هذه العناصر لا تمثل وجبة شهية لبني البشر فحسب، بل أيضًا لمجموعة متنوعة من الكائنات متناهية الصغر من طفيليات وفيروسات وبكتيريا. فكيف نتجنب مخاطرها؟
ضيوف غير مرحب بهم
تحمل الحيوانات من ذوات الدم الدافئ البكتيريا بشكل طبيعي في أمعائها، وتعرف تلك بـ «الفلورا المعوية». أثناء عملية الذبح ونزع الأحشاء، يمكن لهذه البكتيريا أن تنتقل لنسيج اللحم، وتتسبب في تدهوره أو فقدان جودته. ويمكن الكشف عن وجودها من خلال ظهور رائحة كريهة أو الشعور بلزوجة على السطح الخارجي للحم. وعلى الرغم من أن هذه البكتيريا المسببة للفساد غير ضارة في العادة فإنه عند تناولها بكمية كبيرة جدًّا، يمكن أن تسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي.
نوع آخر من الجراثيم التي تصيب اللحم هي مسببات الأمراض المنقولة بالغذاء أو ما يعرف بـ «تسمم الغذاء»، وأشهرها: الإشريكية القولونية، والسلمونيلا، والتوكسوبلازما، والعنقودية الذهبية، والليستريا (في اللحوم الحمراء)، والكامبيلوباكتر (في الدواجن)، النوروفيروس (في المحار).
هذه الكائنات لديها القدرة على الانتشار في أجسامنا وإفراز السموم التي تتسبب في ظهور أعراض التسمم الغذائي، مثل : الإسهال، والحمى، والصداع، والقيء، وآلام المعدة.
لسوء الحظ، لا يمكن كشف وجود هذه البكتيريا أو شمها على اللحم، ولكن يمكن قتلها بظروف الطهي المناسبة. لهذا فإن تناول اللحوم نيئة أو غير المطهية بالكامل يمكن أن يعرضك لخطر الإصابة بالعدوى من تلك الجراثيم.
العواقب قد تكون وخيمة
يمكن لأي شخص أن يصاب بالتسمم الغذائي، إلا أن الفئات الأضعف كالأطفال، وكبار السن، والحوامل، ومرضى السكر والسرطان هم الأكثر عرضة للإصابة، نظرًا لضعف جهازهم المناعي. في معظم الحالات، يُتَعَافى من التسمم الغذائي دون مشكلة، لكن أحيانًا قد تصبح العدوى مميتة أو تتطور لتصيبك بمرض يلزمك مدى الحياة.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية يقدر أعداد المصابين بالتسمم الغذائي سنويًّا بـ 9.4 مليون شخص، مع 1351 حالة وفاة. وحسب نوع البكتيريا يمكن للعدوى أن تتسبب في عواقب طويلة الأمد مثل: فشل كلوي (حاد ومزمن)، أو متلازمة القولون العصبي، أو التهاب المفاصل، أو التهاب الغشاء السحائي، أو اضطرابات عصبية، أو تشوهات وراثية. حتى أن العديد من الدراسات تربط بين الإصابة بمسببات الأمراض المنقولة بالغذاء وخطر الإصابة بسرطان القولون.
اتبع قواعد السلامة
اتباع أربع قواعد أساسية في التعامل مع اللحوم النيئة يساهم بشكل كبير في الوقاية من تسمم الغذاء والأمراض التي تحملها اللحوم. تلك لا تنطبق فقط على اللحوم، بل أيضًا على مختلف أنواع الأطعمة.
1. نظف
أي شيء يلامس طعامك يجب أن يكون نظيفًا! قبل البدء في تحضير الطعام وبعد الانتهاء، قم بغسل يديك بالماء الدافئ والصابون العادي لمدة 20 ثانية على الأقل، وإن كنت تعاني من جرح أو قطع في الجلد، من المهم ارتداء قفازات. كذلك ينبغي غسل كل الأدوات والأسطح التي تلامسها اللحوم قبل وبعد الاستخدام بالماء الساخن والصابون.
يمكن تطهير ألواح التقطيع بمحلول 1 ملعقة كبيرة من مبيض الكلور السائل غير المعطر لكل جالون من الماء. اغمر السطح بالمحلول واتركه لعدة دقائق؛ ثم يشطف ويجفف في الهواء أو بواسطة المناشف الورقية النظيفة. قم باستبدال الألواح القديمة بمجرد أن تصبح بالية أو تحتوي على الكثير من الشقوق بحيث يصعب تنظيفها.
توقف عن شطف اللحوم!
في السادس والعشرين من أبريل لهذا العام نشر «مركز مكافحة الأمراض واتقائها CDC» على صفحته الرئيسية بتويتر: « لا تقم بغسل الدجاج النيء! يمكن لغسله أن ينشر الجراثيم من الدجاج إلى الأطعمة الأخرى أو الأواني في المطبخ».
قد يبدو من المنطقي غسل الطعام قبل تناوله أو طبخه للمساهمة في تنظيفه. ينطبق هذا على الخضروات والفاكهة لإزالة الأوساخ والميكروبات الضارة، إلا أن غسل اللحوم قد يضر أكثر مما ينفع. فعند شطف الدجاج تحت صنبور المياه يمكن لقطرات المياه المتناثرة أن تنتقل لمسافة أكثر من 50 سم في جميع الاتجاهات. وبالتالي تنتشر البكتيريا بسهولة على الملابس والأسطح ومعدات الطبخ، مما يزيد من خطر تلوث الأطعمة عن طريق التعرض غير المباشر لعصير اللحم النيء.
في حالة باكتيريا الكامبيلوباكتر يتطلب الأمر القليل من الخلايا البكتيرية لتتسبب في تسمم الطعام. غير أن بعض البكتيريا تظل عالقة بشدة بحيث لا يمكنك إزالتها بغض النظر عن عدد المرات التي تغسل فيها اللحم.
2. افصل
بسبب سهولة انتقال البكتيريا من اللحوم النيئة إلى بقية الأطعمة، وخاصة تلك التي تُتَناول دون طهي، من المهم أن تفصل بينهم أثناء التسوق والتحضير والتخزين.
لمنع انتشار التلوث ضع اللحوم النيئة عند شرائها في أكياس منفصلة بعيدًا عن أي أطعمة أخرى، وينبغي التخلص من تلك الأكياس بعد استعمالها. أثناء التحضير، يفضل استخدام معدات منفصلة (كالسكاكين وألواح التقطيع والأطباق) للحوم النيئة عن تلك الخاصة باللحم المطهي وبقية الأطعمة أو غسلها جيدًا قبل إعادة استعمالها. وأثناء تخزينها، يجب لفها في غلاف بلاستيكي بشكل جيد ووضعها في الرف السفلي للثلاجة كي لا تقطر سوائل اللحم على بقية الأطعمة.
3. اطهِ
يمثل الطهي السليم خطوة أساسية في التخلص من البكتيريا الضارة وقتلها. كقاعدة عامة، ينبغي طبخ شرائح اللحم البقري ولحم الضأن ولحم العجل وقطع اللحم المشوي والأسماك إلى درجة حرارة داخلية لا تقل عن 62.8 درجة مئوية. في حين ينبغي طبخ اللحم المفروم إلى 71.1 درجة مئوية، والدواجن وبقايا الطعام إلى 73.9 درجة مئوية على الأقل (يمكنك الاطلاع على الحد الأدنى لدرجات حرارة الطبخ الآمنة من هنا).
يمكن قياس درجة الحرارة الداخلية للحوم أثناء الطهي بواسطة مقياس حرارة الطعام. من أجل السلامة والجودة، اسمح للحم بالراحة لمدة ثلاث دقائق، حتى تثبت درجة الحرارة أو تستمر في الارتفاع لقتل الجراثيم، قبل التقطيع والاستهلاك. في حالة إعادة استخدام الصوص الذي تم نقع اللحم النيء فيه، ينبغي تسخينه حتى الغليان قبل وضعه على اللحم المطهي.
حتى اللحم المطهي قد يسبب مشكلة!
يمكن للطهي عمومًا تدمير معظم البكتيريا الموجودة على اللحوم النيئة، لكن اللحوم النيئة قد تكون ملوثة أيضًا بحويصلات بعض البكتيريا المسببة للأمراض، والتي لا يمكن تدميرها بسهولة عن طريق درجة حرارة الطهي العادية.
على العكس، يمكن أن تؤدي حرارة الطهي إلى تنشيط الحويصلات لتنبت وتتطور إلى خلايا يمكنها أن تتكاثر بسرعة في الأطعمة التي يتم وضعها في درجة حرارة الغرفة لفترة طويلة أو ما يعرف بـ «منطقة الخطر» بين 4.4 و 60 درجة مئوية. لهذا فإن القاعدة المثالية لتقديم الطعام هي تقديم الطعام الساخن ساخنًا ( ºC 60≤) والطعام البارد باردًا ( ºC 4.4≥ )، لتجنب نمو الجراثيم الضارة من جديد.
4. برد على الفور
يمكن للبكتيريا المسببة للأمراض أن تنمو على اللحوم خلال ساعتين، وتقل هذه الفترة لساعة واحدة في الصيف (أكثر من 32.2 درجة مئوية). لهذا ينبغي الإسراع في تبريد هذه اللحوم بمجرد شرائها أو المتبقي منها بعد تناول الطعام، حيث تساهم درجات الحرارة المنخفضة في تباطؤ نمو البكتيريا الضارة، سواء في الثلاجة أو الفريزر.
لضمان عملية تبريد سليمة يفضل التأكد من أن درجة حرارة الثلاجة لا تتعدى خمس درجات مئوية (0-4.4 ºC)، وأقل من صفر درجة في الفريزر. كذلك ينبغي تعبئتها بشكل يتيح توزيعًا جيدًا للهواء البارد داخل الثلاجة دون أن تكون مزدحمة بالطعام.
يمكن الاحتفاظ بالدواجن الطازجة والأسماك واللحم المفروم في الثلاجة لمدة يومين، وبقية اللحوم الحمراء لمدة 3-5 أيام قبل طهيها أو تجميدها. ويفضل تقسيم اللحوم الكبيرة، مثل اللحوم المحمصة أو الديك الرومي كاملًا، إلى قطع صغيرة حتى تبرد بسرعة كافية لمنع نمو البكتيريا.
يمكنك الاطلاع على «مخطط التخزين البارد» من وزارة الزراعة بالولايات المتحدة الأمريكية لمعرفة المزيد عن الحدود الزمنية المسموح بها لتخزين مختلف أنواع اللحوم من هنا.
لا تُذِب أو تنقع الأطعمة على المنضدة
عند استرجاع اللحوم من الفريزر لطهيها ينبغي ألا تتركها أبدًا لتذوب في درجة حرارة الغرفة! فهذا أشبه بإعطاء الميكروبات الفرصة المثالية لتتضاعف بسرعة، وينطبق الأمر نفسه على نقع اللحوم النيئة لتتبيلها وإكسابها نكهة، لذا فإن الطريقة الأكثر أمانًا هي نقلها إلى الثلاجة.
إن كنت تحتاج لطهي اللحم بعد وقت قصير، يمكن إذابة الثلج عن طريق وضع اللحم النيء في كيس بلاستيكي محكم الغلق وغمره في الماء البارد مع تغيير الماء كل 30 دقيقة، أو بوضع اللحم في الميكروويف ثم يطهى مباشرة. من الممكن أيضًا طهي اللحم مباشرة بعد إخراجه من الفريزر، إلا أن هذه الطريقة ستجعل وقت الطهي أطول بـ 50%.
ماذا لو قررت تغيير قائمة الطعام؟
تنصح وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) بالآتي: «طالما تمت إذابة اللحوم في الثلاجة، يصبح من الآمن إعادة تجميدها دون طهي، على الرغم من احتمال فقدان جودة اللحم بسبب الرطوبة المفقودة خلال الذوبان. بعد طهي الأطعمة النيئة التي سبق تجميدها لدرجة حرارة آمنة، من الآمن تجميدها مرة أخرى (من 3-4 شهور). وإذا أُذِيبت الأطعمة المطهية مسبقًا في الثلاجة، فيجوز لك إعادة تجميد الجزء غير المستخدم».
وأخيرًا، تذكر دائمًا أنه إن تم الاحتفاظ باللحوم المطبوخة في درجة حرارة الغرفة لمدة تقل عن ساعتين، فيمكن تبريدها للاستخدام النهائي لاحقًا أو استخدامها قبل انتهاء فترة الساعتين، وإلا فستضطر إلى رمي وجبتك الثمينة في القمامة!