كيف تفاعلت فلسطين مع ثورة 25 يناير عبر خمس سنوات؟
تغني بهذه الكلمات الفنان الفلسطيني “علاء عزام” منذ خمس سنوات، عقب اندلاع الثورة المصرية، وهي الثورة التي لم تغير ملامح التاريخ المصري فقط، لكنها تركت بصماتها القوية في الوجدان الفلسطيني. فقد وقف الشعب الفلسطيني بجانب الشعب المصري بكل ما هتفوا وطالبوا به، فكانت الثورة مصدر إلهام للشعب الفلسطيني للخروج والمطالبة بإنهاء الانقسام الفلسطيني بين الفصائل، ومحاربة الاحتلال.
اندلاع الثورة
رحب الشعب الفلسطيني بثورة 25 يناير، والتي رفعت شعار (عيش، حرية، عدالة اجتماعية)، وتفاعل الفلسطينيون معها بكل رحابة صدر، كما كانت فلسطين من الدول المؤيدة لأهداف الثورة، بعكس الاحتلال الإسرائيلي، الذي أبدى شديد انزعاجه من تطورات الوضع في مصر.
الأيام تلت بعضها في ميدان التحرير، والفلسطينيون فتحوا أعينهم على شاشات التلفاز، وشبكات الإنترنت، مترقبين أحداثها يوميًا، سائلين عما سيؤول إليه مصير مصر، ومصير رئيسها، ويتساءلون: هل سيهرب مبارك كما هرب زين العابدين؟ وإن استطاع الهرب، أين سيتوجه؟ أم سيُقبض عليه داخل مصر ويُحاسب كأي فردٍ من أفرادها؟
مضت الساعات والأيام، وازداد التفاعل من الجانب الفلسطيني بشكل ملحوظ، حيث كانت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحًا للآراء، والانتقادات، والنكات، والفوازير، حول أحداث الثورة وما تؤول إليها، كما أنهم تراهنوا على توزيع الحلوى في حال نجاح الثورة وتحقيق أهدافها، راجين نجاحها، أملًا في عودة مساندة دعم مصر بحق للقضية الفلسطينية، حيث فتح المعابر، وتخفيف الحصار من الجهة العربية.
كما أبدع الفنانون الفلسطينيون في الموسيقى بالتغني للثورة، وبالرسم الكاريكاتيري والملصقات الخاصة بأحداث الثورة، وبعد أكثر من نصف شهر من الأحداث الثورية اليومية، نجحت ثورة يناير، وحققت أهدافها.
ومع الإعلان عن تنحي مبارك عن الحكم في 11 فبراير 2011، عمت الأفراح في شوارع فلسطين، وخصوصًا في مدينة غزة وقطاعها، وكانت الفرحة صادقة من قلوبهم، فركض الشعب بجميع فئاته وأعماره إلى الشارع عفويًا دون تخطيط، أو أي دعوة، يوزعون الحلوى كما تراهنوا، ويرسلون البرقيات المُهنِئة لإخوانهم المصريين، فينشدون للثورة وما آلت إليها من نتائج أفرحت الشعبين الفلسطيني والمصري، لأن نجاح الثورة كان بداية حريتهم، وكسر الحصار، ومهما كان النظام القادم في حكم مصر، فسيكون أفضل بكثير مما سبق، لأن النظام السابق كان شريكًا تجاريًا وأمنيًا لدولة الاحتلال، ويمارس كافة أشكال الضغوطات على الفلسطينيين، سواء للاعتراف بدولة إسرائيل، أو للعودة إلى المفاوضات بدون أي شروط، كما قام نظام مبارك بإطباق الحصار على مدينة غزة من الجهة المصرية، ومنع وصول المساعدات لها، لذلك أملوا خيرًا من النظام القادم.
وعلى الصعيد الرسمي الفلسطيني، قامت الحركات الوطنية الفلسطينية بمباركة نصر الثورة، فحركة حماس قامت بتهنئة الشعب على انتصاره بالثورة، والوقوف بجانبهم، وحركة الجهاد الإسلامي أعربت عن فرحتها بانتصار الشعب في ثورتهم، ووثوقهم بأن الشعب المصري سينهض بدولته ليضعها في القمة، ورأت حركة الجبهة الشعبية أن نجاح الثورة هو تجلٍّ حقيقي لإرادة الشعب وما يريده، أما حكومة فلسطين المُقاَلة باركت النصر العظيم الذي كتبته مصر بيد شعبها، ورد المجلس التشريعي على نصر الثورة بأنه نصر تاريخي ومبارك وما هو إلا انتصار للقضية الفلسطينية أيضًا.
مرسي رئيسًا
بعد نجاح الثورة مباشرة، كان الحكم من نصيب المجلس الأعلى لحين انتخاب رئيسٍ للدولة، ثم تم انتخاب محمد مرسي رئيسًا في يونيو 2012، وهو الأمر الذي استقبله الشعب الفلسطيني بالفرح والبهجة، فعمت الاحتفالات مدينة غزة الفلسطينية، إذ وُزعت الحلوى، ورُفعت الأغاني الوطنية عاليًا في سمائها، كما قاموا الفلسطينيون بإهداء نشيد كامل إلى الشعب المصري، عُرف باسم “أنشودة الرئيس محمد مرسي”، ورُسمت الرسوم الكاريكاتيرية، وساد التفاؤل الشارع الفلسطيني.
كما رحبت الفصائل الفلسطينية باستلام مرسي حكم مصر، وأكدوا على مواصلة دعمهم ووقوفهم إلى جانب الشعب، وألقى رئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية كلمة رسمية رحّب فيها باستلام مرسي الحكم، وبارك للشعب المصري، وقيادته بالنظام الجديد. وقام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإرسال البرقيات التي هنأت الرئيس مرسي استلامه للحكم.
ارتباك 30 يونيو
اندلعت أحداث 30 يونيو عام 2013 في مصر، وسقط حكم جماعة الإخوان ومحمد مرسي. فكان رد الفعل الفلسطيني في البدايةً محايدًا، وظهر ذلك فيما قاله الرئيس الفلسطيني أبو مازن بأحد المؤتمرات، أن فلسطين لا تتدخل في أي نزاع في أي دولة مهما كانت الظروف. بينما رحبت حركة فتح بما آلت إليه الأحداث في مصر، واعتبرت أن 30 يونيو مصدر إلهام لتجديد وبعث الأمل في نفوس الفلسطينيين، وتحقيق طموحاتهم نحو الاستقلال ونيل الحرية. أما النقابات العمالية والمهنية الفلسطينية أعربت عن تأييدها لأحداث 30 يونيو وسعادتها بإنهاء حكم الإخوان المسلمين في مصر.
وكان للشارع الفلسطيني نظرة تلخصت في: المعارضة من بعضهم، ورؤيتهم أن 30 يونيو قامت بتخريب منجزات ثورة 25 يناير، وفريق آخر أبدى التأييد المُبارَك لسقوط حكم الإخوان، وفريق ثالث ظل على الحياد يترقب ما ستؤول إليه الأحداث.
مصر تحاصر غزة
تولى عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر في يونيو 2014، وكان الرد الرسمي الفلسطيني متمثلا في الرئيس الفلسطيني أبو مازن، فقد قام بإرسال برقيات التهنئة له، وأعقب ذلك بزيارة رسمية لتهنئته على منصبة الجديد، وتحدث عن أحداث 30 يونيو بأنها كانت معجزة، ولولاها لكانت الأمة العربية جميعها في مهب الريح، وتغنى بمصر وخيراتها على الشعب الفلسطيني.
أما الشارع الفلسطيني فقد بدت عليه ملامح القلق بعد تولي السيسي حكم مصر، لما أبداه من ردود أفعال أوحت أن سياساته المستقبلية لن تكون في صالح القضية الفلسطينية.
وبعد فترة من حكم السيسي، بدا أن القلق الفلسطيني السابق في محله، حيث قام السيسي بإغلاق المعابر الحدودية، وجعل استخدامها يتم في أضيق نطاق ممكن، ثم قام بإخلاء منطقة رفح الحدودية وتدمير بيوتها، وهدم كافة الأنفاق فيها.
وكان الرد الفلسطيني على هذه الأحداث متمثلا في رد حركة حماس التي زعمت أن مصر تشارك إسرائيل في حصار غزة، بينما لم تحرك السلطة الفلسطينية ساكنًا تجاه هذه التطورات، أملًا منها، أن تدهور الأحداث في القطاع، قد يدفع سكانه للثورة ضد حركة حماس.
ثم قامت السلطات المصرية بإغراق الشريط الحدودي المصري الفلسطيني بمياه البحر، فتعالت المطالبات الفلسطينية بوقف هذه العملية للحفاظ على المياه الجوفية من الضرر، وطالبت “سلطة المياه الفلسطينية” منع مصر والاحتلال من إتمام ما يخططون له.
وفي ظل الطابع الودي الذي ميّز العلاقات المصرية الإسرائيلية في تلك الآونة، أصدرت محكمة مصرية حكمًا اعتبرت فيه حركة حماس منظمة إرهابية، وذلك حسب لائحة الشكوى الموجهة للحركة، بأنها قامت بأعمال عنف داخل مصر، ولها يد في اقتحام سجن وادي النطرون، والقيام بتهريب سجناء جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى تهم قتل المتظاهرين في ميدان التحرير. وقد استنكر الشارع الفلسطيني هذا الحكم أشد الاستنكار، واعتبره وسيلة جديدة من النظام المصري للهروب من أزماته الداخلية.
ورغم ما سبق، إلا أن الفلسطينيين ظلوا على عهد الوفاء مع الشعب المصري، الذي طالما شاركهم آلامهم وأزماتهم، فبكى حزنًا على شهدائهم، وتغني بهجًة بانتصاراتهم، وردّد شعارات النصر، ورفع الأعلام الفلسطينية في تظاهرات قلب القاهرة الداعمة لهم.
وأخيرًا، ولندرك مدى عمق الروابط التي تربط بين وعي وعاطفة الشعبين، المصري والفلسطيني، فيكفي أن نعرف أن غزة، في 25 يناير 2016، قد قررت إطلاق اسم “أبو تريكة” على أحد ميادينها الرئيسية، اعتزازًا بوفائه وإخلاصه للقضية الفلسطينية، وبعدما أعلن على الملأ أنه أوصى بوضع قميصه الشهير الذي يحمل عبارة “تعاطفًا مع غزة” في كفنه.