رواية «كيف تقع في الحب»: كيف تنقذ شخصًا من الانتحار؟
مشهد 1
في رحلة بحثي الدورية عن شيء أقرؤه، أقع على مراجعة لرواية على إحدى المجموعات الخاصة بالأدب على الفيس بوك، الرواية تسمى «كيف تقع في الحب» لم أتشجع من العنوان حتى قرأت مراجعتها ووجدتها تحكي قصة امرأة تحاول إنقاذ شخص من الانتحار لأنها فشلت في أن تنقذ آخر قبله، أقوم بتحميل الرواية على هاتفي الذكي، أقرأ حتى تحترق عيناي، سايمون كونواي يقرر في لحظة بعد أن أقنعته كريستين أن يتخلى عن فكرة الانتحار أن يستل مسدسه ويطلق على رأسه النار بمجرد ما ابتعدت عنه كريستين خطوات كي تتصل بالشرطة، ينتهي المشهد بها واقفة ذاهلة تمسك هاتفها بيدها وتمد يدها الأخرى له بينما يسقط هو إثر الرصاصة.
مشهد 2: بعد أقل من ثماني ساعات
أصنع كوب قهوة وأمسك هاتفي لأرى ماذا يحدث في هذا العالم، أجد الجميع يتحدث عن حادثة انتحار طالب الهندسة من فوق برج القاهرة، تسيطر على عقلي فكرة حمقاء واحدة أثبتت حماقها لاحقاً، أنني يجب أن أرى الفيديو، أبحث حتى أجده، أظل أركز على صديق نادر، الذي كان يمسك بهاتفه ويتحدث مع شخص ما ثم يهرع ليمد يده لصديقه وهو يقفز، ثم تصلبه مذهولاً بعد أن فشل في أن ينقذه، أظل أنظر له وأنا أشاهد الفيديو مرة بعد مرة، هنا أثبتت الفكرة حماقتها.
كيف تقع في الحب
تحكي الرواية قصة كريستين روز التي تمتلك شركة التوظيف الخاصة بها، والتي تدمن مساعدة عملائها على تخطي أزماتهم حتى يستطيعوا الحصول على الوظيفة المناسبة، والتي تشهد صدفة انتحار سايمون كونواي وتحاول إنقاذه فتفشل، وبعدها ببضعة أيام تقابل آدم بازل وهو يحاول الانتحار فتحاول إنقاذه، هذه المرة يستمع لها ويعدل عن قراره ولكنهما يصلان لاتفاق، هذا الاتفاق ينص على أن تحاول كريستين أن تقنع آدم بحب الحياة ورؤية جمالها قبل أن يحل عيد ميلاده الذي يأتي في غضون أسبوعين، وإلا فإنه سينتحر حينها وينفذ قراره المؤجل.
الرواية من تأليف سيسيليا أهيرن الروائية الأيرليندية، صاحبة أحد أشهر الأفلام الرومانسية في السنوات الأخيرة P.S. I Love You، صدرت الرواية عام 2013، وحققت نجاحاً كبيرة ككل أعمال أهيرن، فهي أحد أشهر الكتاب الأيرلنديين وتباع أعمالها في أكثر من خمسين دولة حول العالم، وحققت قراءات تقدر بنحو خمسة وعشرين مليون نسخة.
الرواية محكمة وسلسة ولغتها بسيطة، تمزج أعمق المفاهيم التي تغوص في عمق المشكلات النفسية التي يمكن أن تؤدي بشخص إلى الانتحار مع الرومانسية الحالمة التي تجتذب شريحة كبيرة من القراء، الرواية رغم أنها رواية رومانسية في الأساس فإنها وبشكل خفي ومضفر بعناية في السياق الأساسي للرواية تتعرض ليس فقط لتفشي الانتحار والمرض النفسي في العالم، بل هي تستعرض كيف يمكن لك أن تساعد الشخص ذا الميول الانتحارية، أو بالأحرى كيف لا تساعده كي لا يفقد حياته فعلاً.
أريدك أن تكون حياً
بعد حادثة انتحار نادر المأساوية انتشر على الفيس بوك منشور يقول «انتحار الاكتئاب حقيقي إذا كنت تشعر بالاكتئاب أو ينتابك شعور الانتحار وليس لديك صديق..من فضلك تحدث معي..أريدك أن تكون حياً» وقام بتداوله الكثير من الناس، فيما عرف إعلامياً بالحملة المصرية للتصدي للانتحار، شعور طيب رغم أنه غير حقيقي بالكامل، وقد حاول الكثير من الأطباء النفسيين على صفحات التواصل الاجتماعي التنبيه على الناس بأن الأفضل من التحدث إلى الأغراب هو طلب المساعدة من المتخصصين، وأن مجرد الحديث لن يغير شيئاً في الأفكار الانتحارية، خاصة أن الانتحار ليس «شعوراً» كما يتداول في المنشور.
مرة أخرى يثبت الأدب أنه مصباح هذا العالم، مرة أخرى تثبت القراءة أنها مفتاحك لتكون أفضل وأذكى وأكثر وعياً وحساسية، المنشور الذي أصبح ترينداً على وسائل التواصل الاجتماعي خطير وخطأ وأنت لا تعرف ذلك، لكنك عندما تقرأ تعرف، الرواية رغم أنها رومانسية فإنها تمنحك قبساً من المعرفة، وتنير لك الطريق، وهذا هو دور الفن الحقيقي، باعتبار الأدب أحد أرقى أنواع الفنون.
الانتحار لا يوجد في الروايات والأفلام فقط، الانتحار لا يوجد في نشرات الأخبار فقط، الانتحار حولنا في كل مكان في هذا العالم القاسي، الذي تشتد قسوته يوماً بعد يوم، كان من الممكن أن تكون أحد زوار برج القاهرة في هذه الساعة المشئومة التي قرر فيها نادر أن ينهي كل هذا الألم، أنت لست بعيداً جداً، وهذا لا يحدث فقط للآخرين، في الحقيقة أنت هو الآخرون، فيجب أن تتجهز وتوسع مداركك، يجب أن تعرف ماذا يجب أن تفعل وكيف تفعله، لعلك في إنقاذك لشخص ما أنت تنقذ نفسك في الأساس.
الألم والحب والحياة
قالت كريستين لآدم وهي تتشبث به على الجسر أن مشكلته أنه يريد للألم أن ينتهي، لو انتهي ألمه لن يضطر للتخلص من حياته، المشكلة ليست في الحياة في حد ذاتها ولكن في الألم المصاحب لها، كل الناس تتألم بشكل أو بآخر، الفارق هو مدى حساسية الأفراد لهذا الألم، هناك من يقوضه ألمه وهناك من يستطيع التعامل معه، الرواية رغم أنها تفند هذا إلا أنها أيضاً تعلمك كيف لا تحكم على الناس من خلال تجربتك، قوتك النفسية ربما لا تصلح مع الآخرين، وأيضاً هشاشتك.
عندما قفز نادر منذ أيام انطلقت بالتوازي مع حملة الدعم المزعومة تلك، حملة أخرى خافتة الصوت تنادي بأن نضع الأمور في نصابها وألا يجرفنا تعاطفنا معه إلى إنكار الجرم الكبير في قتل نفسه، الناس تتقاتل على وسائل التواصل الاجتماعي لإثبات وجهات نظرهم حول نادر، رغم أن الأمر انتهى وهو الآن لا يعبأ بكل هذا الحديث والطنطنة، لا أحد يلتفت لصديقه ذي النظارة الذي شهد انتحاره، هذا الشاب الذي مد يده إليه ولمس أطراف أصابعه قبل سقوطه بلحظات.
نظرته الذاهلة، تصلب جسمه، الزمن الذي توقف تماماً وحبسه بداخله في تلك اللحظة، لا أحد التفت له، لا أحد يعرف اسمه، لا أحد اهتم بأن حياته لن تعود أبداً كما كانت، لا أحد التفت لأنه ربما الآن يحتاج للمساعدة المتخصصة، لا أحد حتى يعرف اسمه!
هذا الشاب اليافع الذي تغيرت حياته للأبد، والذي حصل على تجربته القاسية التي سوف تأخذ على عاتقها أمر نضوجه، هذا الشاب يحتاج على الأقل لقراءة رواية «كيف تقع في الحب».