كيف نكشف أسرار الثقب الأسود العملاق في مركز مجرتنا؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
تتواجد الثقوب السوداء العملاقة في مركز أغلب المجرات، فمؤخرًا التقط الفلكيون أوضح صورة على الإطلاق للثقب الأسود العملاق في مركز مجرتنا، وذلك باستخدام التليسكوب اللاسلكي ميركات MeerKAT radio telescope في جنوب أفريقيا، وتكشف الصورة عن المعالم المحيطة بالثقب الأسود وعن تفاصيلها الرائعة.
هذا العملاق المجهول في مجرتنا يجلس مكتوف الأيدي بينما تدور المجرة من حوله، في حين تنشط الثقوب السوداء في المجرات الأخرى؛ حيث يتساقط الغاز والغبار في الثقب الأسود المركزي، وهو ما ينتج كميات هائلة من الطاقة التي تنطلق في الفضاء وتولد تدفقات عارمة من المادة التي تسافر لآلاف الكيلومترات في الفضاء.
يساعدنا تليسكوب ميركات على كشف أسرار هذه الوحوش العملاقة، وهو ما يجعل وقتنا هذا مثيرًا لجميع الفلكيين حول العالم.
ضخم وغامض
الثقب الأسود جسم ذو قوة جاذبية عالية لا يهرب منها أي شيء مهما كان خفيفًا، ويعود هذا إلى تكدس كتلة كبيرة في منطقة صغيرة جدًّا، وهو ما ينشئ جسمًا فائق الكثافة. وقد تنبأ العلماء بوجود الثقوب السوداء من خلال النظريات الرياضية كألبرت آينشتاين، كما تنبأ بها عالم الفلك والفيزياء كارل شفارتسشيلد وآخرين قبل عقود من اكتشافها للمرة الأولى. وأغلب الثقوب السوداء أثقل بعشر مرات من شمسنا، وهي تتشكل عند انهيار نجم عملاق في نهاية حياته، تاركًا وراءه جسمًا فائق الكثافة، وهنالك الملايين من تلك الثقوب السوداء الصغيرة في مجرتنا وحدها.
أما الثقوب السوداء العملاقة فهي ثقوب عملاقة ثقيلة توجد في مركز كل المجرات تقريبًا، وهي أضخم من شمسنا بملايين بل مليارات المرات – وهو السبب في تسميتها بالثقيلة – وما زالت كيفية تشكلها تمثل لغزًا إلى الآن.
أدرك الفلكيون لأول مرة وجود الثقوب السوداء في مركز مجرتنا بالنظر إلى حركة النجوم شديدة القرب من المركز، حيث أدركوا وجوب وجود شيء ما شديد الثقل تدور النجوم من حوله، ولكننا لا نراه، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون بهذه الكتلة ويتلاءم مع ذلك الحيز الصغير من الفضاء هو ثقب أسود شديد الثقل.
في درب التبانة
مؤخرًا تمكنا من التقاط أفضل صورة على الإطلاق للمنطقة المحيطة بالثقب الأسود الهائل في مركز درب التبانة، وذلك باستخدام تليسكوب ميركات الجديد؛ الذي يتكون من 64 طبقًا عرض كل منها 13,5 متر، ويقع في مقاطعة نورث كيب بجنوب أفريقيا، وهو تليسكوب سيتم دمجه لاحقًا في مشروع (Square Kilometre Array (SKA – مشروع طموح لبناء أكبر تليسكوب لاسلكي في العالم – أطلق التليسكوب في يوليو، ويمثل حاليًا أكبر التليسكوبات وأكثرها دقة في نصف الكرة الجنوبي.
بهذه الآلة القوية أصبحنا قادرين على إخراج أوضح صورة على الإطلاق لمركز مجرتنا – يمكن رؤيتها في أعلى هذا المقال – إذ تقدم تلك الصورة الاستثنائية ثروة من المعلومات الجديدة عن قلب مجرة درب التبانة، حيث يقع الثقب الأسود الهائل نفسه في منتصف البقعة المضيئة في مركز الصورة محاطًا بالبلازما التي تتوهج بلمعان.
والإضاءة الشيبهة بالشرر وذات البنية الخيطية في الصورة لم تُرَ بهذا التفصيل من قبل، وهي التي يظل تحديد منشئها لغزًا حتى الآن، وهي تُرى بالقرب من الثقب الأسود العملاق ولا تُرى بأي مكان آخر في المجرة.
كما تقدم تلك الصورة المدهشة رؤية أوضح للمعالم التي تم رصدها سابقًا في درب التبانة – من بينها الأجسام الشبيهة بالفقاعة في الجانب الأيسر من الصورة؛ وهي موجات اهتزاز تنتج عند انفجار – سوبرنوفا – نجم ما في نهاية حياته، إذ ينهار قلب النجم كجزء من تلك العملية، وقد ينشئ ثقبًا أسود صغيرًا.
عن أماكن أخرى في نفس الوقت
ليست مجرتنا هي الوحيدة التي بها ثقب أسود عملاق في مركزها، إذ يعتقد علماء الفلك أن كل المجرات تقريبًا تحتوي على ثقوب عملاقة شبيهة، ففي تسع من عشر مجرات – تتضمن مجرتنا – هنالك ثقوب سوداء مجهولة؛ تهتم بشئونها الخاصة بينما تدور المجرة من حولها.
وبينما تتغذى بعض الثقوب السوداء الأخرى على الغاز والغبار القريب، مسببة قدرًا هائلًا من الطاقة المنبعثة، يتسبب هذا الأمر في العديد من الحالات في توهج المنطقة المحيطة بمركز الثقب الأسود بصورة أقوى من جميع النجوم في المجرة.
كما تنتج بعض تلك الثقوب السوداء نفثات جسيمات بسرعة الضوء تسافر لآلاف الكيلومترات في الفضاء، حاليًا استخدم تليسكوب ميركات لدراسة تلك النفثات العملاقة والدور الذي تقوم به في دورة حياة مجرات كمجرتنا، إنها الأيام الأولى في بحثي، ولكني آمل أن أقدم بعض الإجابات القيمة قريبًا عن تساؤلاتنا الكثيرة عن تلك النفثات.
كما أنها الأيام الأولى لميركات أيضًا فقد بدأ معالجاته العلمية للتو، وهو ما يعني أن الأفضل لما يأت بعد، حيث سيساعدنا المزيد من البيانات والصور على فهم مجرتنا والمجرات الأخرى بصورة أفضل من قبل على الإطلاق.