بعيدًا عنا: 4 دول تحاكم رؤساءها المتورطين بالفساد
وقف بهيبته المستمدة من منصبه كرئيس دولة عظمى لا يقهرها أحد، ليبرر استغلاله للسلطة، على إثر أشهر قضايا الفساد السياسي في القرن الواحد والعشرين. وقف الرئيس الأمريكي «بيل كليتنون» عام 1998 أمام مجلس النواب الأمريكي متهمًا بعرقلة القانون والكذب، حيث تسربت أنباء من البيت الأبيض عن وجود علاقة بين الرئيس كلينتون والمتدربة في البيت الأبيض «مونيكا لوينسكي». وأنكر الرئيس الأمريكي تلك الواقعة في البداية، إلا أن التسجيلات واعترافات مونيكا جاءت بما لا تشتهيه السفن، حيث أجبرت كلينتون على الاعتراف بكل ما نكره سابقًا؛ مما دفع مجلس النواب لإقالته من منصبه.
لايهم ما فعله كلينتون كثيرًا ولا ما فعله مجلس الشيوخ لاحقًا، وإنما الأهم هو فكرة المحاسبة والمساءلة لأي مسئول سياسي مهما كان منصبه.
جاءت فكرة البرامج السياسية من أجل زيادة نسبة الوعي لدى السياسيين والمواطنين بأهمية المسئوليات الأخلاقية على المرشحين والسياسيين فيما يتعلق بنزاهتهم والتزاماتهم السياسية، فالأخلاق السياسية تختلف اختلافًا كبيرًا عن الأخلاق الشخصية التي يتبعها المواطنون، حيث ترتبط بالقواعد والقوانين المنظمة للعملية والخدمات السياسية والخدمات المقدمة من السياسيين؛ مما يعظم من فكرة المحاسبة والمساءلة. فانتهاك تلك الأخلاق ينتج عنه خلل بالعملية السياسية والنظام القائم ككل؛ فيفقد المواطن ثقته بالنظام والتزامه بالقوانين.
كريستان فولف والاستقالة من الرئاسة
أحد المواطنين الألمان
التاريخ: 16 فبراير/شباط 2012.
الحدث: قام ممثلو الادعاء الألماني بطلب رفع الحصانة عن الرئيس الألماني «كريستان فولف»؛ استعدادًا لملاحقته الجنائية على خلفية اتهامه بالتورط في عدد من قضايا الفساد واستخدام سلطته والإساءة إلى حرية الصحافة الألمانية. حيث طالت العديد من الانتقادات الرئيس الألماني حول علاقته ببعض رجال الأعمال، كما وجهت إليه اتهامات عديدة بخصوص استغلال سلطته عندما كان رئيسًا لوزراء ولاية «سكسونيا»، حيث حصل على قرض ذي فوائد مخفضة من أجل شراء بيت، بالإضافة إلى قضائه لعدد من الأسابيع كعطلة دون تحمله لأي من التكاليف حيث كانت منحة من بعض رجال الأعمال ممن جمعته بهم علاقات مهنية عندما كان رئيسًا لوزراء الولاية التي يعملون بها.
هذا إلى جانب استغلال نفوذه للتأثير على حرية الصحافة، حيث أجرى اتصالاته التهديدية بالصحف من أجل تأجيل نشر ما يخص قضايا فساده من أخبار.
كل تلك الأحداث دفعت الرئيس الألماني «كريستان فولف» الذي وصل إلى منصبه في يونيو/حزيران 2010 عن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي -وبدعم من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل-، إلى الاستقالة تمهيدًا لمحاكمته، حيث يعد أول رئيس ألماني يخضع للمحاكمة أمام القضاء.
وبدأت محاكمته يوم 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 وتم الاستماع إلى 46 شاهدًا لهم صلة بتلك الوقائع، إلا أنه وبعد عامين من استقالته تمت تبرئته من تلك التهم، كما تقدم بالشكاوى المختلفة للحصول على تعويض مالي جراء الأذى الذي تعرض له طوال تلك الفترة.
السرقة الأكاديمية واستقالة المسئولين الحكوميين
التاريخ: 1 إبريل/نيسان 2012.
الحدث: على الرغم من تقديمه إلى رسالة الدكتوراه الخاصة به عام 1992، إلا أنه وفي عام 2012 تم سحب تلك الدرجة العلمية منه بعدما اكتشفت جامعة «سيميلويس» المجرية قيام الرئيس «بال شميت» بسرقة أجزاء من رسالة الدكتوراه الخاصة به.
وصوّت 33 عضوًا من مجلس أكاديمي خاص بسحب لقب دكتور من الرئيس بال شميت. وعلى خلفية ذلك الحدث قرر الرئيس المجري تقديم استقالته أمام البرلمان عام 2012، وعبّر بأسى عن أن الرئيس يجسد وحدة الأمة، وفي الموقف الراهن يشعر بأنه ملزم بالتخلي عن منصب الرئاسة. لم تكن استقالة الرئيس المجري منحة منه، بل رد فعل طبيعي لحالة الغضب التي انتابت مجتمعه بسبب سرقته الأكاديمية.
ولم تكن المجر الدولة الوحيدة التي شهدت مثل تلك الواقعة، ففي ألمانيا استقال وزيران على خلفية حادثة مشابهة؛ وهم وزيرة التعليم والبحث العلمي «أنيتا شافان» ووزير الدفاع «كارل تيودور تسوغوتنبرغ»، حيث تم سحب درجة الدكتوراه من شافان عام 2013 بعد 34 عامًا من حصولها عليها وهو الأمر الذي دفعها إلى الاستقالة من منصبها. بينما غوتنبرغ قد استقال من منصبه عام 2011 بعدما تم الكشف عن سرقتة الأدبية في رسالة الدكتوراه الخاصة به.
التجسس يطيح بالرئيس الأمريكي السابع والثلاثين
التاريخ: 8 أغسطس/آب 1974.
الحدث: أعلن الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية ريتشارد نيكسون استقالته بعدما هزت فضيحته المجتمع الأمريكي. حيث أعلنت لجنة إعادة الانتخابات الخماسية كشفها لما قام به نيكسون من أفعال محرمة قانونيًا، فقط ليضمن فوزه في الانتخابات.
وكانت أهم تلك الأعمال قيام الحملة الانتخابية لنيكسون عام 1968 بالتجسس على مرشح الحزب الديمقراطي المنافس داخل مبنى الحزب المعروف بـ«ووترجيت»، وفي عام 1972 تم القبض على 5 أشخاص يقومون بتركيب أجهزة تنصت مموهة بمقر الحزب الديمقراطي مما ساعد على كشف ما حدث عام 1968.
تقدم نيكسون باستقالته على إثر تلك الواقعة وتم تقديمه للمحاكمة، إلا أنه حصل على عفو رئاسي من الرئيس جيرالد فورد.
فساد وعمالة بالعراق
الحدث: مسئولون رفيعو المستوى وضجة هائلة حدثت بمطار «أربيل» بإقليم كردستان بالعراق، ينظر مدير مالية أربيل إلى المروحية الأمريكية مترقبًا هبوط صندوق خشبي وسط حراسة كبيرة من قبل السلطات الأمريكية التي لم تمض سوى أشهر قليلة بالعراق.
في 23 يونيو/حزيران 2003 وقبل الغزو العراقي بأشهر للعراق، شهد إقليم كردستان أكبر عملية فساد تقريبًا حيث قام الحاكم الأمريكي المدني «بول بريمر» بتحويل مبلغ مليار و 400 مليون دولار إلى إقليم كردستان بهدف إعمار المحافظتين، إلا أن تلك الأموال قد تم تقاسمها بين الرئيسين مسعود البرزاني وجلال الطالباني وقد قاما باستثمار تلك المبالغ لمصالحهما الشخصية، وفقًا لما جاء في وثائق ويكليكس.
وعلى الرغم من مرور أكثر من 11 عامًا على تلك الواقعة إلا أنه وعندما تم نشر تلك الوثائق عام 2015 طالبت النائبة سميرة الموسوي برفع الحصانة عن النائبين اللذين وردت أسماؤهم في تلك الوثائق متهمة إياهما بالعمالة مع المغتصب الأمريكي. ولم يحدث أي تقدم في تلك القضية لاحقًا، حيث اعتبر القضاء العراقي وثائق ويكيلكس لا تمثل دليلًا قويًا على إدانة أي من المسئولين الواردة أسماؤهم فيها.
تشهد الدول بمختلف أنظمتها كثيرًا من قضايا الفساد وتورط كبار المسئولين السياسيين في ما يطعن نزاهتهم، إلا أن أشكال المساءلة والمحاسبة تختلف، حيث رغبة بعض الدول في تبرئتهم للحفاظ على النظام الحاكم ككل، واهتمام الدول الأخرى بمعاقبة المتورطين بالفساد ومحاكمتهم حتى ولو كانوا قد وصلوا إلى مناصبهم تلك بدعم من النظام الحاكم. إلا أن المحاسبة هي الطريق الوحيد لتحقيق العدالة بأركانها المختلفة لضمان نزاهة النظام الحاكم ورد أي سياسي عن سلك طرق غير نزيهة للوصول إلى أهدافه.