يمثل أكراد شمال شرق سوريا منذ وقت طويل إحدى أفقر الأقليات وأكثرها تعرضًا للقمع؛ حيث لا يتمتعون بحقوق رسمية في الأراضي الخصبة التي يعيشون فيها، وليس لهم حقوق في احتياطيات النفط فيها، كما حُظِرت اللغة الكردية التي اعتبرت تهديدًا لحكم الأسد القومي العربي، وحُرِم الآلاف من استصدار أوراق هوية رسمية.

وكان ذلك دافعًا لأن يشارك الأكراد في الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت سوريا في يونيو 2011م. وفي محاولة من النظام لتهدئة الاحتجاجات أفرج عن المناضل الكردي السوري مشعل تمُّو، الذي شارك عقب خروجه من السجن في الاحتجاجات، وشارك في فعاليات مؤتمر الإنقاذ الوطني السوري، وما لبث كثيرًا إلى أن اغتاله نظام الأسد في أكتوبر 2011م في منزله، وقد أثار اغتياله الأكراد بشدة فخرج عشرات الآلاف منهم للتنديد بالنظام، وقاموا بتحطيم تمثال لحافظ الأسد.

وفي ديسمبر 2013م أعلن الأكراد عن رغبتهم في تشكيل إدارة تهدف لإقامة حكم ذاتي بالمنطقة الكردية في سوريا، وقد أعقب ذلك الإعلان قرار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في يناير 2014م، بتشكيل حكومة محلية للمناطق الكردية في سوريا، وعلى إثر ذلك كان الحديث موجهًا نحو تشكيل حكومتين في منطقتي لعفرين وكوباني، صاحبتي الأغلبية الكردية.

إلى أن أتى يوم الخلاص، فقد أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الخميس الموافق 17 من مارس 2016م، أن هناك اجتماعًا كبيرًا بمنطقة رميلان على الحدود السورية التركية العراقية، بريف القامشلي الشرقي، أعلن الأكراد خلاله عن «فيدرالية تضم المقاطعات الكردية الثلاث؛ كوباني، وعفرين، والجزيرة».


من الذي أعطى الأمل لحلم الاستقلال الكردي؟

عندما اجتاح مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية شمال العراق في صيف 2013م واستولوا على مدينة الموصل، اكتسب التنظيم سمعة تفيد بأنه لا يقهر. ولكن بعد أن طردوا من المدينة الحدودية السورية كوباني على يد قوات الحماية الكردية في يناير 2015م، أعلنت قوات الحماية الكردية في بيان رسمي لها يوم الثلاثاء الموافق 27 من يناير 2015م إنه قد تم تحطيم أسطورة قوة المتطرفين على حد وصفهم لتنظيم الدولة الإسلامية، وأعلنوا عن تطلعهم للهجوم على الموصل وكسر شوكة التنظيم بها.

«للسيطرة على الجانب العربي من الموصل، فإن الأكراد بحاجة إلى شريك للقيام بذلك، وهذا الشريك لا بد أن يكون قوة عربية»،

حسين فؤاد رئيس الأركان التابع لحكومة إقليم كردستان.

ووقتها صرح فؤاد حسين، رئيس الأركان التابع لرئيس حكومة إقليم كردستان بأن قوات الأمن الكردية تقترب الآن من الموصل، وأنها قد وصلت إلى ضواحيها. وقد أطلقت القوات الكردية صواريخ على المدينة، ولكن لاستعادة الموصل، فإن القوات الكردية المعروفة باسم البيشمركة في حاجة إلى مساعدة ووقتها دعا لإقامة قوة عسكرية عربية تدعمهم في السيطرة على الموصل. حيث أن الموصل تتألف في معظمها من العرب السنة، وتقع في منطقة متنازع عليها بين الأكراد والعرب السنة قاطنيها. ولذك قال حسين فؤاد أن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل، يحتاج لتكاتف عربي سني مع الأكراد وعدم النظر لقوات البيشمركة على أنها جيش احتلال.

وبذلك كان لاستعادة الأكراد لكوباني أثر معنوي قوي لهم على الرغم من أن هذا الانتصار كان انتصارًا كبيرًا للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية لصد تنظيم الدولة الإسلامية أيضًا. فوفقًا للقيادة المركزية الأمريكية، ففي خلال الساعات الـ24 ما بين الثامنة صباح الأحد الموافق 25 من يناير 2015م والثامنة صباح الإثنين الموافق 26 من يناير 2015م بالتوقيت المحلي السوري، قامت الولايات المتحدة وقوات التحالف بشن 17 غارة جوية قرب كوباني استهدفت مقاتلي الدولة الإسلامية.

وبذلك فقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية للأكراد منحة لإعادة حلمهم الضائع منذ سنوات في رفع علمهم على مدينة كوباني، واليوم ترفرف أعلام الاستقلال فوق تلال كوباني.


هل نجح التهديد التركي في عرقلة الاستقلال الكردي؟

رغم أن زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم أنكر نية الأكراد في الاستقلال بدولتهم في الفترة الأخيرة، إلا أن أنقرة كانت تشعر دائمًا بالقلق من أن الأكراد سيحولون انتباههم الآن نحو المنطقة الواقعة غرب كوباني، ونحو بلدة مار للربط بين منطقة عفرين الكردية، وبالتالي الربط بين كافة المناطق الكردية في سوريا الواقعة على الحدود التركية. وكان لتوقع أردوغان الصحيح أن الأكراد السوريين، الذين جاءت انتصاراتهم أمام داعش بمساعدة من الغارات الجوية من جانب التحالف الدولي، سيسيرون في خطط إقامة دولتهم الخاصة بسبب تفكك سوريا في أعقاب أربع سنوات من الحرب.

أردوغان: أقول للعالم كله، لن نسمح أبدًا بإقامة دولة على حدودنا الجنوبية في شمال سوريا. سنواصل مقاومتنا لهذا الأمر مهما بلغت التكلفة.

وفي خطاب لأردوغان يوم الجمعة الموافق 26 من يونيو 2015م، تعهد خلاله بأن تركيا لن تقبل بقيام أكراد سوريا بإقامة دولتهم الخاصة، وذلك في أعقاب الانتصارات التي حققها المقاتلون الأكراد على مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في الفترة الأخيرة. ثم وجه أردوغان رسالته للعالم كله بقوله: «أقول للعالم كله، لن نسمح أبدًا بإقامة دولة على حدودنا الجنوبية في شمال سوريا. سنواصل مقاومتنا لهذا الأمر مهما بلغت التكلفة». ثم اتهم الأكراد السوريين بارتكاب عمليات تطهير عرقي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

وفي أعقاب ذلك الخطاب، ذكرت عدة وسائل إعلامية أن الرئيس التركي ورئيس الوزراء داوود أوغلو، قد قررا إرسال قوات تركية إلى داخل سوريا، وهو تحرك هام للغاية من قبل ثاني أكبر قوة قتالية في الناتو بعد الجيش الأمريكي. وقد سردت كل من يومية “ييني سافاك”، الناطقة باسم الحكومة، وصحيفة “سوكزو”، إحدى أشد الصحف انتقادًا لأردوغان، قصصًا تقول إن الجيش التركي قد تسلم أوامر بحشد جنود عند الحدود. ولكن لم يكن هناك تأكيد أو نفي رسمي من جانب الحكومة. واليوم وبعد إعلان الاستقلال الكردي هل سيدخل أردوغان في حرب طويلة المدى ضد الأكراد؟.

القلق التركي من دولة الأكراد لن يكون أكبر من المعوقات التي قد تقف حائلًا أمام التدخل التركي في سوريا ضد الأكراد.

القلق التركي من دولة الأكراد لن يكون أكبر من المعوقات التي قد تقف حائلًا أمام التدخل التركي في سوريا، فالموقف التركي الحالي يبدو صعبًا بالنسبة للرئيس التركي الذي يسعى جاهدًا لدعم موقفه في تركيا، حيث تتعامل حكومته مع الأزمة الاقتصادية المتنامية التي خفضت مستوى المعيشة لدى الأتراك. ويمثل الانهيار في قيمة الليرة التركية دليلًا على هشاشة الاقتصاد. كما أن العمليات العسكرية التركية ضد الأكراد في جنوب شرق تركيا، جنبًا إلى جنب مع آثار العقوبات الروسية ضد السياحة والزراعة والمنسوجات، والتي يتوقع أن تسبب خسائر قيمتها أكثر من 12 مليار دولار سنويًا، قوضت الاقتصاد الهش على نحو متزايد.

وبالتالي بات على أردوغان أن يتعامل مع ضعف النمو الاقتصادي، وانخفاض الاستثمار الأجنبي، والعجز الكبير في الحساب الجاري وارتفاع معدلات البطالة، وقد أدت هذه المشاكل الجيوسياسية والاقتصادية لتضخم القروض المتعثرة للبنوك في تركيا، وزادت القروض المتعثرة للبنوك في تركيا لمدة 6 أشهر متتالية. هذا ولا سيّما أن هذه المشاكل الاقتصادية هي جزء من تبعات تدخلات السياسة الخارجية لأردوغان على نحو متزايد. وبهذا فإن التدخل التركي في سوريا بات أمرًا بعيدًا إلى حد ما.

أكراد تركيا اليوم هم الطاولة التي تنزل عليها مطرقة النظام التركي ونقطة الضعف التي يضغط بها النظام التركي على أكراد سوريا.

إلا أن هذا لا ينفي أنه عقِب النجاح الذي أظهره حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، في انتخابات يوليو 2015م البرلمانية، يصنع مخاوف النخبة الحاكمة التركية من عودة خطر حزب العمّال الأكراد مرة أخرى، خاصة بعد القوّة التي اكتسبها الأكراد في سوريا، وهذا هو ما أدّى إلى إنهاء عملية السلام بين النظام التركي والأكراد والعودة إلى مواجهة الحزب مرة أخرى، وهو ما دفع بحزب العدالة والتنمية إلى الاقتراب من خصمه السابق: الجيش. وصار أكراد تركيا اليوم هم الطاولة التي تنزل عليها مطرقة النظام التركي ونقطة الضعف التي يضغط بها النظام التركي على أكراد سوريا.


كيف ساهمت روسيا في تحقيق أهداف الأكراد الاستقلالية؟

عَدُوّان كانا يجمعان كلًا من الأكراد والروس تحت هدف واحد، هما المعارضة السورية وتركيا. فرغم تحالف الأكراد مع الأمريكان، أدركت روسيا، بعد تدخلها في سوريا، أهمية دور الأكراد في محاربة «تنظيم الدولة»، وإمكانية استخدامهم في البعد الإقليمي للصراع مع تركيا، التي ترفض إقامة أي كيان كردي في شمال سوريا.

وحدات حماية الشعب الكردية خدمت مصالحها عبر التحالف مع عدة أطراف في الصراع السوري كان على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ثم بعد ذلك استغلال التدخل الروسي في سوريا.

فالتدخل الأمريكي الذي جاء لحماية الأكراد في كوباني أواخر 2014م، وفّر للأكراد الإمكانيات المالية والعسكرية لإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية. وتمكنت وحدات حماية الشعب الكردية، من السيطرة على أكثر من 15 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية، بمساندة الطائرات الأمريكية، ثم استكمل التدخل الروسي بغطائه الجوّي الكبير تمكين الأكراد من تشديد الخناق على الرقّة، العاصمة السورية لـتنظيم «الدولة الإسلاميّة»، وتمكنوا كذلك من السيطرة على شمال حلب، وضرب مواقع المعارضة السورية هناك، لتصبح الآن ما تسمى بـ«قوات سوريا الديمقراطية» (وهي ميليشيات كردية تتبع لحزب PYD الذي يتزعمه صالح مسلم)، والتي صارت حاليًا القوّة الضاربة على الأرض في مواجهة تنظيم الدولة الإسلاميّة.

وفي تقرير خاص لصحيفة «دي فيلت» الألمانية، تناول التغيرات التي خاضتها الأقلية الكردية في سوريا، بعد التدخل الروسي والأمريكي، بهدف تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، فذكر التقرير إنّ «وحدات حماية الشعب الكردية خدمت مصالحها عبر التحالف مع عدة أطراف في الصراع السوري كان على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ثم بعد ذلك استغلال التدخل الروسي في سوريا».

واعتبرت الصحيفة أن فصائل المُعارضة السورية بدا لها جليًا أن كلا من النظام ووحدات الشعب الكردية «ليسا إلا وجهين لعملة واحدة»، وذلك تحديدًا بعد تمكن وحدات الشعب الكردية من فرض السيطرة على بلدة كفر نايا وقرية عين دقنة، واقترابها من مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، كل ذلك تم في ظل قصف روسي، وحصار خانق وقطع كل طرق الإمداد.

المراجع
  1. Turkey's Decline Ankara Must Learn From Its Past to Secure Its Future
  2. Turkey Plans to Invade Syria, But to Stop the Kurds, Not ISIS
  3. Will Turkey and Saudi Arabia invade Syria?
  4. With Islamic State Routed From Kobani, Kurds Eye Mosul