كيف دمرت الفانتازي حياتي؟
هناك العديد من الأشياء التي قد تفسد زواجك، بعضها حتى لم تسمع عنه من قبل ولن تجده في بوست الفيسبوك التقليدي المُعنون بـ«40 قاعدة للزواج» أو «99 معلومة عليك معرفتها قبل الارتباط»، شخصيًا لم أكن أظن أن عبارة بريئة مثل «كنت أتأكد ما إذا كان أجويرو قد سجل أم لا» قد تسبب هذا الكم من السخط.
قلتها بفم محشو بالبطاطس ردًا على سؤال «ماذا تفعل» المريب المُنذر بالويل لتنطلق هي في نوبة غضب عاتية لو علمت بها أم أجويرو لندمت على إنجابه. يبدو أنني للمرة الـ493 هذا الأسبوع كنت أحدق في هاتفي بينما يتدلى خط رفيع من اللعاب على قميصي، يبدو كذلك أننا كنا بصدد مناقشة شيء ما على درجة من الأهمية، المُدهش أن الصياح لم يمنعني من التأكد من انتهاء مباراة تشيلسي بهدف للا شيء ما يعني أني حصلت على نقاط كلين شيت تيري كاملة.
ماذا تفعل؟ هل تلعب كرة القدم؟ هل تشاهدها؟ هل تحللها مع أصدقائك؟ لا، لا وبالقطع لا. إذن لماذا تبدو كـ«ـجولوم»؟
تبدأ
القصة في صيف 92 عندما ظهرت اللعبة لأول مرة على غلاف مجلة 90Minutes الإنجليزية، القواعد سهلة وبسيطة؛ بمجرد أن تستغل ميزانيتك المتاحة في التعاقد مع التشكيلة المناسبة يبدأ حصد النقاط لكل لاعب بمجرد المشاركة، التسجيل، صناعة الأهداف، الشباك النظيفة وإنقاذ ركلات الجزاء، بالطبع يترتب على ذلك بالتبعية خصم النقاط عند تلقي أهداف أو إنذارات أو طرد أو التسبب في ركلة جزاء.
انخفضت الإنتاجية في المكاتب بنسبة 82.6% وتراجع الاقتصاد الإنجليزي لحافة الانهيار مفتتحًا الأزمة المالية العالمية التي نعيشها للحظة الحالية، بعض المتحذلقين ما زالوا مصممين أن السبب كان ممارسات البنوك الجشعة، والبعض الآخر يتحدث عن المليارات التي تم تجميدها في عقارات لم يبتعها أحد، ولكن الكل يعلم أن السبب هو انشغال آلاف من الـ«ريتشارد» والـ«آندرو» والـ«ضايفيض» حتى اللحظة في محاولة اكتشاف طريقة ما تمكنهم من إقحام أجويرو ودي بروين وسيلفا وتوريه وكومباني في تشكيلة واحدة.
بالطبع تطورت اللعبة مع الزمن للأسهل ولم يعد شراء اللاعبين يكلف نفس المبالغ الطائلة، الآن يسمح لك بتعاقدين أسبوعيًا بدلًا من كل موسم. بدأ الإدمان وقبل أن أعلم كنت غارقًا في بحر من الإحصائيات والانتقالات، تغيرت طريقة مشاهدتي للعبة واستمتاعي بها ولم تعد تثيرني الفنيات التقليدية، إذا سدد لامبارد من 30 ياردة أجدني أتساءل عما إذا كانت كرته قد اصطدمت بدروجبا قبل أن تدخل المرمى، وإذا راوغ سانشيز ثلاثة أو أربعة لاعبين ليسجل أنتظر الإعادة لعل كوسيلني هو من منحه التمريرة الأولى.
إذا كنت
تظن ذلك بائسًا فانتظر حتى تشترك في دوري مصغر مع أصدقائك، هنا تكتشف أن انتماءاتك الكروية ليست بالأهمية التي كنت تظنها؛ أحيانًا ستجد قلبك يتسع للاعبي آرسنال وتوتنام معًا، فليسجل «مارسيال» الهاتريك اللعين ثم يخسر اليونايتد 4-3 أو ينهار الملعب على رؤوس الجميع، من قال أن السيتي محدثين صنعتهم أموال البترول؟ كرة تشيلسي هي الأمتع وكوستا لا يستحق الإيقاف كلما لكم أحدهم . في الواقع كل المقربين من كوستا يؤكدون أنه إنسان رائع على قدر عالٍ من الود والتهذيب.
لا أعلم كيف أشرح لك الأمر ولكن لا علاقة له بالنفاق. الأهلي والزمالك مثال ممتاز؛ حتى لو أصابك مستوى القمة المصرية بالمغص والسعال الديكي سيظل أكثر إثارة من ألف كلاسيكو ومليون ديربي، ليس لأنك من محبي التراث بالطبع؛ بل لأنها تعدك بمتعة لحظية آنية دون انتظار، وحفلات الفيسبوك بعدها لا تُعوض حيث يكاد غيظ المنافس وكَمَده يخترق الشاشة، أحد علماء النفس أجرى دراسة على مجموعة عشوائية موجهًا سؤالًا يبدو سهلًا في ظاهره:
هل تفضل الحصول على نصف علبة من الشوكولاتة بعد نصف ساعة أم أخرى كاملة بعد أسبوع؟
بالطبع اختار الجميع نصف علبة خلال نصف ساعة لأنهم كادوا يمسكون بها بالفعل. الأمر لا علاقة له بالتسامح بالطبع وأنت لا تحتاج لدراسة الطب النفسي لتعلم أن المتعة الحقيقية ستبدأ في جلسة المقهى اليومية التي لن يحضرها «كلوب» أو «مورينيو» أو «أوزيل» بل الأعداء الحقيقيين؛ خصوم الميني ليج. سحق أصدقائك وإحالة حياتهم إلى جحيم أهم 100 مرة من فوز فريقك لأن مشجعي ليفربول لا يرتادون المترو ولأن أصداء سداسية نيوكاسل لم تصل الهرم بعد، ناهيك عن أنني لا أعرف مشجعًا واحدًا لا يظن أنه أفضل محلل للعبة في التاريخ ولابد لكل هذه العبقرية من مُتنفسٍ ما.
معتوه؟ ليَكُن. لست وحدي على أي حال؛ «آندي موراي» بطل التنس العالمي أقام دوريًا مصغر بين أصدقائه وفاز به وكافأ نفسه بشراء كأس ذهبية ومنحها لنفسه. ليس هذا أسوأ ما في الأمر؛ الأسكتلندي اعترف أنه حظى بمساعدة خارجية حينما لم يعلم ما إذا كان عليه ترك «مايكل داوسون» خارج التشكيلة أم الإبقاء عليه، وحينها أتته فكرة عبقرية؛ بعث برسالة نصية للمدافع الإنجليزي الذي أجاب بأن عليه إخراجه.
إبان رئاسته لليفربول تلقى «جورج جيليت» اتصالًا هاتفيًا بلكنة إنجليزية شرق أوسطية تسأله عن احتمالات بدء «جيرارد» مباراة الأسبوع؛ لا لم يكن أنا بالطبع رغم أن الفكرة راودتني، بل كان الأمير «عبد الله آل سعود» الذي وصف نفسه كأحد المهووسين باللعبة. وهل تذكر تلك المباراة الملحمية لـ«لايتون بينز» أمام «ويستهام» منذ ثلاثة أعوام؟ «ليون أوسمان» فاز لإيفرتون بالمباراة من على مقاعد البدلاء عندما استفز بينز بإخراجه من فريق الفانتازي الخاص به قبلها، واصفًا الإنجليزي الدولي بأنه لا يفعل ما يكفي لمساعدة الفريق، أقسم بينز أنه سيسجل ثنائية وفعل لأول وآخر مرة في مسيرته ليفوز التوفيز على الهامرز 3-2.
وفي موسم 2011-2012 وأثناء الاعداد لمباراة مانشستر يونايتد قام «بن فوستر» حارس الباجيز بإخراج «فان بيرسي» طواعية من تشكيلته؛ أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن الحارس الإنجليزي أراد تشجيع نفسه وزملائه وتطمينهم بإشارة لأن هداف البريمييرليج لن يسجل في مرماه، الحقيقة أن فوستر خشي أن يفكر مرتين إذا أتته تسديدة بيرسي؛ هل يقود فريقه للفوز أم تشكيلته لنقاط إضافية؟ نعم الأمر بهذه الخطورة والجدية فالفانتازي لم تكتفِ بإفساد حياتي وحدها.
بتاريخ
4 أغسطس/آب 2015 نشرت البي بي سي حوارًا صحفيًا مع «سايمون مارش» بطل فانتازي البريمييرليج على مستوى العالم، وعبر 1500 كلمة تقريبًا شرح «مارش» كيف فاز باللقب، موجهًا 10 نصائح للمتسابقين على غرار «تابع كل تفصيلة عن كل شيء» و«توقع الصفقات الرابحة» و«اعتمد على إحساسك» ولم يكن ينقصه سوى أن يقول «نصيحتي للجميع أن يحاولوا الفوز بالفانتازي» في مقال قليله مفيد وأغلبه أشبه بمحاضرات التنمية البشرية. أعلم ما تفكر فيه؛ مجرد بائس آخر عليه البحث عن حياة كما يقول أهل بلده، لكن نظرة سريعة إلى لائحة الجوائز قد تخبرك بأنه وجدها بالفعل.
بالطبع لا يطمح حتى 1% من المتسابقين في الفوز بالجائزة الفعلية، وحتى مناوشات الرفاق المعتادة قد تصبح مملة بعد فترة. إذن لماذا تستمر اللعبة في جذب المزيد دائمًا؟ حقيقة الأمر لا يبدو بهذا التعقيد؛ مجرد محاولة أخرى للتعبير عن هوس جيلنا باستبدال الواقعي بالافتراضي لا لشيء إلا وصولنا لهذه الدرجة من إجادته والاستغراق فيه بالفعل، في البداية كان هناك التواصل الافتراضي وبالطبع أنت تعلم كل شيء عن الجنس الافتراضي.
وعلى الرغم أننا لم نُمنح الفرصة لتبرير الأول، إلا أن تبرير الثاني كان واضحًا دون حاجة للتفوه به، حتى أتت الفانتازي لتهدم كل ذلك وتؤكد أن لا دور للاضطرار في الموضوع لأننا نفضل الفكرة في حد ذاتها؛ أن تنال نفس المتعة والإثارة والإحباط والترقب دون الحاجة لممارسة النشاط نفسه أو التورط فيه، أن تحظى بنفس التجربة دون أن تضطر لممارسة اللعبة أو مشاهدتها أو حتى الإلمام بقواعدها في بعض الأحيان، بالإضافة بالطبع لفكرة جذابة للغاية هي جمع هازار وسانشيز وأجويرو في فريق واحد، حتى وإن كلفتك تحررًا إجباريًا من انتماء قضيت أعوامًا في التغني به.
قد يكون هذا واقعيًا ومنطقيًا إلى حد كبير، وقد لا يكون أكثر من محاولة تنظير تتظاهر بالذكاء والعمق في أمر قد يصفه الكثيرون بالتافه، الروائي الإنجليزي «سيباستيان فولكس» لاحظ تأثير اللعبة على ابنه وكيف تحول الفانتازي إلى ما هو أهم من المباراة الفعلية بكثير، الأمر ألهمه لكتابة رواية عن الموضوع بعنوان «أسبوع في سبتمبر» نشرت في 2009 عن «فين» الذي يمتلك هوسًا مرضيًا بالفانتازي لينتهي المسكين راقدًا في إحدى المستشفيات تحت تأثير المخدر عقب أزمة نفسية عنيفة.
بالطبع «فولكس» يبالغ لأنها رواية أولًا، وثانيًا لأنه لا يعلم أن عاجلًا أو آجلًا سيجد المصريون طريقة ما لإشراك أجويرو ودي بروين وسيلفا وتوريه وكومباني في تشكيلة واحدة إن لم يكونوا قد وجدوها بالفعل. كل ما نحتاجه فقط هو المزيد من الوقت والمزيد من الفانتازي.