كيف شكلت الانقلابات العسكرية خريطة الوطن العربي
تشهد تركيا اليوم انقلابا عسكريا فاشلا هو الخامس فى عمر الجمهورية، أما الوطن العربي فقد شهد 123 انقلابًا عسكريًا نجح منهم 39 انقلاب، وتحتل «سوريا» المركز الأول في عدد الانقلابات العسكرية بإجمالي 24 انقلابًا نجح منهم 9 انقلابات، كما تأتي «جزر القمر» في المركز الثاني بإجمالي 24 انقلابًا، وفي المركز الثالث تأتي «السودان» بإجمالي 16 انقلابًا نجح منهم 3 انقلابات فقط، وعلى الرغم من أن الانقلابات الناجحة في السودان كانت قليلة إلا أن العسكر استطاعوا أن يمتد حكمهم إلي 45 عامًا مقابل 11 عامًا حكم بها المدنيون .
وبالرغم من انقلاب الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في يوليو/حزيران 1952، والذي أدى إلى حدوث موجة عارمة من الانقلابات العسكرية في عدد من الدول العربية والتي استمرت في أغلبها حتى ثورات الربيع العربي، حيث لعب عبد الناصر دورًا محوريًا في تقديم الدعم لتلك الحركات الانقلابية في إطار سعيه لدعم حركات التحرر الوطني للتخلص من الاستعمار في تلك الدول أو حكامها الموالين للاستعمار، فذهب الاستعمار وبقى العسكر.
كيف شكلت الانقلابات الخريطة السياسية بالعراق
في يوم 29 يوليو /تموز 1936 فزع العراقيون بالعاصمة بغداد من صوت الانفجارات التي حدثت بالقرب من مبنى رئاسة الوزراء وآلاف المنشورات الناقلة لبيان الانقلاب العسكري على حكومة «ياسين الهاشمي» وهي أطول وأقوي حكومة شهدتها العراق عقب فترة استقلالها، فظلت في الحكم 18 شهرًا عملت خلالهم على تنفيذ العديد من المشروعات كما قامت بعملية تطهير واسعة داخل الجهاز الحكومي للتخلص ممن كانوا يعملون في عون المستعمر.
وفي عام 1936 كانت خطوات تلك الحكومة قد شابها العديد من الاضطرابات، حيث قمعت الثورات العشائرية في ذلك الوقت. كما أن الفساد قد تسرب إلى عمل الحكومة وبدأ الشعب في انتقادها، مما دفع بكر صدقي للقيام بانقلاب عسكري لإسقاط حكومة الهاشمي.
وبعد نجاح الانقلاب أخذ بكر صدقي يتدخل كثيرًا في شئون الحكم وكان يحضر جلسات مجلس الوزراء ويفرض على المجلس قراراته، فزاد استياء المعارضة وبعض من عاونوه في الانقلاب؛ مما دفعهم إلي تدبير عملية اغتياله في أغسطس/ آب 1937.
وتمت عملية اغتياله بنجاح، وتلاها استقالة حكومة «حكمت سليمان» لتنتهي بذلك حكومة الانقلاب التي لم تختلف كثيرًا عن الحكومة السابقة التي انقلبوا عليها .
تأسيس الجمهورية العراقية: انقلاب السحر على الساحر
عقب انقلاب/ثورة الظباط الأحرار في مصر في 23 يوليو/ تموز 1952 سلكت الكثير من الدول العربية الطريق ذاته للتخلص من الملكية والاستعمار، وكان أول الدول العربية التي لحقت بركاب مصر هي العراق ففي 14 يوليو/ تموز 1958 قامت حركة الظباط الوطنيين بانقلاب مماثل قاده العميد «عبد الكريم قاسم» دون الرجوع إلي التنظيم بسبب تأجيل موعد تحركهم أكثر من مرة.
وفي صباح 15 يوليو/ تموز 1958 سلم الملك «فيصل الثاني» نفسه هو وأسرته إلي القوات الموالية لحركة الظباط، إلا أنه وعند خروجه قام أحد ضباط الانقلاب بإطلاق النيران تجاه الملك وأفراد أسرته مما أسفر عن وفاة الملك وأغلب أعضاء أسرته، ليتم إعلان الجمهورية العراقية الأولى وانتهاء الملكية وإنهاء الانتداب البريطاني على العراق ، وأصبح عبد الكريم قاسم أول رئيس لجمهورية العراق.
كان حكم قاسم حكمًا فرديًا حيث كان يبعد الآخرين عن مشاركته في الحكم،حيث كان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الدفاع في وقت واحد حتي عام 1963. كما كانت سياسته منافية لحقوق الشعب الديمقراطية، وانعزل عن الأحزاب السياسية ورؤيتها حول تأسيس حياة ديمقراطية في العراق، مما زاد من تقوية المناخ المعارض حوله ورغبتهم في التخلص منه وجعل فترة حكمه غير مستقرة.
كما أنه اتخذ عددًا من القرارت الإقليمية الصادمة في ذلك الوقت، ففي الوقت الذي كانت الدول العربية تسعي إلي تكوين اتحاد عربي قومي رفض قاسم الانضمام إلي الجمهورية العربية المتحدة مع كلٍ من مصر وسوريا، مما زاد من توتر الأجواء وغضب القوميين عليه، كما دفع البعض للقول بأن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قد ساند ومول محاولة الانقلاب العسكري على القاسم عام 1959 بالموصل .
عاد التفكير في محاولة الانقلاب مرة أخري، ففي 8 فبراير/ شباط 1963 تكررت محاولة الانقلاب تلك من قبل حزب «البعث العراقي»، بسبب مواقفه من الأحزاب السياسية وأبعاده أنصار الثورة ومؤيديها من المشهد السياسي، مما دفع حزب البعث لتكرار محاولة وقصف مقر وزارة الدفاع حيث كان متواجدًا بها في ذلك الوقت واستطاعوا القبض عليه ومن ثم محاكمته وإعدامه في اليوم التالي مباشرًا رميًا بالرصاص .
الجزائر: انقلاب بنكهة الكرة
لم يكن يتوقع ان تكون آخر مهامة الرئاسية هو حضور مباراة نهائي كأس الجمهورية، ارتدي بدلته واتجه مع حرسه إلي ملعب «وهران» غرب الجزائر ليشاهد المباراة ويسلم الكأس إلي الفريق الفائز في 19 يونيو/ حزيران 1965، فقبل المبارة جهز وزير دفاعه «هواري بوميدين» بالتعاون مه 26 ظابطًا آخرين من بينهم الرئيس الحالي «عبد العزيز بوتفليقه» للانقلاب العسكري الأشهر بالجزائر، حيث قرروا اعتقاله أثناء مشاهدته للمباراة .
لم يكن الطريق سهلًا أمام «أحمد بن بلة» عقب تولية رئاسة الجزائر عقب استقلالها عن فرنسا، فقد كانت الخزانة الجزائرية خالية، كما دمروا الآلات والوسائل الزراعية مما أدي لتدهور الزراعة الجزائرية واستمرار تبعيتها لفرنسا.
وكان القطاع التعليمي شاغرًا بنسبة كبيرة حيث انسحب المعلمون الفرنسيون -أغلبية ذلك القطاع-، ومن بين العراقيل التي واجهت الدولة كان قلة الخبراء الجزائريين محل الثقة مما جعل «بن بلة» من تلقوا تعليمهم بفرنسا، وكان ولاءهم إلي فرنسا أكثر منه إلي الجزائر مما جعله محط اتهام بعدم الوطنية.
كما أن بوميدين كان يري أن بن بلة بدأ في الاستيلاء على السلطة وحده وبدأ خطى الديكتاتورية، وأن انقلابه هذا من أجل تصحيح مسار الثورة ، كما رأي أنه كان يستبعد كل العناصر الثورية التي ساهمت في الثورة من المشهد.
يعتبر انقلاب بوميدين من أكثر الانقلابات اهتمامًا بالإصلاح الحقيقي وليس مجرد صراعًا على السلطة، حيث أخذ في بناء الدولة من خلال الاهتمام بالزراعة والثقافة والصناعة معتمدًا على بعض تجارب الدول الاشتراكية، كما شرع في بناء دور إقليمي قوي للجزائر من خلال دعم القضية الفلسطينية ودورها في دعم حركات التحرر الوطني ومنظمة دول عدم الانحياز .
إلا أن الأمور أزدادت سوءًا عقب موته فحدثت الكثير من الانقلابات، هذا إلي جانب الأحداث الوحشية التي شهدتها الجزائر على يد جبهة الإنقاذ في مطلع التسعينات مما أدي لضياع أغلب ما قام به بوميدين في محاولة بناء دولة عصرية جيدة.
انقلاب الفاتح بليبيا
من نص بيان إنقلاب القذافي 1969
في سبتمبر/ أيلول 1969 قامت مجموعة الظباط الوحدويين الأحرار بالانقلاب على حكم الملك إدريس السنوسي وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية كما حدث في مصر عام 1952، وكانت حركة الظباط الوحدويين قد أسسها الملازم أول معمر القذافي حينها عام 1964 عقب تخرجه من الأكاديمية العسكرية.
كما وعد القذافي خلال إلقاءه بيان الانقلاب بأن الجمهورية العربية الليبية سوف تسعى إلي تحقيق الوحدة والعدالة الاجتماعية والمساواة، وتبني على أثر ذلك نظامًا اشتراكيًا في بداية حكمه حيث أمم جميع البنوك وشركات التأمين وصناعة النفط.
إلا أن القذافي سعي للتفرد بالسطلة وحده دون أية مراقبة فأعلن النظام الجماهيري، وفكك الجيش النظامي وأنشا ما يعرف بالشعب المسلح مع الحفاظ على بعض الكتائب بقيادة أبنائه من أجل حمايته وحماية ممتلكاته وكانت تضم في صفوفها العديد من المرتزقة.
هذا إلي جانب تدهور الحياة السياسية وحقوق الإنسان وانتشار حالات الاختفاءات القصرية وغيرها مما دفع الشعب إلي الثورة عليه في 17 فبراير/ شباط 2011 وقتله في نهاية المطاف لتظل ليبيا تعاني من الانقسام والقبلية وتعدد جهات الحكم والآمان .
اليمن بين الانقلابات وحتي إعلان الجمهورية
شهدت اليمن العديد من المحاولات الانقلابية كان أولها عام 1948 إلا أنها جميعًا باءت بالفشل ماعدا انقلاب 25سبتمبر/ إيلول 1962، كانت جميع تلك الانقلابات تحاول إنهاء حكم الأسرة الزيدية الذي استمر قرابة 1100 عامًا. فكانت أئمة الأسرة على مدار القرن العشرين يتعمدون إثارة الفتن بين القبائل إلي جانب عدم الاهتمام بالشمال اليمني وتهميشه عن أية عمليات تطوير.
لم يكن الانقلاب اليمني عام 1962 بسهولة باقي الانقلابات في العالم العربي فلم ينتهي كصراع داخلي بين قوتين متحاربتين على السلطة، فقد امتد الأمر إلي نزاع إقليمي، حيث أرسلت المملكة العربية السعودية قوات عسكرية لحماية الحدود اليمنية ومساعدة القبائل العربية بالسلاح خوفًا من المد الناصري الذي كان يناصر انقلاب اليمن إلي جانب إرسال ملك الأردن رئيس أركان جيشه إلي الأمير حسن لبحث كيفية تقديم الدعم إليه.
كما أرسلت مصر قوات عسكرية من أجل مساندة الجمهوريين في حربهم ضد الأمير والتي استمرت منذ عام 1962 وحتي عام 1967 إلا أن إعلان الجمهورية العربية اليمنية تم عام 1970 بعدما فك الجمهوريون الحصار عن صنعاء وإنهاء الحرب الأهلية.
انتهجت الكثير من الدول العربية خطى جمال عبد الناصر عقب انقلابه عام 1952، كما كان يقدم الدعم والتأييد إلي تلك الانقلابات راغبًا في نشر فكره الاشتراكي وتكوين وحدة عربية قومية تستطيع أن تلعب دورًا هامًا في السياسة الدولية. إلا أن ذلك الباب للانقلابات لم يغلق أبدًا وتحول الأمر من رغبة في تقديم نموذجا موحدًا إلي الرغبة في السلطة والاستئثار بها دون الآخرين، فأصبح الحكام العرب يتفردون بالسلطة ويقتلون الحياة السياسية وينتهكون حقوق الإنسان من أجل مصالحهم الشخصية، كما أن أحوال تلك الدول لم تتحسن أبدًا فيتذيَّل اقتصادها اقتصاد العالم، وأصبحت تابعة لسياسات الدول الكبرى التي تقدم لها الدعم الاقتصادي وانهكت ثرواتها، فالكل أدعي أنها ثورات من أجل الشعوب إلا أن الشعوب وحدها من دفعت ومازالت تدفع ثمن انقلابات ثورة 1952.
- الإنقلابات في العالم العربي منذ الإستقلاب وحتي الآن
- قصة اول إنقلاب عسكري في العالم العربي
- رحلة تاريخية مع ثورة الزعيم عبدالكريم قاسم ومصرع العائلة المالكة وانقلاب شباط الاسود – See more at: http://www.alnoor.se/article.asp?id=84724#sthash.ZW0hZoBV.dpuf
- أشهر الإنقلابات في العالم العربي
- التصحيح الثوري بين "هواري بومدين"… و "أحمد بن بلة"
- العقيد معمر القذافي
- اليمن 1962: حكومتان متصارعتان للثورة والملكية.. وانتقال الأزمة من التعريب إلى التدويل
- أسباب مشاركة مصر في حرب اليمن