فلا اقتحم العقبة: كيف تقاوم رغبتك في الخلود إلى الراحة؟
يحدونا الأمل في كل عام جديد أن يفتح الله علينا من فضله وأن ينقلنا لأحسن حال وأن يعيننا على تحقيق ما نريد من الخير لأنفسنا وأهلنا ومن نحب.
أظن أننا جميعًا نعاني مشكلة مزمنة مع التسويف وتأجيل المعركة، ولذلك أسباب كثيرة، دعنا نتناول واحدًا منها اليوم لعل إدراكه يكون بابًا لخير عظيم وفتح كبير.
ولكل منّا آماله ونجاحاته التي يحب أن يحققها، ولكن هل حققنا فعلاً ما نصبو له؟ وهل اقتحمنا تلك العقبات التي تعطل مسيرتنا فأبطلنا سحر التكاسل والتسويف؟ وهل قاومنا الرغبة التي بداخلنا للخلود للراحة؟
كتابٌ ما تقرر البدء في قراءته ثم تتركه على رفوف مكتبتك شهورًا تنظر إليه دون جدوى… تدفع اشتراك صالة رياضية وتشتري الملابس اللازمة ثم لا تلبث أن تتراخى عزيمتك فلا تتجاوز علاقتك بالرياضة حدود الهتاف والتشجيع للفريق الذي تحبه وتتعصب له… وهكذا في كل شئون حياتك.
تُرى: ما هو السر وراء ذلك؟
الذي يحدث هو أنك تقرأ عن فوائد أمر ما وتتيقن من داخلك أنه حتمًا أمر ضروري بالنسبة لك، وتتصور نفسك في أحلام يقظتك وقد أصبحت تتمتع بهذا القوام الرشيق وتعيش ذلك النمط الصحي الذي عرفت آنفًا فوائده وإيجابياته، ثم تبدأ في التفكير في حجم الطاقة المطلوبة وكمية الموارد التي تحتاجها، وتتصور نفسك في خضم هذا العمل وقد غرقت في عرقك وارتفعت نبضات قلبك وخشيت على نفسك سوء العاقبة، وكلما هممت بالذهاب لم تجد ذلك الحافز الكافي الذي يطلق شرارة البدء، ورغم أن كثيرًا منا يستعمل محفزاته الخارجية ويستعين بالعوامل المساعدة له على السير في الطريق، إلا أن أكثر محاولاتنا لا تنجح.
لا تقلق فسوف أخبرك بسر كبير يعينك على ما تريد.
يقول بعض علماء النفس إن هناك أسلوبًا يسمى 2 Minutes Hack (دقيقتي الاقتحام) أو (دقيقتي الاختراق)، ويقول أصحاب هذه النظرية إنك إذا أردت القيام بعمل ما فكل ما عليك هو مجرد التركيز في أول دقيقتين سوف تبدأ بهما، فحينما تنوي الذهاب لصالة التريض، فما عليك سوى التركيز في عملية ربط الحذاء الرياضي والخروج به من باب البيت، وإذا نويت أن تقرأ كتابًا ما فما عليك سوى التركيز في قراءة أول نصف صفحة منه… وهكذا.
وحينما تدور العجلة فإنها غالبًا ما تستمر في الحركة ولا تتوقف بعد ذلك، ولعل السر في ذلك كما يقولون: هو أن إنجازك لأي عمل تريد القيام به يحتاج في الحقيقة لقدر معين من الطاقة، ورغم أن أجسادنا وعقولنا قادرة قطعًا على بذل هذا القدر من الطاقة، إلا أن المشكلة تكمن في عملية الاختراق الأول أو الاقتحام الأول، فلو فرضنا أن لديك سيارة رائعة بمحرك رياضي كبير وإمكانات ضخمة، فإن هذا المحرك لن يستطيع تحريك السيارة شبرًا واحدًا إذا لم تكن بطارية السيارة في حالة تسمح لها بعملية الإشعال الأول، للبدء في حرق الوقود وتدوير هذا المحرك الكبير.
إذن أنت تحتاج لمشعل هذا الفتيل الأول الذي سيخرج الطاقات الكامنة بداخلك، وبعد أن يدور المحرك فإنه لن يتوقف غالبًا إلا إذا رغبت أنت في التوقف.
فكل ما عليك هو التركيز في عملية الاقتحام الأول والمبادرة التي تطلق الشرارة، وسوف تسير الأمور بعدها على ما يرام.
تأمل معي هذا التعبير القرآني الذي يصف حال ذلك الإنسان الغافل المتكاسل: «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ».
إذن ليس هناك تعبير أدق من هذا الوصف وهو «الاقتحام» وتجاوز العقبة.
ويصف لنا سيد الكائنات، صلى الله عليه وسلم، ذلك الصراع الذي يحدث بينك وبين رغباتك وشهواتك في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
فالحل يكمن دائمًا في تجاوز اللحظات الأولى والقدرة على إشعال الطاقة التي بداخلنا، وعندما ننجح في ذلك فلا شك محركاتنا سوف توصلنا لهدفنا المنشود.
وفي إشارته صلى الله عليه وسلم إلى موضع قافية الرأس (وقافية كل شيء نهايته) إعجاز عجيب، فعلم التشريح يخبرنا أن خلف هذا الموضع وهو مؤخرة الرأس، والذي يعقد الشيطان فيه عقده الثلاث، خلفه يقع ما يسمى بالتشكيل الشبكي أو Reticular Formation، وهو عبارة عن شبكة معقدة من الخلايا والمحاور العصبية المتواجدة في جذع الدماغ، وتؤكد المراجع الطبية أنه هو المسئول عن تنظيم الوعي والنوم والاستيقاظ، حيث يقوم بإرسال إشارات عصبية إلى القشرة الدماغية فتقوم بإيقاظ الدماغ.
لذلك إذا حدثت استثارة للتشكيل الشبكي في حالة النوم، فإن ذلك يؤدي إلى الاستيقاظ، وإذا حدث له استثارة في حالة اليقظة، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة اليقظة والانتباه، أما إذا تم تثبيطه أو حدث له تلف ما، فإن ذلك يؤدي إلى قلة اليقظة، والاستغراق في النوم.