كيف سنميز الكائنات الفضائية عندما نراها؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
ما الذي قد يقنعك بوجود الكائنات الفضائية؟ برز التساؤل مؤخرًا في مؤتمر للبيولوجيا الفلكية أقيم في جامعة كاليفورنيا، وتضارب العديد من الأفكار حول الأمر؛ فربما نجد غازات غير طبيعية في الغلاف الجوي، أو نرصد درجاتٍ حرارية غريبة على سطح الكوكب، ولكن يبدو أن هذا لم يقنع أحدًا. في النهاية اقترح أحد العلماء حلًّا: صورة فوتوغرافية، ارتفعت بعض الضحكات والهمهمات من جمهور الباحثين؛ أجل، صورة لكائن فضائي ستكون دليلًا مقنعًا، بل ستكون عين الحقيقة على عدم وجودنا وحدنا.
ولكن لماذا ستكون الصورة مقنعة هكذا؟ ما الذي قد نراه ويكون من شأنه أن يخبرنا أننا لا ننظر إلى كومة أخرى من الصخور؟ كائن فضائي على كوكب يدور حول نجمة بعيدة سيكون أمرًا بالغ الغرابة، بل قد لا يكون متصورًا حتى، ترتبط الإجابة ببحثنا عن الكائنات الفضائية، وما الذي نتوقع العثور عليه؟
تطورت البيولوجيا الفلكية – دراسة الحياة على الكواكب الأخرى – من قسم فرعي هامشي مشترك بين الأحياء والكيمياء والفلك إلى مجال رائد متداخل التخصصات يجذب الباحثين من أعلى المعاهد على مستوى العالم، وكذلك المال، سواء من ناسا أو من ممولين آخرين، ولكن عن أي شيء يبحث علماء بيولوجيا الفلك تحديدًا؟ ما الشيء الذي إذا وجدناه سنعرف أنه قد حان الوقت لنحتفل؟
شيء يميز الحياة عن غيرها وهو تصميمها الخارجي، فالكائنات الحية من أبسط أنواع البكتيريا إلى الأشجار الضخمة بها أعداد هائلة من الأجزاء المعقدة التي تعمل سويًا لتؤدي وظيفة عضوية، انظر إلى يديك وقلبك، انظر إلى الطحال والميتوكوندريا والأهداب والخلايا العصبية والأظافر؛ كلها تتعاون في وقت واحد لمساعدتك على الحركة والأكل والتفكير والبقاء. وتفتقر أكثر تشكلات الصخور الطبيعية جمالًا ولو إلى قدر ضئيل من الأجزاء التي لا حصر لها لخلية بكتيرية واحدة من شأنها التنسيق للمساعدة على الانقسام والتكاثر.
ولكن على خلاف الغبار والرياح، تبدو الكائنات الحية تحاول القيام بشيء ما؛ تأكل أو تنمو أو تحاول البقاء أو تتكاثر، إذا حاولت في أي وقت أن تسحق حشرة مرنة فأنت تعرف أن الأمر لا يتطلب تفكيرًا عميقًا ليبدي الكائن محاولات للبقاء على قيد الحياة، وكذلك الأمر بالنسبة لسنجاب يريد القفز من فرع لآخر، أو بالنسبة لنبات يحاول الوصول إلى أشعة الشمس ليتمكن من امتصاص العناصر الغذائية من التربة، وليست الكائنات الحية وحدها التي بها أجزاء معقدة، ولكن جميع هذه الأجزاء في الكائن الحي لديها نفس الغرض المشترك؛ البقاء والتكاثر، هذا الجمع بين التصميم المعقد والغرض الواضح يعرف بالتكيف؛ كل هذا يُعرف بالحياة.
وبالتالي عندما ننظر إلى صورة كائن فضائي، سيكون التكيف تحديدًا هو ما يجعلنا نقول: هو ذا! سنرى بوضوح حينها الاختلاف بين كومة الصخور المخيبة للآمال وبين التصميم المثير لكائن فضائي، إنها أخبار جيدة، إذ إن هنالك طريقًا واحدة للحصول على هكذا تصميم: الانتقاء الطبيعي.
يحدث الانتقاء الطبيعي أينما كان لديك بضعة أشياء (خلايا، مستنسخين، طيور، كائنات خيالية سنسميها «جليب جلوبز») ولهذه الأشياء ثلاث سمات: التنوع، والوراثة، والنجاح المتفاوت. على سبيل المثال؛ بعض «الجليب جلوبز» الخيالية لديها عصيات أعين أطول من الأخرى (التنوع)، والجليب جلوبز ذات عصيات الأعين الطويلة لديها صغار ذوو عصيات أعين طويلة (وراثة التنوع)، و«الجليب جلوبز» ذات عصيات الأعين الطويلة بإمكانها الرؤية بشكل أفضل، وبالتالي لديها صغار أكثر (نجاح متفاوت مرتبط بالتنوع)، وبالتالي ستكون النتيجة أنه بمرور الوقت تتطور «الجليب جلوبز» ليصبح لديها عصيات أعين أكثر طولًا.
هذه هي العملية التي من خلالها يتم تطوير التصميم الخارجي في الطبيعة؛ ففي كل جيل وعند كل حالة يتم اختيار الأفراد ذوي السمات المرتبطة بالتكاثر بصورة أفضل، وكنتيجة لذلك وبمرور الوقت تتكون الفئات من أفراد يبدون مصممين لغرض التكاثر، وذلك تحديدًا لأن معيار الانتقاء يكون نفسه دومًا؛ تصميم بإمكانه التطور، تخيل سيارة أنشئت باستخدام نماذج مختلفة عند كل خطوة؛ حسنًا، لن تنتهي من تلك السيارة في الأغلب، إنه شعار الانتقاء الطبيعي الذي لا يتغير – مساهمة الجينات في الأجيال المستقبلية – وهو ما يسمح للتصميم أن يبدو بلا مُصمم.
في الحقيقة، يكون معيار الانتقاء شديد التناغم، إذ إن الكائن لا يمكن أن يتم تصميمه لأي شيء غير المساهمة بالجينات في الأجيال المستقبلية، هذا هو السبب في أننا لا نحصل على كائنات تضحي لصالح فصائلها، فالكائنات الحية أنانية بصورة عامة؛ أن تعيد إنتاج نفسك على حساب الآخرين لهو طريق عظيم لتمرر جيناتك. في بعض الأحيان نرى التضحية والتعاون في الطبيعة، ولكن فقط عندما تعود عليك ثمار هذا التعاون، أو عندما ينتفع الأقارب من تلك التضحية؛ فالأقارب يتشاركون الجينات، لذا بإمكان نحلة أن تضحي من أجل الملكة (أمها) إذا كان هذا يعني إنتاج مائة أخت أخرى كل منها تحمل نصف جينات النحلة.
وحساب أي الصفات تؤدي إلى جينات أكثر، وتحديدًا متى ولأي حد تكون التضحية بصورة واضحة ودقيقة، هو ما أعطى علماء بيولوجيا التطور القدرة على وضع نماذج حسابية من شأنها أن تتوقع بصورة صحيحة كم مُعاون يمكن أن يسمح به الطائر في عشه؟ وكم مرة يجب على الدبابير أن تأكل إخوتها؟ ولكن هذه الخوارزمية الدقيقة للانتقاء الطبيعي تكون نافعة لعلماء بيولوجيا الفلك أيضًا، فلا بد للخيط أن يأخذنا لآخره؛ الحياة مميزة بسبب تصميمها الخارجي، والطريق الوحيدة للحصول على تصميم دون مصمم هي الانتقاء الطبيعي، وبالتالي يجب أن تكون الكائنات الفضائية منتجات للانتقاء الطبيعي، والانتقاء الطبيعي يسير على خطوات محددة، وبإمكانه أن ينتج أنواعًا محددة من الكائنات، ومن هنا تمكن علماء بيولوجيا الفلك من توظيف نظرية الانتقاء الطبيعي وكذلك رياضيات التطور لوضعتوقعات عن الكائنات الفضائية.
هل هنالك استثناءات؟
لا يمكننا الحصول على حياة معقدة – حتى لشيء بسيط كالبكتيريا – دون الانتقاء الطبيعي. حتى بالنسبة لكائنات فضائية غير عضوية أو مبنية على حاسوب، ستكون بصورة تامة منتج متطور للانتقاء الطبيعي. ولكن لنضرب مثالًا بحالة متطرفة؛ تخيل مجموعة من الجزيئات المستنسخة كجيناتٍ مجردة ضئيلة على كوكب خارجي، إذا صنعت هذه المستنسخات نسخًا من نفسها فهذا يعني الوراثة، ولكنها نسخ مثالية في كل مرة (لا وجود للتنوع أو النجاح المتفاوت)، فلن تحصل على انتقاء طبيعي.
هل ستكون هذه حياة؟ من الممكن، ولكنها لن تكون مثيرة جدًّا، وذلك لسبب واحد؛ دون التنوع لا يمكن للجزيئات أن تتغير أبدًا أو أن تكون أكثر تكيفًا أو أن تتطور لشيء أكثر إثارة أو تعقيدًا، فالعثور على بكتيريا أو دببة على كوكب ناءٍ سيضع احتمالًا بأن الكون قد يكون مكانًا يعج بالحياة على كل الأشكال والأحجام، ولكن هذه المستنسخات لا تقترح أي شيء، والشيء الأكثر إشكالية أن وجودهم على الأرجح سيكون عابرًا؛ فبدون الانتقاء الطبيعي لن يكونوا قادرين على التماشي مع التغيرات على كوكبهم، ولذا فسيختفون قبل أن نعثر عليهم،فشعار الانتقاء الطبيعي صارم حتى على تلك الحدود النائية، وهو ما يعطينا الحرية في توظيف نفس الأدوات التطورية التي نستخدمها على الأرض لوضع توقعات عن الحياة في أماكن أخرى.
تم استنتاج ما سبق من أعمال في مجال بيولوجيا الفلك مما حدث على الأرض، ومن المحتمل أن يكون ذلك قد قصر رؤيتنا على سمات مميزة محددة مثل الـ DNA أو الحياة المعتمدة على الكربون وهي أشياء لن تصمد على الكواكب الأخرى، ولكن من ناحية أخرى نجد الانتقاء الطبيعي أمرًا كونيًّا، فهو لا يعتمد على الـ DNA (بالطبع لم يكن تشارلز داروين يعلم شيئًا عن الجينات) أو كيمياء الكربون أو وجود الماء، إن الانتقاء الطبيعي بسيط بصورة غير معقولة؛ فهو يتطلب مقومات قليلة وهو الطريق الوحيدة لإنتاج الحياة.
صورة ذهنية عما سبق؛ ستظهر كيانات مصممة ظاهريًّا لتلائم محيطها وتكون بداية التشكل، لا يمكننا القول ما إذا كانت الصورة المشوشة للكائن الفضائي سيكون بها عينين أو أطراف أو أنه أخضر اللون مثلًا، ليس هذا نوع التوقعات التي يمكن أن تضعها نظرية تطور صالحة، ولكن الانتقاء الطبيعي يخبرنا أن أشكاله وأهدافه ومساره التطوري أمر محدد.
أحد الأمثلة التي يقترحها فريقنا في الشكل الكارتوني بالأعلى هو ما نطلق عليه بشكل هزلي «الأوكتومايت»؛ وهو عبارة عن تجمع من الكيانات المنفصلة التي تعمل مع بعضها لتبقى وتتكاثر ووتطور، كيف سنعرف كائنًا فضائيًّا؟ قد يضم تسلسلًا هرميًّا من الكيانات التي تتضافر منافع طبقاتها الدنيا مع مكونات طبقاتها العليا، كما تظهر الصورة التي تخيلناها تقسيم العمل، إذ تتخصص تقوم أجزاء محددة بمهام محددة عبر اعتماد متبادل.
هذا أثر النظرية التطورية مع دمجها بأدوات بيولوجيا الفلك، وهي مجرد بداية، ولكن ما الذي قد يخبرنا به داروين عن الكائنات الفضائية أيضًا؟ يبدو أنه سيخبرنا بالكثير. إذا ما تحققت أو متى تحققت الصورة، فستكون شيئًا فائق الغرابة للعين المجردة، ولكن بالنسبة لطالب في قسم بيولوجيا التطور، فستبدو وبصورة مفاجئة مألوفة للغاية!