مهرجو العروش: كيف يسخر الواقع من المتخيل الليبرالي؟
أثناء حملة التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ادّعت الحملة المؤيدة للخروج أن البقاء يكلف المملكة المتحدة 350 مليون جنيه إسترليني في الأسبوع. قامت العديد من وكالات الأنباء والمعاهد البحثية ووكالات الإحصاء واستطلاعات الرأي بالبحث عن حقيقة هذه المعلومة وأثبتوا خطأها، إلا أن الحملة بالرغم من ذلك استمرت في استخدام هذا الرقم في خطاباتها حتى يوم الاستطلاع.
على الجانب الآخر من القارة الأوروبية كشف تقرير للبي بي سي عن ازدياد ثروة الكثير من المراهقين والشباب في بلدة مقدونية صغيرة، فقد امتلأت شوارع البلدة بالسيارات الفارهة التي لم تشهدها من قبل وذلك أثناء فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبعد التقصي اكتشفت الصحفية التابعة للشبكة بأن شباب هذه البلدة يتربحون من مواقع الأخبار الزائفة عن دونالد ترامب بالاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي و التكسّب من أرباح الإعلانات التي تملأ هذه المواقع. يقول أحد هؤلاء المراهقين للصحفية البريطانية «الأمريكيون أحبوا قصصنا، ونحن جنينا بعض المال منهم، من يهتم إذا كانت قصصًا حقيقية أم مزيفة؟».
في هذه التدوينة يعرب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عن عدم إيمانه بالاحتباس الحراري زاعمًا أنه اختراع صيني لمنع عودة التصنيع إلى الولايات المتحدة ومنافسة الصين.
لا يسع المقام بطبيعة الحال لسرد جميع المواقف والتصريحات التي طفت على وجه السياسة العالمية والتي تدل على فقدان قيمة «الحقيقة» لأهميتها الجوهرية في المجال السياسي واستبدالها بـ «الحقائق البديلة» بتعبير قادة الموجة الشعبوية الجديدة التي تجتاحُ العالم الغربي، إلا أنه في هذا السياق لا يمكننا أن نتجاهل المخاوف التي أبداها تشارلز مانسكي، أستاذ الاقتصاد بجامعة نورثويسترن، من أنه في ظل تسيّد هذا التيار للسلطة السياسية لم يعد بالإمكان الثقة في نتائج استطلاعات الرأي ووكالات الإحصاء والمعلومات الحكومية لأن العاملين فيها سيكونون عرضة للضغوط السياسية إما بقطع التمويل أو باستخراج النتائج التي تناسب المزاج السياسي.
نحن نشهد إذن عصرًا من الممارسات السياسية لا يكفي مصطلح «الكذب السياسي» للدلالة عليها، إذ حين لا يعود للحقيقة قيمتها تصبح كلمة الكذب مجرد أحرف مرصوصة دون أي مدلول تشير إليه. هو عصر «ما بعد الحقيقة» إذن وما بعد الكذب أيضًا. المابعد هنا تخلو من سياقها الزمني إذ لا يمتاز زمن معين بأنه مبني على الحقيقة وآخر لا، بل تدل على فقدان الحقيقة لـقيمتها كمعيار يتم الاحتكام إليه في الممارسات السياسية والاجتماعية والفكرية.
سياسات ما بعد الحقيقة
ما بعد الحقيقة هي نزعة أو بالأحرى ثقافة سياسية يتشكل فيها الرأي العام بعيدًا عن الحقائق وبفعل المشاعر والآراء الشخصية.، يعرفها آخرون بأنها تعبير عن وضع تنقطع الصلة فيه بين النقاشات العامة والحملات الانتخابية وصناعة السياسة الفعلية.
في العام 2016 اختارت موسوعة قواميس أكسفورد مصطلح «ما بعد الحقيقة» «post-truth» مصطلح العام، مع زيادة في استخدامه بلغت بحسب الموسوعة 2000%، في السياقات التي ارتبطت باستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الرئاسية الأمريكية وكذلك في سياقات مرتبطة بأنظمة وحركات أخرى وكذلك في إطار تبرير صعود حركات اليمين الشعبوي في جميع أنحاء العالم الغربي. وأول من استخدم المصطلح كان الكاتب المسرحي الأمريكي من أصل صربي ستيف تيزش واصفًا فضيحة ووترجيت وقائلاً «إننا مواطنو الدول الحرة قررنا وبكامل إرادتنا أن نعيش في عالم ما بعد الحقيقة!».
يرى الفيلسوف البريطاني أنتوني جريلينج أن مصطلح «ما بعد الحقيقة» والسياسات المرتبطة به اكتسب أهمية خاصة بعد الأزمة المالية العالمية في العام 2008، حيث أصبح من السهل في ظل واقع الصعوبات الاقتصادية تجييش مشاعر الأغلبية في هذه الدول ضد المهاجرين والتشكيك بالمؤسسات السياسية التقليدية.
وفي دراسة بعنوان «أنظمة ما بعد الحقيقة» يُرجع الدكتور جايسون هارسين، أستاذ الاتصال السياسي بالجامعة الأمريكية بباريس، أن هناك عدة محركات اجتماعية أدت إلى بروز هذه السياسات؛ أولها عملية التزاوج المتسارعة بين المؤسسة والنخب السياسية وعلوم الاتصال وقيادة الجماهير وعلوم الإدراك، وذلك في محاولة لتغيير وعي ومنظور شرائح كبيرة من الناخبين عبر ما يسمى بـالتوجيه المصغر والذي يتضمن تقنيات دعائية مثل الشائعات والتشنيع وغيرها.
الأمر الآخر الأكثر تأثيرًا في تصاعد سياسات ما بعد الحقيقة هو تزايد الغائية وانعدام المهنية والموضوعية في شبكات الإعلام التقليدية، وظهور شبكات إعلامية جديدة مدعومة من الدول والقوى والجماعات السياسية تهدفُ لتشكيل الخطاب الإعلامي لأغراض سياسية. لم يعد الجمهور بالمعنى الواسع يثق في هذه المنافذ الإعلامية كمصدر للمعلومات الصحيحة غير المنحازة، لكن بحسب باحثين كثر فإن منصات التواصل الاجتماعي هي الحصان الرابح في عالم ما بعد الحقيقة.
تلعب منصات التواصل الاجتماعي دورًا مزدوجًا في صناعة عالم ما بعد الحقيقة. الدور الأول الذي تلعبه الشركات التكنولوجية والخوارزميات التي تهدف لإرضاء رواد هذه المنصات وإبقائهم وعرض المحتوى الذي يروق لهم بغض النظر عن كونه حقيقيًا أم مزيفًا وذلك لأغراض استثمارية ودعائية محضة، سلعة هذه الشركات الرئيسية هي البشر بما يمثلونه من قدرات استهلاكية ومصادر للبيانات، وقد ساهمت السياسات الاقتصادية لهذه المنصات على زيادة تقوقع روادها وانعزالهم في محيط اجتماعي افتراضي يوفر لهم الاتساق وتحقيق الذات.
الدور الثاني يلعبه رواد هذه المواقع أنفسهم وذلك عبر ما توفره هذه المنصات من مركزية ذاتية لا تصبح فيه للحقيقة أهميتها بقدر ما يعتقده صاحب الشخص ويعبر عنه باعتباره رأيه الشخصي، بتعبير آخر فإن المجال العام المؤسس على هذه المنصات الافتراضية يقوم على الآراء الشخصية دون أي اعتبار لأهلية صاحب الرأي ومدى مصداقيته.
الحقيقة وما بعد الحداثة
في لقاء مع شبكة البي بي سي شن أنثوني جريلينج هجومًا حادًا على فلسفات ما بعد الحداثة مشيرًا إلى أنها تقبع في جذر كل خطاب سياسي لا يولي للحقيقة اعتبارها. لقد فتحت هذه الفلسفات من وجهة نظره الباب لنزع القيمة عن الحقيقة. يضعنا هذا الاتهام في معرض سؤال مهم: هل تتحمل الفلسفة مسؤولية تصويت الناخب الأمريكي لـدونالد ترامب؟، وهل وصلت ماريان لوبان إلى جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية على أكتاف جاك دريدا؟.
بالفعل تشكل الحقيقة والبحث عنها همًا مركزيًا ومنطلقًا رئيسيًا للفلسفة ومناهجها، وهي تبحثها ضمن فرعين رئيسيين من فروعها؛ هما الإبستمولوجيا والمنطق. تبحث الإبستمولوجيا كيفية تشكّل معرفة الإنسان وقضاياه وكيفية تطور وعيه ونظرته للعالم، ويمكننا في هذا المقام أن نقدم تعريفًا للمعرفة البشرية يسمح لنا باستبيان الفروق بين المدارس الإبستمولوجية المختلفة.
بتعريف مختصر يمكننا القول بأن المعرفة البشرية هي «اعتقاد مؤسس على حقيقة مبررة». أركانها الثلاثة إذن هي الحقيقة والاعتقاد بها بناءً على نوع من التبرير أو الوثوقية. اختلاف المدارس على ركن «الحقيقة»، وكيفية معرفتها، نشأ عنه علم المنطق بينما تقوم الاختلافات بين المدارس الإبستمولوجية المختلفة على ركني الاعتقاد والتبرير. في هذا السياق يبرز لنا طريقان أساسيان لتشكل وتوثيق المعرفة: الأول قائم على الدليل الشهودي أي ليس بالإمكان تبرير المعرفة أو استيثاقها إلا من خلال دليل أو شاهد على صحتها ويكون التبرير فيه داخليًا نابعًا من الفرد. تتمركز المدرسة «الوضعية» سليلة الإرث الفلسفي التجريبي الأنجلو ساكسوني على هذه الرؤية، وترى أن المعرفة يجب أن تكون كونية خارجة عن أي سياق لا تحتاج سوى شهود فردي أو بتعبير آخر منزوعة من القيمة الاجتماعية والأخلاقية والسياسية.
أما الثاني قائم على مدى مصداقية واعتمادية مصدر المعرفة، ويكون التبرير خارجيًا من البيئة المحيطة بالفرد. تتخذ فلسفات «ما بعد الحداثة» بشكل كبير هذه الرؤية الإبستمولوجية للمعرفة مركزًا لها. من وجهة نظرهم إذن تتكون المعرفة على أساس محلي ظرفي يقوم عوامل البيئة والمحيط الاجتماعي والاعتقادي الذي تنشأ فيه هذه المعرفة، في المقابل تنقسم المناهج المنطقية الحديثة في تعريف الحقيقة نفسها بشكل عام إلى ثلاث مدارس؛ أولها نظرية التطابق أو التوافق حيث لا يمكننا أن نصف قولاً أو اعتقادًا بأنه حقيقي ما لم يتطابق مع الشيء الذي نصفه أو نعتقده كما هو، ويخدم هذا التصور للحقيقة المدرسة الوضعية، أما التصور الثاني فهو قائم على يسمى بـالترابط المنطقي؛ أي أن قولاً أو اعتقادًا ما لا يكون حقيقيًا إلا إذا كان جزءًا من نظام اعتقادي تترابط أجزاؤه بطريقة منطقية ومع ذلك يشكل هذا القول أو الاعتقاد جزءًا من الحقيقة وليس الحقيقة كلها. المدرسة الثالثة وهي المدرسة النفعية التي ترى أن الحقيقة الوحيدة هي التي يمكن اختبارها الاستفادة منها عمليًا.
لا يمكننا أن نقول إذن إن فلسفة ما كانت قادرة على نزع القيمة عن الحقيقة أو تجاوز تقديم تعريف لها وتحديد معيار لمقايستها، وفي هذا الإطار لم تقدم فلسفات ما بعد الحداثة بمناهجها الثلاث الرئيسية «الهرمينوطيقا والحفريات والتفكيك» تنظيرًا جديدًا للحقيقة، إنما بحثت في جذور تشكل المعرفة والمعنى واللغة. تقارب هذه الفلسفات قضايا المعرفة والحقيقة مقاربات لغوية تبحث في تفسير النصوص المؤسسة لهذه المعرفة وكيفية تكون المفاهيم الاجتماعية والسياسية والمناهج العلمية …إلخ.
تبحث الهرمينوطيقا أو التأويل عن المعنى المتصل للوجود الإنساني، بينما تنبش الحفريات عن البنى المؤسسة للوعي والمفاهيم، وبينما يقوم التفكيك بمهمة تفكيك المفاهيم للوصول إلى مركباتها الأصلية وتفكيك هذه المركبات وبيان المسلمات التي تقوم عليها. ولكي تقوم هذه المناهج الما بعد حداثية بمهمتها لا تستطيع العمل خارج مناظير الاجتماعية المحلية والسياسية والعلمية واللغوية وحتى الزمنية التي نشأت فيها هذه النصوص المؤسسة. من هذا المنظور لا تقوم فلسفات ما بعد الحداثة بالتأسيس أو تبرير عصر «ما بعد الحقيقة» بل تكشف عنه وتتوقعه وتسلط الضوء على الشروط المؤسسة له.
بيت الورق الليبرالي
إذا كانت ما بعد الحداثة تنبش ولا تؤسس، تكشف ولا تنظر فلا يضيرنا إذن أن نخوض مغامرة ما بعد حداثية صغيرة نحاول فيها الكشف عن الشروط السياسية والفلسفية التي مكنت «ما بعد الحقيقة» من أن تصبح واقعًا؛ فلا شك أن العالم الغربي يحكمه بشكل كبير أفق فكري وفلسفي ليبرالي يقوم على الديمقراطية التمثيلية كنظام للحكم، والرأسمالية بمدارسها وطفراتها كنظام اقتصادي، والعلمانية كأساس لبناء مجتمع الحقوق والحريات والتشاركية السياسية والاجتماعية، يتأسس هذا الأفق على سردية تتكون من عدة مسلمات ومتخيلات نجملها في التالي:
هناك حالتان للحياة الإنسانية؛ الحالة الأولى هي حالة التوحش التي تسبق المدنية والتي يعيش فيها الإنسان حريته الشخصية ويخوض صراعًا ضد الجميع من أجل تحقيق رغباته وإشباع حاجته، تلي هذه الحالة مرحلة المدنية التي يصل فيها الإنسان إلى قدر من العقلانية تسمحُ له من إدراك أن السبيل الوحيد لإشباع هذه الرغبات هي العمل مع الأفراد الآخرين ضمن إطار مدني عقلاني يحفظُ حقوق الملكية للفرد ويحفظ حقّه في السعي لإشباع رغباته عبر آلية التبادل والتعاقد السوقية؛ أي في هذه المرحلة ينبني الاجتماع البشري على نوع من التعاقد أو الاتفاق يحفظ حق الجميع ويمنع حرب الجميع ضد الجميع.
الإنسان من هذه الرؤية كائن اقتصادي في المقام الأول تدفعه مصلحته الذاتية وهو يحمل من العقلانية وحب الذات ما يمكنه من إدراك مصلحته والعمل على تحقيقها، وفي هذه الحالة ليست وظيفة الدولة أو الحكومة سوى أن تحمي حقه في التملك وتدافع عن حدود السوق الذي يحقق فيه مصلحته ويزيد فيه من ملكيته؛ إذ هو منشغل في تحقيق هذه المصلحة لا يملك من الوقت ما يشارك به في المجال العام وتشريع القوانين؛ لذا تتأسس السلطة الليبرالية على ديمقراطية تمثيلية يقوم فيها البعض بتمثيل الأفراد الآخرين في نظام الحكم والعمل على تحقيق وتعظيم مصالحهم والدفاع عنها.
المواطن إذن وفقًا لهذه الرؤية مواطن سلبي تتحقق مواطنته تحت مظلة قانونية وحقوقية تسمح له بالعمل ولا تتطلب منه مشاركة سياسية فعالة. يرى «جوزيف شومبيتر»، عالم الاجتماع والاقتصاد الأكاديمي والسياسي التشيكي وأحد أهم المنظرين للديمقراطية التمثيلية، أن الديمقراطية يجب أن تكون نخبوية يمارس فيها نخبة من الطبقة المتعلمة والمثقفة الحكم الذي تفوضه لها الجماهير في مناسبات محددة؛ أي أن دور الشعب يقتصر على الذهاب لصناديق الانتخابات دوريًا لضمان التداول السلمي للحكم وليس لممارسة السياسة فعليًا.
بعد استقرار هذه الديمقراطية التمثيلية طرأت طفرة على الرؤية السياسية والاقتصادية لليبرالية سميت بـالنيوليبرالية لم تعد تتبنى المنظور النقدي للمواطن الذي يسعى لتحقيق مصلحته الذاتية أم لا، بل تبنت هذه المدرسة الجديدة وجوب تهيئة المواطن وإعداده ليكون قادرًا على العمل والحياة ضمن آليات السوق. ليس المواطن فقط إنما كذلك المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يجب أن تكون جزءًا من السوق وتروسًا تعمل على توسعته على الدوام.
برزت هنا إلى السطح مسلّمة أخرى أو متخيل آخر ضمن السردية الليبرالية؛ وهي أن كل الأفراد متساوون في الفرص والقدرات والإدراك لمصلحتهم الذاتية والسعي لتحقيقها وإن لم يكونوا كذلك فعليًا يجب تحويلهم لهذه الرؤية المتجانسة حيث يكون انتماء الأفراد جميعًا للسوق وللمصلحة الذاتية والرغبة والحاجة واللذة وليس لأي هويات اجتماعية أو جندرية أو جنسية أو دينية؛ هذه السردية التي اكتسبت قوتها الذاتية من القوة الاقتصادية والسياسية للنخب التي تتبناها وتروج لها تواجه الآن انهيارًا أو مقاومة ورد فعل بعد الانهيارات المتتالية للأسواق العالمية وتوسيع هامش مقاومتها من الهوامش إلى المركز ومن المحلية إلى العالمية.
في النهاية لا يولد الإنسان متوحشًا ثم يتمدن، وبتعبير هيجل لم تكن حالة ما قبل مدنية فالإنسان وجد دائمًا في مجتمع وليست المصلحة الذاتية هي المحرك الوحيد للصراع داخل هذا المجتمع؛ لأن إدراك الإنسان لمصلحته الذاتية ومعرفته بها تتشكل في جانب كبير منها من إدراك المجتمع المحيط والمعرفة الجمعية التي ينتجها ورؤيته وثقافته التي يتبناها. افتراض أن كل إنسان قادر على تشكيل إدراك ومعرفة كافية بمصالحه الذاتية يحرم أفرادًا كثيرين يعتمدون في إدراكهم ومعرفتهم على المجتمع المحيط من فرصة دخول السوق أصلاً ناهيك عن المنافسة فيه.
ليس كل البشر متساوين في القدرات والمعارف والإدراك وافتراض هذا التساوي أدى في النهاية إلى تباين كبير في توزيع الثروة والسلطة وانهيارات متعاقبة للأسواق المالية وتزايد مشاكل الفقر والمجاعات والحروب وأمام هذا بيت الورق الليبرالي المتهاوي، كان من الطبيعي أن يلجأ الأفراد إلى ملاذات اجتماعية وعرقية ودينية وشعبوية قبل ليبرالية ولم يمكن بإمكانهم فعل ذلك دون رفض الحقيقة الكونية التي تتأسس عليها هذه الفلسفة والمسلمات والمتخيلات التي أقامت عليها بيت الورق الذي ما يلبث أن ينهار.