كيف تعاونت باكستان مع القاعدة لتصفية 7 من رجال الـ CIA
همام خليل البلوي، طبيب أردني وعميل مزدوج فجر نفسه يوم 30 من ديسمبر في قاعدة أمريكية بالقرب من خوست في أفغانستان ما أدى إلى مقتل 7 من عناصر المخابرات المركزية الأمريكية وضابط مخابرات أردني هو الشريف علي بن زيد المنتمي للأسرة المالكة في الأردن.
كان هذا التفجير أعنف عمل موجه ضد المخابرات المركزية الأمريكية منذ 25 عاما؛ لاحقًا أعلنت طالبان وتنظيم القاعدة مسئوليتهم عن التفجير.
العميل المزدوج .. أو هكذا ظنوا
تبدأ قصة البلوي مع الغزو الأمريكي للعراق وما نتج عنه من موجة راديكالية اجتاحت تفكير الشباب في الوطن العربي كله، تحكي زوجته «دفنة بيراق» أن همام بدأ بالتردد على المنتديات الجهادية كمتابع ومشارك ومحرض علي الجهاد ضد الأمريكان وعرف في الوسط الجهادي في هذه الفترة بكنيات مختلفة لكن لم تربطه صلات تنظيمية بأي فصيل إسلامي. حينها جذب همام انتباه المخابرات الأردنية التي تتابع هذه المنتديات و المجموعات علي الإنترنت وخصوصا الضابط علي بن زيد أحد أقارب الملك عبدالله الثاني ،وفي 2008 ومع عملية الرصاص المصبوب، سجل همام نفسه مع مجموعة من الأطباء بدافع تقديم المساعدة الانسانية للمحاصرين في قطاع غزة ما أدى إلى اعتقاله من قبل السلطات الأردنية.
خرج همام من السجن بعد 3 أيام ولاحقا أخبر زوجته أنه قد قرر الذهاب إلى تركيا من أجل استكمال دراسته وسافر همام إلى باكستان ومنها إلى أفغانستان.وفقا لمصادر صحفية فقد عرضت المخابرات الأردنية والأمريكية على همام خليل البلوي العمل معها في تتبع كبار قادة القاعدة مقابل مبالغ مالية ضخمة وصلت إلى نصف مليون دولار أمريكي. وافق البلوي علي هذا العرض ومنذ تلك اللحظة أصبح عميلا مزدوجا للمخابرات الأردنية و الأمريكية تتلخص مهمته في اختراق تنظيم القاعدة في أفغانستان مستغلا شبكة العلاقات التي كونها من المنتديات الجهادية.
ظل همام علي تواصل متقطع مع علي بن زيد الضابط الأردني مقدما معلومات متفرقة تمكنت الCIA والمخابرات الأردنية من إثبات صحتها والاستفادة منها، لاحقا ادعى البلوي لقاءه بأيمن الظواهري لفحص حالته الطبية وقدم تقريرا إلى المخابرات الأردنية واصفا فيه التاريخ المرضي للظواهري والذي كان متطابقا مع المعلومات التي تمتلكها الCIA .
مبروك .. سنقتل الظواهري
أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة
مدير المخابرات المركزية الأمريكية «ليون بانيتا Leon Panetta» في اجتماع مع مجلس الأمن القومي.
إذن أصبح أيمن الظواهري الصيد الثمين في متناول يد المخابرات الأمريكية. طلبت المخابرات اللقاء مع همام لتنسيق عملية القضاء على أيمن الظواهري، واختير المعسكر بالقرب من خوست ليكون مكانا للقاء، وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه على اتصال مستمر مع هذه المجموعة المسئولة عن اللقاء.
جهزت الCIA ترحيبا حارا يليق بالرجل الذي سيوصلهم إلى الظواهري، وفي يوم الثلاثين من ديسمبر دخل همام المعسكر وبدون تفتيش مسبق لسبب لم يعرف حتى الآن متخطيا أبسط قواعد التأمين، التقى همام برجال المخابرات الأمريكية و بالضابط الأردني، وعندما اقترب منه الحراس ليفتشوه فجر همام نفسه موديا بسبعة من أهم رجال المخابرات المركزية الأمريكية وبرجل المخابرات الأردني علي بن زيد.
وثائق أمريكية تتهم باكستان
كان همام عميلًا مزدوجًا خدع المخابرات الأمريكية والأردنية لينفذ عملية لصالح طالبان و القاعدة، كان هذا هو المعروف والمتداول حتي 14 من أبريل الجاري؛ ولكن الأسبوع الماضي حمل تطورات مثيرة بخصوص تلك الرواية. فمؤخرا كشفت الولايات المتحدة النقاب عن وثائق حكومية تشير إلى تورط المخابرات الباكستانية في هذا التفجير. فبموجب قانون حرية تداول المعلومات، نشر أرشيف الأمن القومي بجامعة جورج واشنطن وثائق حكومية تتهم المخابرات الباكستانية بالوقوف خلف التفجير الذي تم في القاعدة الأمريكية بخوست عام 2009م.
تحدثت هذه الوثائق عن لقاء جمع ضباطًا من جهاز المخابرات الباكستانية مع شخصين ينتميان لشبكة حقاني، وهي جماعة جهادية حليفة لطالبان تعمل بشكل رئيسي في محافظة بكيتا وولاية خوست شرقي أفغانستان. وفقًا للوثائق فقد دار اللقاء حول تمويل عملية انتحارية يقوم بها همام في قاعدة تابعة للمخابرات الأمريكية، ووفقًا للمذكرة فقد قدمت المخابرات الباكستانية مبلغ 200 ألف دولار لشبكة حقاني لتسهيل تنفيذ الهجوم المزمع. كان نصف المبلغ من نصيب «أرغوان» وهو قائد أفغاني في حرس الحدود أُوكلت إليه مهمة إيصال همام إلى قلب قاعدة خوست، لكن «أرغوان» لم يتسنى له الحصول على حصته من المبلغ المتفق عليه لأنه كان هو الآخر ممن قتلوا في الانفجار. ووفقا للاعترافات الأمريكية، المثبتة مسبقًا، فقد كان «أرغوان» هو نفس الوسيط الذي كلفته المخابرات الأمريكية بإحضار همام إلى القاعدة.
هنا انتهت رواية الوثائق التي كشف عنها أرشيف الأمن القومي الأمريكي مؤخرًا، ورغم المعلومات الخطيرة التي تضمنتها إلا أنها لا تحتوي دليلًا قاطعًا على مصداقية النظرية التي تصنعها، باستثناء نجاحها في منح إجابة معقولة تجيب على السؤال الذي عجزت الCIA عن تفسيره، وهو كيف تمكن همام من الوصول إلى قلب القاعدة وبحوزته تلك المتفجرات؟ إذ يبدو أن ثقة الCIA في «أرغوان» كانت هي المفتاح الذي استطاع همام من خلاله الوصول إلى قلب قاعدة خوست شديدة التحصين، دون المرور بأي من إجراءات التفتيش والأمان المعتادة، ليصبح وجها لوجه أمام 7 من أهم رجال المخابرات الأمريكية، ويتخلص منهم.
بالطبع قامت حكومة باكستان بنفي تورطها في حادثة خوست حيث قالت على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أن الادعاءات التي تروجها وسائل الإعلام عن تورط باكستان مع جماعة حقاني منافية للعقل. يتماشي هذا التصريح مع آراء بعض المحللين الأمريكيين الذين أشاروا لكون الرواية الواردة في هذه الوثائق تفتقد للمصداقية الكافية، فهي لم تحدد أسماء بعينها من المتورطين من جهاز المخابرات الباكستاني، كما لم تحدد توقيت الاجتماع الذي تم بين المخابرات الباكستانية وشبكة حقاني.
أطلقت الوثيقة عاصفة من التساؤلات داخليا وخارجيا بالنسبة للولايات المتحدة، وبالتأكيد فقد تبع هذه المعلومات مراجعات جادة لعلاقة جهاز الCIA ببقية الأجهزة الحليفة سواء المخابرات الأردنية، والتي تحدثت عن همام البلوي كعميل موثوق به وضمنته لدي الCIA، أو المخابرات الباكستانية التي قد تكون عملت على التخلص من مجموعة من أنبغ رجال المخابرات الأمريكية وفقا لادعاءات الوثيقة.
في النهاية تظل هذه الوثيقة معلقة بانتظار أدلة سوف تتكشف في قادم الأيام؛ إما مؤكدة لمحتواها خصوصا في ظل المعلومات المتداولة عن تعاون وثيق بين جهاز المخابرات الباكستاني وطالبان، أو بحصر ذلك في كون طالبان والقاعدة قد تمكنا من اختراق عدد محدود من الضباط الباكستانيين والأفغان.