تقدس الجماهير في إنجلترا ملعبهم الشهير «ويمبلي»، يضعون اسمه كعنوان للاحتفالات، يقيمون عليه المباريات الهامة لمنتخب بلادهم وكذلك اللقاءات الاحتفالية للبطولات المحلية. يُعتبر ذلك روتينًا مما يزيد عن الأربعة عقود، لكن في عام 1970، هناك ما ساء أحد الاحتفالات المُعتادة على نفس الملعب.

كانت أرضية الملعب مروعة إلى حدٍ واضح، منهكة وبها رُقع وحُفَر كبيرة، وبالرغم من ذلك لُعب اللقاء النهائي لكأس الاتحاد الإنجليزي عن عام 1970، والذي انتهت أحداثه بتعادل إيجابي بهدفين مقابل مثلهما، لكن سوء أرضية الملعب في تلك المباراة جعل إدارة الاتحاد الإنجليزي تُقرر نقل مباراة الإعادة والاحتفال إلى ملعب آخر وهو ملعب «أولد ترافورد».

قبل إقامة ذلك اللقاء كان أحدهم قد دنس قداسة ملعب ويمبلي المُعطاة من قبل جمهور كُرة القدم، لكنه لم يكن مُطربًا هذه المرة، بل كان فارسًا.

«شاكوش» بلا جواد

في شباط/فبراير عام 2020، استسلم أحد منظمي الحفلات الكُبرى للرغبات الدعائية والميل الجماهيري، وقرر إقامة حدث ضخم بالملعب الرئيس لإستاد القاهرة الدولي، بمناسبة عيد الحب. أحيى هذا الحفل عددًا من النجوم المشهورين في الأوساط العربية، أمثال: «تامر حسني»، «نانسي عجرم» و«وائل جسار»، لكن الأضواء -جميعها- قد سُلطت على وجود مُطربي المهرجانات «حسن شاكوش» و«عمر كمال».

انهالت الاعتراضات على ذلك الحفل بسبب تواجد الثنائي وغنائهما للأغنية الأشهر على موقع «Sound-cloud»، وثاني أكثر الأغنيات استماعًا في عموم ما سُمع على الموقع نفسه، وهي أغنية «بنت الجيران».

https://twitter.com/Geddo/status/1228638216544292864?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1228638216544292864&ref_url=https%3A%2F%2Farabic.cnn.com%2Fentertainment%2Farticle%2F2020%2F02%2F16%2Fhassan-shakosh-omar-kamalok-controversial-song

وكعادة الاعتراضات من ذلك النوع، يتم المقارنة مع الأوساط الأوروبية، مؤكدين أن مثل تلك الأحداث لا تحدث في الخارج أبدًا، لأنها أوروبا والدول المتقدمة طبعًا. لذا دعنا نُقدم لك مجموعة من أشهر الأحداث غير الكروية التي وقعت على ملاعب عريقة مثل ويمبلي.

قبل النهائي المزمع إقامته بين ليدز يونايتد وتشيلسي عام 1970، والذي نُقلت إعادته إلى مدينة مانشستر، استقبل ملعب ويمبلي مسابقة فروسية شهيرة تُدعى «حصان العام»، وهو ما تسبب في تهتك أرضية الملعب وجعلها غير صالحة لكرة القدم ومن ثم إفساد الاحتفال السنوي الذي يقام في نهائيات البطولات المحلية.

لا تقتصر تلك الأحداث على ملعب ويمبلي فقط، فمثلًا نشر موقع «Wales online» مجموعة صور بعنوان «24 حدثًا غريبًا لا تعرف أنهم قد أقيموا على ملعب نينيان بارك» وهو الملعب الرسمي السابق لفريق كارديف سيتي.

بعيدًا عن الزيارة الدينية التي أقامها بابا الفاتيكان «جون بول» للملعب عام 1982، فلقد استقبل ملعب كارديف عدة أحداث بعيدة كل البُعد عن الرياضة في المطلق، وليس فقط كرة القدم. فبالعودة إلى خمسينيات القرن الماضي، نجد أن رئيس الوزراء البريطاني الشهير «وينستون تشيرشيل» قد استغل إمكانية تجميع حشود داخل الملعب الذي يتسع لأكثر من 20 ألف مناصر، وقرر إقامة أحد مؤتمراته الانتخابية بداخله.

ليست المرة الأولى للحشيش

نشرت شبكة «CNN» مجموعة من التعليقات المُعترضة على الحدث الخاص بحسن شاكوش وبنت الجيران، وأشار أحدها إلى أن ترديد كلمات الأغنية يبعث في اللا وعي لهؤلاء الشباب، فرصة للانصياع خلف تلك الكلمات ومن ثم شرب المخدرات بسهولة، وهو ما أكده أغلب الإعلاميين المصريين مؤكدين أن ترديد آلاف الشباب لهذه الكلمات يعد أمرًا مُحزنًا.

لم يكن بوسع المعترضين على حفل شاكوش التطرق لنوع الفن نفسه، لذا لم يجدوا في وسعهم إلا تصيّد كلمات الأغنية الشهيرة، التي لا تعتبر غريبة مقارنة بأمثالها من الأغنيات المندرجة تحت نفس النوع، ووضعها في صورة: غير المتوافقة مع قدسية المكان المقام عليه الحفل.

بالنظر للتجربة الأوروبية من جديد، سنكتشف وجود حفل أُقيم على ملعب كارديف أيضًا أحياه مُطرب فن الـ«ريجي» الشهير «بوب مارلي»، والذي يمتلك أغنية شهيرة باسم «Smoke 2 Joints» أو دخنت سيجارتين من الحشيش، قدم مارلي تلك الأغنية في هذا الحفل الذي أقيم عام 1976 في ملعب كرة القدم الأشهر في دولة ويلز، وربما تراقصت جماهيره عليها.

لكن بالنظر إلى تجربتنا المصرية، نجد أن الرؤية تختلف بعض الشيء، وهو ما يضع توجه الدولة بذراعيها الثقافي والاجتماعي في حالة تعارض واضح بين استغلال الرياضة وكرة القدم في قتل مرض المخدرات والإدمان، وبين سعيها لإقامة حفل غنائي ضخم على أكبر وأشهر ملعب بمصر، تتردد فيه كلمات من نوع «وأشرب خمور وحشيش».

أنت أقوى من الرياضة

في يونيو/حزيران من عام 2020، ستحتفل الحكومة المصرية بمرور العام الرابع على انطلاق حملة «أنت أقوى من المخدرات» والتي أُطلقت في عام 2016، باستغلال القيمة الاجتماعية الضخمة للنجم المصري «محمد صلاح».

تفاعل مع الحملة أكثر من 70 مليون مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي، وساعدت في نشر مراكز علاج الإدمان على مستوى الجمهورية، حيث زاد عددهم إلى 23 مركزًا بمرور 3 أعوام فقط على بدء الحملة، بعد أن كان عددهم يساوي 12 مركزًا فقط في عام 2014، تسببت في علاج قرابة نصف مليون مُدمن من ذلك المرض.

دفع نجاح تلك الحملة تجار المخدرات المتضررين من تأثير صلاح الإيجابي على المجتمع، لتدشين حملة مناهضة باسم «أنت أقوى من صلاح». لا نعلم مدى قرب مؤسسي الحملة الأخيرة من منظمي حفل عيد الحب التي أقيمت في ستاد القاهرة، لكن هناك رابط لا يمكن تجاهله.

أُقيمت حملة المخدرات بالتعاون مع صلاح بعد أن وجدت الدولة الإحصاء الخاص بمدمني المخدرات قد وصل إلى 10% من إجمالي الشعب المصري، وهي نسبة مرتفعة كان لابد من مواجهتها بحملة مجتمعية موسعة، لكن لو كان بالإمكان واستطعنا تحديد النسبة المُحبة لحسن شاكوش أو لفن المهرجانات عمومًا، تُرى كم ستكون النسبة؟

الآن معنا نجوم وأبطال كانوا حديث وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا، بعد النجاح الكبير الذي حققوه، بعد نجاح أغنية لم يكن يتوقع أحد أن يفوق هذا الحد، مهرجان «بنت الجيران».
مُقدمة حفل عيد الحب باستاد القاهرة الدولي فبراير/ شباط 2020

يجد الجمهور لذة في الغناء، ربما تُضاهي نفس لذة كرة القدم، والملاعب لن يوجد أفضل منها لحشد ذلك العدد الضخم ولا يتطلب تنظيمًا كبيرًا من الموارد البشرية، لأنه مكان ثابت بمقاعد واضحة تسمح برؤية لكل الحاضرين بنفس القدر تقريبًا.

لن تكون تلك المرة الأخيرة للحفلات الغنائية على ملاعب كرة القدم، وطالما تحول الأمر إلى سلعة تُباع للجمهور الراغب أكثر، فإن الأمر لن يتوقف عند ذلك الحد، بل ربما يتدنى أكثر، حسب رغبة الجمهور ليس أكثر، المعضلة الأهم في تحديد فئة ذلك الجمهور.

لا يملك أحد من أفراد الشعب تحديد نوعية الحدث المُقام على ستاد القاهرة أو غيره من الملاعب، وتحديدًا الفقراء منهم، فقط يستطيعون حضور الحدث إن كان في استطاعتهم. وطالما هناك اختلاف بين من يُحدد فرص دخول الجماهير لحضور مباراة كرة قدم، وبين من يستغل ندرة فرص دخولهم، ستظل المُعضلة قائمة.