إلى متى ستستمر الحياة على كوكب الأرض
لكل شيء تاريخ انتهاء، بما في ذلك الحياة على كوكب الأرض، والتي ستنتهي حتمًا، لكن كم من الوقت حقًا سيستغرق ذلك الأمر؟.
تخبرنا الأحافير أنّ الحياة على كوكبنا امتدّت لثلاثة مليارات سنة ونصف المليار على الأقل، واستطاعت الحياة الاستمرار رغم التجمد، الضربات المتتالية من حجارة الفضاء، التسمّم الجماعي، وحتى الإشعاعات المميتة، بالفعل يبدو أنّه من الصعب مسح الحياة كليًا من كوكبنا، لكن في الطرف الآخر لا يوجد نقصٌ في نبوءات نهاية العالم، لكن أيّها سيحدث في النهايةً حقًا؟.
انفجار بركاني قد ينهي كل شيء
الإطار الزمني: 0-100 مليون سنة
ربما كانت أقرب نقطة وصلت فيها الحياة على ظهر كوكبنا إلى الفناء المطلق هي منذ 250 مليون سنة سابقة، عند الانقراض البرمي الترياسي، حيث قضى هذا الانقراض على ما يقارب من 85% من جميع أصناف الحياة البريّة و95% من أصناف الحياة البحرية. لا أحد يعرف ما الذي حدث بالضبط، لكن يبدو أنه من غير المفاجئ أنّ الانقراض قد حصل بالتزامن مع زيادة النشاط البركاني بشكلٍ هائل. اليوم نقلق من انفجارات البراكين الهائلة مثل Yellowstone لكن الضرر الذي قد تحدثه هذه البراكين لا يقارن بما حدث منذ 250 مليون سنةٍ ماضية.
تعرّضت صربيا لنشاطات بركانية مستمرة أهلكت مساحةً من الأرض بحجم يصل لثمانية أضعاف حجم بريطانيا، في الحقيقة هذه الاندلاعات البركانية نادرة جدًا، ولا أحد يعرف متى ستحدث هجمة البراكين التالية، فقد حدث نفس الشيء منذ 200، 180، 65 مليون سنة أيضًا. إذن هي ليست متكررة بشكلٍ كبير، لكن الشيء الوحيد الأكيد:أنّها تحدث، وسيكون السؤال الأكثر أهميةً هو: «متى». يعتمد حصول انقراضٍ في هذه الحالة على المكان الذي سيضرب فيه الزلزال، وذلك لأن السبب في الانقراض الذي حدث منذ 250 مليون سنة قد لا يكون الاندلاع البركاني، بل قد يكون الملح.
إن صربيا غنيّة بالملح، ويُعتقد أنّ الاندلاع البركاني أدى لتحرير معظم هذه المواد المدّمرة للأوزون إلى الغلاف الجويّ، واضطرت الكائنات الحيّة في جميع أنحاء العالم إلى التكيف مع الإشعاعات الضارة التي كان الأوزون يمتصها، ويُعتقد أنّ ذلك قد يكون السبب الذي قتلها. للأسف كثير من مناطق الأرض غنية بالملح اليوم، ومازالت صربيا الشرقية أكبر مخزنٍ له، والبرازيل أيضًا. إذا حدث اندلاع بركاني في إحدى هذه المناطق، فإن كثيرًا من الأصناف الحيّة قد تموت، لكن من الصعب أن تختفي الحياة كليًا من على وجه الأرض، وحتى لو انتهت الحيوانات والنباتات والبشر جميعهم، إلا أن وحيدات الخلايا كالجراثيم تستطيع النجاة بسهولة.
كويكب شارد
الإطار الزمني: 250 مليون سنة
إن كان كويكب ضخم قد قضى على الديناصورات، فهل يستطيع آخر أن يقضي على الحياة كلّها في كوكب الأرض؟. مرةً أخرى، يعتمد ذلك على مكان هبوط هذا الحجر الضخم. نحن نعلم أن الأرض قد اصطدمت مسبقًا بكويكبات كبيرةٍ فعلًا، ونعلم أنها لا تعتبر مدمرةً للحياة. حفرة مانيكوغان في كندا، إحدى أكبر الحفر التي تسبب بها اصطدام كويكبي، منذ 215 مليون سنةٍ مضت، ولكنها أيضًا لم تؤدّ إلى انقراض بحجم الديناصورات. ربما يعود ذلك إلى أنّ الحفرة كانت في حجارة من الكريستالين، بعكس الحفر التي تحوي حجارةً غنيةً بالمواد المتطايرة، فهذه الأخيرة قد تصدر سحبًا من الغازات المغيّرة للمناخ مؤديةً، بشكلٍ تتابعي، إلى انقراضٍ هائل.
الشيء الجيد في هذه الحالة، أنّ الاصطدامات التي أدّت إلى انقراض الديناصورات نادرة فعلًا، وتحدث مرةً كل 500 مليون سنة، لكن لو حصل واحد فقط، فإن الانقراض الهائل الذي قد يسببه لن يؤدي إلى مسح الحياة على كوكبنا، ذلك قد يحدث في حالة اصطدم كوكبنا بشيء أكبر من الكويكب، بل بكوكب شارد. يعتقد بعض العلماء أن الأرض اصطدمت بكوكبٍ بعد تكونها مباشرةً، وتجمعت بعدها سحابات الغبار الناتجة لتشكل القمر، ويظل هذا الأمر فرضيةً بعيدة.
عندما يتجمد المركز
الإطار الزمني: 3-4 مليار سنة.
يعتقد بعض العلماء فعلًا أنّ مركز الأرض يقوم بحرف بعض الجزيئات المأيّنة التي تأتينا من الشمس، والتي قد تؤدي للتأثير سلبًا على الغلاف الجوي للأرض. إن كانوا على حق، فإنّ خسارتنا لحقل الأرض المغناطيسي يؤدي لخسارتنا للغلاف الجوي وبالتالي فناء الحياة على كوكبنا.
شيء كهذا ربما حصل في كوكب المريخ، والذي ربما قد كان ملائمًا للحياة أكثر من وضعه الحالي. في 1997 وجد جوزيف كيرشفنك من معهد كاليفورنيا للتقنية في باسيدنيا دليلًا يدعم امتلاك المريخ فيما سبق لحقلٍ مغناطيسي، وأن هذا الحقل اختفى منذ 3.7 مليار سنة. ربما سمعت أنّ الحقل المغناطيسي الخاص بالأرض بدأ يضعف، لكن لا تقلق، فهو كذلك لأنه في طريقه لتبديل جهته، وليس للموت. تحدث هذه التبادلات في الحقل المغناطيسي بشكلٍ مستمرٍ لملايين السنين، عندما يتبدّل القطبان والجهة في حقل الأرض المغناطيسي لا يعني ذلك موته كليًا، أي أنّه لن يؤثر بشكلٍ كبير على الحياة، ولحسن الحظ لن يموت حقلنا في الوقت المنظور على الأقل. ليحصل ذلك يجب أن يتصلّب مركز الكوكب بشكلٍ كليّ، نحن نعلم أن المركز الداخلي صلب، لكن الطبقة الخارجية سائلة، وتنمو الطبقة الداخلية بمقدار مليمتر واحد كل سنة، لكن لا تقلق، سماكة الطبقة الخارجية 2300 كم فقط.
انفجار أشعة غاما
الإطار الزمني: هناك نجم ثنائي قريب يدعى WR104 والذي قد يؤدي لانفجار أشعة غاما خلال 500000 سنة، لكن حتى لو حصل ذلك، فمن المحتمل أن لا يصيبنا أي خطر.
هل نحن وحيدون في هذا الكون؟، إذا كان الجواب لا، فلماذا لم نقابل حضاراتٍ فضائيةً حتى الآن؟ الجواب قد يكون نتيجة أفعال مدمّر الحياة الفضائي: انفجارات أشعة غاما. عند تفجر نجمٍ كبير أو اصطدام نجمين، تتشكل هذه الانفجارات لمدة ثوانٍ أو دقائق معدودة، ونظريًا إنّ استغرق هذا الانفجار زمنًا طويلًا، فإنّه قادرٌ على إزالة طبقة الأوزون تاركًا الأرض والحياة عليها تحت رحمة الأشعة فوق البنفجسية القاتلة.
كثير من المناطق غدت غير قابلة لاستضافة الحياة في كوننا الكبير بسبب التواتر الكبير لانفجارات أشعة غاما فيها، وذلك حسب دراسةٍ نُشرت في 2014 في جامعة برشلونة في إسبانيا، لكن تبقى منطقتنا هادئةً وآمنة حيث أنّ هذه الانفجارات تحدث قرب مركز المجرة وفي المناطق الغنية بالنجوم، وكوكبنا بعيد كل البعد عن تلك المناطق.
لكن الأرض قد تعرضت سابقًا لانفجارات غاما، ويمكن تتبع ذلك في الأحافير. وقد أخذت العديد من الأصناف في الانقراض الأوردوفيشي السيلوري، والذي يعتقد كثير من العلماء أنّه سُبب بواسطة انفجارات أشعة غاما، وحتى لو كان ذلك صحيحًا فإنّه لن يؤدي إلى الفناء المطلق. حسب مختبر فيرمي في باتيفيا، فإنّ معدل هذه الانفجارات يأخذ بالتناقص شيئًا فشيئًا، وقد يحصل حوالي 5 إلى 50 انفجارًا خلال عدة مليارات من السنوات في مجرتنا الضخمة، ولذا فإن احتمال حصولها بجانبنا يبدو ضئيلًا.
وحتى لو أثر هذا الانفجار على الأرض، فإن مياه البحر تشكل درعًا واقيًا ضد هذه الأشعة؛ مما يعني أن الحياة ستستمر، ربما بدوننا نحن البشر، لكنها ستستمر.
النجوم الجوالة
الإطار الزمني: حوالي مليون سنة.
استمرت كواكب مجموعتنا الشمسية لمليارات من السنين بتأدية رقصةٍ منتظمة حول نجمنا؛ الشمس. لكن ما الذي قد يحصل إذا قدم نجم آخر فجأة؟، قد لا تبدو هذه الفكرة معقولة، لكنها حصلت فعلًا، وبشكلٍ مفاجئ حصلت في وقت قريب، منذ حوالي 70 ألف سنة فقط، أي عندما غادر الإنسان أفريقيا. في ذلك الوقت اقترب قزم أحمر يدعى نجم شولتز من الحافة الخارجية لنظامنا الشمسية، خلال سحابة أورط.
لم يكن نجم شولتز النجم الأول الذي يمرّ عبر نظامنا الشمسي، ولن يكون الأخير، بل قد حدد العلماء بعض النجوم التي ستمر خلال نظامنا في المليون سنة القادمة. في فبراير 2015، حدد كورين بايلر جونز من معهد ماكس بلاك للفلك في ألمانيا أن نجمين قريبين قد يصلان إلى منطقتنا قريبًا، الأول Hip 85605 خلال 240000 إلى 470000 سنة والثاني GL710 قد يصل خلال 1.3 مليون سنة، ولكن مرور نجم خلال سحابة أورط لا يعني أننا سنخسر كوكبنا بسهولة، قد يدفع النجم بعض أجسام سحابة أورط للتوجه نحو مسار الأرض، لكن كما رأينا فهذا لن يدمر الحياة على كوكبنا.
نظريًا، قد يصبح كلّ ذلك أسوأ إن تفجّر هذا النجم بشكل مستعرٍ أعظم (سوبرنوفا) خلال مروره في مجموعتنا الشمسية، مرسلًا بذلك أشعة غاما إلى نظامنا الشمسي الداخلي، وكلما كان المستعر أقرب كل ما ازداد تأثير الأشعة المؤيّنة التي يطلقها، لكن احتمال حدوث هذه العاصفة الهائلة ضئيل جدًا، جدًا. ويكون النجم أخطر إذا مر في النظام الشمسي الداخلي، حيث توجد الكواكب، لكن يبقى احتمال حدوث ذلك ضئيلًا.
الحياة على كوكب الأرض قد لا تكون مستقرةً بشكلٍ أساسي. حقوق الصورة: NASA/Reid Wiseman
لا يوجد شيء لنخاف منه إلا الحياة نفسها
هناك عامل واحد مدمر يملك قوة كافية للقضاء على مختلف الأنواع، أكبر تهديد للحياة يمكن أن يأتي من الحياة نفسها، كما يسميها بيتر وارد Peter Ward فرضية ميديا Medea.
الاسم هو رد على فرضية غايا الشهيرة، التي سميت باسم آلهة الأرض اليونانية، وتقول أن الحياة تساعد على الحفاظ على الأرض قابلةً للسكن، ميديا، في تناقض صارخ، هي شخصية أسطورية يونانية مشهورةٌ بقتل أطفالها، ويقول وارد أن العديد من حوادث الانقراض الشاملة في تاريخ الأرض ناجمةٌ عن الحياة نفسها. على سبيل المثال، قبل حوالي 2.3 مليار سنة انطلق الكثير من الأوكسجين في الغلاف الجوي عن طريق أشكالٍ جديدة من الكائنات التي تقوم بالتركيب الضوئي. لم يكن هناك أبدًا كميات كبيرة من الأوكسجين، ولم تتمكن الميكروبات التي تعيش على الأرض من التعامل معها، لهذا تلا هذا الحدث انقراض هائل.
ثم وُجدت النباتات البرية الأولى، منذ حوالي 450 مليون سنة، وحطمت جذور النباتات السرير الصخري إلى التربة، مؤدية إلى تسريع التفاعل الكيميائي بين المعادن في تلك الصخور وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي؛ مما أدى إلى ندرة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وضعف تأثير الدفيئة؛ مما تسبب بحدوث عصر جليدي فتاك. في مستقبل الأرض البعيد، قد تؤدي مثل هذه الآثار إلى إفناء الحياة بشكلٍ كاملٍ من على سطح الكوكب، الشمس تزداد حرارةً مع مرور الوقت، والأرض تزداد سخونةً، أي أن التفاعل بين الصخور وثاني أوكسيد الكربون سيزداد سرعةً، إضافةً إلى تأثير جذور النباتات التي أدت إلى زيادة سرعته بشكلٍ كبيرٍ سابقًا، نخسر بذلك الكثير من ثاني أوكسيد الكربون ولن تستطيع حينها النباتات أن تقوم بعملية التركيب الضوئية، كل النباتات ستموت، تتبعها الحياة الحيوانية، كلّ ذلك قد يحصل خلال 500 مليون سنةٍ فقط.
سبتقى حينها الميكروبات فقط، لكنها ضعيفةٌ ومعرضةٌ للفناء حينها. بدون نظام حياة متماسك فإن الحياة نفسها تتجه إلى الفناء الشامل، كما حصل في جريمة القتل التي كتبتها أجاثا كريستي «جريمة في قطار الشرق السريع»، فمن المحتمل أن يحتاج الأمر عدة قتلة، يعملون في نفس الوقت تقريبًا، لتدمير جميع أشكال الحياة على الأرض، يقول وارد: «قد يكون هناك اصطدامات هائلة، أو مستعر أعظم قريب، أو حتى شيء من قبيل تجمد مركز الأرض. لن يقوم بتدمير الأرض حدث واحد فقط، ولكن إذا اصطدمت صخرة كبيرة بنا أو حصل انفجار لأشعة غاما بآثار تصل الأرض بعد أن تحاول الحياة القضاء على نفسها، فإن الفناء سيكون نتيجةً طبيعية».
توسع الشمس
الإطار الزمني: مليار إلى 7 مليارات سنة
إذا لم تنتهِ الحياة بإحدى الطرق السابقة، فإن شمسنا العزيزة ستتكفل بذلك، الشمس التي تعطينا الضوء والدفء بحنان، لن تبقى حنونةً في النهاية.
تزداد حرارة الشمس بشكلٍ طردي، وفي النهاية ستصبح شديدة الحرارة بما فيه الكفاية لتبخر محيطات الأرض، قد يستغرق ذلك مليار سنة، لكن ذلك سيمحو أكثر الكائنات الحية الدقيقة مقاومةً على سطح الأرض. بعد خمسة مليارات سنة من الآن، ستتوسع شمسنا وتكبر لتصبح قزمًا أحمر، وبعد سبعة مليارات ونصف، سيصل سطحها إلى مدار كوكبنا، لتلتهمه وتدمره.
يعتقد البعض أن الشمس تخسر كتلة بزيادة حجمها مما يؤثر على مدار الأرض ليصبح أكثر حلزونية، لكن بالرجوع إلى حسابات تمّ إجراؤها في 2008 فإن هذا التعديل الطفيف لن يحمي كوكبنا. إن كان ذلك صحيحًا، فإن أملنا الوحيد هو تطوير تقنية لإبعاد الأرض عن الخطر، وإن لم نستطع فإن عمر الأرض لن يمتد أكثر من 7.5 مليار سنة قادمة.