ابن الحاج، رجل من فقهاء عصره في النصف الأول من القرن الثامن الهجري، واسمه محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي الأصل، المصري الوفاة، له عدد من المؤلفات في المجالات الفقهية والصوفية، تعلّم على يد كبار عصره في المغرب ثم تنقّل في البلاد متعلّماً ومعلّمًا، حتى استقرّ به المطاف في القاهرة مشتغلاً بالتعليم والتأليف والتدريس، وتوفي فيها عن بضع وثمانين سنة في عام 737هـ/1336م.
من جملة مؤلفات ابن الحاج المهمة كتابه «المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيّات» في أربعة أجزاء، قال العلامة ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) عن هذا الكتاب أنه «كثير الفوَائِد، كشف فِيهِ من معايب وبدع يفلعها النَّاس ويتساهلون فِيهَا، وأكثرها مِمَّا يُنكر، وَبَعضهَا مِمَّا يُحتمل»[1].
لقد سلك ابن الحاج في هذا الكتاب مسلكًا جديداً في التأليف الفقهي، حيث لم يكتف بتكرار الأحكام الفقهية النظرية وإنما عمد إلى رصد المخالفات السلوكية في عصره ثم قام بالتعليق عليها والحكم من وجهة نظره الفقهية والاجتماعية في آن واحد، وبذلك فإن ابن الحاج قد أدى خدمة جليلة للمهتمين بالتاريخ والحضارة حين عرض في ثنايا كتابه للأحوال الاجتماعية والاقتصادية التي لم يهتم بها الكثير من المؤرخين فضلاً عن الفقهاء, كما أنه أدى خدمة أخرى في البحث الفقهي حين جعله مشتبكاً مع الواقع الاجتماعي بالتعليق والنقد والاحتجاج والفتوى. وفي هذا الكتاب تعرّض ابن الحاج بشيء من التفصيل والمعالجة لأحوال التربية والتعليم والتأديب في عصره، يمكن أن ننتقي بعض الأمثلة منها لنعرف المنهجية التأليفية التربوية التي توصل لها المسلمون وقتئذٍ، فمنها:
الحرص على شعور الطالب الفقير، وما يجب أن يتحلّى به المعلمون، وأماكن اختيار المدارس وغيرها، قال رحمه الله:
وبجوار الرفق المادي من حيث عدم تعدي المعلم على تلاميذه بالضرب المبرح، نبّه ابن الحاج بالرفق اللفظي، وعدم سبّ الأطفال؛ لأن ذلك يؤذيهم، قال رحمه الله:
ولم يكتف ابن الحاج بحديثه عن علاقة المعلم بالأطفال وإنما تعدى ذلك إلى الحديث عن أماكن تعليمهم، وآداب الأطفال تجاه معلميهم، وأوقات راحتهم وأكلهم، فنراه قائلاً:
ثم يتناول ابن الحاج آداب الطعام في الكُتّاب، وضرورة مراعاة المعلم لهذا الطعام لأنه مستأمن عليه، بل نراه يستقبحُ فعل بعض المعلمين الذين يتعدون على طعام الأطفال الصغار، وذلك بقوله:
والجولة في كتاب ابن الحاجّ رحمه الله لا تُمل، وإننا الجميع باقتناء كتابه المهم والماتع «المدخل»؛ لا لكونه كتاب تربوي، وإنما لكونه أيضًا وأولاً كتاب فقهي اجتماعي يناقش كثيرًا من سلبيات وبدَع المجتمع وآدابه ويرد عليها ردًا فقهيًا واجتماعيًا واعيًا، وإن كان الكتاب قد أُلّف في القرن الثامن الهجري، فإن ذلك لا يقدح في قيمته التربوية الآن، بل على العكس، فإنه يكشف لنا كيف رأى المسلمون في حضارتهم مسالك التربية، ومناهج التقويم لأطفالهم بنضوج ووعي كبير.
[1] ابن حجر العسقلاني: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق محمد عبد المعيد خان 5/ 507. دائرة المعارف العثمانية، الطبعة الثانية – حيد أباد الهند، 1972م.
([2]) ابن الحاج العبدري: المدخل 2/ 313. نشرة دار التراث – بدون.