كيف تبحث إسرائيل عن أسراها في غزة؟
قد يجهل القارئ العربي في كثير من الأوقات ماذا يعني أن يفقد الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 5 من جنود داخل قطاع غزة منذ عقد من الزمان، وقد يجهل أيضًا المستوى الأمني الذي تفرضه كتائب القسام على ملف الجنود الأسرى في غزة، وأيضًا جهود الاحتلال الإسرائيلي في البحث عن جنوده الأسرى في غزة.
حين تحصل على إجابة سؤال الجهود الإسرائيلية في البحث عن جنودها الأسرى ستكتشف جهود المقاومة في الحفاظ على الأسرى أملًا في ذلك اليوم الذي سيخرج فيه الأسرى للنور، وكثيرًا ما أقسم قادة المقاومة، وتحديدًا قيادة كتائب القسام، على أنفسهم بأن يبذلوا كل غالٍ ونفيس في سبيل تحرير الأسرى في سجون الاحتلال.
وفي البداية يجب أن تعلم جغرافيًّا قطاع غزة، والذي تبلغ مساحته 360 كم مربعًا، حيث يكون طوله 41 كم، أما عرضه فيتراوح بين 5 و15 كم. يحده الاحتلال الإسرائيلي شمالًا وشرقًا، بينما تحده مصر من الجنوب الغربي، ومن الغرب يحده البحر الأبيض المتوسط، حيث ترابط على مسافة 9 أميال بحرية من شاطئ غزة عشرات من الزوارق والبوارج الحربية الإسرائيلية.
ويحصل القطاع بشكل أساسي على الخدمات الحياتية من الاحتلال الإسرائيلي، سواء كان كهرباء وماء وغذاء واتصالات وإنترنت، بمعنى أن الاحتلال يتحكم في كل شيء يدخل لقطاع غزة بموجب الاتفاقات التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع الاحتلال وعملية الربط الاقتصادي في اتفاقية باريس.
وهنا سنسرد لكم العمليات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي بحثًا عن جنوده الأسرى في القطاع منذ لحظة وقوع الجندي الإسرائيلي أسيرًا في يد قوات المقاومة، ووصولًا للحظة إطلاق سراحه كما حدث مع الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2012.
1. الرصد والاستطلاع
منذ اللحظات الأولى لوقوع الجندي الإسرائيلي في يد المقاومة الفلسطينية يبدأ الجيش الإسرائيلي بتطبيق أسلوب «هنيبعل»، والذي ينص على حرق المنطقة التي أُسِر فيها الجندي حتى لو أدى الأمر لقتله، وبتطبيق هذا الأسلوب فورًا تنتشر عشرات من طائرات الاستطلاع الإسرائيلية المزودة بكاميرات عالية الدقة ووسائط تجسس، وتحلق في سماء المنطقة التي جرت فيها عملية الأسر والمناطق المجاورة، وتستمر عملية المسح هذه أيام، وتستطلع فيها قوات الاحتلال كل ما يتحرك في هذه المناطق، وترسل الصور بشكل مباشر لوحدة متخصصة في جيش الاحتلال تكون مرابطة على حدود قطاع غزة.
ثم تنتقل هذه الطائرات لمراقبة قيادات ميدانية في المقاومة في منطقة الحدث وترافقهم لساعات في اليوم الواحد، لدرجة أن هناك مواطنين اشتكوا من شدة الإزعاج الذي تصدره تلك الطائرات من طراز «Heron»، وتوفر هذه الطائرات صورًا مباشرة لغرفة عمليات تابعة لجيش الاحتلال على حدود غزة.
2. الاختراق والسايبر
تميز الاحتلال الإسرائيلي خلال الأعوام الماضية بالتطور التقني، ومنح التقنيين صلاحيات عالية للاختراع في مجال الاختراق والتنصت، ووفر برامج تجسس مرعبة، وتوفر هذه البرامج نسخة كاملة «باك أب» لكل الصور والفيديوهات الموجودة على الهواتف النقالة الحديثة وأجهزة الكمبيوتر المحمول وغير المحمول.
كما توفر برامج الاختراق هذه لوحدات السايبر الإسرائيلية خاصية الولوج للهاتف وتشغيل المايكروفون والكاميرا الأمامية والخلفية، هذه الإمكانيات تتم في ظل سيطرة الاحتلال على الإنترنت الواصل لغزة، ومن خلاله تستطيع زراعة برامج تجسس ومراقبة على الكابلات الواصلة للقطاع.
ومن خلال تلك الميزات تستطيع الواحدات الإسرائيلية وضع كلمات مفتاحية، حيث إذا ذكرت في أي محادثة أو أي اتصال عبر الإنترنت تقوم بتسجيل المكالمة. وتبدأ هذه المرحلة من الاختراق والسايبر فور وقوع عملية الأسر، وتكون هذه المهمة من تخصصات وحدة «8200».
3. التنصت والمراقبة
وتكلَّف هذه المهمة للوحدة «8200» الإسرائيلية، وهي مرتبطة بشكل وثيق بقسم الاستخبارات الإسرائيلي التابع لجيش الاحتلال، الذي يفرد لها أكبر قاعدة تجسس مقامة في منطقة غرب النقب جنوب فلسطين المحتلة، وتتوفر في هذه القاعدة عشرات من الأبراج الهوائية وفقًا لما كشفه تحقيق للصحفي النيوزلندي نيك هاغر في عام 2010، وجاء فيه أن القاعدة تضم 30 برجًا هوائيًّا وصحونًا لاقطة من أنواع وأحجام مختلفة، مهمتها التنصت على المكالمات الهاتفية واختراق العناوين الإلكترونية.
وبما أن شبكة الاتصالات الخلوية والأرضية تصل لقطاع غزة من الاحتلال، فذلك سهل الأمر على هذه الوحدة من خلال وضع أجهزة اعتراض مكالمات ومراقبتها وفقًا لنبرة الصوت أو مفاتيح الكلمات.
4. مراقبة أجهزة «سلاح الإشارة» التابع للمقاومة
نتيجة للاختراق الإسرائيلي لشبكات الاتصالات الفلسطينية قررت المقاومة الفلسطينية إنشاء شبكة اتصالات خاصة بها، وخلال عملية اجتياح «قوس قُزح» عام 2003 نجحَ القائد الشهيد رائد العطار في إدارة معركة المواجهة وإصدار التعليمات، ورصد تحركات العدو لجميع المجاهدين، وذلك بواسطة أجهزة اتصالات لا سلكية «ماخشير».
ومنذ ذلك الحين اعتمدت المقاومة على سلاح الإشارة، وعليه قام الاحتلال الإسرائيلي في كثير من المرات باختراق هذه الشبكات، حيث يُخضع نطاق الاتصالات اللا سلكية التابع للمقاومة للتجسس الدائم بحثًا عن مفاتيح قد تفضي بالوصول للجنود الأسرى في غزة.
5. العملاء على الأرض
وخلال عمليات تطهير العملاء التي ينفذها جهاز الاستخبارات التابع لكتائب القسام ضبط قبل عدة أعوام عميلًا يتبع لقوات الاحتلال الإسرائيلي، كانت مهمته مراقبة حاويات القمامة والبحث فيها عن آثار أدوية وضمادات جروح إبان أسر المقاومة للجندي الأسير جلعاد شاليط عام 2006.
وحتى اليوم تحاول المنظومة الاستخبارية الإسرائيلية اختراق صفوف قيادة المقاومة وزراعة عملاء وجواسيس في صفوف القيادة في محاولة لمعرفة أين تحتفظ المقاومة بجنود الاحتلال الأسرى.
منذ أسر الجندي جلعاد شاليط تناقل الإعلام العبري عشرات الروايات عن أماكن احتجازه، فتارة قالت إنه محتجز في نفق مفخخ أسفل الأرض وعلى عمق عشرات الأمتار، وفي مرات أخرى زعمت أن المقاومة تحتفظ به في سيناء.
كثيرة هي الوسائل التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي للبحث عن أسراه القابعين في يد كتائب القسام منذ أكثر من 4 أعوام، ولم يكل الاحتلال من تقليب رمال غزة بحثًا عن أسراه، وكانت آخر محاولاته أن بعث قوة إسرائيلية لزراعة أجهزة تنصت على أجهزة الاتصالات الأرضية السرية المخصصة لقيادة كتائب القسام، لكن يقظة الشهيد نور بركات أفشلت هذا المخطط الإسرائيلي.
كما أن لوحدة الظل القسامية الفضل الكبير في إخفاء أسرى الاحتلال في باطن غزة عن كل وسائل التجسس الإسرائيلي التقني والميداني، وحتى اللحظة الأخيرة كانت وحدات الظل القسامية تبدع في إخفاء الإسرائيليين داخل غزة، فكيف لشعب فلسطين أن ينسى إبداع هذه الوحدات في إخراج الجندي جلعاد شاليط عام 2012، حيث خرجت مئات المركبات المتشابهة في النوع واللون والشكل من كل حي من أحياء قطاع غزة ثم انطلقت نحو معبر رفح في أكثر من طريق.