كلمة «اشتباكات»: كيف يتم تضليل العالم بشأن العنف الإسرائيلي؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
نص المقال
هاجمت الشرطة الإسرائيلية المُشيّعين الذين حملوا نعش الصحفية الفلسطينية-الأمريكية المقتولة «شيرين أبو عاقلة» يوم 13 مايو/أيار 2022، وضربت حاملي النعش بالهرّاوات وركلتهم عندما سقطوا على الأرض. ومع ذلك، حصل القراء الذين اكتفوا بقراءة عناوين التقارير الأولية التي نشرتها وسائل الإعلام الأمريكية على انطباع مختلف تمامًا عمّا حدث.
هكذا كُتب في عنوان تقرير شبكة MSNBC عبر الإنترنت. واتخذت صحيفة وول ستريت جورنال عنوانًا مشابهًا في تقريرها:
بدأت فوكس نيوز نص مقالها عن الجنازة بـ:
لم يُذكر في عناوين هذه المقالات منْ بادر بالعنف، ولا توجد أي إشارة إلى اختلال توازن القوى بين قوة الشرطة الإسرائيلية المُدججة بالسلاح، ومنْ بدا أنهم مدنيون فلسطينيون عُزل.
يكثُر هذا النوع من اللغة والإغفال في التقارير التي تُسجِّل أعمال العنف التي تمارسها الشرطة أو الجيش الإسرائيلي. وظهرت عناوين رئيسية مشابهة لما سبق في أعقاب حادثة أخرى في شهر إبريل/نيسان الماضي، حيث هاجمت الشرطة الإسرائيلية المُصلين في المسجد الأقصى بالقدس خلال شهر رمضان المبارك. ومع ذلك، وبالرغم من إصابة ما يصل إلى 152 فلسطينيًا بالرصاص المطاطي والهرّاوات، وُصفت هجمات الشرطة على المُصلين بأنها مجرد «اشتباكات».
ترجع أهمية العناوين خصيصًا لأن الكثير من الأمريكيين لا يقرؤون أكثر منها عند تصفحهم للأخبار أو عندما ينشرون المقالات على الإنترنت.
المصطلحات المحايدة ليست دائمًا محايدة
قد يبدو استخدام كلمة مثل «اشتباكات» منطقيًا في موضوع مثير للجدل مثل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، لكن بصفتي باحثة في التاريخ الفلسطيني ومُحلِّلة للتغطية الإعلامية الأمريكية لهذا الموضوع، أعتقد أن استخدام مصطلحات محايدة مثل «الاشتباكات» لوصف الهجمات التي تشنها الشرطة والجيش الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين أمر مُضلل، لأنه يتجاهل الحالات التي تُبادر فيها القوات الإسرائيلية بالعنف ضد الفلسطينيين الذين لا يشكلون أي تهديد لها، كما أنه غالبًا ما يمنح الروايات الإسرائيلية الرسمية نفوذًا أكثر من الروايات الفلسطينية.
لطالما اتُهمت وسائل الإعلام الأمريكية بتضليل جمهورها عندما يتعلق الأمر بالعنف المُرتكب ضد الفلسطينيين. حيث وَجدت دراسةٌ أُجريت عام 2021 من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا حول تغطية مجلة «نيويورك تايمز» للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني على مدار 50 عامًا:
إن استخدام صيغة المبني للمجهول، مثلًا حين الإبلاغ عن «مقتل فلسطينيين في اشتباكات» بدلًا من «قتل القوات الإسرائيلية للفلسطينيين»، هي لغة تساعد على حماية إسرائيل من المُحاسبة، كما أنه يحجب سبب غضب الكثير من الفلسطينيين من إسرائيل.
لا تفعل ذلك صحيفة نيويورك تايمز فقط، حيثُ استنتج تحليل أجراه باحثو البيانات في كندا في عام 2019 لأكثر من 100 ألف عنوان رئيسي على مدار 50 عامًا من التغطية الأمريكية عبر خمس صحف، أن:
وجدت دراسة عام 2019 أيضًا أن الكلمات المرتبطة بالعنف، بما في ذلك «صدامات» و«اشتباكات»، كان من المُرجح استخدامها في القصص المتعلقة بالفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين.
الروايات المتنافسة
تتمثل إحدى مشكلات استخدام لفظ «اشتباك» في أنه يحجب الحوادث التي تهاجم فيها قوات الأمن والشرطة الإسرائيلية الفلسطينيين، الذين لا يشكلون أي تهديد لهم.
وصفت منظمة العفو الدولية، وهي جماعة مدافعة عن حقوق الإنسان، الحادث الأخير في المسجد الأقصى بأنه حادث «هاجمت فيه الشرطة الإسرائيلية بوحشية المُصلين داخل وحول المسجد واستخدمت العنف الذي يصل إلى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة لتفريق التجمعات».
استخدام كلمة «اشتباكات» لا ينقل هذه الحقيقة. كما أن استخدام كلمة «اشتباكات» يُضفي مصداقية على نسخة الحكومة الإسرائيلية من القصة أكثر من النسخة الفلسطينية.
كثيرًا ما يتهم المسئولون الإسرائيليون الفلسطينيين بالتحريض على العنف، زاعمين أن الجنود والشرطة يضطرون إلى استخدام القوة المميتة لدرء الهجمات الفلسطينية. وعادةً ما تكون هذه هي الطريقة التي يتم بها الإبلاغ عن هذه الأحداث.
لكن تظهر قاعدة بيانات منظمة (بتسيلم) الإسرائيلية لحقوق الإنسان المعنية بالقتلى الإسرائيليين والفلسطينيين، أن معظم الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد إسرائيل منذ عام 2000، والذين يبلغ عددهم حوالي 10 آلاف، «لم يشاركوا في الأعمال العدائية» وقت مقتلهم.
تكررت هذه المحاولة لإلقاء اللوم على الفلسطينيين بدلًا من القوات الإسرائيلية في مقتل الصحفية «شيرين أبو عاقلة». وبحسب شهادات زملائها الذين شاركوها مكان مقتلها، فقد أطلَق قنّاص عسكري إسرائيلي الرصاص عمدًا على الصحفية المخضرمة وقتلها بعيار ناري في صدغها الأيمن، رغم أنها كانت ترتدي سترة واقية من الرصاص وخوذة مكتوب عليهما PRESS. كما أطلق قنّاص أو أكثر، النار على زملاء أبو عاقلة أثناء محاولتهم إنقاذها، بحسب روايات شهود عيان.
في البداية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إن «فلسطينيين مُسلحين أطلقوا النار بطريقة غير دقيقة وعشوائية وغير خاضعة للرقابة» وقت مقتلها، مما يعني ضمنًا أن أحد الفلسطينيين قام بإطلاق النار على أبو عاقلة. ثم، مع تزايد الأدلة على دحض هذه الرواية، غيَّر المسئولون الإسرائيليون توجههم، قائلين إن مصدر إطلاق النار «لا يمكن تحديده بعد».
ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في البداية أن أبو عاقلة «قُتلت بالرصاص أثناء وقوع اشتباكات بين الجيش الإسرائيلي ومُسلحين فلسطينيين في المدينة». بعد ذلك في نفس القصة، قرأنا أن الصحفي الفلسطيني «علي السمودي»، الذي أُصيب في الهجوم نفسه، قال: «لم يكن هناك فلسطينيون مسلحون أو مقاومة أو حتى مدنيون في المنطقة». ومع ذلك، فإن هذا المنظور مفقود من العنوان الرئيسي والفقرات الافتتاحية للقصة.
بعد بضعة أيام، وجد تحليل موقع الصحافة الاستقصائية Bellingcat، لمقاطع الفيديو المتوفرة، أن الأدلة «تدعم على ما يبدو» تصريحات شهود العيان التي تفيد بأنه لم يكن هناك أي نشاط للمقاومة وأن إطلاق النار جاء من قنّاصة عساكر إسرائيليين.
لم تقم صحيفة «نيويورك تايمز» بتحديث أو تصحيح قصتها الأصلية لتعكس هذا الدليل الجديد. يُقدِّم ذلك مثالًا على سبب انتقاد استخدام كلمة «اشتباكات» على نطاق واسع من قِبل الصحفيين الفلسطينيين والعرب. بحيثُ أصدرت جمعية الصحفيين العرب والشرق الأوسط في عام 2021 توجيهات للصحفيين، تحثهم على «تجنب كلمة اشتباكات واستخدام وصف أكثر دقة».
صورة غير مكتملة
هناك مشكلة أخرى مع استخدام كلمة «اشتباكات»، وهي أن حصر اهتمام وسائل الإعلام بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني فقط عندما «تندلع الاشتباكات»، يُعطي القرّاء والمشاهدين الغربيين صورة غير كاملة. إنه يتجاهل ما تصفه منظمة (بتسيلم) بأنه «الروتين اليومي لعنف الدولة الصريح أو الضمني» الذي يواجهه الفلسطينيون الذين يعيشون في الأراضي المحتلة.
بدون استيعاب العنف اليومي الذي يتعرض له الفلسطينيون، كما وثّقته مجموعات مثل «هيومن رايتس ووتش» و«منظمة العفو الدولية»، يصعب على مستهلكي الأخبار أن يفهموا تمامًا سبب وقوع «الاشتباكات» في المقام الأول.
لكن الطريقة التي يحصل بها الناس على أخبارهم تتغير، ومعها تتغير آراء الأمريكيين بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وهذا صحيح خاصةً بين الأمريكيين الأصغر سنًا، الذين تقل احتمالية تلقيهم للأخبار من وسائل الإعلام الرئيسية.
تُظهِر استطلاعات الرأي الأخيرة أن الأمريكيين الأصغر سنًا يتعاطفون بشكل عام مع الفلسطينيين أكثر من الأمريكيين الأكبر سنًا. ينطبق هذا التحول على الشباب اليهود الأمريكيين والإنجيليين الأصغر سنًا، وهما فئتان لطالما عبرتا عن مشاعر قوية مؤيدة لإسرائيل.
يعمل الصحفيون الأمريكيون أيضًا على تغيير كيفية تغطية المنافذ الإعلامية للعنف الإسرائيلي. في العام الماضي (2021)، أصدر العديد منهم، بعضهم مراسلون من The Boston Globe وLos Angeles Times وThe Washington Post وABC News، رسالة مفتوحة تدعو زملاءهم الصحفيين «لقول الحقيقة الكاملة في سياقها دون خوف أو محاباة، والاعتراف بأن التعتيم على القمع الإسرائيلي للفلسطينيين يُخالف معايير الموضوعية الخاصة بهذه المهنة». حتى الآن، وقَّع على الرسالة أكثر من 500 صحفي.
لا تُمثل اللغة الدقيقة في تغطية «العنف الإسرائيلي-الفلسطيني» مصدر قلق بخصوص مصداقية الصحفيين فقط، وإنما سُتزود مستهلكي الأخبار الأمريكيين بفهم أعمق للظروف الحقيقية على الأرض وعواقبها المميتة.