كيف تضر المدارس الخاصة بالمجتمع؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
إن معظم الآراء تتشكل تبعًا للالتزام الفلسفي؛ إما بمبدأ الاختيار الفردي أو بصالح الجماعة، لكن يندر أن تتناول النقاشات مسألة التناقض بين المدارس الخاصة والصالح العام، أو مدى إمكانية حلها.
في قلب هذه العلاقة المتوترة، تكمن مسألة التنافس على الوضع الاجتماعي. تفضل العائلات في الولايات المتحدة إلحاق أبنائها بمدارس خاصة لأسباب عدة، يأتي الانتماء الديني في مقدمتها، لكن الدافع الأساسي لدى بعض الآباء لإلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة يتعلق في المقام الأول بمنحهم نقطة تفوق على أقرانهم.
بيد أن ما صار جليًا هو تعارض هذا الاتجاه مع الصالح العام؛ فحين يغدو الوضع الاجتماعي هو الغاية الأساسية للعملية التعليمية، ينتهي المطاف بالجميع خاسرين، حتى ذوي الحظوة.
يرغب آباء الطلبة في مدارس تقدم تعليمًا عاليًا وإنسانيًا لأبنائهم، لكن المسوغ الشائع لوجود التعليم الخاص هو فكرة كونه استثمارًا في تعليم الأبناء، يعود بنوع من الربح. من هنا تجد المدارس الخاصة نفسها تحت ضغوط هائلة لتقديم ما يميز طلبتها عمن سواهم، خاصة فيما يتعلق بتأهيلهم للالتحاق بالكليات والجامعات ذائعة الصيت.
المشكلة هنا أن ذلك يجعل من التعليم سلعة ذات طبيعة شديدة الخصوصية، يسميها الاقتصاديون «سلعة مفضلة»؛ وهي نوع من السلع لا يتحدد ثمنه على أساس أي قيمة أصيلة فيه، وإنما على أساس علاقته بما يملكه الآخرون، وهذا يضر بالصالح العام لسببين:
السبب الأول
إذا كان هدف المدرسة منح طلابها ميزة ما، حينها يغدو المحتوى التعليمي نفسه أمرًا غير ذي شأن، أما إن رأينا التعليم باعتباره سلعة عامة يصبح حينها التعلم هو لب الأمر. هل يتعلم الصغار كي يصبحوا مواطنين وأعضاء نافعين للمجتمع؟ هل يتمتعون بمهارات نافعة تؤهلهم لخوض الحياة الاجتماعية والاقتصادية؟ تلك هي الأسئلة التي يجدر بنا الإجابة عليها إذا ما أردنا أن نجعل لتعليم الطلبة قيمة.
أما إن كان التعليم مجرد سلعة مفضلة، فحينها يتوجب علينا فقط أن نسأل: هل تفوق قيمة الشهادات التي ينالونها قيمة شهادات الآخرين؟ لكن اعتماد هذا المعيار يقوض عملية التعلم لجميع الأطراف، حتى أولئك المنتسبين إلى مدارس ذائعة الصيت.
السبب الثاني
لتعارض التنافس على الوضع الاجتماعي مع الصالح العام هو أنه إذا كان الوضع الاجتماعي هو الغاية، فسيكون هناك الكثير من الخاسرين؛ ففي نهاية المطاف إذا كنا جميعًا متساوين في كل شيء فلن يكون ثمة مبرر لتوزيع المزايا الاجتماعية والاقتصادية بشكل لا مساواة فيه، ومن ثم فإن التعليم باهظ التكلفة ليس مقطوع الصلة بالتعلم الحقيقي فحسب، وإنما يستلزم أن يكون معظم الطلبة عاثري الحظ كذلك.
المدارس الخاصة والتفاوت الاجتماعي
لأن التفاوت الاجتماعي والاقتصادي ضارب بجذوره في تكوين الدول النامية، غدت المدارس الخاصة عرضة لانتقادات حادة بسبب دورها في إعادة إنتاج التفاوت. وإذا أرادت المدارس الخاصة تسويغ وجودها فسيتعين عليها أن تزيل التعارض بين المصالح الخاصة والصالح العام، الكامن في التنافس على الوضع الاجتماعي.
وطالما ظلت المدارس الخاصة تنشد الأفضلية، وتنأى بنفسها عن الظروف السائدة في السوق –كما هو الحال في الواقع – وتروج لنفسها باعتبارها البديل الأرقى لطبقة أرقى من العملاء، فستظل بحاجة دائمة إلى خلق ارتباط بينها وبين الصالح العام. كيف عساها تبدو علاقة كهذه؟
في الحد الأدنى، يجب على المدارس الخاصة أن تتسع لتمثيل طبقات المجتمع داخلها، وعندها فقط يمكن أن تصبح خدمة طفل واحد – يمثل مصلحة خاصة – خدمة للصالح العام، كما أن تقديم خبرات تعليمية ثرية تطور قدرات طالب واحد لابد ستعود على المجتمع كله بالنفع. ولكي يغدو ذلك نافعًا للصالح العام، لابد أن تكون طبقات المجتمع ممثلة في المدارس الخاصة؛ لكن هذه الأخيرة على وضعها الراهن أقل تنوعًا وتمثيلًا من المدارس الحكومية. لكن لعل الميزة المهمة للمدارس الخاصة أنها يمكن أن تضم طلبة من خلفيات اجتماعية متنوعة.
إن إلحاق الطلبة بالمدارس الخاصة يقطع صلتهم بالنظام العام للتعليم، فالأغلبية الساحقة من الأطفال في الولايات المتحدة يلتحقون بالمدارس الحكومية؛ فحتى عندما تضم مدرسة خاصة مجموعة متنوعة الخلفيات من الطلبة، وتقدم تعليمًا حقيقيًا بدلًا من أن تقتصر مهمتها على منحهم شهادات راقية، تظل الحقيقة أن تأثير المدرسة يبقى محصورًا داخل أسوارها.
إن وحدة التأثير هي مدرسة واحدة، وهو تعريف ضيق نوعًا ما لمفهوم «العام». إن عالم المدارس الخاصة عبارة عن شبكة مغلقة مقطوعة الصلة بالنظام الأوسع للتعليم، والأمور لا تستقيم هكذا؛ ففي الحقيقة إن كان الصالح العام غاية منشودة، يجدر بالمدارس الخاصة أن تربط نفسها بالنظام الأوسع.
تخيل بديلًا. تخيل مدرسة رائعة تتمتع بمستوى عال من الاستقلال وموارد كافية للتجريب. تخيل أن تلك المدرسة ترى نفسها باعتبارها معملًا لاختبار الممارسات الواعدة، وتوظف استقلالها ومواردها كي تستفيد مدارس عدة. تخيل أن تلك المدرسة مثلًا تمزج الفنون بالمناهج الأكاديمية التقليدية، وأنها تفعل ذلك بطريقة عميقة وقوية ومستدامة. من المؤكد أن هذا سيستغرق وقتًا.
يجب أن تطور الكليات مهارات ومعرفة جديدة. يجب أن تتطور المناهج. يجب أن تتحدد العمليات والإجراءات الأساسية وأن تخضع للاختبار، ومن ثم يتم الإبقاء عليها أو التخلص منها. يجب توثيق كل طريقة ناجحة وحفظها بطريقة تسهل نقلها. وفي نهاية المطاف لن تقدم مدرسة كهذه نتائج جيدة لطلابها فحسب، وإنما لآخرين كثر. ومن نافلة القول أن هذه ليست الطريقة التي تعمل بها المدارس الخاصة اليوم.
تكلفة التعليم الحقيقي
كم تبلغ تكلفة أمر كهذا؟ تصعب الإجابة على هذا السؤال بلغة المال، لكن تكلفة التعليم الحقيقي صفر.
في الحقيقة، فإن جهود كهذه تعزز التعليم المتاح. وفي هذا السياق، فإن على المدارس الخاصة التي تسعى إلى تعزيز أهداف التعليم العميق التي تعزز بعضها بعضًا، وإلى تعزيز الصالح العام، عليها أن تضع نصب أعينها ثلاثة أهداف محددة:
الهدف الأول
يجب أن تركز المدارس الخاصة على الممارسات التعليمية بدلًا من النتائج الخاصة بالوضع الاجتماعي؛ فمن الوارد جدًا أن تقدم مدرسة خاصة وضعًا اجتماعيًا راقيًا بينما لا يرقى مستوى التعليم فيها إلى مستوى التعليم في مدرسة حكومية، ففي نهاية المطاف ليس الوضع الاجتماعي والجودة شيئًا واحدًا، بل إنهما في كثير من الأحيان يتعارضان مع بعضهما.
وعبر جميع جوانب البرنامج –من تعيين المدرسين إلى قبول الطلبة المتقدمين إلى الطريقة التي تتواصل بها هذه المدارس مع أولياء الأمور والجمهور– يجب أن تطرح المدارس السؤال التالي:
ويجب أن تعي المدارس الخاصة جيدًا أنها حين تحول التعليم إلى سلعة مفضلة –وهي أسوأ أنواع المصلحة الخاصة– فإنها تقوض الصالح العام الأوسع.
الهدف الثاني
هو أن المدارس الخاصة يجب أن تولي الأولوية لاستيعاب الطلبة من خلفيات اجتماعية متنوعة، لا كمشروع خيري وإنما كجزء أساسي من مهمتها؛ فالطلبة في المدارس المتنوعة يتعلمون أكثر عن الحياة الاجتماعية وتتسع رؤيتهم للعالم ويتفاعلون مع الآخرين بطريقة أفضل، ويصقلون قدرتهم على التفهم والتعاطف.
لكنهم فوق ذلك يستفيدون أكاديميًا أيضًا، وهذا بالضبط هو السبب الذي يجعل الكليات والجامعات بحاجة إلى معايير قبول غير تمييزية، فالقائمون عليها يعرفون جيدًا أن تنوع خلفيات الطلبة الاجتماعية يثري الخبرات التعليمية. إن التعلم العميق ليس نتاج تراكم المعلومات، وإنما يتطلب رؤية العالم من أوسع منظور ممكن، وبالتالي رؤية العالم على نحو أشمل وأوضح.
الهدف الثالث
هو أن المدارس الخاصة يجب أن تولي الأولوية للإبداع والتواصل مع عالم التعليم الأوسع. إن المدارس المبدعة التي تتشارك تجاربها مع مدارس أخرى ستفيد الصالح العام، لكنها تقدم تعليماً أفضل لطلابها كذلك؛ فالإبداع صنو التعليم، وعادة ما يتم الخلط بطريق الخطأ بينه وبين اقتناء الأدوات التكنولوجية.
على كل حال، ليس ثمة دليل قوي على أن التكنولوجيا تمثل إبداعًا في التعليم؛ فالإبداع يعني الاشتباك الدائم مع الوضع القائم، وتحليل العمليات والنتائج، والوعي بنقاط القوة والضعف، وطرح النظريات والافتراضات، وتوليد واختبار أفكار جديدة، ومتابعة مدى تقدم عملية التجريب العلمي. ونكرر هاهنا أنه من المفيد للغاية للصالح العام أن يتم توثيق الإبداع ومشاركته.
إذا أرادت مدرسة ما أن تدرك قدراتها الكاملة وأن تعزز الصالح العام، فلا يمكن النظر إليها باعتبارها مدرسة خاصة أو ضيقة الأفق أو حتى مستقلة، فهذه المواصفات تتصل بالملكية والتنافس والشقاق والانفصال. إن المدارس التي تتمتع بأكبر قدر من حرية التصرف وأكبر قدر من القدرة على التأثير في مجريات الأمور لا يجب أن تكون حصونًا مغلقة ومعزولة، بل يجب أن تكون مختبرات ومنارات. ويتوجب علينا – أيًا كانت المدرسة التي نلحق أطفالنا بها – أن نبدأ باعتبار أنفسنا أمناء على كل ما يقع عليه الضوء.