كيف تشكلت خريطة الجمعيات الخيرية في مصر
تعد الجمعيات الخيرية جزءًا من المجتمع المدني ومؤسساته المهتمة بالإنسان ومساعدته، وعلى الرغم من اختلاف طبيعة عملها تمامًا عن المؤسسات الحقوقية والتنموية حيث أنها تهتم بتقديم المساعدات المادية مباشرة للفئات الأقل حظًا وغير القادرين على مواكبة الحياة، إلا أنها تعتبر عنصر هامًا من عناصر المجتمع المدني في مصر، كما أنها تعتبر من أقدم تنظيماته وأولها في الظهور.
ينظم عمل الجمعيات الخيرية في مصر القانون «رقم 84 لسنة 2002» وهو القانون الذي تخضع له المؤسسات التنموية والحقوقية مؤخرًا، ويعرف القانون الجمعيات بأنها «كل جماعة ذات تنظيم مستمر لمدة معينة أو غير معينة تتألف من أشخاص طبيعيين أو أشخاص اعتبارية أو منهما معا لا يقل عددهم في جميع الأحوال عن عشرة، وذلك لغرض غير الحصول على ربح مادي.»
الجمعيات الخيرية والدولة
نشأت أول جمعية أهلية في مصر عام 1821 وهي «الجمعية اليونانية بالإسكندرية» وكانت -كما يبدو من اسمها- أنها تهتم بأمور الجالية اليونانية بالإسكندرية -حيث لا تتوافر أية معلومات عن نشأتها وطبيعة عملها سوى تاريخها- وبعد تأسيس تلك الجمعية تم إنشاء العديد من الجمعيات مثل «جمعية مصر للبحث في تاريخ الحضارة المصرية» والتي تأسست عام 1859، و«الجمعية الجغرافية »عام 1875.
تعرض المجتمع المدني بمصر، عقب سقوط نظام الإخوان المسلمين في يوليو/تموز 2013، إلى هجمة شرسة من قبل الدولة، إلا أن تلك الهجمة لم تطل المؤسسات الحقوقية فحسب بل طالت أيضًا المنظمات الخيرية، على الرغم من أن دورها خدمي وليس سياسي وتهدف لمساعدة جميع الفئات المحتاجة.
أصدرت وزارة التضامن الاجتماعي في أول شهر يوليو/تموز 2015 قرارًا بحل 14 جمعية أهلية وفروعها
ففي أول شهر يوليو/تموز 2015 أصدرت وزارة التضامن الاجتماعي قرارًا بحل 14 جمعية أهلية وفروعها، متهما إياهم بأنهم أذرع لجماعة الإخوان المسلمين المنحلة والموقوف أنشطتها بقرار من القضاء المصري.
ويرجع العداء بين الجمعيات الأهلية الإسلامية والدولة إلى الدول الذي لعبته تلك الجمعيات في المناطق الفقيرة خاصة، مما أدى إلى وجود شعبية إجتماعية عظيمة لجماعة الإخوان المسلمين -خاصة- وتيار الإسلام السياسي بشكل عام. فما كان على النظام السياسي المصري إلا الخوف من استعادة جماعة الإخوان المسلمين لشعبيتها مرة أخرى، من خلال تلك الجمعيات. فكان حل الجماعة وما يتبعها من جمعيات وأنشطة هو قرار النظام السياسي، بغض النظر عن الضرر المتسبب للمستفيدين من تلك الجمعيات أو البحث عن كيفية إيجاد بدائل لهؤلاء المتضررين.
بوابات الخير والعطاء
العمل من أجل مساعدة الآخرين وتوفير حد الكفاف للفئات الأكثر احتياجًا، هي تلك القواسم المشتركة بين عمل الكثير من الجمعيات الخيرية، إلى جانب قيامها على مبدائ التطوع والرغبة في مساعدة الآخرين وتوفير سبل آمنة ومضمونة لمخارج الزكاة والصدقة والأعمال الخيرية.
تأسست جمعية رسالة عام 1999 كنشاط طلابي بكلية الهندسة جامعة القاهرة
تأسست «جمعية رسالة» عام 1999 كنشاط طلابي بكلية الهندسة جامعة القاهرة، وبدأت نشاطها بالتبرع بالدم وزيارة دور الأيتام والمسنين والمستشفيات، وفي عام 2000 تم إشهار جمعية رسالة وافتتاح أولى مقراتها بعدما قام أحد الأشخاص بالتبرع للجميعة بقطعة أرض وقام أعضاؤها من خلال المجهودات الشخصية لهم ببناء المقر، ثم أخذت الجمعية في الأعوام التالية في التوسع في افتتاح عدد أكبر من المقرات.
وتعمل جمعية رسالة في أكثر من 30 نشاطا، ما بين الأنشطة الطبية مثل مركز رسالة الطبي والذي تم إنشاؤه عام 2004، والقوافل الطبية التي تعدها رسالة، إلى جانب تقديم العلاج الشهري للأمراض الخطيرة لمن لا يتسطيعون توفيره، كما تقوم الجمعية بالعديد من الأنشطة التعليمية والتدريبية مثل نشاط دروس التقوية والذي يضم 5000 طالب وهو نشاط لا يهتم بالناحية التعليمية فقط، فيركز على الجانب الأخلاقي للطلاب والجانب الرياضي والديني.
كما ظهرت «جمعية الأورمان للأعمال الخيرية» عام 1993، وتعمل الجمعية على نقل المحتاجين من منطقة الاحتياج إلى منطقة الاكتفاء الذاتي، كما تعمل الجمعية مع جميع المحتاجين دون وضع أي أساس للتميز في تعاملتها سواء كان تمييزا دينيا أو عرقيا أو غيره.
وتعمل الجمعية على العديد من الأنشطة، فتدير الجمعية 6 دور لأيتام والأيتام ذوي الإعاقة، كما تدير الجمعية دار ضيافة مرضى الأورام والذي يهدف إلى توفير الاستضافة للمرضى الذين يتلقون علاجهم في المعهد القومي للأورام ومرافقيهم، مجانًا، بالإضافة إلى مشروع الصدقة الجارية والذي يهدف إلى خدمة الأرامل وذوي الإعاقة ممن يعولون أسرهم، إلى جانب المساعدات الطبية.
العطاء ومساعدة المرضى
هناك الكثير من المؤسسات التي رأت أن تتخصص في مجال واحد فقط، تركز فيه جميع خبراتها ومجهوداتها من أجل أن تقدم نماذج يحتذي بها، فاختارت أن تركز في مجالات الصحة ومساعدة المرضى، خاصة وهناك العديد من الأمراض التي انتشرت في المجتمع ورغبتها في مساعدة أكبر قدر ممكن من مرضى تلك الأمراض.
«مؤسسة مجدي يعقوب لعلاج أمراض القلب» تأسست عام 2009، وتهدف المؤسسة إلى تأسيس مركز طبي متكامل على ضفاف نهر النيل بأسوان لجراحات القلب والأوعية الدموية، كما يهدف إلى تقديم خدماته للأطفال والشباب وكبار السن من مصر والمنطقة كلها.
ولا تهدف المؤسسة إلى علاج أمراض القلب والأوعية الدموية وفقط، بل تسعي إلى أن تساهم في نقل خبراتها ومعرفتها إلى داخل المنطقة وخارجها من أجل خلق قاعدة طبية معرفية يسفيد منها العالم بآسره.
هذا بالإضافة إلى «مؤسسة بهية» والتي تقوم على جمع التبرعات لتجهيز وبناء أول مستشفي في مصر متخصص في علاج سرطان الثدي بالمجان. و«مؤسسة مستشفي الأطفال 57357» والتي تقوم في سياق متصل بعلاج مرض السرطان، إلى جانب أنها تسعي إلى تقديم نموذج من الإكتفاء الذاتي المتكامل داخل المستشفي من تنصيع الدواء وإعداد الطعام المناسب للأطفال.
ومن الماء حياة
عملت المؤسسة في أوغندا من خلال حفر آبار للمياة بجوار المناطق السكنية من أجل تسهيل وصول المياه للسكان
تأسست «مؤسسة ومن الماء حياة» عام 2014، وقد كانت انطلاقة المؤسسة من برنامج خواطر 8 الذي كان يقدمه الإعلامي أحمد الشقيري، وكان الهدف في البداية هو حل مشكلة المياه بقرية عزبة خلف بالفيوم، وتهدف المؤسسة لتقديم الحلول المستدامة لمشاكل المياه بالقرى المصرية التي تواجه فقرًا بالمياه سواء بسبب مشاكل مادية أو جغرافية أو مشاكل تنقية ففي بعض الأحيان قد تكون هذه المياة ملوثة وغير صالحة للشرب.
وبجانب توصيل المياه إلى العديد من المناصق في مصر مثل منطقة الصف بالجيزة وكفر غطاطي، عملت المؤسسة في دولة أوغندا بإفريقيا من خلال حفر آبار للمياه بجوار المناطق السكنية من أجل تسهيل وصول المياة للسكان دون إضطرارهم للمشي مسافات طويلة من أجل الحصول على المياه، كما تجهز المؤسسة لمشروع آخر بدولة النيجر قريبًا.
الجمعية الشرعية
ظهرت «الجمعية الشرعية» عام 1912 وتعد أقدم جمعية خيرية في مصر مازالت قائمة حتى الآن، وهي جمعية دعوية بالأساس، إلا أنها اتخذت من الأعمال الخيرية سبيلها للدعوة، وذلك انطلاقًا من إيمانها بأن الدعوة بالفعل وليست بالقول فقط.
وقد أتخذت الجمعية 4 مسارات لعملها، أولهما المسار القولي أو الدعوة القولية، وذلك من خلال معاهد إعداد الدعاة والقراءات والدروس الدينية. والمسار الثاني هو الدعوة العملية من خلال 3 أقسام، أولهما المشروعات الإجتماعية مثل كفالة اليتيم وتيسير الزواج وغيرها، والقسم الثاني المشروعات الطبية، وأخيرًا المشروعات التنموية مثل مشاريع القروض الحسنة ومشروع توزيع الخبز بالمجان.
والمسار الثالث هو مسار الإغاثة الداخلية والخارجية، فتعمل على إغاثة المسلمين المضارين في أي مكان، بينما المسار الرابع والآخير هو مسار التنمية ويهدف هذا المسار إلى تحويل الأيدي العاطلة عن العمل إلى منتجة وتحويل الأسر الفقيرة إلى أسر لديها دخل ثابت يغنيها عن السؤال.
جمعيات أخرى
هناك العديد من المؤسسات الأخرى التي تعمل في مجالات محددة أو في مجالات خيرية مختلفة، مثل «جمعية البراق للخدمات الإجتماعية»، ودور لرعاية الأيتام مثل «دارالهنا للأيتام» و«دار المبرة لليتميات» و«دار الفسطاط للأولاد».
نشأت «مؤسسة أهل مصر» عام 2013، وتهدف إلى تقديم تصور جديد للأعمال الخيرية والتنموية بمصر، وتهتم المؤسسة بمجالات الصحة والتوعية، وتركز عملها على علاج الحروق. حيث تسعي «أهل مصر» لإنشاء مستشفى لعلاج حروق الأطفال، فتعمل المؤسسة على تطوير نموذج متكامل معترف به دولياً لرعاية ضحايا الحروق طبياً ونفسيًا. وتعمل المؤسسة أيضًا على برنامجين آخرين بجانب البرنامج الطبي وهما برنامج التنمية الإجتماعية، وبرنامج التوعية.
كما تأسست «جمعية بداية للأعمال الخيرية» عام 2005، وهي جمعية تعمل على عدد من الأنشطة الخيرية سواء الأنشطة الموسمية أو الأنشطة الشهرية، فتعمل على إقامة العديد من معارض الملابس المستعملة في المواسم المختلفة، كما توزع عددًا من الوجبات الجاهزة على الأسر الفقيرة ودور الأيتام خلال شهر رمضان، كما تقوم بتوزيع شنط رمضان على الأسر الأكثر إحتياجًا. هذا إلي جانب مشروع الكفيل والذي يقوم على كفالة أسرة فقيرة وتقديم المساعدات شهريًا لها، أو مساعدات المرة الواحدة مثل مساعدة العرائس في زفافهن وإتمام إحتياجتهم للزواج.
يوجد في مصر ما يقرب من 16.800 جمعية أهلية تتنوع أنشطتها ما بين الحقوقي والتنموي والخيري، وتهدف جميعها إلى الإرتقاء بالإنسان وتحسين أوضاعه. وجعلت تلك التنوعات والخدمات المختلفة -في ظل غياب دور المؤسسات الحكومية- من عمل المجتمع المدني أمر ضروري لا مفر منه، مما يشجع على الحفاظ عليه لدوره الحيوى والفعال في المجتمع المصري.