كيف تفاعل الحراك الثورى المصري مع ثورة الأرض؟
إن كان للواقعة تأثير قوي على الجماهير ، فإن التأثير الأقوى يكون لتعاطي النظام مع رد فعل الشارع حول تلك الواقعة، حيث يعد الخطاب السياسي لنظام الدافع نحو رضاء الجماهير من عدمه.إذن لماذا دعت بعض القوى السياسية للخروج يوم الخامس والعشرين من أبريل، وهل السبب وراء ذلك قضية الجزيرتين أم أن هناك أسبابًا أخرى؟
بدايات الحراك:
ما حدث في واقعة جزيرتي تيران وصنافير والذي مثّل المحرك الأقوى للجماهير والدافع نحو الخروج هو خطاب الرئيس السيسي الذي أقل ما يقال عنه أنه عدم اكتراث بالموضوع وحق الشعب والقوى السياسية في التعرف على الحقيقة الكاملة.وهذا ما دفع الجماهير للخروج يوم الجمعة الموافق 14 أبريل للاعتراض على ما اعتبروه تنازلا من السلطات المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة العربية السعودية، في يوم يعبر عن عودة الشعب المصري مرة أخرى إلى الشارع.تبع ذلك التحرك تحركا في العالم الافتراضي، على هاشتاج #عواد_باع_أرضه، الذي لا يختلف في قواته وتأثيره حاليا وفقا لأدبيات علم السياسية عن تلك التظاهرات التي تملأ الميادين. ما بين هذا وذاك علق المعارضون لقرار النظام المصري أملهم على البرلمان، في الفصل في قضية الجزيرتين ولكن كعادتها الأنظمة الشمولية تتحكم في كافة خيوط اللعبة، فالتصريحات المبدئية والمواقف المعلنة من قبل البرلمان تفيد أنه أمل وهمي في حل الأزمة ولعل أبرزها تصريح لرئيس البرلمان من قبل نصه «وقت الشدة مفيش فصل بين السلطات»لم يكتفِ النظام بذلك بل ساعد بصورة بارزة على زيادة الفجوة بينه وبين معارضيه كغيره من الأنظمة السابقة وإن كان تفوق على منطق المتنحي مبارك «خليهم يتسلوا» ليمنع التسلية عنهم أيضا بحملة اعتقالات شملت شبابًا من تيارات وتنظيمات مختلفة، والأغرب فيها أيضا أن رأس السلطة «السيسي» قد اعترض بصورة واضحة على الخبر الذي نُشر بجريدة الشروق حول اعطاء أمر للجهات الأمنية بحملة اعتقالات موسعة، وتزامنا مع نفيه جاءت الاعتقالات لتثبت واحدًا من ثلاث إما أن الرئيس لا يعلم، أو أنه غير صادق، أو أنه يستخف بعقول الشعب، وكلا منهم يمثل كارثة بذاتها.كل هذه المعيطات حول قضية واحدة المذنب الأوحد فيها النظام، ليس بكونه تنازل عن الجزيرتين ولكنه تخاذل بصورة واضحة في توضيح مبراراته – آن وجدت – حول الأسباب الرامية لاتخاذه مثل هذا القرار، ولكنه لم يتعلم الدرس، فاستخفافه بعقول الشعوب دائما ما تكون نتائجه كاريثة على السلطة تدريجيا.
أبرز الداعين للتظاهرات:
عقب التخاذل المتعمد من قبل السلطات لتوضيح أسباب ومبررات التنازل عن الجزيرتين، والتعامل مع الأمر وكأنه شيئا لا يذكر، دعت مجموعة من القوى السياسية بمختلف انتماءاتها إلى تظاهرات باليوم 25 أبريل للتنديد بقضية التنازل عن الجزيرتين، في يوما له رمزيته التاريخية حيث تحرير سيناء ولعل من أبرز تلك القوى:
الاشتراكيين الثوريين:
تلك الحركة المقلقة للأنظمة خلال السنوات الماضية، والأكثر فاعلية في التيارات غير الإسلامية، حجزت لنفسها مكانًا في قيادات تظاهرات 25 أبريل، جاء ذلك في بيان صدر عن الحركة.البيان رأى أن النظام المصري أهدر حقوق المصريين لصالح نظام “السعودية” الذين يرون فيه أنه العامل ضد ثورات الربيع العربي والحائل دون تحقيقها أهدافها.
6 أبريل:
الحركة التي عادت مبارك ومن بعده مرسي، وحجمها السيسي، تعود مجددا وبقوة إلى الشارع في بيان شديد اللهجة تؤكد فيه وبصورة واضحة رفضها لقرار التنازل عن الجزيرتين واعتقال من عارض ذلك القرار.حركة الطلاب مش هتببيع:
كانت تلك الكلمات جزءا من البيان التأسيسي المعنوان بـ «المستقبل لنا» الذي صدر عن تشكيل طلابي رافض للتنازل عن الجزيرتين، بدأ من موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وبدأت فعاليته الأولى يوم السبت الموافق 16 أبريل جامعة الإسكندرية، تحت شعار «الطلاب قالوها قوية، صنافير وتيران مصرية»تزامنت تظاهرات جامعة الإسكندرية مع تظاهرات بجامعة طنطا رافضة لقرار النظام ومرددة شعار«عيش.. حرية.. الجزر دي مصرية».حملة أرضي:
كانت تلك الكلمات لمؤسس حملة «أرضي» إبراهيم فضلون، وهي حركة مستقلة ولا تنتمي لأي حزب سياسي كما أعلن مؤسسها.وضعت الحملة مجموعة من الخطوات لتحقيق هدفها وهو التراجع في قرار التنازل، تبدأ تلك الخطوات في جمع التوقيعات الشعبية لرفض التنازل، ثم التحرك في الشوراع المصرية وتنظيم تظاهرات شعبية احتجاجية حول قرار التنازل أو البيع رافعين شعار «همضي بدمي مش بالحبر»تيار الشراكة الوطنية:
ذلك التيار – الذي أسس في العام 2013 لمناهضة كلٍّ من الفلول والإخوان – من شباب من توجهات مختلفة على رأسهم شادي الغزالي حرب، أعلن أنه من الضروري الحفاظ على مكسبات ثورتي يناير ويونيو والتوفيق بين أهدافهم باعتبار الثانية مكلمة للأولى ، وأعلن أيضا مشاركته في تظاهرات 25 أبريل السلمية لرفض قرار التنازل عن الجزيرتين.حركة شباب العدالة والحرية:
تلك الحركة المنطلقة بنقابة الصحفيين من قبل مجموعة من الشباب المستقلين في العام 2010 والتي شاركت في تظاهرات تحضيرية لثورة يناير وتظاهرات أثناءها، أبرزها تلك التظاهرة التي قُتل فيها «مينا دانيال» أعلنت خروجها يوم الخامس والعشرين من أبريل في صفوف المناهضين لقرار التنازل.حزب مصر القوية:
http://gty.im/145210682
الحزب الذي يعود للإخواني المنشق والمرشح الرئاسي عبد المنعم أبو الفتوح، والذي يصنف على خط الأيديولوجيات بكونه حزبا من أحزاب يسار الوسط، أعلن خروجه للتظاهرات ولكنه زاد عن غيره من القوى في إخراجه بيانًا يوضح فيه 15 سببا لرحيل السيسي، أبرزها تمثل وفقا لبيان لهم «نرفض هذه السلطة لجرائمها التي لا تنتهي، ولاستهانتها بدماء المصريين، ولفسادها، وفشلها، وللانهيار الاقتصادي الذي تسببت فيه، ولكبت الحريات، ولإغلاقها باب السياسة وحصرها على الأتباع والمنافقين، ولتفريطها في ثروات البلاد، ولمحاربتها الشرفاء ومحاباتها للفاسدين. نرفضها لتقاربها مع إسرائيل واعتبارها حليفًا إستراتيجيًا، ولزيادة الفقر، ولقيامها على المحسوبية وتقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة، ولعشرات الآلاف من المعتقلين داخل سجونها، ولأنات المعذبين، ولغياب العدالة. نرفضها لذاتها وأدائها ولأساليبها».حزب مصر الحرية:
الحزب الذي كان يرأسه وقت انطلاقه عقب ثورة يناير المثير للجدل عمرو حمزاوي، أعلن مشاركته في التظاهرات السلمية المناهضة لقرار التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي:
أعلن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي برئاسة فريد زهران، وعلى لسان عضو المكتب السياسي للحزب محمد سالم أن الحزب يرفض بشكل قاطع قرار السلطات المصرية بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وعليه يشارك الحزب في تظاهرات الـ 25 من أبريل.
حزب الدستور:
أعلن حزب الدستور بقيادة هالة شكر الله مشاركته في التظاهرات سواء التي خرجت بجمعة الأرض، أو تلك المنظمة اليوم الـ 25 من ابريل مؤكدا على أن موقفه وتحفظه الوحيد على ذلك هو مشاركة تنظيم الإخوان المسلمين في التظاهرات، حيث جاء في بيانه « كنتم وما زلتم شوكة في حلق الثورة منذ أن التففتم حول المسار الثوري وهرولتم وراء الكراسي والمناصب، وعقدتم الصفقات المشبوهة وقايضتم على الدم الطاهر وشققتم الصف، فعليكم الآن أن تتنحوا عن المشهد. وإن إصراركم على التواجد حينما ينبض الشارع المصري رفضا وحينما تتحرك القوى الثورية إدانة لعبث النظام بمقدرات الشعب وبمصيره؛ فإن تواجدكم يفرق تلك الجموع ويشتت الهتافات ويضعف القضية، إليكم وللمرة الأخيرة لم يعد لكم بين الثوار مكان».
الإخوان المسلمون:
الحاضرون دائما حالما تختلف مصالحهم مع مصالح النظام القائم، فالجماعة التي قضى النظام القائم على أحلامها داخليا وخارجيا، تخرج اليوم إلى جانب جموع التيارات الأخرى التي دائما ما خذلتها في مواقف عدة، لتقول لا للتنازل عن تيران وصنافير، وسط رفض معلن من قبل العديد من القوى المشاركة على تواجدهم.
شباب ضد الانقلاب:
تلك الحركة التي خرجت من رحم عزل الرئيس مرسي، وذلك وفقا لما جاء على لسان مؤسسه محمد صابر بكون الحركة أنشئت بعد خطاب السيسي الذي أمهل فيه القوى السياسية 48 ساعة لحل الأزمة آنذاك، ولعل حجر الأساس في تلك الحركة كان لشباب حزب الاستقلال.أعلنت الحركة في بيان لها نشر في يوم 24 أبريل بأن الحركة مشاركة بصورة أسياسية لرفض التنازل عن الجزيرتين والمطالبة بتحقيق أهداف الثورة«عيش – حرية – كرامة إنسانية – عدالة اجتماعية – سيادة وطنية».
مثقفون ونقابيون وأكاديميون يحجزون مقعدا:
وقع العديد من الشخصيات النقابية والمثقفيين على بيان حملة “مصر مش للبيع” وعلى رأس تلك الشخصيات النقابية منى مينا، وأحمد البرعي وبعض الناشطين والحقوقيين مثل إسراء عبد الفتاح وأحمد حرارة وجورج إسحاق و جمال عيد وجميلة إسماعيل و خالد تليمة وحمدين صباحي وخالد علي، إلى جانب بعض الأكاديمون مثل حازم حسني وأحمد عبد ربه، وبعض المثقفين والفنانين مثل محمد هاشم وجيهان منصور وعمرو واكد، إلى جانب مجموعة من الشخصيات العامة زاد عددها عن 150 شخصية عامة.
الجزيرتين شرارة الخروج:
على الرغم من إعلان القوى جميعها الخروج إلى الميادين بسبب قضية الجزيرتين إلا أن هناك مجموعة من الأسباب الأخرى المتداخلة التي كانت تنتظر شرارة الإنطلاق، بعضها يرتبط بالنظام وتعاطيه مع الأزمات في المجتمع وبعضها يرتبط بالحركات وتعامل النظام معها، فبصورة عامة تشير العديد من المؤشرات إلى فشل النظام الحالي في تحقيق الوعود الفضفاضة التي بدأ بها النظام حياته من تنمية ونهضة اقتصادية وتحقيق أهداف ثورة يناير وما يسمى بثورة يونيو.إلى جانب الفشل في تحقيق الوعود يأتي التعامل الشرطي مع المواطنين والذي يعود تدريجا شيئا ما إلى عهد مبارك من إنتهاك لحقوق الإنسان وتعذيب المواطنين وإن كان البعض يرى أنه تجاوز بمراحل عهد مبارك. فمن ناحية الإخوان والقوى الإسلامية لعل الدافع الأكبر وراء خروجهم يتمثل في حالة العداء المستمرة بينهم وبين النظام منذ عزل مرسي والتي تبلورت في اعتقال العديد منهم، ومن ناحية الإشتراكيون الثوريين و 6 أبريل فإن الأمر يرتبط بالاعتقال المستمر في صفوف شبابهم والتضييق على أنشطتهم.وبين هذا وذاك هناك مجموعة من المصالح الشخصية التي تحاول بصورة أسياسية تبرير فشلها في الانتخابات الرئاسية وعدم قدرتها على الحشد الشعبي لصالحهم.
على كل حال التظاهرات اليوم وإن كانت ضعيفة أو أنها لم تسقط النظام إلا أنها تشير إلى مجموعة من النجاحات، أهمها عودة الحراك إلى الشارع شيئا ما في ظل نظام لا يعطي أهمية كبيرة لاحتواء ذلك وينتهج نهج سابقيه في التعامل الأمني، من ناحية أخرى تدلل التظاهرات وفقا للخطاب السياسي للنظام القائم على وجود حالة من الخوف والارتباك من الشارع، إلى جانب ذلك نرى أن النجاح الأكبر لتلك التظاهرات يتمثل في فشلها في إسقاط النظام في ذلك التوقيت خاصة في ظل عدم التوافق والتوحد بين القوى المدنية والإسلامية الموجودة على الساحة فقد أثبتت العديد من المؤشرات أنه لا قضاء على نظام ذو خلفية عسكرية في ظل وجود اختلاف بين القوى القائمة.