كيف استفادت مصر من تسريب الامتحانات؟
ما شهدته الامتحانات هذا العام يجعلها الأسوأ في تاريخ وزارة التربية والتعليم على الإطلاق، فقد تم تسريب أسئلة 5 مواد قبل بدء الامتحان، وهي: (الديناميكا – التربية الدينية – اللغة العربية – الاقتصاد – اللغة الفرنسية)، كما تم تسريب الأسئلة بعد دقائق من بدء الامتحان لمواد: (التاريخ – الجيولوجيا – الجبر – الهندسة الفراغية – الكيمياء – التفاضل والتكامل – الفلسفة والمنطق – التربية الوطنية – الإحصاء)، ورغم إلغاء امتحان الديناميكا إلا أن تسريبه تكرر، فضلا عن تسريب نماذج الإجابات التي تحمل ختم المطبعة السرية.
كما كشف تصحيح العينات العشوائية عن تدني مستوى النجاح في التفاضل والتكامل والفيزياء والإستاتيكا واللغة العربية، كما سجّلت نسب النجاح في العديد من المواد أقل من السنوات الماضية بكثير، كذلك وُجدت أخطاء بنماذج الإجابات الأصلية لمواد: (الفيزياء – الجغرافيا – الكيمياء)، وكانت الفضيحة الكبرى في امتحان التاريخ حيث تضمّنت الأسئلة معلومات خاطئة، كل هذه الإنجازات منحت مصر عن جدارة المركز الأول عالميا في تسريب الامتحانات.
التسريب يُرشد الطاقة
الغش وتسريب الامتحانات يمكن أن نعتبرهما أحد الحلول المبتكرة لمواجهة الدروس الخصوصية؛ لأن الطلاب بالغش وتسريب الأسئلة سوف ينجحون دون الحاجة لهذه الدروس أو المذاكرة ليلا واستهلاك الكهرباء، وبتوالي الغش وتسريب الأسئلة عامًا بعد عام سيعزف الطلاب عن الدروس الخصوصية وسهر الليالي للمذاكرة، فتنتهي أزمة الدروس الخصوصية ونرشّد استهلاك الكهرباء، تنفيذًا لحملات الدولة الدعائية لترشيد الطاقة؛ لأن «كله له علاقة بتوفير الطاقة»، كما جاء بالإعلان.
كذلك يمكن إدراج صفحات الغش والتسريب ضمن المشروعات الصغيرة التي تدر دخلا للدولة والأفراد، وتساهم في دفع الاقتصاد والقضاء على البطالة، شأنها في ذلك شأن مراكز التدريب ومكتبات الملخصات الجامعية، وهي غير مجرّمة قانونا.
الغش في مجتمع متدين بطبعه
أفتى أساتذة الشريعة بأن تسريب الامتحانات حرام شرعا، والمشارك في تسريبها فاسق، والساعي في ذلك تحت أي مسمى داخل في قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «من غشنا فليس منا»، موضحين أن الغشاش حينما يبدأ حياته العملية، سيغش في عمله وحياته وعلاقاته مع الناس ومع الله، أما الذي يذاكر ويتوكل على الله سيكون ناجحا في عمله، حتى لو حصل على درجات أقل من الغشاش، مؤكدين أن الله «لا يحب الفساد» و«لا يصلح عمل المفسدين».
كما أن تسريب الامتحانات لون من الغش والإفساد في الأرض، ويدخل ضمن باب «لبس ثوب الزور» الذي جاء التحذير منه في قول النبي: «المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور».
وعلى الرغم من تحذير الشريعة الإسلامية من الغش في التعامل بين المسلمين بشتى المجالات، وإنذارهم بالوعيد الشديد، إلا أن هذا التحذير لم يعد كافيًا أو رادعًا، وأصبحنا في حاجة إلى اجتهاد جديد لقضية الغش والتسريب؛ نظرًا لضعف الوازع الديني عند مجتمعنا «المتدين بطبعه».
ب
القضاء على «أبو 50%»
أكد مصدر مسئول بالمجلس الأعلى للجامعات أن نتيجة الثانوية العامة في ظل تسريب الامتحانات وحالات الغش، ستؤثر على الحد الأدنى للقبول بالكليات وشرائح مجاميع الدرجات الحاصل عليها الطلاب، مما سيؤثر على الأماكن المتاحة للطلاب وخاصة بـ “كليات القمة”، وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع الحد الأدنى للقبول بتلك الكليات.
ويعتبر ارتفاع المجاميع من – الناحية الإحصائية – دليلا على ارتفاع معدلات التفوق العلمي بالدولة، كما يساعد بطريقة مباشرة على رواج سوق الجامعات الخاصة، وهو أمر يدعم التنوع في التعليم وينعش الاستثمار التعليمي في مصر، فضلا عن أنه يساهم في القضاء على ادّعاء التحاق المجاميع المنخفضة “أبو 50%” بالكليات العسكرية والشرطية، عن طريق التحاق الطلاب أصحاب المجاميع المرتفعة بهذه الكليات؛ نظرا لزيادة أعداد الحاصلين على مجاميع مرتفعة، أو ضمّ هذه الكليات إلى «كليات القمة» برفع الحد الأدنى للقبول بها.
كشف المؤامرات والمخططات
علقت بثينة كشك، وكيل وزارة التعليم، على تسريب الامتحانات، قائلة: «الوزارة بها فساد منذ عدة سنوات، ويجب تطهيرها، لكن ماحدث هو مؤامرة لتشويه مصر»، وأكدت على وجود «مافيا داخل الوزارة تقود مؤامرة خطيرة وممنهجة، مخطط لها جيدا منذ 30 عاما»، وأوضحت أن «كل الدول يحدث فيها تسريب للامتحانات».
والأخطر من ذلك تصريح مدير عام إدارة الوراق التعليمية، حمدي السيد، أن إسرائيل تقف بقوة وراء تسريب الامتحانات، مضيفًا أن معلوماته تؤكد «تجنيد إسرائيل لبعض العاملين بالمطبعة السرية؛ لتسريب الامتحانات؛ للتأثير على الأمن القومي، وانهيار منظومة التعليم في مصر»، وطالب بتنفيذ حكم الإعدام في كل من يثبت تورطه في تسريب الامتحانات؛ لأنه «عميل يحاول الإضرار بالأمن القومي المصري».
وصرح فايز بركات، عضو لجنة التعليم بالبرلمان، أن هذه ليست المرة الأولى، مؤكدًا أنه «تم تسريب الامتحانات في عامي 61 و67، باختراق من إسرائيل»، كما أكد بشير حسن، المتحدث باسم وزارة التعليم، «أن هناك عملية اختراق وقعت من الإخوان داخل الوزارة، وأن «أهل الشر» هم المسؤولون عن تسريب الامتحانات».
الثبات على المبدأ
أشارت وزارة التعليم إلى وسائل غش حديثة باستخدام «الموبايل»، فقد أحبط مراقبو الامتحانات العديد من محاولات الغش باستخدام «بلاك بيري»، لكن ذلك لم يمنع تسريب الامتحان، وأصرّ الوزير على مواجهة هذه الظاهرة، باستخدام أجهزة التشويش وتفتيش الطالب 3 مرات: قبل الامتحان وبعد الساعة الأولى وفي نهاية الامتحان.
لا تتعجب إذا علمت أن الخبر السابق من عام 2012، وهو ما يدل على نجاح الوزارة للعام الخامس على التوالي في الثبات على مبدأ الفشل، كما يدل على ثبات منظومة الوزارة، وعدم تأثرها بتغيير الوزراء، والأكثر من ذلك أنها أسست قاعدة جديدة في علم المنطق، وهي «أن تتبع نفس الخطوات الفاشلة وتنتظر نتيجة مختلفة».
فمنذ عام 2012 تحديدا، وهو العام الذي بدأ فيه تدفق الهواتف الذكية على السوق المصرية، وتزويدها بالكاميرات والإنترنت وغيرها من مستلزمات التكنولوجيا الحديثة – بدأت الوزارة تفقد قبضتها على لجان الامتحانات، وبدأت ظاهرة تسريب الامتحانات من داخل اللجان، تلك الظاهرة التي رفضت الوزارة أن تطلق عليها لفظة «تسريب» مكتفية بالتعبير المخفف «غش إلكتروني».
إثراء معاجم المصطلحات
امتلأت وسائل الإعلام المختلفة بسيل من الأوصاف لما حدث، وتسابق الجميع في إطلاق المصطلحات والتعبيرات التي أثرت المعجم اللغوي للحياة المصرية، بداية من بعبع الثانوية العامة ومافيا الغش وظاهرة شاومنج، مرورا بتعبيرات محنة الثانوية العامة بل محنة النظام التعليمي برمته، بل هي محنة مجتمعية تهدد الأمن القومي للدولة المصرية، واستخدم البعض وصف فضيحة الثانوية العامة، واصفين التسريب بالـجريمة، كما وصفها الرئيس بـالواقع المؤلم.
وتحوّل الأمر إلى مباراة لوصف الآثار الاجتماعية والسلوكية والتربوية السيئة، مثل «ظهور المجتمع الغشّاش» و«إهدار مقوّمات التميز والتفرد»؛ لأن أساس القضية هو الفساد الأخلاقي الذي يعتبر أخطر وأسوأ ما خلفته لنا السنون العجاف، وما حدث من تسريب يعتبر ظاهرة يحق وصفها بالبلطجة الإلكترونية من عناصر فاسدة، تعيث فسادًا في الأرض كما في الفضاء الإلكتروني، وتلحق شرورها وانحرافاتها تشوهات عميقة وجسيمة بمقاصد وغايات السوشيال ميديا؛ لتدمير مستقبل الأجيال.
كما رصد البعض ظهور «ثقافة الغش وهدم الأوطان»، مطالبا بإنشاء «وحدة مكافحة الغش في الامتحانات»، لتكون تابعة لمجلس الوزراء، ونتائج هذه الثقافة ظهرت في تسابق الجميع على سحق الوطن، فمزقوه بين أيديهم، لم يقصده عدو خارجي، ولكن نالته طعنة داخلية، لم تبقِ في جسده أملا للشفاء، وقد انبعثت من أعماق الدولة العميقة التي تسكن في كل شرايينه الإدارية، تتخفى كالجرذ وتتلون كالحرباء.
ضرورة تغيير القانون
تسريب الامتحانات يندرج تحت نصوص قانون العقوبات، ضمن جرائم إفشاء الأسرار والاختلاس والتربح والإضرار العمدي بمصالح الجهة الحكومية، وغالبا ما يقترن بجناية الرشوة، وعقوبتها قد تصل إلى السجن المشدد من 3 إلى 15 سنة.
أما الغش عن طريق الإنترنت فيعتبر جنحة بنص المادة 76 من قانون الاتصالات المصري؛ لتعمد إساءة استعمال أجهزة الاتصال، وعقوبتها الحبس الذي تصل مدته إلى 3 سنوات، وغرامة 20 ألف جنيه، بالإضافة إلى العقوبات الإدارية التي توقعها المدرسة أو الجامعة، والتي قررها وزير التعليم بالقانون رقم 166 لسنة 2014.
وسبق للقضاء أن تعرض لهذا الموضوع، في الجناية رقم 12016 لسنة 2008، حيث اتهمت النيابة رئيس قسم امتحانات الثانوية العامة بالمنيا، بتلقي 3600 جنيه على سبيل الرشوة، مقابل تسريب أسئلة امتحانات الثانوية قبل موعد الامتحانات، كذلك اتهمته النيابة باختلاس أوراق مملوكة لجهة عمله، وهي نماذج الامتحانات، واتهمته أيضا بأنه أضر عمدا بمصالح الجهة التي يعمل بها.
ويختلف الحكم بحسب ما إذا كان الجاني تقاضى مقابلا ماليا لتسريب الامتحانات أم لا: ففي الاتهام الأول «تقاضي مبالغ مالية»، تحققت جريمة الرشوة، أما في الثاني «اختلاس أوراق»، فتحقق الاختلاس والإضرار بمصالح جهة حكومية وإفشاء أسرار.
وفي جميع الأحوال، يلزم أن يكون الجاني موظفا عاما، مودعا إليه بمقتضى وظيفته سرا خصوصيا وهو أسئلة الامتحانات، ومن هنا تبدو فائدة القرار بالقانون رقم 101 لسنة 2015 بشأن مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات، فوفقا للمادة الأولى منه: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من طبع أو نشر أو أذاع أو روّج بأي وسيلة، أسئلة أو أجوبة امتحانات تتعلق بمراحل التعليم المختلفة، العامة أو الخاصة، بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحان، سواء تمت الجريمة داخل لجان الامتحان أو خارجها»، وبتطبيق هذا النص على وقائع التسريب التي تمت، نجد الحاجة ضرورية إلى تغيير بعض نصوص القانون وتغليظ العقوبة؛ لأن المشكلة تكمن في عدم وجود جريمة محددة تحت مسمى «تسريب الامتحانات».
تطوير استخدامات التكنولوجيا
من نتائج تسريب الامتحانات أن البعض تساءل: هل نحن نربح أم نخسر بسبب الإنترنت والتكنولوجيا؟، ولا يمكن إلقاء اللوم على المتسائلين، ولكن اللوم يقع على الذين حوّلوا منجزات إنسانية عظيمة مثل ثورة المعلومات والاتصالات، والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي إلى فضاء للغش، ونقمة تضرب العدالة والاجتهاد والتفوق، وبدلا من أن تصبح التقنيات الحديثة للاتصال وسائل لتغيير نظم التعليم تحولت عندنا إلى وسائل لتفشي جرائم الغش والتسريب، مما دفع البعض إلى اقتراح تعطيل خدمات الإنترنت لمدة 12 ساعة، من منتصف ليل الاختبار حتى انتهائه في منتصف اليوم التالي، ناسين أو متناسين أن هذا الاقتراح العجيب كان من مظاهر عجز نظام ماقبل ثورة 25 يناير، وأدّى إلى زيادة الاحتقان أثناء الثورة.
وفي السنوات الماضية، كان «شاومنج» صفحة فيسبوك شهيرة، يحصل على الامتحان بعد دقائق من توزيعه، بعد قيام أحد الطلاب بتصويره ونشره على مواقع التواصل، وتسمي الوزارة الواقعة «غشا إلكترونيا»، إلا أن «شاومنج» نجح هذا العام في تسريب الامتحان بالمعنى المعروف للكلمة، وهو ما يشير إلى تطور العقل الطلابي وتطوير الغش، ويؤكد أن الإصرار على النجاح في الامتحانات له مفهوم آخر لدى بعض طلاب هذه الأيام، بعد تطويرهم لفوائد التكنولوجيا التي ربما غابت عن صانعيها.
ربما تتعامل مع ما قرأته على أنه مادة للسخرية والهزل، أو أن بمصر كثيرا من المضحكات «ولكنه ضحك كالبكا»، أو قد تراه رصدا مختلفا لواقع عايشناه مريرا، أو قد تراه كيفما تراه، لكن في كل الحالات أتمنى ألا تغفل عن حقائق بسيطة، وهي: أننا نتعلم من الخطأ لا من الصواب, وكل خطأ ينتج عنه فوائد إذا نظرنا بإيجابية إليه، وكم أخطأنا وصار هذا الخطأ مصدر الإلهام في حياتنا، ولو لم تكن للأخطاء فوائد فلماذا كان «كل ابن آدم خطاء»؟
- الوطنى للاستشارات البرلمانية: 3 قوانين تجرّم الغش فى الامتحانات
- جريمة تسريب الامتحانات
- التعليم العالى: إلغاء مكتب التنسيق بسبب "تسريبات الثانوية" غير وارد
- "التربية والتعليم" تعترف: تسريب الامتحان حدث من داخل الوزارة والإخوان وراءه
- علماء الدين عن تسريب الامتحانات: حرام ومرتكبها فاسق
- مدير إدارة الوراق التعليمية يتهم إسرائيل بتسريب امتحانات الثانوية
- التربية والتعليم: تسريب الامتحانات مؤامرة لهدم الوزارة
- نظرة ثقافية لظاهرة تسريب الامتحانات وتحديات العصر الرقمي