محتوى مترجم
المصدر
The Conversation
التاريخ
2015/04/27
الكاتب
بانوس أثاناسوبولوس

يتمتع الذين يتميزون بثنائية اللغة بجميع الامتيازات، فهم يحصلون على فرص عمل أفضل، زيادة في الإدراك، وأيضًا الحماية ضد الخرف. وفي الفترة الحالية، أظهرت بحوث جديدة أنه يمكنهم أيضًا النظر إلى العالم بطرق مختلفة اعتمادًا على اللغة المحددة التي يستخدمونها.

شهدت الخمسة عشر عامًا الماضية قدرًا هائلًا من البحوث عن العقول ثنائية اللغة، حيث تشير معظم الأدلة إلى المزايا الملموسة لاستخدام أكثر من لغة. ويبدو أن الذهاب والإياب بين اللغات يُولّد نوعًا من التدريب للدماغ، مما يدفع العقل ليكون أكثر مرونة.

مثلما تقوم ممارسة التمارين الرياضية بانتظام بإعطاء جسمك بعض الفوائد الحيوية، فإن التحكم العقلي بلغتين أو أكثر يزود دماغك بالفوائد المعرفية الإدراكية. وهذه المرونة العقلية تلعب دورًا كبيرًا خصوصًا في وقت لاحق في حياتك، حيث تظهر العلامات النمطية للشيخوخة المعرفية متأخرة عند ثنائيي اللغة، وتتأخر بداية الاضطرابات الانتكاسية المتعلقة بالعمر مثل الخرف أو مرض ألزهايمر لمدة تصل إلى خمس سنوات.


الألمان يعلمون إلى أين يذهبون

في بحث نُشر مسبقًا في قسم علم النفس، تم إجراء دراسة على ثنائيي وأحاديي اللغة الإنجليزية-الألمانية لمعرفة مدى تأثير أنماط اللغات المختلفة على كيفية التفاعل في التجارب.

تم عرض مقاطع فيديو على ثنائيي اللغة الألمانية-الإنجليزية لبعض الأحداث مع وجود حركة بها، مثل امرأة تسير نحو سيارة أو رجل يقود دراجة نحو السوبر ماركت، ثم طُلب منهم أن يصفوا هذه المشاهد. عندما تعرض مشهدًا من هذا النوع على أحاديي اللغة الألمانية فإنهم لن يميلوا فقط إلى وصف الفعل بل أيضًا الهدف من الفعل. لذلك فإنهم يميلون إلى أن يقولوا: «امرأة تسير نحو سيارتها» أو «رجل يقود دراجته نحو السوبر ماركت». أما أحاديي اللغة الإنجليزية فإنهم يميلون لوصف هذه المشاهد ببساطة مثل: «امرأة تسير» أو «رجل يقود دراجته»، دون ذكر الهدف من الفعل.

النظرة العامة التي يفترضها المتحدثون باللغة الألمانية هي نظرة شمولية؛ أي أنها تميل للنظر إلى الحدث ككل، في حين أن المتحدثين باللغة الإنجليزية يميلون للتركيز فقط على الفعل المعين في الحدث.

يبدو أن الأساس اللغوي لهذا الميل متجذر في الطريقة التي تصف بها الأدوات النحوية الأفعال الزمنية. تتطلب اللغة الإنجليزية من متحدثيها ضبط الأحداث الجارية نحويًا، عن طريق التطبيق الإلزامي لقاعدة الاستمرارية «ing» – «أنا ألعب البيانو ولا أستطيع الذهاب إلى الهاتف»، أو «لقد كنت ألعب البيانو عندما رن جرس الهاتف». اللغة الألمانية لا تمتلك هذه الخاصية.

يُظهر البحث على مستخدمي اللغة الثانية وجود علاقة بين الكفاءة اللغوية في هذه التركيبات النحوية والتردد الذي يذكر فيه المتحدثون الأهداف من الأحداث.

في دراستنا، وجدنا أيضًا أن الاختلافات اللغوية تمتد إلى جانب أبعد من استخدام اللغة نفسه، إلى التصنيف غير اللفظي للأحداث. وقد طلبنا من أحاديي اللغة الإنجليزية والألمانية أن يشاهدوا سلسلة من مقاطع الفيديو التي تظهر أناسًا يمشون، يقودون الدراجات، يركضون أو يقودون السيارات. في كل مجموعة ثلاثة مقاطع، طلبنا من المشاركين أن يقرروا ما إذا كان المشهد ذو الهدف الغامض (امرأة تمشي في طريق نحو سيارة متوقفة) أكثر شبهًا بمشهد موجه نحو هدف واضح (امرأة تسير في مبنى) أم مشهد بلا هدف (امرأة تمشي في ممر ريفي). فقام أحاديو اللغة الألمانية بمطابقة المشهد الغامض بالمشهد الموجه نحو هدف واضح بشكل أكثر تكرارية من أحاديي اللغة الإنجليزية الذين يميلون أكثر إلى ربطه بمشهد بلا هدف.

هذا الاختلاف يعكس ما وجد للاستخدام اللغوي: على الأرجح يركز متحدثو اللغة الألمانية على النتائج المحتملة لأفعال البشر، بينما يركز متحدثو اللغة الإنجليزية على الفعل نفسه.


تبديل اللغات، تغيير المنظور

عندما يأتي الأمر لثنائيي اللغة، يتضح أنهم يحولون منظورهم طبقًا إلى سياق اللغة التي أعطيت لهم كاختبار. فقد وجدنا أن الألمانيين الذين يتحدثون الإنجليزية بطلاقة كانوا يركزون على الأهداف من الأفعال مثل أي متحدث أصلي آخر عند اختباره في الألمانية في بلده الأم. لكن مجموعة مماثلة من ثنائيي اللغة الألمانية-الإنجليزية الذين تم اختبارهم في الإنجليزية في المملكة المتحدة قاموا بالتركيز على الفعل نفسه مثل المتحدثين الأصليين باللغة الإنجليزية.

في مجموعة أخرى من ثنائيي اللغة الألمانية-الإنجليزية، احتفظنا بلغة واحدة في مقدمة أذهانهم أثناء مهمة مطابقة الفيديو عن طريق جعل المشاركين يكررون سلاسل من الأرقام بصوت مرتفع إما بالإنجليزية أو بالألمانية، وقد بدا أن تشتيت الانتباه عن لغة واحدة جلب تأثير اللغة الأخرى إلى المقدمة بشكل تلقائي.

عندما تم حجب اللغة الإنجليزية، تصرف ثنائيو اللغة مثل الألمان النمطيين، وشاهدوا مقاطع فيديو غامضة كأنها واضحة الهدف أكثر. بينما مع حجب اللغة الألمانية، تصرف ثنائيو اللغة مثل متحدثي اللغة الإنجليزية وطابقوا المقاطع الغامضة مع المشاهد ذات النهايات المفتوحة. عندما فاجأنا المشاركين بتحويل لغة الأرقام المشتتة في منتصف التجربة، تحول تركيز المشاركين إلى الأهداف مقابل العملية نفسها في نفس الوقت.

هذه النتائج تتماشى مع البحوث الأخرى التي تظهر سلوكًا متميزًا عند ثنائيي اللغة اعتمادًا على لغة العملية. من الأرجح أن يربط العرب الإسرائيليون أسماءً عربية مثل أحمد وسمير بكلمات إيجابية في سياق اللغة العربية منها في اللغة العبرية، على سبيل المثال.

يقوم الأشخاص بالتعبير عن أنفسهم بأنهم يشعرون وكأنهم شخص مختلف كلما استخدموا لغة مختلفة، وأن التعبير عن مشاعر معينة يحمل رنينًا عاطفيًا مختلفًا اعتمادًا على اللغة التي يستخدمونها.

عند الحكم على المخاطرة، يميل ثنائيو اللغة أيضًا إلى اتخاذ قرارات اقتصادية أكثر منطقية بلغة ثانية. على النقيض من لغة الشخص الأولى، فإنه يميل إلى عدم وجود تحيزات عاطفية متجذرة ومضللة تؤثر بشكل غير ملائم على كيفية إدراك المخاطر والمنافع. لذا، فإن اللغة التي تتحدث بها يمكن أن تؤثر في طريقة تفكيرك.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.