بعد وثيقتها الجديدة: كيف تحاكي حماس نموذج الكفاح الأيرلندي؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
مؤخرًا، أصدر قادة حماس وثيقة تستعرض مبادئهم الإرشادية الجديدة في مؤتمر صحفي بالعاصمة القطرية. قال خالد مشعل إن العمل على الوثيقة تواصل مدة عامين، لكنها تمثل ذروة مجادلات داخلية تعود لأكثر من عشر سنوات.
ترّكز التناول الإعلامي للوثيقة على قبولها بحدود 1967 كأساس لإقامة دولة فلسطينية مجاورة لإسرائيل، وتأكيد استقلالها عن جماعة الإخوان المسلمين. لكن الوثيقة تضمنت نقاطًا مهمة أخرى؛ كتعبيرها عن رؤية حماس لأصول الصراع، ودور المقاومة وموقفها تجاه إسرائيل، وإعادة تموضع حماس كجزء من التوافق الوطني الفلسطيني وكشريك في مفاوضة دولية للتوصل إلى حل سياسي.
وتحاول الوثيقة فعل هذا دون تنازل عن المبادئ الأساسية، مما يؤدي لتناقضات واضحة.
اليهود ليسوا هم العدو
منذ زمن طويل، أدرك قادة حماس أن الميثاق التأسيسي، الذي كتبه رجل واحد عام 1988، شكّل عائقًا أمام التوعية السياسية داخل وخارج فلسطين. وقد كان أسوأ جوانبه هو اللغة المناهضة لليهود. وحتى إذا ما كان ذلك الميثاق يعكس أفكار قادة حماس، إلا أنه كان سلاحًا قويًا ضمن ترسانة البروباجندا الإسرائيلية المناهضة لفلسطين.
وعلى النقيض، في الوثيقة الجديدة: تؤكد حماس أن الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعًا مع اليهود بسبب ديانتهم؛ وحماس لا تخوض صراعًا ضد اليهود لكونهم يهودًا، وإنما تخوض صراعًا ضد الصهاينة المحتلين المعتدين؛ بينما قادة الاحتلال هم من يقومون باستخدام شعارات اليهود واليهودية في الصراع، ووصف كيانهم الغاصب بها.
وبهذا صارت حماس متماشية مع الموقف التاريخي للحركة الوطنية الفلسطينية، حيث نذكر أن ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، قال كلمات مشابهة في خطابه عام 1974 بالأمم المتحدة.
النضال ضد الاستعمار
يعتبر الميثاق التأسيسي أن المشكلة في فلسطين متجذرة في الصراع الديني (الإسلامي-اليهودي)، وينظر لأرض فلسطين كوقفٍ إسلامي.
لكن الوثيقة الجديدة تعكس تغير التفكير الذي رصده عزام التميمي في كتابه (حماس: تاريخ من الداخل – 2007). حيث يقول إنه تحت تأثير مفكرين من أمثال عبد الوهاب المسيري صار العديد من الإسلاميين ينظرون لمشكلة فلسطين على أنها مشروع استيطاني من حركة صهيونية محتلة.
وفي الوثيقة الجديدة نرى ذلك: «إن القضية الفلسطينية هي في جوهرها قضية أرض محتلة وشعب مُهجر… وفلسطين أرض أعلى الإسلامُ مكانتهاـ كما فعلت بقية الأديان». أي تلغي الوثيقة النظر لفلسطين كوقف إسلامي.
النموذج الأيرلندي
تقول الوثيقة الجديدة إن حماس لن تعترف بالكيان الصهيوني المغتصِب، وإن تأسيس إسرائيل غير قانوني وينتهك حقوق الشعب الفلسطيني. ومع ذلك، وفي تناقض واضح، تقول: وبما لا يعني إطلاقًا الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا التنازل عن أيٍّ من الحقوق الفلسطينية، فإن حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة. مما يعني أن حماس توافق على حلّ الدولتين في لحظة إدراكنا أن هذا لن يتحقق.
وهو ما يشبه قبول الحزب الوطني الأيرلنديباتفاقية بلفاست لعام 1998، والتي تستلزم دخوله حكومة تقاسم للسلطة في أيرلندا الشمالية، مع مواصلته – في الوقت نفسه – رفض التقسيم. وفي أعقاب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أعاد الحزب إحياء حملته لإلغاء أيرلندا الشمالية وإقامة دولة واحدة على جزيرة أيرلندا، وهو ما تسمح به اتفاقية بلفاست إذا ما دعمته أغلبية في استفتاء شعبي. وهكذا، تتبع حماس نموذج الحزب الأيرلندي لإنهاء الصراع دون تخلي الفلسطينيين عن مواقفهم.
كذلك تعرض الوثيقة محاولات توازنية مماثلة بخصوص السياسة الفلسطينية الداخلية، حيث ترى أن اتفاقات أوسلو لعام 1993 الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية تخالف حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وتدين التنسيق الأمني بين القوات الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية. ورغم ذلك، تتقبل السلطة الفلسطينية كواقعٍ، وتؤكد: «أن دور السلطة الفلسطينية يجب أن يكون في خدمة الشعب الفلسطيني وحماية أمنه وحقوقه ومشروعه الوطني». وكذلك تدعو لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية – التي ليست حماس عضوًا فيها – على أسس ديمقراطية.
المقاومة وما بعد الوثيقة
في الوثيقة الجديدة، تؤكد حماس أن المقاومة، بما فيها المقاومة المسلحة هي «حق مشروع كفلته الشرائع السماوية والأعراف والقوانين الدولية». وتنظر للمقاومة المسلحة على أنها شيء يمكن استخدامه أو عدم استخدامه حسبما تقتضي ظروف التفاوض الساعية للسلام.
وبالطبع،نبذت إسرائيل وثيقة حماس الجديدة حتى قبل نشرها، ليكون العناد الإسرائيلي هو العائق الآن أمام حل سلمي نهائي للمشكلة الفلسطينية بعد إعلان الفصيلين الفلسطينيين الرئيسيين استعدادهما للتعايش مع إسرائيل.
كذلك، تتبقى المشكلة الرئيسية التي تعاني منها الحركة الوطنية الفلسطينية المؤسسية؛ وهي أنه لا فتح ولا حماس تملكان الرؤية المُحرِكة والمُوحِدة للفلسطينيين في نضال من أجل أرضهم وحقوقهم في وقت رُفع فيه حل الدولتين عن الطاولة.