كيف تغطي الدول المستعمِرة تكاليف الاستعمار؟
19 مارس/آذار 2003، اجتاحت القوات الأمريكية العراق.
19 مارس/آذار 2011، حلف الناتو يضرب ليبيا بعد فرض حظر جوي على الطيران الليبي وإن عدنا بالزمان قليلا أو تقدمنا به سنجد حروبا تندلع فى كل أنحاء الأرض مخلفة دمارا لا يمكن إصلاح إلا القليل منه بالكثير والكثير من الأموال والجهد والأنفس، فمن لم يسمع عن الحروب ويشاهدها فى التلفاز أو على نحو قريب منها ويذوق ويلاتها ونتائجها، فليقرأ قصص الجنود العائدين من المعارك وقصص الضحايا، إن شبح الحرب يجوب العالم بحثا عن لقمة سهلة يحصد منها الأرواح والأموال ويخلف الخراب والدمار، ولكن من جهة أخرى يحصد المال والسلطة.
تعددت الأسباب والحرب واحدة
قديما، كانت للحروب أسباب مختلفة بين الدول أما تنازع على السلطة أو الموارد أو أسباب دينية. ومؤخرا، أضيفت لهذه الأسباب أسباب أخرى، على سبيل المثال: الإطاحة بديكتاتور ونشر الحرية ومبادئ الإخاء والتسامح/ أو التجريد من أسلحة الدمار الشامل أو القضاء على الإرهاب، أو التدخل بوازع إنقاذ أقلية مضطهدة.
لكن مهما كانت الأسباب المعلنة للحرب، فدائما هناك أسباب ومصالح خفية، فالحروب هي الشيء الأكثر جدلا الذي يفعله الإنسان على وجه الأرض، فما الذي يدفع دولة للزج بأبنائها إلى الذبح؟ كيف يمكنك التضحية بمليارات الدولارات على دولة غير دولتك وشعب غير شعبك فى مقابل أنك إذا أنفقت ثلث المبلغ المعلن للحرب على دولتك لكفيتهم شر الفقر والبطالة وعالجت مشاكل الصحة والتعليم بالإضافة إلى أنك جنبتهم الضرائب الباهظة الناتجة من اقتصاد الحرب؟
للحرب مكاسب أخرى غير شرف الانتصار على الخصم والإعلان بمدى قوتك العسكرية على الضعفاء، غايتنا هنا إلقاء نظرة سريعة على الأموال التي تتكبدها الدول المنهزمة وكيف تستفيد الدول المنتصرة أو المشاركة فى الحرب من الدمار.
فى البدء كانت الحرب.. ثم تبعتها التعويضات
فى الحرب العالمية الثانية استغلت ألمانيا اقتصاد فرنسا المتنامي لمدة خمسة أشهر من مدة احتلالها لها عن طريق إجبار الحكومة الصورية الفرنسية على دفع عشرين مليون فرنك يوميا في صورة مصاريف إيواء لجنود الاحتلال، والتي كانت في الواقع تستخدم لتغذية اقتصاد الحرب النازي. وبعد نهاية الحرب دفعت ألمانيا الدولة المنهزمة للدول المتضررة من غزوها تعويضات أبرزها على سبيل المثال 400 مليون فرانك ألماني لفرنسا. وأيضا بلغ مجموع التعويضات المدفوعة لإسرائيل 83 مليار فرانك طبقا لاتفاقية لوكسمبورغ.
وطبقا لاستنتاج جون جيمبل في كتابه «علوم والتكنولوجيا والتعويضات»، فإن «التعويضات الفكرية» التي حصلت عليها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بلغت ما يقرب من 10 مليارات دولار، أي ما يعادل نحو 100 مليار دولار في عام 2006 وذلك في صورة براءات اختراع.
وطبقا لدراسة أعدها معهد واتسون في 2011 وجرى تحديث بياناتها عام 2013، فإن إجمالي تكاليف الحرب الأمريكية على العراق تتجاوز 3.7 تريليون دولار دون حساب الفائدة المتوقعة في العقود القادمة. والمعلن أن أمريكا لم تجنِ شيئًا من هذه الحرب غير الخسائر الفادحة في الأموال والأنفس وزيادة نشاط الجماعات الإرهابية المسلحة التي يعاني منها الشرق الأوسط وليس العراق فقط. وكشف التقرير أن تكاليف الإعمار التى تجاوزت 212 مليار دولار لم تثمر شيئًا وذلك بسبب التلاعب فيها وصرف الجزء الأكبر منها على منظومة أمنية لم تحقق المطلوب منها.
ولأن الحرب وفوضى الإرهاب هي الحجة والسوق المثالية لتسويق السلاح، السلعة الأغلى والأكثر كلفة في العالم. فوفقا للتقرير السنوي الذي يصدره معهد أبحاث ستوكهولم العالمي للسلام لعام 2015، أمريكا هي تاجر السلاح الأول في العالم بنسبة 33% من الإجمالي العالمي تليها روسيا، وتقع الهند في المرتبة الأولى للدول المشترية، وتليها السعودية كثاني أكبر مستورد للسلاح في العالم .
من المستفيد؟
المستفيد الأول من الحرب دائمًا هو تاجر السلاح، وتمتد قائمة المستفدين وتطول لتشمل أصحاب المصالح السياسية، لكن أحد المستفيدين الأساسيين بصورة لا تكاد تظهر هي شركات إعادة الإعمار الأجنبية. وفي مقارنة بسيطة بين مبيعات السلاح وتكاليف الإعمار، نجد أنه على سبيل المثال في عام 2013 تخطت إجمالي مبيعات السلاح 200 مليار دولار وذلك لأكبر 10 شركات تجارة للسلاح في العالم. ويأتي العام 2015 والعام 2016 ومع اقتراب نهاية 2017، وتوقع لارتفاع ضخم على طلب السلاح وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من فوضى الجماعات الإرهابية.
وفي الجانب الآخر للمتربحين من الحروب، تأتي تكاليف الإعمار عند انتهاء الحرب في فاتورة باهظة لا تقوى الدول على سدادها وذلك لأعوام طوال. فتشير التقارير المبدئية للبنك الدولى إلى أن سوريا الممزقة بين الجهات المتنزعة تحتاج إلى 170 مليار دولار لإعادة الإعمار. وبالنسبة إلى ليبيا فستحتاج إلى 200 مليار من أجل البنية التحتية فقط (أرقام إعادة الإعمار قابلة للزيادة وذلك إلى أن يتحقق سلام يسمح بالبناء).
وإذا استطاعت بلد ما تجنب الحرب وويلاتها، فإن لديها عدوا آخر تنشغل بمحاربته.. الإرهاب. وبالطبع، الفاتورة هنا باهظة الثمن للغاية وليست مالية فقط تنصب بشكل أساسي على التسليح ومعداته وتقنياته، بل تشمل خسائر أخرى بشرية ونفسية. الحرب على الإرهاب تختلف عن الحروب في أنها تطول وتمتد لفترة من الزمن لأنك تواجه عدوًا خفيًا، ضرباته غير متوقعة ومؤلمة لأنها دائما موجهة لأهداف لديهم ثقل نفسى فى البلد. فالحرب هنا مهما ارتفعت تكلفتها المادية إلا أنها حرب نفسية في المقام الأول.
هل المال كافٍ لإعادة الإعمار؟
كل تلك التكاليف هي تكاليف إعادة إعمار مبدئية تغطي البنية التحتية فقط أما الفاتورة النهائية للإعمار والتي سوف يدفع ثمنها من ثروات البلاد الخام أو تضاف إلى فاتورة فوائد لا تنتهي وقيد لا ينكسر تتحملها الأجيال القادمة.
وللأسف لا يمكن إجمال أو إضافة ما سوف يتكلفه إعمار إنسان شهد الحرب وويلاتها، فقد العديد من الأهل والأصدقاء، إنسان تعرض لأقصى أنواع الصدمات الإنسانية الكفيلة بتغييره وتدمير حياته النفسية بل وعزله عن العالم كله، أو تحوله لإرهابي ناقم يطيح بكل ما حوله، يريد أن يقتص من عالم لم ينل منه إلا العذاب والفقد. لذلك، التنمية والإعمار بعد الحرب يجب ألا يكونا في المباني والمنشآت فقط، بل يجب أن يشملا إعادة إعمار الإنسان من الداخل وتأهيله للاستمرار. فكل إعمار لا يشمل الإنسان لا يعول عليه.
الحروب قائمة وستظل كذلك، والإرهاب سيظل مستمرًا، حتى يتوقف أرباب السلاح السعى وراء إشعالها، وحتى ينصرف رؤساء الدول إلى صرف نقود الحرب على إعمار بلادهم. الحرب ستتوقف لحظة أن يتوقف الإنسان عن الأنانية ويدرك أنه يقتل أخاه الإنسان.