كيف يفكر الجيل الجديد من القادة الخليجيين؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
بعد سنوات من تولي الثمانينيين للقيادة، يبدو أن الدول العربية الخليجية ستحصل على قادة أصغر. ففي العاشر من فبراير، أعلن حاكم دبي عن تشكيل جديد لمجلس الوزراء الإماراتي، والذي تضمن ثمانية وزراء جدد بمتوسط أعمار 38 عامًا. حيث بلغ عمر أصغر الوزراء، الذي يترأس، كما يجب، وزارة شؤون الشباب، 22 عامًا.منذ أسابيع قليلة، عين أمير قطر البالغ من العمر 35 عامًا، الشيخ تميم بن حمد الثاني، عضوًا آخر بالجيل الأصغر على رأس وزارة الخارجية، وهو محمد بن عبد الرحمن الثاني، الذي يبلغ عمره أيضًا 35 عامًا. يبدو أن وجه القيادة الخليجية يتغير، وأنها أصبحت أصغر سنًا بشكل واضح.رغم السن المتقدم لمعظم القادة الإقليميين، ولت الأيام التي مثلت فيها القيادة الخليجية دارًا للمسنين. فالآن، أصبح شائعًا في دول الخليج أن يتم تعيين أولياء للعهد ووزراء رئيسيين في الأربعينيات والخمسينيات من أعمارهم. وبما أن فارق العمر بين الحكام وأولياء العهد آخذ في التزايد – في البحرين والسعودية، هناك فارق 20 عامًا بين الحكام وأولياء العهد – يبدو أن المأزق الجيلي قد أصبح في طريقه إلى الحل. يعني ذلك أنه عندما يخرج كبار المسؤولين الخليجيين المتبقيين عن المشهد، قد تبرز المنطقة على الجانب الآخر من التصنيف العمري – أي أن يتميز قادتها بانخفاض الأعمار بدلًا من تقدمها.
شباب غير ثائرين
يتضمن هؤلاء الوزراء الجدد العديد من وزراء التكنوقراط الذين يتبنون نهجًا تحليليًا تجاه السياسات العامة. ويحمل أولياء العهد، الذين لا تزيد أعمارهم عن 55 عامًا، رؤى مختلفة عن سابقيهم بصدد السياسات الإقليمية والدولية. كما مر جميعهم بتجربة معاصرة اجتياح الكويت و حرب الخليج (1990 و1991) التي تبعت الاجتياح. ويقضى بعضهم، ومنهم نائب ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، المزيد من الوقت في المنطقة بالمقارنة بنظرائه الأكبر سنًا، الذين يقضون سنوات نشأتهم في الدراسة بالخارج. وضمن القادة الذين سعوا للدراسة في الخارج، قضى الكثيرون المرحلة الجامعية بالولايات المتحدة، بدلًا من العادة السابقة المنطوية على الدراسة في القاهرة، لندن أو باريس. ولكن بينما يحاول المراقبون الغربيون التكهن بما قد يعنيه ذلك التوجه بالنسبة للسياسات الخليجية، يجب أن يحرصوا على عدم خلط الشباب والخبرة بالإصلاح السياسي.من جانب، هناك الضغوط الناتجة عن وجود نظام قائم على التوريث. ففي معادلات حكم العائلات، يقلق القادة الشباب بنفس القدر بشأن الخصوم على الخلافة مثلما يقلقهم اضطراب الجمهور. حيث تخلق السلالات الحاكمة بيئات عدائية تجاه الإصلاح السياسي؛ ما يؤدي إلى عجز القادة عن تنفيذ الإصلاحات الهيكلية للنظام السياسي، التي ستؤدي إلى تجريد العائلة الحاكمة من السلطة، ناهيك عن التهديد بالطرد من صفوف القيادة. اكتشف سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، ولي العهد البحريني، ذلك عندما قوبلت محاولاته لتطبيق الإصلاحات بعد الاضطراب السياسي عام 2011 بردة فعل عنيفة من جانب الزمر المتشددة داخل العائلة الحاكمة. ففي هذه المنطقة تحديدًا، الدم أعلى كثاقة من الماء.
من المعقول توقعه من جانب القادة الشباب أن يعينوا من يقاربونهم السن في المناصب الهامة، ولكن فقط بعد أن يعززوا سلطاتهم. فقد استغرق الأمر عامين ونصف منذ تولي تميم السلطة حتى تمكن من إجراء تعديل جذري لمجلس وزرائه. ولكن عندما فعل ذلك، عين ثلاثة وزراء تحت سن 45 عامًا. ولدى السعودية والملكيات الخليجية الأخرى مواهب سياسية مشابهة تنتظر فرصتها، وقد اكتسب العديد من نجوم المنطقة الأكثر وهجًا الخبرة عبر توليهم المناصب الدبلوماسية في واشنطن وأماكن أخرى. على سبيل المثال، وزير الخارجية السعودي الجديد، عادل الجبير، 53 عامًا، قضى عقدًا متوليًا منصب سفير السعودية في الولايات المتحدة قبل أن يتولي دوره الحالي، وهو الدور الذي وظفه الجبير لتقوية العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة.كما يعمل السفير الحالي لدولة الإمارات بالولايات المتحدة، يوسف العتيبة، 42 عامًا، بالنيابة عن وزير الخارجية الإماراتي، 34 عامًا، ويبدو أن كليهما مهيأ ليبقى ضمن الشخصيات البارزة بأجهزة السياسات الخارجية الإماراتية خلال السنوات القادمة، في ضوء نجاحهما في تعزيز وضع الإمارات كقوة إقليمية صاعدة.كذلك هناك أسباب أخرى لعدم افتراض أن القادة الشباب سينجذبون صوب ترسيخ الديمقراطية. فمن المرجح أن يربط الشباب الثلاثيني في الخليج حاليًا الديمقراطية بحرب العراق الدموية عام 2003 أو التوابع الفوضوية للربيع العربي. فقد شهد هؤلاء نماذج أقل لنجاح ترسيخ الديمقراطية، على خلاف الأجيال السابقة التي شهدت سقوط جدار برلين. كما وجد استطلاع للرأي أجري في المملكة أثناء الربيع العربي أن المشاركين الأكبر سنًا كانوا أكثر ميلًا لدعم الديمقراطية؛ بينما كان شباب المرحلة العمرية بين 26 و35 عامًا أقل ميلًا لدعمها. كما بلغ شباب العائلة الملكية سن الرشد خلال أسوء عهود تراجع الديمقراطية في المنطقة.وفي ضوء ضغوط العائلات الملكية والتجارب الأخيرة السيئة بصدد تراجع الديمقراطية، سيميل القليل من القادة إلى إخلال التوازن.
تعزيز التوجهات المعاصرة
يرجح أن يتبنى الجيل القادم نموذجًا بديلًا وهو؛ الحكم الرشيد. حيث سيحاول هؤلاء القادة بشكل محدد أن يركزوا على تقديم الخدمات العامة بشكل فعال، تحسين إدارتهم للشؤون العامة، وتبني إصلاحات اقتصادية تضمن لهم الازدهار طويل المدى لدول مجلس التعاون الخليجي. حيث سعى تميم وولي عهد الإمارات،محمد بن زايد، 54 عامًا، إلى تبسيط الإجراءات البيروقراطية الحكومية عبر تعزيز تكنولوجيا المعلومات، تبني مبادرات الحكومة الإلكترونية، دعم الابتكار، وتقوية القوى العاملة من مواطني بلادهم.حيث نفذت الإمارات مؤخرًا سلسلة من الإصلاحات المتعلقة بالدعم الحكومي بهدف تدعيم الاستقرار الاقتصادي، وهو مشروع أيده ولي العهد، وحقق نجاحًا نسبيًا. كما دعم محمد بن سلمان، نائب ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، 30 عامًا، مفاهيم مشابهة، إلى جانب تبني خطط طموحة تهدف إلى تدعيم الاعتماد على الذات فيما يتعلق بالأمن القومي.يسجل القادة الخليجيين الشباب بصمتهم في مجال الدفاع، مبشرين بما يبدو كحقبة من النشاط العسكري في المنطقة. على سبيل المثال، يعتبر محمد بن سلمان على نطاق واسع مهندس الحملة ذات القيادة السعودية في اليمن. ولكن يتضح المثال الأبرز لذلك التوجه في «سبارتا الصغيرة»، حسبما أطلق الجيش الأمريكي على دولة الإمارات. حيث يخدم أبناء أمير أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، ومحمد بن راشد آل مكتوم، في الجيش الإماراتي وشاركوا في حملة البلاد العسكرية في اليمن.ويتطلع القادة الشباب إلى بناء جيوشهم عبر الاستثمار في تطوير قوات العمليات الخاصة وتنويع سبل التعاون الأمني بهدف تجنب الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة كضامنة وحيدة. كما يتجاوز التزام الإمارات تجاه تطوير جيشها كونه موضة عابرة، مثلما يتضح في تبنيها مؤخرًا لنظام التجنيد الإجباري، وهي خطوة اتخذت أيضًا من جانب الشيخ تميم في قطر.
قادة المدرسة الجديدةيتعين على صناع القرار الغربيين أن يتجاوزوا الصورة النمطية المحفورة في أذهانهم عن قادة الخليج، بوصفهم مجموعة من الثمانينيين الضعفاء. فقد اتسم ذلك التصور دائمًا بالمبالغة، كما أنه أصبح اليوم أقل دقة، ويحمل خطر سوء تقدير التوقعات المتغيرة من شركاء الخليج، والاستخفاف بالدماء الجديدة لقادتهم. ولكن في سبيل إدراك التغيير الجيلي الجاري، يتعين على الولايات المتحدة أن تحرص على عدم تبني صورة نمطية جديدة عن القيادة الخليجية الجديدة، مثل أنها متسمة بطيش الشباب. حيث وسم محللو شؤون الخليج بالفعل محمد بن سلمان بأنه مطابق تمامًا للصورة النمطية لدوره، ولكن أحكامهم بالتأكيد سابقة لأوانها، خصوصًا في ضوء مرات ظهوره العلني القليلة.ومع ذلك، يقدم صعود جيل جديد من القادة فرصة لتحديث تشتد الحاجة إليه للاستراتيجية الأمريكية في الخليج. فلفترة طويلة جدًا، تعثرت واشنطن في سبيل صوغ معادلة لتبادل الأسلحة والمعدات العسكرية لدعم محاربة الإرهاب. حيث تمثل مبيعات الأسلحة العمود الفقري لتفاعل الولايات المتحدة مع المنطقة، ولكنها قد تعطي أيضًا انطباعًا ساخرًا بأن العلاقات الأمريكية السعودية يمكن قياسها بالذخائر الموجهة، أو أن العلاقات الأمريكية الإماراتية يمكن تلخيصها في تسلميات طائرات الـ«إف-16».بينما يستثمر قادة الخليج الشباب في أنظمة الحكومة الإلكترونية، تطوير القطاع الخاص، ومبادرات الابتكار، سيكون أمام واشنطن خيارات أوسع للتعاون مع القوى الإقليمية. ما سيساعد بدوره دول الخليج في بناء قدراتها، تعزيز الثقة، وتوسيع العلاقات مع الولايات المتحدة.على واشنطن أن تتحدث بشكل مباشر مع صناع القرار الصاعدين في المنطقة. فقد سعى محمد بن سلمان للصراحة عندما قال: «ما أطلبه هو أن تقولوا ما تؤمنون به بالفعل». وعلينا أن نمنحه ذلك الطلب. فالحل بالنسبة لمشكلات الخليج لا يتمثل دائما في تقديم المزيد من الأسلحة، وهو بالتأكيد ليس حربًا مدفوعة بالعداوة السعودية الإيرانية. فالتغير الجيلي في صفوف السلطة لا يحدث كثيرًا. ولكن عندما يحدث، فإنه يقدم فرصة لبناء علاقات هادفة ونافعة.