الوصايا العشر: كيف نستعد للوباء القادم؟
قد يبعث عنوان هذا المقال على الذعر، وبمجرد أن تقع العين عليه سيقفز سؤال مهم إلى الذهن: هل نحن على أعتاب وباءٍ جديد، سواءً كان من عائلة كورونا أو سواها؟ والإجابة هي للأسف نعم، فنحن في عصر الأوبئة. ليس تلك إجابتي الشخصية، إنما جاءت على لسان د. «هاري بريليانت»، المتخصص في علم الوبائيات، الذي يرأس مجموعة استشارية تضم بعد الخبراء المهتمين بالأوبئة، في تصريح له لشبكة CNN الأمريكية عام 2022.
لا جدال أن الجانب الأكبر من جهود مواجهة أي وباء قادم، هو من مسئولية الحكومات والمؤسسات الصحية الدولية، بدءًا من تحسين وتطوير المنظومة الصحية لا سيَما الوقائية، مرورًا بالاكتشاف المبكر للحالات، والمحاصرة الأولية للوباء لتحجيم انتشاره رأسيًا وأفقيًا، وليس انتهاءً بتوفير أسِرَّة المشافي وتزويدها بكافة الإمكانات للتعامل مع الحالات الأخطر ومضاعفاتها، ودعم الشرائح الاجتماعية الأضعف في مواجهة الأوبئة وتداعياتها الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية.
أما نحن، فالذي نريدُ التركيز عليه هنا في هذه السطور هو: ما الذي يمكن لنا كأفراد أن نفعله لدفع خطر أي وباء قادم عنَّا وعن أسرنا والمحيط القريب منا، حتى لو عانينا من الكثير من القصور والتقصير في الجهود الحكومية في هذا المجال؟
1. احذر من الوباء، ولكن احذر أكثر من الذعر والشائعات
مع حالة السيولة الإعلامية والمعلوماتية والإخبارية في عصر مواقع التواصل والبودكاست والتنافس المحموم بين الصحفيين والمواقع على صناعة السبق، والهيمنة على (الترند)، تنتشر الشائعات والأخبار الصادمة التي تهدف إلى الذيوع والانتشار أكثر من نقل المعلومة الصحيحة. لذا، احرص على التثبت من الأخبار من أكثر من مصدر، وأعطِ الأولوية للمواقع الموثوقة مثل مواقع المؤسسات الصحية المرموقة كمنظمة الصحة العالمية، والجامعات الكبرى، والدوريات والمجلات العلمية الموثوقة، وبالطبع من نقاشك المثمر مع الطبيب المختص.
وتذكر دائمًا أن الحذر العاقل المنضبط إيجابي، بينما الذعر غير العقلاني سلبي، ومُعطل للجهود الحقيقية للوقاية، ويستنزف الطاقتيْن الذهنية والنفسية.
2. غسل اليدين جيدًا
قد تبدو تلك النصيحة ساذجة، أو منقولة من أحد كتب العلوم للصف الأول الابتدائي، لكن من قال إن بساطة النصيحة وبداهتها تقلل من أهميتها وفاعليتها؟
تكتظ أيدينا بعدد لا يُحصى من مستعمرات البكتيريا، ونواقل العدوى، ويلتصق بها الرذاذ الناقل لعدوى الفيروسات التنفسية وغيرها عبر أنشطة تلقائية نفعلها عشرات المرات يوميًا مثل استخدام مقابض الأبواب أو مقابس الكهرباء أو مصافحة الآخرين… إلخ. لذا فغسل اليدين بالماء والصابون كلمًا تعرضت لسطح محتمل التلوث، وقبل تناول الطعام، وبمجرد دخول المنزل… إلخ من أفضل الإجراءات الوقائية وأرخصها وأكثرها فاعلية في كل زمكان، لا سيَّما في عصر الأوبئة، وهي أكثر فاعلية بفارق من مجرد تطهير اليديْن بالكحول.
اقرأ: 10 نصائح تقلل إصابتك بالإنفلوانزا والعدوى الصدرية
وهذا مقطع قصير يوضح كيفية غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 40 ثانية، وفق التوصيات الطبية الوقائية لمنظمة الصحة العالمية.
3. الادخار المالي
في مواجهة الأوبئة، وكما رأينا مع «كوفيد-19»، تضطر الحكومات إلى فرض الإغلاق الجزئي أو الكلي، وما يسببه هذا من ضغط اقتصادي كبير نتيجة تعطل كثير من الأعمال، وتناقص المداخيل الشخصية والأسرية، في مقابل زيادة مصاريف إضافية في تكاليف وسائل الوقاية وأثمان الأدوية .. الخ. وبالتالي، فالاحتفاظُ بأكبر قدرٍ ممكن من المدخرات، لا سيّما القادرة على حفظ القيمة رغم التضخم وتذبذب أسعار العملات المحلية مثل الذهب والعملات الصعبة القوية، من أوجب الواجبات لمواجهة مثل تلك الظروف الطارئة الخطيرة.
4. الغذاء الصحي
الاعتياد على نظامٍ غذائي صحي، أو على الأقل شبه صحي، من أهم ما يحافظ على المناعة، والصحة بوجهٍ عام. هذا النظام الصحي يعتمد أساسًا على الفواكه والخضروات (لاسيًّما الورقية الطازجة مثل السبانخ والجرجير والخس) والأسماك والحبوب كالشوفان والقمح الكامل والألبان قليلة الدسم، والبروتين الحيواني. فهذه الأطعمة غنية بالفيتامينات والأملاح المفيدة والبروتينات، وهي المغذيَّات التي تحافظ على الصحة وتقوي المناعة، وبالتالي تقلل فرص الإصابة بالأمراض المعدية بوجهٍ عام، وهذا إن طبّقه أكثر الناس سيُسهم بفاعلية في تحجيم انتشار أغلب الأوبئة المعدية. ويجب ألا ننسى كذلك شرب السوائل بوفرة وتجنب الإصابة بالجفاف.
اقرأ: دليلك لحمية غذائية غير مؤلمة
اقرأ: الشوفان: هل هو غذاء سحري؟
5. حياة صديقة للصحة
أغلب أنماط الحياة المعاصرة ضارة بالصحتيْن البدنية النفسية، عبر الإجهاد المتواصل، واضطراب النوم، وتفاقم القلق والمخاوف، وإغفال المجهود البدني المنتظم… إلخ. يجب علينا محاولة عكس تلك المسارات الضارة قدر المستطاع، بمحاولة تحجيم الضغوط النفسية والبدنية لا سيّما التي مصدرها العمل، والحفاظ على بضع ساعات من النوم ليلًا، وممارسة الرياضة بانتظام ولو مجرد المشي بين ثلث ونصف ساعة يوميًا على الأقل، والحفاظ على النظافة الشخصية… إلخ. كل هذا يلعب دورًا بعيد المدى في الحفاظ على صحتنا وتقوية أجهزة مناعتنا الجسدية والنفسية.
اقرأ: الأرق يقتلنا: هل يمكن تنظيم النوم؟
وفي صميم جهدنا لنعيش حياة صحية، يأتي التخلص من العادات الخطرة على الصحة وفي مقدمتها التدخين، الذي يضعف كثيرًا مناعة الجهاز التنفسي، ويزيد فرص الإصابة بالجلطات بمختلف أنواعها.
اقرأ: التدخين والصحة: لا داعي للمبالغة
اقرأ: 6 خطوات للإقلاع عن التدخين: الإرادة ليست منها
6. الاعتياد على الاجتماعات الآمنة
لا غنىً عن التجمعات والاجتماعات سواءً على مستوى العمل أو الأسرة أو دوائر المعارف .. الخ. يجب قدر المستطاع ألا تكون تجمُّعاتنا في أماكن ضيقة ومتكدسة وسيئة التهوية، والأفضل أن نعتاد شيئًا فشيئُا كما توصي منظمة الصحة العالمية على أن تكون اجتماعاتنا في أماكن مفتوحة، فالتهوية الجيدة في تلك الأماكن تقلل كثيرًا فرص الإصابة بالعدوى، لا سيّما العدوى التنفسية.
7. السيطرة الجيدة على الأمراض المزمنة
إذا كنت مصابًا بأحد الأمراض المزمنة مثل ارتفاع سكر الدم، وأمراض شرايين القلب وضعف عضلة القلب… إلخ فالسيطرة الجيدة على هذه الأمراض المزمنة بالعلاجات الدوائية وبتنفيذ التعليمات الطبية التي يصفها الطبيب، لا غنًى عنه لتحسين المناعة ضد الأمراض المعدية، وتزداد أهمية هذا في مواجهة الأوبئة، إذ عادة ما يكون أكثر ضحاياها من كبار السن المصابين بالأمراض المزمنة، لا سيّما غير القادرين على السيطرة بفاعلية على تلك الأمراض.
8. تجنب الطب العشوائي
في البلدان النامية التي تعاني من قصور في المنظومة الصحية، يلجأ كثيرون عند الإصابة ببعض الأعراض لخبراتهم الشخصية وسؤال المجرِّبين غير الأطباء ويسرفون في تعاطي المضادات الحيوية دون داع، ويشترون من الصيدليات بعض الوصفات الطبية الجاهزة مثل ما يسمى مجموعة البرد، التي تضم بعض العقاقير التي قد تضعف المناعة مثل الكورتيزون.
اقرأ: مجموعة البرد: هيا ندمر المناعة ونغذي البكتيريا
تلك العشوائية في تعاطي الأدوية، تؤثر سلبًا على المناعة، وتؤدي إلى ظهور سلالات من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، التي يتوقع بعض العلماء أن تسبب وباءً عالميًا مدمِّرًا في المستقبل قد نعجز عن السيطرة عليه.
في حالة الإصابة بأعراضٍ مرضية، لا سيما في أجواء الانتشار الوبائي، الجأ للأطباء المختصِّين، وللمؤسسات الصحية المعنية، لوصف الدواء الصحيح، وتقديم النصائح الطبية الفاعلة.
9. التطعيمات
الأمصال واللقاحات من أهم الأعمدة الحاملة في الطب الوقائي، ومن دونها قد تنهار منظومة الوقاية الصحية بشكلٍ تام. للأسف تتعرض التطعيمات في السنوات الأخيرة لكثير من الهجمات التي مصدرها نظريات المؤامرة حول أنها تهدف لتدمير حياة البشر، وأن مافيات شركات الأدوية، وبعض حكومات الدول الكبرى، تنشر الأوبئة بتسريب فيروساتها من معاملها، ثم ربح المليارات من الدولارات من بيع التطعيمات. حتى لحظة كتابة هذه السطور لا يوجد دليل حقيقي من أي جهة تحقيق رسمية أو مستقلة حول مثل تلك التخرُّصات والتكهُّنات والوساوس، في المقابل لدينا أطنان من الأدلة العلمية الثابتة عن أهمية التطعيمات، وفاعليتها في كسر حدة الأوبئة والتغلب على انتشارها وحماية ملايين الأرواح.
بالفعل، لا تخلو بعض التطعيمات من آثار جانبية، وشهدنا من هذا أمثلة عديدة مع تطعيمات كوفيد-19، لكن تظل فوائدها أكبر أضعافًا مضاعفة من أضرارها.
اقرأ: أهم 8 خرافات حول تطعيمات كورونا في مصر
10. لا ضرر ولا ضرار: لا تكسر التعليمات العامة
عندما تفرض السلطات بناءً على أسس علمية سليمة بعض الإجراءات الاحترازية المتعلقة بالتجمعات، وارتداء الكمامات في الأماكن المغلقة… إلخ كما شهدنا في فترة وباء كوفيد-19، فإن السلطات لا تملك أن تضع رقيبًا على كل إنسان لتضمن التزامه بتلك التعليمات، ويمكن لكثيرين منا التحايل على تلك التعليمات وكسرها بعيدًا عن أعين الرقباء، لا سيما في تجمعات الأصدقاء والعائلات والمناسبات الاجتماعية، وواحدة فقط من تلك الوقائع، قد تتسبب في كارثة صحية في منطقتها، وتُنشيء بؤرة محلية من العدوى تساعد في تفشي الوباء. إذًا، فلا تستهن بجهدك الفردي في الالتزام بالتعليمات، على الأقل حتى لا تقع فريسة للندم وجلد الذات إذا أصيب أحد أفراد أسرتك أو معارفك بعدوى شديدة تشعر أنه كان لك دورٌ في التسبب بها.
وتذكر دائمًا أنه كلما زاد عدد الملتزمين بالإجراءات في نفس الأسرة أو مكان العمل ..الخ، حموْا بعضهم بعضًا، والعكس بالعكس.