كيف يتعامل لاعبو كرة القدم المسلمون مع رمضان؟
رمضان الذي يشغل عددًا قليلاً من الأسابيع خلال السنة يعتبر شاغلاً رئيسيًا بالنسبة للأندية والأجهزة الفنية للمنتخبات الوطنية خلال الأعوام الأخيرة، وذلك لتضارب موعده منذ عدة سنوات مع موعد بطولات ومنافسات كبرى: بداية من الأولمبياد، كأس العالم، اليورو وحتى كأس القارات.
وكالعادة، جدل يثار في كل عام حول إذا كان هناك ضرورة للصيام أم لا، لكن مع الوقت ارتمى هذا الجدل إلى حرية شخصية للاعب نفسه، ومع هذه الحرية الشخصية يكون هناك مراحل لتنظيم قرار الصيام، إذا قرر الصيام أولًا، عليه تنظيم مرحلة ما قبل البطولة أو المسابقة المنتظرة، ثم التدريب خلال المسابقة نفسها وأخيرًا اليوم المنتظر وهو يوم اللعبة أو المباراة.
هل يؤثر الصيام على اللاعبين؟
في عام 2009، كانت مجموعة عمل التغذية للجنة الأولمبية الدولية «IOC» قد بدأت بالتحقيق في تأثير الصيام على الأداء الرياضي. قام فريق من العلماء، بقيادة «رون موغان»، أستاذ الرياضة وممارستها في جامعة «لوبورو»، بتحليل أكثر من 400 مقالة عن رمضان والرياضة، ونشر نتائجها في المجلة البريطانية للطب الرياضي. وخلص التقرير إلى أن صيام المدة القصيرة أو الطبيعة المتقطعة له تأثير ضئيل أو معدوم على صحة أو أداء معظم الرياضيين.
استند «موغان» إلى أن معظم الناس الذين يصومون رمضان، سواء كانوا رياضيين أم لا، كانوا صائمين لسنوات؛ أي أنهم يعرفون كيف يتصرفون وإلى أي مدى يمكن أن تذهب أجسامهم خلال ساعات الصوم.
فريقٌ آخر من من الباحثين قام بعمل دراسة منظمة حول تأثير الصيام على النواحي البدنية للاعبين، قبل أولمبياد لندن لعام 2012، معتمدين في ذلك على استبيان أجروه على 54 لاعبًا مسلمًا شاركوا في رياضات مختلفة بالمنافسات الأوليمبية. صدق هذا الاستبيان وجودته يتعاظمان في كون اللاعبين يجيبون بأنفسهم، ولا حاجة بعد ذلك إلى أي أجهزة طبية، فقط اللاعب ونفسه.
السؤال الأهم والذي كان يعتمد على ما إذا كان سيؤثر الصيام على نواحي هؤلاء اللاعبين البدنية أم لا، كان يخص نية هؤلاء الرياضيين في الأصل بخصوص الصيام. النتائج أسفرت عن أن 61% لم يخططوا للصيام بالمرة خلال الأولمبياد، و39% آخرين لم يخططوا للصيام خلال أيام المباريات. قرار اللاعب نفسه يعود بالتأكيد إلى إحساسه بقدراته، وهو الشيء الذي انتهى إليه الأطباء بعد كل البحوث التي دارت حول الصيام، حيث لا يمكن تعميم حالة أو قرار بعينه، سواء بضرورة الإفطار أو الصيام، الأمر بالكامل يعود إلى شعور اللاعب ذاته.
ماذا يختار اللاعبون؟
الدوريات الأوروبية تمتلئ بالعديد من المسلمين من جنسيات مختلفة أغلبها إفريقي الأصل، على رأسهم كان الإنجليزي «ناثان الينجتون»، الذي قد أعلن اسلامه في سنٍ صغير. سبق له اللعب لديربي كاونتي وواتفورد وويجان أتلتيك والعديد مٍٍن الأندية الإنجليزية الأخرى. كان «الينجتون» قد قرر اتباع منهج مغاير عن الأغلبية، حيث يصوم خلال المباريات ولا يبتعد عن الصيام. رؤيته كانت تكمن في قناعته بعدم وجود سبب كافٍ للإفطار غير المأمور به إسلاميًا؛ أي أنه بصحة جيدة وليس على سفر.
سبب له ذلك بعض المشاكل مع المدربين، حيث يرغب المدير الفني في أن يكون لاعبه في أفضل حال خلال الدقائق التي يلعبها على أرض الملعب، لكنه أكد أنه لعب مرات كثيرة وهو صائم دون أن يشعر أحد من زملائه بذلك، بل أنه ذات مرة حين كان في اليونان، طلب منه أحد رفقائه بالفريق أن يحافظ على صيامه دائمًا لأنه يؤدي خلاله بشكلٍ أفضل من المعتاد.
اقرأ أيضًا: كرة القدم ورمضان: الصيام بين الرادع الديني والتوصيات الطبية
قد يذهب البعض بتفكيره ليقول إن الأمر برمته لم يتبعه ضجة كبيرة نظرًا لكون الينجتون لاعبًا غير مشهور، ولكن ماذا عن سولي مونتاري؟ أخرج مورينيو لاعبه الغاني بعد نصف ساعة فقط في مباراة إنترميلانو أمام باري عام 2009 نظرًا لانخفاض المردود البدني للاعب في شهر رمضان وشدة حرارة الطقس. لم يناقش أحد من إدارة الإنتر اللاعب في الأمر ولم يطلبوا منه التراجع عن الصيام في الشهر الكريم، إذن الأمر متعلق برغبة اللاعب بشكل واضح.
التعامل الأمثل مع الصيام
في حزيران/يونيو من عام 2017، كان العالم العربي على موعد مع قمة عربية في التصفيات المؤهلة إلى كأس آسيا بين المنتخبين الفلسطيني والعماني. المباراة كان مقررًا لها أن تقام بالقرب من القدس خلال شهر رمضان الذي كان قد بدأ في الـ26 من آيار/مايو من نفس العام. قرر المسئولون أولًا أن تقام المباراة في الـ9:45 مساء الثلاثاء، ثم تم تأخيرها ساعة كاملة ثم ربع ساعة جديدة حتى يستقر موعدها في الـ11 مساءً. من هنا بدأ جدول العمل المنتظم من بداية المعسكر وحتى موعد المباراة.
خلال معسكري عمان وفلسطين، قام الجهاز الطبي والفني لكل منتخب بتقديم صورة مثالية للتعامل مع تلك الظروف التي يمكن أن تطرأ في أمثلة عديدة شبيهة. الحارس «علي الحبسي» قائد منتخب عمان،أكد أن موعد المباراة من البداية ساعد الجهازين على تنظيم معكسر الإعداد لها. حيث كان هناك وقت كافٍ بعد الإفطار من أجل تهدئة الجسد والعمل على إعادته لحالته الطبيعية بعد صيام وصل إلى 17 ساعة متواصلة.
حسب تأكيد الهولندي «بيم فيربيك» مدرب منتخب عمان خلال تلك الفترة، فالبداية يجب أن تكون بانخفاض عدد الحصص التدريبية اليومية إلى مرة واحدة فقط بدلًا من اثنين في المعتاد، وإن كان الفريق بانتظار لقاء خلال نفس الشهر أي أثناء الصيام، يفضل أن يكون موعد التدريب في نفس موعد المباراة حتى يعتاد الجسد على المجهود في نفس الموعد، وهو حسب تأكيد «الحبسي» يفضل أن يكون عقب الإفطار بعدد ممكن من الساعات.
في المعتاد تبدأ وجبة السحور قبل وقتٍ قليل جدًا من الفجر، بالتالي يُفضل تأجيلها إلى أكثر وقت متأخر ممكن. خلال برنامج عمان وفلسطين المشار إليه، كان موعد الفجر في الـ2:45 وعليه تم تحديد موعد السحور في الـ2 بالضبط من صباح اليوم؛ أي قبل 45 دقيقة فقط وذلك للحفاظ على أكبر كمية من الطعام داخل الجسد. عادة ما يوجد على السحور العديد من السوائل المعروف عنها البقاء لمدد طويلة في الجسد، ووجبات بها طاقة غير سهلة الحرق بواسطة الإنزيمات حتى يحتفظ بها الجسم مدة أطول.
خلال اليوم، يُحاول الأطباء منع اللاعبين من الدخول في نوبات طويلة من النوم. «بدر عقل» الذي كان أحد المسئولين البدنيين في منتخب فلسطين قبل موقعة عمان، والذي وضع برنامج المنتخب طوال مدة المعسكر،يقول إنهم سعوا لتخفيض ساعات القيلولة المعتادة للاعبين الصائمين، حيث يتجه الجسم في الغالب إلى الشعور بالنوم لمواجهة الجوع والعطش، بالتالي يفضل وضع برنامج رياضي يتضمن ساعة كاملة في الصالة الرياضية قبل موعد الإفطار من أجل تنشيط الجسد لكن بشكل لا يمثل ضغطًا على اللاعبين بدنيًا.
حلول عديدة أوجدها متخصصو التغذية في الأندية والمنتخبات الرياضية حتى يضمنوا بها صومًا مقبولًا وإفطارًا شهيًا للاعبيهم دون التأثير على مردودهم أثناء المباريات. رمضان كريم.