كيف يتعامل مدربو كرة القدم مع خسارة النهائيات؟
يوم 1 مارس/آذار 2015، فاز تشيلسي على توتنهام في نهائي كأس إنجلترا بثنائية نظيفة. خرج بعدها «السبشيال وان» وقتها بتصريح شهير: «النهائيات تكسب ولا تلعب». مقولة تحمل عمقًا لا يستدعيه بالضرورة المناسبة التي خرجت فيها تلك الكلمات، خاصة عندما نتعرف لاحقًا على حلقة جديدة تضاف لمسلسل تناقضات المدرب البرتغالي.
لعل شعور الهزيمة واحد من أقسى التجارب التي تمر على المرء، لا سيما المدربين الذين يتحملون عادة الجانب الأكبر من النقد، لكن مع الاتفاق الضمني على أن الهزيمة في الكرة هي هزيمة، سواء كان الأداء جيدًا أم سيئًا، تتجلى دراما الساحرة المستديرة في أن كل إخفاق مهما تكرر يبقى له طعمه الخاص.
بإمكانك الاختيار من بين العديد من السيناريوهات القاسية عليك كمشجع لكرة القدم. هدف تعادل في مباراة ديربي تحرم فريقك المفضل من النقاط الكاملة، كرة طائشة من الخصم تسكن الشباك في اللحظات الأخيرة، الخسارة في نهائي دوري أبطال أوروبا. كل هذا وأكثر لا بد أنك مررت به، والأمر مثله ينطبق على مدرب الفريق الذي لربما يشاطرك نفس الأحاسيس، بل اللعنات التي تطلقها، الفرق بينكما أنه سيحاسب في النهاية، على المباريات بالطبع.
بالحديث عن النهاية، عادة تكون الندية هي سمة المتنافسين في أي رياضة إذا ما وصلا للمراحل الأخيرة. في رياضة الجري، أجزاء من الثانية هي التي تفصل الأول عن الثاني، وهي نفس المدة التي تكفي لفض التعادل بمواجهات كرة السلة، وفي كرة القدم قليلًا ما نجد تفوقًا كاسحًا لأحد الطرفين بالمباريات النهائية.
إن ثقافة التعامل مع الهزيمة خاصة في النهائيات تختلف من مدير فني لآخر، وهي تعكس شخصيته وطموحه ومدى قابلية أن يكرر نفس الإنجاز، وإذا ما كان يعتبر وصوله إنجازًا. فمنهم من يرى أن البطل وحده هو من يذكره التاريخ، وأن الخسارة لا تفرق بينه وبين من ودع البطولة مبكرًا، ومنهم من يعتبر الوصول لهذا المستوى انتصارًا بحد ذاته.
سيميوني لا يرى نفسه ناجحًا
حقق المدرب الأرجنتيني دييجو سيميوني نقلة واضحة لأتلتيكو مدريد، فمن نادٍ لم يوجد في المراكز الثلاثة الأولى قبل قدوم «الشولو» للفريق منذ موسم 2001-2002، إلى تحقيق الدوري والكأس واليوروباليج وكأسي السوبر الإسباني والأوروبي. مسيرة ناجحة بكل المقاييس. سبع بطولات جعلت سيميوني المدرب الأكثر تحقيقًا للألقاب مع الأتليتي، لكن ذلك لم يكف ليكون فخورًا بما يفعله، والسبب هو النهائيان اللذان خسرهما ضد الريال في دوري الأبطال.
رغم أن أتلتيكو لم يعرف التأهل للبطولة من الأساس منذ عام 1999، إلا على يد الشولو، فإن الأخير لا تراه يتغنى بذلك. وبإمكانيات متواضعة، فنيًا وماديًا، لا تضاهي فرقًا تفوق عليها في مسيرتيه بالأبطال عامي 2014 و2016، وصل ليخسر في الأولى قبل ثوانٍ من إعلانه بطلًا، وفي الثانية بركلات الترجيح، بعد أن فاز على برشلونة بقيادة الثلاثي الخارق «MSN»، وهزم بايرن بيب المرعب.
تصريحات سيميوني بعد نهائي ميلانو عام 2016.
انتصرت الشخصية المثابرة داخل سيميوني على خيبة الأمل، وقرر الأرجنتيني أن يستمر مع النادي الذي لم يفكر لحظة أن يقيله. وفي تصريح يلخص عقلية الشولو الطامحة للانتصار ولا غيره، يقول ردًا عما يفضله بين الفوز باليوروبا ليج أو خسارة نهائي دوري الأبطال: «بالنسبة لي أفضل دائمًا الفوز، الوصول لنهائي دوري أبطال أوروبا مهم، لكن الأفضل أن تكون بطلًا، هذا واضح».
جوزيه مورينيو وتناقض تخفيه الأرقام
نعود لمورينيو الذي يمتلك أرقامًا مرعبة في نسبة الفوز بالكئوس. فاز السبيشال وان بـ 12 نهائيًا من أصل 15 خاضها. طريقة تفكير البرتغالي في هذه مباريات لا تختلف كثيرًا عن نظرته لكرة القدم. الفكرة بسيطة وهي أن الأداء لا يهم، ما يهمني هو المكسب. وهو ما يفسره بتصريحه السالف ذكره، لكن يبدو أنها تصدق فقط عندما يحقق مدرب الشياطين الحمر الفوز.
خسر مانشستر يونايتد أمام تشيلسي بنهائي كأس الاتحاد الإنجليزي في مايو/آيار الماضي، ليخرج بعدها ويقول إن فريقه كان الأجدر بالفوز. «أعتقد أننا كنا الفريق الأفضل، لكنها كرة القدم. أبارك لهم لكنني لا أظن أنهم استحقوا الفوز، كل هزيمة تؤلم لكنني أشعر بأننا قدمنا كل شيء، لذلك لا يوجد ندم».
في الفترة الأخيرة لم يعد من الغريب على «مو» أن يناقض كلامه. الرجل فقد بريقه تمامًا، سواء على المستوى الفني فوق الميدان أو النفسي في علاقته مع لاعبيه التي كانت نقطة قوة له، أو حتى بخصوص تصريحاته للصحافة.
لكن المثير أن البرتغالي سقط كلاميًا في جزئية هو متفوق فيها بشكل واضح، الفوز بالنهائيات، التي اتضح من كلام مورينيو نفسه أنه لم يعد بارعًا فيها، وأن الأداء الجيد، حسب تعبيره، لا يجعله يندم. ربما بسبب أرقامه المميزة أو ربما أنه أراد التقليل من تشيلسي الذي اتهم لاعبيه بخيانته في موسمه الثالث، أو فقط هو يتقبل الخسارة غير المستحقة، في رأيه كما يتقبل الفوز غير المستحق، في نظر أغلب المتابعين!
كلمات تعكس رضا بالنتيجة، خصوصًا إذا ما أضفت لها تصريحاته في نفس الموسم، أن تحقيق المركز الثاني بفارق 19 نقطة عن المتصدر سيتي نجاح، وهو جانب خفي نراه للمرة الأولى من رجل لطالما عرف بشخصيته القوية والمحبة للانتصار.
الوصول للنهائي إنجاز
بين مورينيو وسيميوني تظهر فئة أخرى من المدربين، ممن يعتبرون الوصول للنهائي لا يختلف كثيرًا عن التتويج، على رأسهم هيكتور كوبر، الذي خسر نهائي دوري الأبطال عامي 2000 و2001 مع فالنسيا ضد الريال وبايرن على الترتيب، وقبلهما نهائي كأس إسبانيا مع مايورا ضد برشلونة، وكأس الاتحاد الأوروبي ضد لاتسيو، كما خسر نهائي كأس الأمم الأفريقية مع المنتخب المصري أمام الكاميرون، لكنه يرفض أن يعتبر نفسه غير محظوظ. السبب ليس أنه يؤمن فقط بالعمل الشاق، بل لأنه –وبكل واقعية- يدرك الفوارق الكبيرة بين الفرق التي دربها وتلك التي خسر منها، باستثناء مصر والكاميرون.
ربما يشرح هذا الأمر سبب خفوت اسم كوبر لسنوات طويلة بعد نجاحات مع مايوركا وفالنسيا وإنتر، حيث يبدو أن عقليته احتاجت لبعض التحدي والإيمان بأن البطولة هي كل شيء، وألا يكتفي بما حققه مع الفرق السالف ذكرها، سواء كئوس السوبر أو وصافة الدوري الإيطالي.