كيف تجعلنا الأزمات الاقتصادية أشخاصًا أسوأ؟
يعيش العالم كله أزمة اقتصادية فادحة وعجزًا في الموارد وارتفاع نسب البطالة، وغلاء المعيشة الذي يكابده نسبة كبيرة من الشعوب بخاصة العربية والإفريقية، لكن ماذا عن انتشار العنف في ظل الأزمة الاقتصادية؟ وهل هناك علاقة بينهما؟
إذا جلت ببصرك ونزلت إلى الشارع على سبيل المثال ستجد في كل متر نزاعًا مختلفًا، وكل خلاف دائر لأسباب تافهة لا ترقى لتكون سببًا لخلاف بين شابين ناضجين، وكذلك ازداد العنف والتمييز العنصري تجاه طبقات محددة أو فئات عن غيرها.
كذلك لو أمعنت النظر في كم الحوادث في الوقت الراهن، ستجده ارتفع بنسبة كبيرة عما سبق، فقد أصبحنا نرى حالات قتل وجرائم تنتهك من أقرب المقربين، إضافة إلى حوادث السرقة وارتفاع معدلات العنف الأسري والطلاق.
ما علاقة الأزمة الاقتصادية بانتشار العنف؟
حاول مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة دراسة العلاقة بين الأزمة الاقتصادية وانتشار الجريمة، ووجد أن سواء كنا في فترات من الأزمات الاقتصادية أو غيرها فإن العوامل الاقتصادية عامل مؤثر على الجريمة.
فحص مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة نحو 50 دولة لدراسة تأثير الوضع الاقتصادي على معدلات انتشار الجريمة، ووجد اتصالًا واضحًا بينهما، حيث إن الركود الاقتصادي يسبب ارتفاع في معدلات العنف والجريمة بأنواعها، ويصل هذا الارتفاع إلى الضعف في حالات الضغط الاقتصادي.
كذلك، وجد أن تأثير الأزمة الاقتصادية على الفرد يمكن أن يزيد من معدلات القتل وسرقة السيارات أيضًا وأشكال أخرى من العنف كاستخدام الأسلحة لتهديد الآخرين.
لا يقتصر العنف على الضرب والإيذاء الجسدي فحسب، بل هناك ازدياد في العنف النفسي، وهو ما قد نجده في حالات مثل:
- العلاقات العاطفية بالألفاظ المدمرة نفسيًا.
- نراه أيضًا في العمل بالضغط المتزايد من المدير.
- التهديد المستمر بالفصل من العمل في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
يمكن أن يتخذ العنف شكلًا آخر وهو العنف الجنسي كالاغتصاب الزواجي، فأكثر من يتضرر من العنف هم النساء ليس على الصعيد الجسدي بالضرب فحسب، بل بالاغتصاب الزوجي أيضًا.
مما يعني أن هناك علاقة قوية بين ما تمر به البلاد من أزمات اقتصادية وفقر وبطالة وزيادة العنف، فالشعارات القائمة بشأن المال بأنه ليس مهمًا للحياة بسعادة زائفة بعض الشيء عندما يواجه الإنسان ضعفه وقلة حيلته في توفير أبسط متطلبات يومه.
يُلتهم الإنسان حاليًا من الفقر والجوع وعدم الشعور بالأمان وقلة الحيلة الناتجة عن الأزمة الاقتصادية، والتي تُحدث خللًا نفسيًا كبيرًا لعدم قدرته على السيطرة على زمام حياته هو وأسرته.
اقرأ أيضًا: أقوال في أفعال العنف الاجتماعي وعلله
الأزمة الاقتصادية والعنف الأسري
أجريت دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية لمعرفة تأثير الركود الاقتصادي على العنف الأسري، حيث وجد أن الركود سبّب صدمات شديدة في سوق العمل وانتشار البطالة، إضافة إلى ثبات المرتبات مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية مما يؤثر سلبًا على نفسية الفرد.
أدت الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة إلى ارتفاع السلوك السلبي في الأسرة وزيادة نزاعات الرجل تجاه زوجته؛ نتيجة ارتفاع القلق لديه وعدم الاستقرار الوظيفي مما سبب نزاعات وخلافات كبيرة هددت استقرار الأسرة وبقائها.
يسبب الركود الاقتصادي حالة من الشعور بالقلق والخوف وانعدام الأمان مما يجعل عقليتنا مضطربة، وينعكس ذلك على علاقتنا العاطفية والأسرية ويؤثر على سلوكياتنا بعدة طرق مختلفة وهو بدوره قد يرفع معدلات الطلاق ويزيد من التفكك الأسري.
اقرأ أيضًا: العنف الأسري ضد الأطفال: أرقام مرعبة وعواقب مخيفة
الركود الاقتصادي وتأثيره على الطفل
يشهد الطفل الخلافات القائمة بين والديه مما ينعكس بالطبع على حالته النفسية، ويجعله مريضًا نفسيًا منذ نعومة أظفاره، لا سيما أن الطلاق لا يكون حلًا لدى كثير من الأهالي، ويرون أن استمرار الزواج في خلافات عنيفة سواء بإهانات لفظية أو عنف جسدي أكثر صحة من الانفصال!
لا يتوقف الأمر عند تأثير العنف على نفسية الأطفال أثناء مشاهدتهم لنزاعات الأهل، بل يتحملون أعباء وعنف من الأب أو الأم لا يستحقونه وليس لهم أي دخل فيه.
على سبيل المثال: قد تجد الأب مستاء من فقدان وظيفته ثم يعود أدراجه إلى المنزل، ليجد الطفل أمامه يلعب ويسكب الماء على الأرض، فيعنفه جراء فعلته وقد يصل الأمر إلى الضرب!
مع أن الأمر لا يستدعي، فالطفل يلهو بطريقته وما عليك إلى حمايته من إيذاء نفسه أو الآخرين، إضافة إلى تقويم سلوكه الخطأ بطريقة تربوية سليمة من دون اللجوء إلى العنف مطلقًا.
يجد بعض الأهالي أن ممارسة العنف متنفس مناسب للأعباء والضغوطات التي يمرون بها لكن من دون وعي منهم، ويمارسونها مع كل شخص أضعف منهم، فالزوج يمارس العنف على زوجته ومن ثم يمارس كل منهما العنف على الطفل ويهملانه.
بحسب ما أوضحت منظمة اليونيسيف أن الركود الاقتصادي والفقر جراء جائحة كورونا سبب تعسرًا ماليًا شديدًا لملايين من الأسر، مما أثر بالسلب على الأطفال وذلك بتعرضهم إلى:
- العنف.
- الإساءات.
- الإهمال.
اقرأ أيضًا: جيل الآيفون: لماذا أصبح أولادنا أكثر عنفًا؟
هل تزيد الأزمة الاقتصادية من الانحياز العنصري؟
قد تأكدنا أن الأزمة الاقتصادية تزيد من العنف، ولكن هل تُغير من تعاملنا وانحيازنا تجاه أفراد دونًا عن غيرهم في ما يعرف بالتحيز العنصري، كتفضيل النساء على الرجال أو العكس، كذلك التفريق بين طبقة دونًا عن غيرها، إضافة إلى التمييز بناء على لون البشرة.
أجريت دراسة لمعرفة إذا كان هناك تأثير لقلة الموارد وضعف الاقتصاد على التمييز العنصري حيث قسموا المشاركين إلى عدة مجموعات أهمها:
- مجموعة تقرر تقسيم الموارد المتاحة من مال-وليكن 10 دولارات- على مجموعة من الأفراد ذوي البشرة البيضاء وذوي البشرة الداكنة مع إخبارهم بأن الموارد محدودة.
- مجموعة أخرى تقرر تقسيم الموارد على الأفراد كالمجموعة السابقة، ولكن مع إخبارهم بأن الموارد متاحة ووفيرة.
وجد أن المجموعة الأولى ذات الموارد المحدودة والنادرة قرروا إعطاء مال أكثر لذوي البشرة البيضاء مما يعني وجود انحياز واضح ضد ذوي البشرة الداكنة عند إدراك قلة الموارد المتاحة.
أسفرت النتائج عن أن إدراك الأفراد لوجود حالة من الندرة وقلة الموارد؛ يؤدي إلى تحيز عرقي في توزيع الموارد الاقتصادية، ويعتمد هذا التوزيع على دوافعهم الداخلية.
هذا التميز لا يؤثر فحسب على نفسية الفئة المضطهدة التي ستحصل على موارد أقل نتيجة التحيز العنصري، ولكن سيجعلها أكثر فقرًا ويزيد من الفوارق العرقية في فترة الأزمات الاقتصادية.
تأثير الركود الاقتصادي العنصري
لا يقتصر تأثير الأزمة الاقتصادية على زيادة العنف أو العنصرية، لكن هل فكرت يومًا أن الأزمة الاقتصادية في حد ذاتها عنصرية؟ حيث تزيد فقر طبقات محددة دونًا عن غيرها، وتزيد من الفجوة بين طبقات المجتمع.
بحسب ما أشار المعهد الحضري إلى أن الركود الاقتصادي يضرب فئات محددة ويزيدها فقرًا، فعلى سبيل المثال يزداد ذوو البشرة الداكنة والأفراد من أصل إسباني فقرًا خلال الأزمات الاقتصادية -مثلما حدث في الركود الاقتصادي الكبير، وإعصار كاترينا، وجائحة كورونا- مقارنة بذوي البشرة البيضاء، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها ما يلي:
- يؤدي الركود الاقتصادي إلى إغلاق المتاجر الصغيرة تحديدًا، التي غالبًا ما يمتلكها ذوو البشرة الداكنة وأصحاب رؤوس الأموال الصغيرة، مقارنة بالمحلات الأكبر والأكثر شهرة، التي يستمر وجودها في ظل الأزمات الاقتصادية.
- يُعدُّ ذوو البشرة الداكنة والأفراد من أصل إسباني أكثر فقرًا من أصحاب البشرة البيضاء نظرًا للجوئهم إلى الحصول على المنازل من خلال أخذ القروض؛ لأنهم لا يمتلكون مالًا للحصول عليه، مما يثقلهم بالديون ويزيد فقرهم عند حدوث الأزمات الاقتصادية.
- يتنقل ذوو البشرة الداكنة من منطقة لأخرى للحصول على منزل للسكن؛ مما يؤثر على ثروتهم فهم يحاولون الوصول إلى المنازل أقل تكلفة؛ لمواكبة المعيشة وتكاليفها التي تتزايد، إضافة إلى أن نسبة امتلاك ذوي البشرة البيضاء للمنازل تكون أكبر.
- لا يوجد مساواة في السكن وإعطاء الأجور بين أصحاب البشرة البيضاء والداكنة، مما يجعل ذوي البشرة الداكنة أقل دخلًا ويعرضهم للفقر بصورة أكبر خلال الركود الاقتصادي.
اقرأ أيضًا: التمييز العنصري في خطاب الحياة اليومية
ختامًا، العنف ليس وسيلة لحل أي مشكلة نواجهها في حياتنا، لكن طبيعتنا البشرية عندما تتعرض لضغط نفسي كبير كالركود الاقتصادي، فهذا يدفعنا أحيانًا لتصرفات عنيفة وغير متسقة مع شخصياتنا من قبل؛ لذا فإن ارتفاع نسب الجرائم مع البطالة ليس أمرًا عبثيًا.
إذا كنا نرغب حقًا في تقليل الجرائم والحد من انتشار العنف والتحيز العنصري، فيجب علاج الأزمة الاقتصادية ذاتها بتقليل البطالة، وتخفيض أسعار السلع، وإعطاء مرتبات مجزية تجعل الفرد يعيش حياة آدمية، لكن هل ستظل الحياة في وضع اقتصادي مستقر حلمًا يراودنا دون تحقيقه على أرض الواقع؟