تدمّر علاقتك بطفلك: كيف تؤثر الإعلانات على حالتنا النفسية؟
بدأت الإعلانات منذ زمن بعيد كوسيلة للدعاية عن المنتجات لتحفيز الأشخاص على الشراء، وبالتالي تزداد المبيعات، فبدأت الإعلانات بالظهور في الصحف ثم تطورت وأصبحت على التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى صارت الساعة يعرض بها إعلانات أكثر من البرامج أو المسلسلات التلفزيونية.
لكن هل فكرت يومًا كيف تؤثر الإعلانات على سلوكنا وحالتنا النفسية؟ وكذلك ما تأثير الإعلانات على الأطفال؟ بالإضافة إلى هل الإعلانات مفيدة أو مضرة فقط؟
كيف تؤثر الإعلانات على حالتنا النفسية؟
أجريت دراسة لمعرفة ما تأثير ظهور الإعلانات على الحالة النفسية، حيث وجد أنه في عام 2011 في الولايات المتحدة الأمريكية قد عرض على الأفراد إعلانات حوالي 35000 مرة خلال عام واحد، وكانت إعلانات خاصة بالطعام وماركات المطاعم والمشروبات، فعلى سبيل المثال قد عرض إعلان كوكاكولا حوالي 198 مرة على الطفل وقد شاهدها المراهق حوالي 269 مرة.
قد يعتقد البعض أن كلما ازداد المجتمع ثراء زاد لديه الشعور بالراحة والسعادة، ولكن الحقيقة عكس ذلك، فكثرة الإعلانات التي تعرض علينا يوميًا تخبرنا بصورة خفية أننا نحتاج دائمًا للمزيد لنكون أسعد، لذا لا نشعر بالرضا بسهولة حتى وإن امتلكنا الشيء المعلن عنه.
وجد في الدراسة أيضًا أن العلاقة طردية بين مقدار الإعلانات المعروض وكم الشعور بعدم الرضا، فكلما زاد عرض الإعلانات زاد الإحساس بعدم الرضا والسعادة.
أما تأثير الإعلانات على سلوك المستهلك، فهي تحفزه على شراء المزيد والمزيد في محاولة بائسة لإرضاء الذات والشعور بالرضا من جديد، ولكن كلما ازداد الفرد في الشراء والسعي وراء المادية الزائفة في الإعلانات سيصبح غير راضٍ؛ لأن المقارنات التي يعقدها المخ تكون غير موفقة دائمًا.
يحدد المرء مقدار سعادته أحيانًا بعد النظر على ما هم أعلى منه ماديًا، هل يأكلون نفس الطعام الذي سيشتريه؟ هل يعيشون في نفس “الفيلا أو الكومباوند”؟ ثم يحدد بعدها ما مدى رضاه وسعادته ويظل يقتني أكثر؛ لأن الآخرين يفعلون نفس الأمر ويزداد الاستهلاك.
إذا اشتريت سيارة أو منزلاً جديدًا بالطبع ستشعر بالسعادة لامتلاكك لشيء جديد باهظ الثمن، لكن سرعان ما تختفي هذه السعادة إذا رأيت أحد الجيران أو الأقارب لديه نفس السيارة أو المنزل، فالإنسان دائمًا ما يقارن نفسه بالآخرين.
إذا لم يقارن الشخص بين ذاته والآخرين من حوله فسيجد أن المقارنة موجودة بالفعل داخل الإعلانات، حيث يقارن الفرد نفسه دائمًا بالحياة الجميلة الخالية من العيوب التي يشاهدها في الإعلانات.
لذا سيظل الإنسان يسعى في حلقة مفرغة ويمتلئ عقله بتزييف الإعلانات التي تخبره دائمًا أنه سيكون أفضل، أو أقوى، أو أكثر نجاحًا وراحة إذا امتلك هذا الشيء، لذلك ستجد جزءًا كبيرًا من هذه الإعلانات يربط بين المنتج والأحلام والمشاعر، إذ يسعى الإنسان بعواطفه أكثر من عقله.
لا يتوقف الأمر على تأثير الإعلانات السلبي على مدى سعادة الشخص ورضاه عن حياته فحسب، بل يزداد هذا التأثير تدريجيًا كلما عرضت عليه الإعلانات، ويتأثر كلا من المراهقين والأطفال مما يسبب النزاعات الداخلية بين الآباء والأطفال.
تأثير الإعلانات على الأطفال
توجد عدة آثار سلبية للإعلانات على الحالة النفسية للأطفال أيضًا، حيث أجريت دراسة لمحاولة فهم تأثير الإعلانات على مفهوم المادية، والعلاقة بينها وبين عدم السعادة، وكذلك الخلافات التي تنشأ بين الآباء والأطفال؛ بسبب الإعلانات والحياة المادية التي نعيشها الآن.
وجد أن الإعلانات تزيد من عدم الرضا والسعادة لدى الأطفال، بالإضافة إلى زيادة الخلافات خاصة عند رفض الآباء شراء المنتجات التي يرغب بها الأبناء.
يحدث عدم الرضا لدى الأطفال بصورة مؤقتة عند رفض متطلباتهم المعززة بالإعلانات، وتظهر في صورة البكاء، والإحباط، والحزن، ولكن قد تتطور لتصبح حالة من عدم السعادة لفترة طويلة.
أثمرت الدراسة عن استنتاج لوجود 4 أسباب رئيسية لعدم رضا الطفل وعدم شعوره بالسعادة بسبب الإعلانات، وذلك من خلال:
- الفكر المادي الذي يبثه الإعلان.
- الحزن نتيجة رفض الآباء لشراء المنتجات التي يرغب بها الأطفال.
- المقارنات الاجتماعية بين الطفل وأقرانه.
- الإحباط نتيجة انخفاض جودة المنتج المعلن عنه.
تسبب الإعلانات آثارًا سلبية أخرى على الأطفال ومنها ما يلي:
- تؤثر في قرارات الشراء لدى الأطفال، حيث وجد أن الطفل الذي يشاهد التلفاز لمدة طويلة يطلب مزيدًا من الألعاب والمنتجات؛ نتيجة رؤيته لها في الإعلانات حتى وإن لم يكن في حاجة إليها، ويرغب في اقتناء المزيد من الألعاب والأطعمة المختلفة، ومن المؤسف أن هذا التأثير يظل مستمرًا معه حتى يكبر.
- تزيد من الإصابة باضطرابات الأكل؛ بسبب كثرة الإعلانات عن منتجات الجمال والبشرة البيضاء، وتصدر فكرة القوام النحيل كجسد مثالي مما يضغط على نفسية الإناث، مما يؤدي إلى الإصابة بالقلق والاكتئاب، وبالتالي يظهر هذا الأمر في صورة كثرة تناول الطعام فيما يعرف باضطراب الشراهة لتناول الطعام، أو الإصابة بفقدان الشهية.
- تخلق وعيًا ماديًا سلبيًا لدى الأطفال، فقد تجد طفلاً يقيم نفسه والآخرين بناء على ما لديه وما ليس لديه وما يمتلك الآخر، وتنشأ المقارنات التي تقلل الثقة بالنفس، وقد تشعر الطفل بأنه أقل من ذويه.
- يعرض الأطفال إلى مخاطر صحية، حيث لا يميز الطفل في العمر الصغير بين ما هو حقيقي وما هو خيالي، وتعرض الإعلانات أحيانًا أشياء خيالية فيحاول الطفل تقليدها مثل القفز من النافذة ليصبح بطلاً ويقلد سوبرمان.
- تسبب الإصابة بالسمنة، حيث إن هناك 50% من إعلانات الطعام موجهة بصفة أساسية للطفل، ومعظمها أطعمة غير صحية، وعالية في الدهون، والسكر، والملح، ويربط الإعلان بطريقة خاطئة بين السعادة والنجاح وتناول هذه المنتجات، مما يزيد طلب الأطفال على تناول الأطعمة غير الصحية.
- تحفز الأطفال على شراء المنتجات الغالية؛ بسبب أنها ماركات معروفة ويعلن عنها باستمرار، في حين أنه قد يجد نفس الجودة بسعر أقل ولكن دون إعلانات، فلا ينجذب الطفل إليها ولا يرغب في اقتنائها.
- تزيد من العنف والأفكار العدوانية لدى الأطفال؛ لأن بعض الإعلانات تحتوي على كلمات وأفعال عدوانية، وكذلك بها تحفيز على التنمر بصورة غير مباشرة أحيانًا، وقد يكبر الطفل وهو ما زال عدوانيًا ومتنمرًا.
تأثير الإعلانات على الشباب والمراهقين
حاول العلماء فهم تأثير الإعلانات على الشباب خاصة المراهقين منهم، حيث يتعرض عدد لا بأس منهم للإعلانات التي تظهر فيها النساء بمظهر خالٍ من العيوب وبجسد نحيف وفي قمة الأناقة، ويظهر الرجال مفتولي العضلات، مما يخلق فكرًا زائفًا داخل الشخص، ويسبب العديد من المشكلات أهمها ما يلي:
- تغيير المعتقد الفكري الداخلي الخاص بكل فرد عن نفسه، حيث يبدأ المراهق في المقارنة ويشعر بالدونية، وأنه لن يسمو ويصبح أفضل إلا بالتحول إلى نسخة من بطل أو بطلة الإعلانات، ووجد أن النساء هم الأكثر تأثرًا بهذه الفكرة.
- تخلق الإعلانات فكرة الجاذبية من خلال شكل الجسم، والنجاح هو التفوق المادي، مما ينشئ جيلًا مشوه الأفكار له طابع مادي بحت وسطحي.
- تسهم الإعلانات في زيادة الإصابة باضطرابات الطعام خاصة عند البنات، والتي تتضمن الشره المرضي أو فقدان الشهية؛ بسبب رغبة المراهقات في الحصول على جسم مثالي نحيف كبطلة الإعلان.
- تزيد من معدل استهلاك الكحول والسجائر، فعندما يشاهد الطفل من صغره أن التدخين وشرب الكحول من الأمور التي يفعلها الكبار، وأنها تعطي انطباعًا عن الاستقلالية وتحسن من صورته الذاتية عن نفسه، فإن ذلك يزيد من إقبال الأطفال والمراهقين على هذه المنتجات الضارة.
إيجابيات الإعلانات
قد نجد بعض الإيجابيات للإعلانات، ولكنها أقل بكثير من السلبيات التي تؤثر على حالتنا النفسية، ونقصد هنا إيجابيات الإعلان الهادف، ومنها ما يلي:
- تساعدنا الإعلانات على التعرف إلى المنتجات التي لم نكن لنعرفها ونفاضل بينها وبين منتجات المنافسين إلا من خلال الإعلانات.
- قد تحسن من حياة الأفراد من خلال السماح لهم بمعرفة المنتجات المناسبة لهم كالأجهزة الأفضل والأحدث.
- تسهم إعلانات التوعية بالأمراض في خلق المعرفة والوعي بشأن صحتنا، كالإعلانات التي تتحدث عن الإجراءات الاحترازية في كيفية التعامل مع فيروس كورونا.
- قد تساعد الإعلانات الأطفال والكبار معًا إذا كانت تحفز على اتباع عادات النظافة كغسل الأسنان.
- تعطي بعض الإعلانات الهادفة رسائل سامية كمساعدة الكبار، وتخبرنا بضرورة ترشيد استهلاك المياه، وقد يسهم هذا الأمر في تعزيز الإحساس بالمسؤولية لدى الأطفال.
- توجد إعلانات توفر معلومات عن ضرر التدخين وشرب الكحول، مما يخلق وعيًا إيجابيًا لدى الأطفال والمراهقين بدلاً من التضليل المنتشر.
- قد نجد إعلانات تحفز الأفراد على تناول الأطعمة الصحية وتعزيز الصحة بممارسة الرياضة.
ختامًا، تؤثر الإعلانات على سلوكنا وحالتنا النفسية بالسلب، فقد وجد أن من يكون ماديًا أكثر يصبح أقل سعادة وغير راضٍ، فقيمة الفرد لا تكمن فيما يملك وإنما في ذاته، وفكره، ورضاه الداخلي الذي سيخسره إذا لجأ إلى المقارنة وتعرض للإعلانات.