كيف فسر انقراض الديناصورات ظاهرة «كريم بنزيما»؟
خارطة اللعبة تتغير لكن التحديثات تصل متأخرة دائمًا لنا كجمهور. تصريح كيليني يلخص جزءًا من هذه التحديثات، لكن الجزء الآخر لم يكن باستطاعته شرحه؛ لأنه ببساطة لا يخصه. الأمر يتعلق بالمهاجمين، برءوس الحربة الذين طرأ عليهم تغير مماثل.
نبدأ الموسم بالسخرية من بنزيما وجيرو، لينتهي الموسم بحصول أحدهما على دوري الأبطال والآخر على كأس العالم وبمشاركة كل منهما أساسيًا! ما زال الجمهور متعلقًا بصورة رونالدو وروماريو وهنري، واليوم لا أحد يستوعب العيش في زمن بنزيما. المعدلات التهديفية لم تعد كالسابق، وكذلك المتعة، الأمر يشبه قليلاً نظرية انقراض الديناصورات،والتي قد لا يعلم البعض أنها لم تنقرض جميعها، بل تحولت إلى شكل آخر.
التنبؤ بالانقراض
في مؤتمر المدربين عام 2003 والذي أقيم في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، صدم المدرب البرازيلي «كارلوس ألبيرتو بيريرا» الحضور بتوقع غريب بشأن تطور طرق اللعب في المستقبل. حيث توقع المدرب الفائز بكأس العالم 94 أن مستقبل كرة القدم يسير نحو طريقة 4-6-0، أي أننا في الطريق إلى اللعب دون مهاجمين!
الغريب في الأمر أن توقُع المدرب البرازيلي أتى في حقبة يتواجد بها: هنري، ورونالدو، وألان شيرار، ومايكل أوين وغيرهم. هل حقًا اللعبة التي بدأت في أول مباراة دولية بين منتخبي إنجلترا وأسكتلندا عام 1872 بـ13 مهاجمًا في طريقها إلى الاستغناء عن رأس الحربة؟
بعد 13 عامًا وتحديدًا في بداية موسم 2016/2017 طرح الكاتب الإنجليزي الرياضي «جوناثان ويلسون»مقالاً بعنوان: «?What is a centre-forward». المهاجم الصريح المتواجد في مقدمة الفريق منتظرًا إمداده بالكرات من أجل إحراز الأهداف لم يعد كذلك، وعدد الأهداف وحده لم يعد يكفي.
شهد هذا الموسم قدوم بيب جوارديولا إلى البريميرليج. وبعد بداية الموسم، فاجأ جوارديولا الجميع بعدم رضاه عن مهاجم الفريق سيرجيو أجويرو. تساءل جوناثان هل يمكن لمهاجم أحرز 109 أهداف على مدار خمسة مواسم – شاملةً فترات إصابته – أن يكون موضع شك؟
جوارديولا أوضح سعادته بالمعدل التهديفي لأجويرو، لكنه لم يكن سعيدًا بمساهمته الدفاعية لتطبيق الضغط العالي بمجرد فقد الكرة. يبدو أن مهام المهاجمين تغيرت، أو بالأحرى أُضيف لها مهام جديدة. الواجبات الدفاعية، والمساهمة في عملية البناء بالتوازي مع إحراز الأهداف وصناعتها.
مدافع برتبة مهاجم
تطوٌّر اللعبة أعطى أهمية خاصة للتحولات، وعلى الجميع أن يخدم طريقة اللعب، بما في ذلك المهاجمون. التحول من الهجوم إلى الدفاع يشمل العودة إلى الدفاع المتأخر كأتلتيكو مدريد رفقة سيميوني، أو الضغط العكسي بمجرد خسارة الكرة كليفربول رفقة كلوب. قدم مهاجمو أتلتيكو مدريد نموذجًا في ذلك.
منذ ثنائية دييجو كوستا ودافيد فيا في 2014، حتى ثنائية كوستا وجريزمان حاليًا. عندما يفقد الفريق الكرة، يضغط أحد اللاعبين لمحاولة تعطيل الخصم، حتى يعود زملاؤه إلى أماكنهم. يتمركز ثنائي الهجوم بالقرب من دائرة المنتصف لتصعيب مهمة التمرير للأمام على قلبي دفاع الخصم ولاعب الارتكاز.
على عكس أتلتيكو مدريد الذي يدافع متأخرًا من أجل حماية مناطقه، يأتي ليفربول الذي يعتمد على الضغط العالي من أجل إرباك خصمه وقطع الكرة في ثلث ملعبه. لذلك يفضل كلوب روبيرتو فيرمينو على الجميع.
فيرمينو حالة خاصة، مزيج بين اللمسة البرازيلية والدفاع الإيطالي. مهاجم وهمي يبحث عن خدمة الفريق أولاً. يترك موقعه ويتحرك إلى منتصف الملعب لإضافة لاعب وسط آخر؛ يزيد من خيارات التمرير لدى الفريق أثناء الاستحواذ. ويوفر المساحة في العمق من أجل تحركات صلاح وماني.
وعند التحول من الهجوم إلى الدفاع يظهر الوجه الإيطالي. يجيد تعطيل الخصم وغلق زوايا التمرير، وعلى مستوى العرقلة تجده يتفوق على المدافعين أنفسهم كفيرناندينيو وفيرتونجين. لذلك عند تقييم لاعب مثل فيرمينو لا نعتمد فقط على الخمسة عشر هدفًا التي أحرزها في الدوري، بل يجب النظر للإحصائيات الدفاعية. وقد تكون تلك الواجبات الدفاعية سببًا في انخفاض المعدل التهديفي للمهاجم.
ظاهرة بنزيما: مهاجم الـ«Build Up»
يمثل مستوى بنزيما أحد أكثر النقاشات جدلاً بين جمهور الكرة. اعتاد الجميع على التقليل من مستواه في كافة الظروف، وقصر المديح على زميله السابق كريستيانو رونالدو. لا أحد يمكنه إنكار رعونة المهاجم الفرنسي في إنهاء الهجمات، ومع ذلك فإن أرقامه بدوري الأبطال جيدة، أفضل منها في الدوري على الأقل. الجمهور لا يرى سوى هذا الجانب، متجاهلاً بقية الصورة.
يترك بنزيما مكانه كثيرًا ويتحرك بين الخطوط في العمق، يستلم ويتبادل الكرات مع لاعبي وسط الملعب. أو يخرج إلى أحد طرفي الملعب ليتحول إلى جناح ويوفر لفريقه زيادة عددية على الطرف، ويترك لرونالدو مهمة التحول إلى العمق كقلب هجوم.
دون بنزيما، تشعر أن عملية البناء والتدرج بالكرة ليست على ما يرام. أدوار بنزيما كانت أقرب لصناعة اللعب رفقة رونالدو، وحتى بعد رحيله ومع جوليان لوبتيتجي مازال بنزيما يقوم بنفس الأدوار لكن مع اعتماد الفريق عليه بصورة أكبر في إنهاء الهجمات بالاشتراك مع جاريث بيل.
وعلى نفس المنوال يأتي مواطنه أوليفييه جيرو مهاجم نادي تشيلسي. جيرو ينال هو الآخر نصيبه من السخرية إلا أن ذلك لم يمنع ماوريتسيو ساري من تطويع قدرات المهاجم الفرنسي لخدمة الفريق في عملية البناء والتدرج بالكرة.
يستغل جيرو قدراته البدنية وطوله الفارع من أجل حجز المدافعين واستلام الكرات العمودية وتهيئتها للزميل القادم من الخلف فيما يعرف باسم الـ«Lay Off Pass». لذلك انقلبت الأدوار واحتل رأس الحربة جيرو المركز الأول على مستوى صناعة اللعب، فيما احتل الجناح هازارد صدارة ترتيب الهدافين في البريميرليج.
لذا لا عجب في مديح إيدين هازارد لزميله حتى قال إنه أفضل «Target Man» في العالم. أدوار بنزيما وجيرو تحتم عليهما الخروج من منطقة الجزاء باستمرار إلا أن ذلك بالضرورة سيؤثر على أرقامهما التهديفية، وفي المقابل يتم الاعتماد على نجم آخر في التسجيل.
الأمر وما فيه أن رءوس الحربة حاليًا يخدمون تكتيك الفريق، أما سابقيهم فكان تكتيك الفريق يهدف لخدمتهم. زيادة الاعتماد على السرعة والقوة البدنية أفسح مجالاً لأن يتحول تييري هنري إلى الشراكة مع أديبايور بعد الشراكة مع بيركامب. وعلى الجمهور أن يدرك جيدًا كل هذا ولا يكتفي بنظرته القديمة.
ذلك مشابه لنظرية تطور الديناصورات.أحدث التفسيرات بعلم الحفريات ترجح إلى أن الطيور التي تعيش معنا حاليًا هي تطور لإحدى سلالات الديناصورات، ومازالت نظريات التطور تحاول أن تجد تفسيرًا حاسمًا للتغير الذي طرأ على حجم تلك المخلوقات.
وفي النهاية لو خيرت جيرو بين الفوز بكأس العالم دون إحراز أي هدف، وأن يصبح هدافًا لكأس العالم دون الفوز به، حتمًا سيختار الفوز بكأس العالم كي يخدم نظرية التطور.