كيف صمد سيميوني أمام الريال وبرشلونة بمساعدة مورينيو وكلوب
في إطار التنافس العادل والشريف توضع مجموعة من القواعد التي تُطبق على الجميع بمختلف انتماءاتهم، ولكن هذا لا يمنع وجود بعض الاستثناءات مثل روح القانون التي قد تتغاضى للبعض عن قرار صائب مؤلم أو في ما يُعرف بجسد الأخطاء البشرية الذي قد ينهش في الحظوظ الجيدة ويكون قرارًا خاطئًا لا يمكن العفو الدولي حتى عنه، ولكن بشرط أن تُنفذ حتى هذه الاستثناءات أمام الكل حتى لا تتحول أبرز سلبيات الطبيعة البشرية من مجرد ارتكاب أخطاء إلى ارتكاب مجازر في حقوق البعض. هذا ما يجب أن يتوافر في كل الرياضيات، أليس كذلك؟ ولكن هذا لا يحدث في البريميرليج بل في الليجا يا عزيزي.
جزء كبير من الظلم يقع على عاتق الفريق الذي يحاول منافسة برشلونة وريال مدريد في الدوري الإسباني إذا ما كان كبرى الدرويات الأخرى يعانون الأمرين أمامهما فلا يوجد فارق قريب حتى بينهما وبين أي نادٍ آخر، ولكن هناك فارقًا يصبح أقل بسبب مجهود خارق إذا ما تم بذله من قبل برشلونة وريال مدريد لربما ظل الوضع على ما هو عليه تقريبًا، هل من منافس لدكة ريال مدريد؟، وهل تعلم كم دفع برشلونة في كل من سيلسين، ألكاثير، توران، في فيدال الذي لم يكن يتواجد في القائمة حتى وبالطبع في البرتغالي جوميش الذي تسبب دخوله للملعب قبل الشوط الثاني من مباراة برشلونة وباريس سان جيرمان بحديقة الأمراء في أغرب رد فعل على الإطلاق من حكم رابع أثناء إعلان إحدى التبديلات، الأغرب كيف واجه سيميوني هؤلاء العمالقة في السنوات الست الماضية؟.
مشروع البنون والمال!
دييجو سيميوني عن الفارق بينه وبين ريال مدريد وبرشلونة.
وعلى عكس أوناي إيمري مع أشبيلية لم يكن سيميوني أسيرًا لتواجده في الليجا وسط برشلونة وريال مدريد جبانًا يحاول أن يصنع مجده في أوروبا في بطولة الدوري الأوروبي لعل وعسى يتم اعتباره كثالث عمالقة الدوري الإسباني، في الوقت الراهن بعيدًا كل البعد عن إثبات ذلك بمواجهات مباشرة معهم، خاصة أن بداية مشواره مع الأتليتي كانت بالفوز بمسابقة الدوري الأوروبي التي لم تكن حتى تنال كل هذا الصيت الإعلامي آنذاك بالرغم أن المنافس الذي تفوق عليه دييجو هو واحد من عباقرة اللعبة وربما يكون المدرس الأول لها حاليًا بعد رحيل كرويف ألا وهو لوكو بيلسا وبثلاثية نظيفة.
وما أشبه التلميد بالأستاذ، لقد ألقى التتويج بتلك البطولة الضوء على أغلب نجوم الروخيبلانكوس من قِبل الأندية الكبرى مثلما كانت تلك السنة سببًا في التكهن برحيل مونياين إلى ريال مدريد، وليت كان ذلك المدريد بلباوًا يصعب جدًا رحيل لاعبيه لأن تعويضهم مُعقد للغاية ويتطلب شروطًا أخرى غير الإمكانيات الفنية للاعب وأين بدأ لعب كرة القدم، فالأهم هُنا هو أين وُلد وهل يحمل أصل باسكي أم لا ؟!.
سيميوني لم يستلم فريقًا منهارًا ولكن ضعيف بعض الشيء بعد حقبة فلوريس والتي كان فيها بطلًا للدوري الأوروبي معه في 2010 على حساب فولهام، قبل أن يتسبب نادي ألباسيتي الأسباني في إخراجهم من مسابقة كأس الملك وإقالة مدربهم مانزانو والإتيان باللوتشو «دييجو سيميوني» والذي قاد الفريق في موسمه الأول إلى الفوز بالدوري الأوروبي بثلاثية نظيفة على بلباو، فوز ربما كان يُنسب إلى فترة اعتبار فالكاو أفضل مهاجم في العالم حيث سجل هدفين في هذه المباراة وهاتريك في مباراة السوبر الأوروبي ضد تشيلسي بعدها، ولكن فالكاو نفسه رحل وهو من اختفى تقريبًا منذ ذلك الحين وليس أتلتيكو.
أتلتيكو لم يكن مفلسًا أيضًا!، حيث أنفق ما يقرب من 72 مليون في صيف 2011، ولكن في تلك الآونة كان سيميوني قد بدأ عمله الخاص من الصفر بمنح الفرصة لبعض المُهمشين مثل فيليبي لويس القادم من ديبورتيفو لاكورونيا، الاعتماد على ميراندا الذي انتقل لأتلتيكو قبل مجيء سيميوني مجانًا بسبب انتهاء عقده مع ساوباولو لمشاركة جودين في قلب الدفاع، التعاقد مع خوانفران إحدى ناشئي ريال مدريد قادمًا من أوساسونا والأهم جعل عودة جابي للفريق مجددًا في صفقة لم تكلفهم سوى ثلاثة ملايين يورو، صفقة رابحة للغاية. هؤلاء اللاعبين، إضافة إلى الصفقات الجديدة «توران وفالكاو» وكذلك إلى المُعار من فولفسبورج «دييجو»، قادوا سيميوني إلى وضع حجر الأساس الأول في مشروعه.
تلك الصفقات بدون أدنى شك كانت سببًا في الفوز باللقب الأوروبي وجعل بداية سيميوني مميزة، ولكن رأس مال أي مشروع ليس مالًا فحسب ولكنه يتطلب رجالًا أيضًا ولهم الأولوية فالبنون قبل المال!.
لكل هواية هوية تنفذ بها
يمكن القول إن سيميوني من النادرين الذين ظهرت بصمتهم بسرعة كبيرة جدًا ولم تكن مجرد موضة، فالتشكيلة الفائزة بالدوري الأوروبي عام 2010 عن عام 2012 مختلفة كليًا، ولعدم وجود أي داعي للمقارنة بينه وبين كيكي فلوريس سانشيز مدرب إسبانيول الحالي، سيميوني كان له هوية خاصة به استطاع زرعها في فريقه بكل نجاح لأنه كما صرح مسبقًا كان يدرب لاعبين يشبهونه تمامًا، فهو مثل كلوب في تلك النقطة لا ينتقي لاعبين يعبروا عن طموحات الجماهير ولكن الأهم أن يكون أسلوبهم حتى الشخصي مقاربًا لأسلوبه العنيف بعض الشيء في كل شيء تقريبًا.
ولكن هل كان سيميوني مثل كلوب في تلك النقطة فقط؟ يمكن القول إن سيميوني كان عبارة عن مزيج بين كلوب ومورينهو في طريقة اللعب، كالألماني في اعتماده على الضغط المرتد ولكن مع مراعاة توزيع مجهود فريقه الذي هو في الأساس مُقتبس من العقلية الدفاعية للبرتغالي مورينهو والتي كانت تعرف في ما يسمى بخطة «ركن الحافلة»، ولكن بأسلوب أكثر قتالية على كل كرة، فريق يدافع على فترات وينقض على فترات وفي كل مرة ينجح في مبتغاه لأنه يجمع بين مميزات هذا الثنائي، فهو كما صرح ليس بيلارديستا أو مينوتيستا ولكنه سيمونيستا له طريقته الخاصة به.
السم الذي صنعه سيميوني
سيميوني عن ملل المنافسة في الدوري الإسباني.
كل لقب مسبق هو كناية للقب حقيقي قادم، لطالما استفز الأمر الصحافة للبحث عن لقب ما لهذا أو ذاك الفريق فهو على وشك تحقيق بطولة فعلية، ولطالما تم وصف لاعبي أتلتيكو مدريد بالمصارعين وهو ليس بالوصف الخاطئ لأن جزءًا كبيرًا من تدريباتهم كان يعتمد بالفعل على رفع الأثقال بالوقوف على كرات مطاطية مما يعني أن كل ذلك لا يترك لهم مجالاً للانتقاد لأن يحمل إشادة مبطنة لنجاحهم في ما تدربوا عليه.
وسط فريقين يملكان ثلث العالم من الدهاء الكروي بسبب وجود ميسي ورونالدو وغيرهم من زملائهم، كيف كان أتلتيكو مدريد هو المنافس أو في تعبير أصح هو المضاد لهما؟ كان ذلك عن طريق امتلاك أتلتيكو مدريد لثُلثي خبث لاعبي كرة القدم العقلي داخل أرض الملعب من التفنن في استفزاز الخصم عن طريقة إضاعة الوقت أو التدخلات الخشنة، يمكنك أن ترى كيف يتحول فيرناندو توريس في المباريات الكبيرة إلى لاعب مشاكس يلتحم كثيرًا ومن ينسى لقطة أردا توران وهو يركل الحكم المساعد بحذائه كما لو كان هو المساعد الخاص بالرئيس الأمريكي السابق جورج بوش!.
الأرجنتيني دييجو سيميوني المدير الفني لفريق أتلتيكومدريد الأسباني.
ومما لا يمكن تجاهله في خلطة السم التي صنعها سيميوني لريال مدريد وبرشلونة تميز الفريق في الضربات الرأسية الهامة على وجه التحديد، ففي المباريات الكبيرة مهما كانت قوتك يجب أن تعمل جيدًا على أدق التفاصيل، هكذا استغل أتلتيكو مدريد الأمر وأنهى سلسلة 14 عامًا بدون انتصار واحد على ريال مدريد بالفوز بكأس الملك في مايو 2013 برأسية ميراندا وبإنهاء عقد كامل من احتكار ريال مدريد وبرشلونة للقب الدوري تمامًا مثل احتكارهم لحقوق البث وذلك برأسية الشريك الآخر في الدفاع وهو الأوروجوياني جودين في الموسم التاريخي 2013-2014، رأسية أُخرى في نهائي دوري أبطال أوروبا ولكن رأس راموس أفسدت ميزة الفريق في ما بعد، لم يسجلوا أي هدف مهم يذكر بالرأس منذ تلك الدقيقة الكارثية في لشبونة.
رجل خسوف القمر
تختلف محاولات تصنيف سيميوني بأنه عدواني من جهة مشجعي برشلونة وريال مدريد أو قتالي من الدرجة الأولى من وجهة نظر المحايدين المعجبين جدًا بما فعله وكيف بث القلق في نفوس الجزء الأبيض من مدريد والأحمر المختلط بالأزرق في كتالونيا، ولكن الصورة الواضحة عنه يجب أن تكون أنه مدرب استثنائي خلق فريقًا غير مكلف واستثنائيًا أيضًا في كونه منظمًا، مقاتلاً وطموحًا نفس درجة طموح ريال مدريد وبرشلونة لدرجة الظفر على أكثر من بطولة على حسابهم.
وكمدرب مثالي لا يمكن أن يكون الجانب الوحيد الذي يراه المتابعون في سيميوني هو أنه يستطيع تعويض نجومه؛ لأن هذا ليس صحيحًا دائمًا بدليل رغبته الجامحة الصيف الماضي في إعادة كوستا وعدم تعويضه حتى الآن، ولكنه قام بعمل مذهل في تطوير بعض المواهب مثل ساؤول، كوكي وخيمينز الذي جاء للفيسنتي كالديرون وهو في الثامنة عشر من عمره ،ليس كلوب فقط من يفعل ذلك!، بل إنه أعاد فيليبي لويس للحياة وجاء بفيرناندو توريس من ثلاجة الموتى تقريبًا!.
يُقال إن التاريخ لن يذكر كرة القدم «غير الجمالية» لأنها ليست ممتعة، ولكن هل هناك من لن يتحدث عن الفترة التي نعيشها مع أتلتيكو حتى وإن لم تكن مثل بارسا بيب؟ لا أعتقد أبدًا، وأمثال دييجو سيميوني يجب أن يُطلق عليهم رجال خسوف القمر، الذين استطاعوا في فترة ما حجب ضوء الشمس بالكامل عن القمر المنافس له في إنارة الكرة الأرضية في الوقوف كَنِد قوي بين الريال وبرشلونة، في ظاهرة لا تتكرر فلكيًا سوى ثلاث مرات في العام أو في التاريخ ربما بالنسبة لكرة القدم.
أتلتيكو كان محظوظًا بمدرب يملك نفس كاريزما مورينهو، يبدو كرجل العصابات بزيه الذي يرتديه ولكنه دائمًا ما يصف نفسه بالجندي، ربما لا يملك ميسي مثلما صرح عدة مرات ولكنه تفوق عليه وعلى فريقه أحيانًا، لم يكن لديه مارادونا ولكن تمت مقارنته بما فعله بيلاردو مع التانجو، حقق كل شيء عدا دوري أبطال أوروبا التي لم يفصله عنها سوى إما ثوانٍ عن صافرة النهاية أو أن يكون محظوظًا حتى بعدها وذلك في ركلات الجزاء، ولكنها أكسبته مزيدًا من التعاطف الجماهيري ومزيدًا من الاحترام لجعل الخروج من نصف نهائي دوري الأبطال فشل لأتلتيكو مدريد، فلولا قدومه لما كان وداع الفيسنتي كالديرون حارًا بهذه الطريقة.