كيف انتزع مارسيل كولر ثقة جماهير الأهلي؟
من بين كل أندية الدوري المصري، يتسم النادي الأهلي بالاتزان عندما يتعلق الأمر بتغيير المديرين الفنيين. يحظى أي مدير فني للأهلي بفرصة كاملة قبل الرحيل عن الفريق طبقًا للنتائج أو أي اعتبارات أخرى.
هناك استثناء وحيد لهذه القاعدة يدعى «ريكاردو سواريش»، لم يحظ سواريش بفرص تقييم منطقية قبل أن تتم إقالته لكن الأهم في قصتنا أن قصة اختيار مدير فني جديد للأهلي بعد سواريش باتت دقيقة ومعقدة ولا تحتمل تجربة مشابهة أبدًا خصوصًا مع غياب الدوري لعامين متتاليين.
تناثرت أسماء المدربين في وسائل الإعلام لفترة ليست بالقصيرة وتضمنت أسماء مهمة ووجوه قديمة ثم انتهى الأمر بمدرب سويسري غير متوقع بالمرة وهو السيد مارسيل كولر.
لم يتحمس أحد لكولر في البداية، ربما لأن سيرة كولر التي قدمت للجماهير ركزت أن إنجازه الأهم كان رفقة منتخب النمسا وقاعدة ملك النص تنص على أنه «الدولي غير الدوري» كما نعرف جميعًا، كما أن الرجل مبتعد عن التدريب لعامين، كذلك سقف طموحات الجماهير كان قد ارتفع للغاية قبل طرح اسم السويسري.
بدأ الموسم وبدأ الرجل يترك بصماته في الملعب بهدوء وبشكل تصاعدي ثم بتصريحات واضحة وصريحة وغير مجاملة للإدارة ثم أخيرًا بنتائج جيدة ومنطقية للغاية حتى أصبح مع الوقت هو الشخص الوحيد المثير لحماسة جمهور الأهلي في ما هو قادم من مباريات.
كيف استطاع كولر انتزاع ثقة جماهير الأهلي، وكيف أصبح نجمه أكثر سطوعًا من اللاعبين والإدارة في ظاهرة نادرة في النادي الأهلي، تلك هي الأسئلة التي دفعتنا لإعادة سرد قصة مارسيل كولر منذ البداية في محاولة لفهم ما وراء هدوء هذا الرجل.
رجل يعي فكرة المسئولية
كانت الملاحظة الأولى التي رافقت الرجل منذ يومه الأول، أنه منظم بشكل واضح. يبدو مرحًا ولطيفًا لكنه يعرف جيدًا ما يريد واتضح هذا مع الوقت في ما يخص اختياراته للاعبين بعيدًا عن الضجيج الإعلامي. وهذا تحديدًا كان ما ينقص موسيماني مثلًا رفقة النادي الأهلي حيث شعر الجميع أن موسيماني كان في حالة امتنان دائم لأنه أصبح مدربًا للأهلي.
هو ليس بحاجة لزياد طارق ومحمد محمود وحسام حسن، إذًا فليرحلوا بمنتهى البساطة. قبل مجيئه تلخص موسم صفقات الأهلي في الثلاثي شادي حسين وميسي وسافيو ولم يجد الرجل أزمة في أن يزيح بالثلاثي تباعًا.
في الحقيقة لقد اختبر السيد كولر المسئولية بشكل فعلي ويعي جيدًا كيفية السير في طريق النجاح دون النظر للوراء، هذا لأنه طوال حياته كلاعب كان يعلم جيدًا أن كل مباراة قد تكون الأخيرة له وأن اللاعب الجاهز فقط هو الأجدر بالمشاركة.
قضى مارسيل كولر حياته الكروية بمحاذاة خط المنتصف، فالسويسري كان يلعب كخط وسط مدافع لنادي جراسهوبرز السويسري طوال مسيرته التي مثل خلالها منتخب سويسرا في 58 مباراة، لكنه يؤكد أن طوال مسيرته عانى من ألم مستمر في ركبته لم يمنعه أن يكون جاهزًا في كل مباراة.
يتحدث كولر أنه منذ هذه اللحظة عرف معاناة إصابة الركبة التي لم تنتهِ أبدًا، هذا بخلاف إصابات أخري تعرض لها من كسور في الساق وشظية القدم إلا أن الأهم أن تلك الإصابات خلقت داخله شعورًا متزنًا وهادئًا مع كرة القدم.
مع كرة القدم لا شيء مضمونًا، أنت تشارك وتصنع المجد لأنك جاهز لذلك، قد تكون مهددًا بأن ينتهي مشوارك للأبد لكن هذا لا يمنعك من تقديم كل ما لديك الآن، لا يهم إن كنت صفقة جديدة أو من أبناء الألتراس أو تحظى بتأييد الجميع كونك موهبة شابة. كل هذا لا يهم وإنما كل ما يهم هو أن تقنع المدرب أنك أفضل من أقرانك وأنك تستحق كل فرصة. لكي تستمر في المنافسة عليك أن تتحمل أوجاعًا لا يعرف عنها أحد غيرك كما أن ما يراه الناس صعبًا ومربكًا قد تراه أنت بسيطًا طالما تعرف خباياه.
النظام السويسري: فايلر مرة أخرى
هنا يقفز من الذاكرة نموذج مشابه وهو السيد فايلر المدرب السويسري السابق للأهلي، كان هذا الرجل منظمًا أيضًا ويتعامل مع الأمور بجدية واضحة. لكن يحمل هذا التشبيه في طياته تخوف مستتر، هذا أن فايلر كان بعيدًا عن جماهير الأهلي العاطفية الصاخبة المحبة لكرة القدم، كان الرجل أوروبيًا أكثر مما تطيق جماهير الأهلي.
يؤكد المحيطون بكولر أنه يحمل داخله الكثير من المشاعر بل وأقرب إلى الانصهار مع الجميع من حوله إلا أنه يمكنه الفصل جيدًا بين عمله كمدير فني وتلك المشاعر التي ينقلها للاعبون بمقدار وحساب.
إذا كنت تشكك في قصة مشاعر كولر تلك فعليك أن تستمع له بينما يقص عليك قصة رحيل والديه. كيف أن والده عانق والدته وأخبرها كم هو محظوظ بقضاء وقت ممتع معها في المنزل ثم أصيب بنوبة قلبية أثناء الليل.
أما والدته فقد رآها مارسيل تختفي ببطء. ذات مرة سألته عن شيء ما وبعد أن أجابها كررت نفس السؤال بعد عشر ثوان. تكرر هذا الأمر خلال الشهور التالية ولم تتحسن، استغرق الأمر ست أو سبع سنوات أخرى قبل أن ترحل عنه للأبد، كان الأمر محزنًا لمارسيل بالطبع لكنه أصبح أكثر هدوءًا من قبل.
هنا ننتقل لقصة أخرى، أن هذا الرجل لا يطيق التعامل مع ضغط المباريات والدليل أن إنجازه الأهم كان رفقة منتخب النمسا فقط.
معجزة سانت جالين والفوز على ريال مدريد
يتم تناول سيرة كولر دومًا بذكر إنجاز تأهل منتخب النمسا ليورو 2016 على أنه الإنجاز الأهم للرجل وهذا ليس حقيقيًا أبدًا. قرر كولر في ثاني تجاربه كمدير فني بعد الاعتزال أن يخوض المغامرة مع أقدم ناد سويسري على الإطلاق وهو نادي سانت جالين.
استطاع الرجل أن يفوز بالدوري السويسري رفقة سانت جالين بعد غياب دام 96 عامًا، أكد الجميع آنذاك أن الفضل يرجع لكولر وحدة بداية من رئيس النادي للمشجعين كانوا يحتفون بالرجل بشكل جنوني.
لكننا في قراءة لقب كولر الأول سنجده طبقًا للتقارير خلق تضامنًا واضحًا جدًا بين اللاعبين، حتى إن أهم لاعبي الفريق وأحد أعمدة النادي التي لم يستطع أحد إزالتها لعدة مواسم وجد نفسه على مقاعد البدلاء دون أن يشتكي، يبدو أن كولر لم يتغير أبدًا.
هناك في سويسرا إذا قلت معجزة سانت جالين فسيفهم الجميع على الفور أنك تقصد هذا اليوم الذي قاد كولر لاعبي فريقه للفوز على تشيلسي في الدوري الأوروبي. نعم لقد فعل كولر ذلك أمام الفريق اللندني الذي أتى متسلحًا بفوز في عقر داره ولاعبين مثل رود خوليت وجيانلوكا فيالي.
ربما هذا يفسر لك أخيرًا لماذا قرر كولر أن يواجه ريال مدريد بطريقة غير الدفاع الممل، هذا لأنه مدرب يؤمن بالفرصة وأن الروح ربما تغير كل شيء بعيدًا عن الإمكانيات. ولهذا تحديدًا تحول كولر إلى رجل يؤمن به الجميع.
كيف أصبح كولر نجم الشباك
لنكن واقعيين يبدو السبب الأهم أن ما يمتلكه كولر هو ما يفتقده الأهلي خلال السنوات الماضية على صعيد الإدارة. التنظيم الذي غاب عن الأهلي لسنوات وحل مكانه عشوائية قرارات واختيار لاعبين ومدربين.
كذلك الوضوح الذي يتسم به الرجل، فهو لا يرى مشكلة في الاعتراف بأنه كان الطرف الأسوأ حتى رغم الفوز أو بأن لاعبي الأهلي يمتلكون مشاكل تتعلق بالتهديف والتحركات والتنوع.
إصراره أن يضع المسئوليات في أماكنها المنطقية، حيث أكد للجميع في عدد من المؤتمرات الصحفية أن الأهلي يحتاج لمهاجم وأن تلك مشكلة الإدارة هذا بخلاف أنه لا يقبل أي مهاجم لأنه ببساطة يحتاج لمهاجم معين وإلا ستزداد مشاكل الفريق ولن تنقص.
تلك الأدوار التي يلعبها كولر هي أدوار إدارية أكثر منها فنية، فقد اعتاد الجميع أن المدرب يقول إن لاعبيه هم الأفضل وإن الفوز هو المراد والخسارة مفاجأة لكن الرجل قرر أن يتحدث كمسئول وليس مدرب فقط.
أما العامل الأخير الذي لا يمكن أن ننكره، أن هذا الجيل لا يحتوي على لاعب فذ يمكنه سرقة الأضواء من الجميع. لا يمتلك أي فريق مصري لاعبًا متكاملًا ينتظره الجميع ليتمتع أو ليشاهد أثره المضمون في أحداث المباراة ولذا فنجوم الشباك هما فيريرا وكولر ومن قبلهما أسماء مثل جروس وموسيماني وفايلر.