كيف برر العسكريون «الإسرائيليون» حرب أكتوبر؟
فور اندلاع معارك السادس من أكتوبر، لم تكن الهوة التي سقط فيها الإسرائيليون مجرد خسائر عسكرية متلاحقة وفقد بضعة كيلومترات من أراضٍ صحراوية، وإنما كانت الصدمة هي انفجار فقاعة «سوبرمان» التي نتجت عن انتصارهم الساحق في يونيو، وتوهموا أنها ستقيهم شر عدوهم اللدود للأبد، باعتبار أن هؤلاء الجنود الإسرائيليين الرابضين على الحدود لن تقهرهم قوة عربية أبدًا، لهذا كان بديهيًا أن تزدحم الساحة الإسرائيلية بعلامات الاستفهام التي حاولت مليًا فهم كيف باتت هزيمتهم ممكنة؟!
موشى ديان: أخطأت لكنني لم أقصر
بطبيعة الحال كان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، الرأس العبرية الأكثر تعرضًا لِلَّعنات مع الرصاصة المصرية الأولى في 6 أكتوبر، وبالرغم من اعترافه بارتكاب عددٍ من الزلّات، فإنه أصرَّ على تبرئة ساحته ولو جزئيًا من حمل العار وحده.
أجرى ديان سلسلة حوارات مع الصحفي رمي طال سنة 1976، ظلت طي الكتمان 21 عامًا حتى نُشرت في صحيفة يديعوت أحرونوت أبريل/نيسان عام 1997م، أوضح فيها أن قادة العسكرية الصهيونية افترضوا عدة شروط واجبة التحقق من أجل الاقتناع بأن مصر وسوريا ستشنان حربًا ضدهم، إلا أن «مادة استخباراتية متينة جدًا» أقنعتهم أن احتماليات اندلاع القتال ضعيفة، لذا لا يعتبر أنه أخطأ في عدم توقع الضربة، وعليه فإنه لا يرى أن رجال المخابرات قصروا، لكنهم أخطؤوا، لكنه يعترف أن ما لم يكن جيدًا بجيشه هو أن الخطط العملياتية التي كانت معدة للتنفيذ حال اندلاع الحرب كانت ضعيفة جدًا.
كما أنه أكد شهادته أمام لجنة أجرانات التي شُكلت للتحقيق معه عقب الحرب، أن قائد القوات الجوية أكد له الساعة 11 صباحًا يوم 6 أكتوبر، أنه لو حدث أي هجوم فسيُنهي الدولتين معًا في يوم واحد.
واعتبر ديان أن سر تفوق جيشه العسكري، سابقًا، على العرب هو أنهم برعوا في الحروب المتحركة؛ لأنه يملك القدرة على تحريك قواته بسرعة إلى أي مكان، أما حينما تم جرهم لحرب ثابتة خسروها.
واعتبر، أن مصر لم تنتوِ أبدًا تصفية وجود الدولة، حتى لو شنّت حربًا ضدها، موضحًا أن الرئيس السادات، بقراره طرد الخبراء السوفييت من مصر، تخلى عن نية مصر «إلقاء اليهود في البحر»، وأنه بات ينظر للوجود اليهودي على أنهم كالصليبيين؛ يخلقون وضعهم معتمدين على حرابهم ويهاجرون إلى رقعة متقوقعة من الأرض، إلا أنهم بعد مدى زمني معين سيفقدون ترابطهم وسيندمجون مع المسلمين.
وأوضح، أن الرئيس المصري جمال عبدالناصر لو كان تقدم لهم بعرض سلام مقابل استعادة الأراضي، فإن ديان كان ليوافق بعد أن «يجادل بعناد»، وكان ليحاول إقناع عبدالناصر بأن يستأجر منه مدينة شرم الشيخ.
واعتبر ديان أن الصراع جذوره معقدة لن تعالجه قرارات التقسيم ولا محاولات العيش المشترك، وإنما الحل الوحيد برأيه هو عملية عسكرية على نطاق واسع تطرد الفلسطينيين إلى ما وراء نهر الأردن.
وكشف ديان عن أنه أراد الانسحاب من جانب واحد من قناة السويس، معتبرًا أن تمركز قواته على حافتها كان قرارًا كارثيًا، فدعا إلى الابتعاد للوراء مسافة 20 -30 كيلومترًا، معتقدًا أن فتح المصريين لها أمام الملاحة كان سيقضي على احتمالات الحرب، لكن جولدا مائير عارضت ذلك الاقتراح، بدعوى أن الأمريكيين يريدون القناة مغلقة! وهو ما كرره خلال التحقيق معه، مؤكّدًا نظريته التي قامت على يقينه بأن العرب لن يحاربوا أبدًا دون مصر، لذا اعتبر أن جرّها إلى صُلح منفرد سيؤمن إسرائيل للأبد.
رفائيل إيتان: واجهنا الانتحاريين لأول مرة في لبنان
أكد رفائيل إيتان، قائد سلاحي المظليات والمشاة إبان الحرب، في مذكراته، أن المبادرة العربية بالحرب على إسرائيل كادت تؤدي إلى القضاء على إسرائيل.
وكشف بكتابه عن جانبٍ لم يعتنِ به التاريخ كثيرًا، وهو أعمال القتال عبر الجبهة اللبنانية خلال أيام القتال. يحكي إيتان أن طبيعة وقوع المستوطنات الإسرائيلية بالقرب من الحدود استدعى اليقظة للتدخل الحاسم فور اجتياز «المخربين» الحدود، إلا أنهم لم يحققوا نجاحًا حاسمًا بهذا الأمر.
ويعترف بأن مجموعات قتالية عِدة نجحت في اختراق مستوطنات «كريات شموناه» و«كفار يوبال» و«كيبوتس روش هنكراه»، ونفذت أهدافها بنجاح، أما في كيبوتس (مستعمرة زراعية) آخر يُدعى «شمير»، فلقد واجه ظاهرة لم يعرفها من قبل ألا وهي الانتحاريين، يحكي أنه بعد نجاح عناصر في اختراق الكيبوتس وتنفيذهم خطتهم به، انتظروا حتى طوقتهم قوة إسرائيلية وفجروا أنفسهم بواسطة أحزمة متفجرات كانوا يرتدونها.
إيلي زعيرا: احتمالات الحرب ضعيفة جدًا
لقد أصبحت ابنًا لأسرة ثكلى بعد أن أمضيت 3 أسابيع فى المستشفى للعلاج (…) لقد سقط شقيقي يائير يوم الأحد السابع من شهر أكتوبر شمالي القنطرة، وكان شقيقي الثالث الصغير رامي قريبًا أثناء القتال بدباته من يائير، وأصيب أيضًا بشدة وفقد عينه في القتال.
رسالة جندي إسرائيلي نشرتها صحيفة «كول هاعام» الإسرائيلية فى عددها الصادر فى 12/12/1973
يحكي إيلي زعيرا، رئيس الموساد آنذاك، في كتابه «حرب يوم الغفران»، أنه قبل الحرب بيوم واحد، بدأت ترد إليه «معلومات غريبة ليس لها تفسير» بشأن ترحيل عائلات الخبراء الروس من سوريا بشكل فوري عبر طائرات نقل وسفن حربية، وفي الواحدة بعد منتصف الليل اتصل برئيس الموساد ليشاركه مخاوفه فأكد له الأخير أن لديه معلومات من مصدر موثوق تؤكد أن «شيئًا ما سيحدث».
وفي التاسعة من صباح ذات يوم عقد وزير الدفاع موشى ديان بضع مشاورات في مكتبه مع كبار القادة العسكريين بشأن تقدير الموقف، وثار الجدل حول الخشية من أن تكون هذه الإرهاصات خلفها نية لهجوم مصري سوري وشيك، لكن زغيرا أكد أن معلوماته الاستخباراتية تؤكد أن الحرب بعيدة جدًا.
عدم توفر أي معلومات تؤكد وجود «نوايا هجومية» أثار الجدل بشأن ترتيب أي تحرك عسكري لوأد هذه المخاوف في مهدها، وكانت عدم رغبة ديان في عدم تكرار سيناريو حرب 1967 بأن تكون إسرائيل البادئة بالهجوم وراء استبعاد فرضية تعبئة الاحتياط والاكتفاء بإعلان إلغاء الإجازات، انتصارًا لتصور استقروا عليه بالنهاية أن هذه الحشود، بالأغلب، دفاعية خوفًا من توهم لدى سوريا ومصر بأن تل أبيب ستهاجمهما، ولم يكن لدى أي الحاضرين شك في قدرة قواتهم النظامية والسلاح الجوي على صد أي هجوم مهما بلغت كثافته.
ويؤكد، أن ديان لم يكن يتخيل المصاعب التي سيواجهها السلاح الجوي الإسرائيلي، والخسائر الفادحة التي تعرضت لها القوات البرية لـ30 ساعة متتالة، وثبتت أخطاؤه في خطته للدفاع عن القناة وثقته المبالغ فيها بقدرة السلاح الجوي في التغلب على أنظمة الصواريخ المصرية.
وتابع في شهادته، أنه بعد اندلاع أعمال القتال وهزيمة اليهود على كافة الأصعدة، اختار القادة السياسيون أن يضللوا الشعب ويُعلقوا المشنقة في رقبته وحده، عبر تأكيد أن الخطأ نابع من المخابرات وحدها، على الرغم من أن جميع رؤساء مجلس العرب أثملتهم الثقة المفرطة في قدرات جيشهم حتى باغتتهم الهزائم المتلاحقة غرب السويس.