بعد سرقة مياه العرب: كيف تعاملت «إسرائيل» مع أزمة المياه؟
هكذا وصف «دييغو بريغر» منسق المشروعات الدولية في شركة المياه الإسرائيلية «Mekorot»، في السابع من يناير/كانون الثاني 2021، الوضع في الأراضي المحتلة، وأوضح أن نقص المياه الطبيعية يستلزم إدارة مواردها بحرص، وذلك بحسب صحيفة «جيروزاليم بوست».
أزمة المياه في دولة الاحتلال، صاحبة الـ 73 عامًا، والتي يُقيم فيها حاليًا ما يزيد على 9 ملايين نسمة، شغلت دومًا مساحة بارزة من تفكير حكومات الدولة العبرية، ليس فقط فيما يخص كيفية إدارة الموارد التي تمكنت من سرقتها والاستيلاء عليها، بل في تعاونها مع بلدان العالم العربي كذلك.
مصادر المياه وتحدياتها
مصادر المياه الطبيعية، التي تتوزع على مساحة الأراضي المحتلة، البالغة أكثر من 22 ألف كيلومتر، تتمثل في نوعين من الموارد: سطحية وجوفية.
يجري في الأراضي الواقعة تحت سيطرة «إسرائيل» 4 أنهار، تشترك مع الدول الأخرى في 3 منها، وهي: نهر الأردن، ورافده اليرموك، واليركون، بينما تسيطر بالكامل على نهر كيشون.
وتوجد هناك بحيرة وحيدة، هي بحيرة طبريا، والتي تمثل مياهها ربع كميات المياه العذبة في الدولة العبرية، بحسب إحصائيات عام 2016، وتتجمع مياهها من خلال مياه الأمطار التي ينقلها نهر الأردن العلوي. أمّا مصادر المياه الجوفية فتمثلت في الحوض الجوفي الساحلي، والحوض الجوفي الجبلي، والأحواض الجوفية في النقب ووادي عربة.
تقول «فورين بوليسي» إن احتلال «تل أبيب» لكل من هضبة الجولان السورية، والضفة الغربية، ووادي الأردن، في يونيو/حزيران 1967، مكّنها من زيادة حصتها في نهر اليرموك، والتي كانت تعتمد عليه الأردن، الأمر الذي دفع إلى بدء التنسيق بين مهندسي المملكة ونظرائهم الإسرائيليين للتعامل مع رواسب الأمر، قبل أكثر من عشرين عامًا من توقيع معاهدة السلام (وادي عربة عام 1994) التي نصت على توزيع مياه نهري الأردن واليرموك وحوض وادي عربة بين البلدين. وبذلك صارت حصة «إسرائيل» السنوية من نهر الأردن وحده لا تقل عن 640 مليون متر مكعب، أي ما يزيد على ضعف حصة المملكة.
حين نسمع بالموارد المائية في الدولة العبرية، يُعتقَد -لتنوعها- أنه لا حاجة لـ«تل أبيب» أن تشغل بالها بالمستقبل، وأنها لا تحتاج إلى الكميات ذاتها التي تبحث عنها البلدان التي تقطنها أعداد هائلة من البشر. ولكن وفقًا لإحصائيات موقع World Meter عام 2017، بلغت كمية المياه المتجددة في «إسرائيل» ملياري متر مكعب سنويًا، فيما انخفض نصيب الفرد الواحد من هذا النوع من المياه إلى 214 مترًا مكعبًا في العام الواحد، وهو بالطبع يفوق نصيب الفرد الفلسطيني بأكثر من 44 لترًا، وإن اتسع الفارق في إحصائيات أخرى.
الأزمة تكمن في تناقص نصيب الفرد من المياه المتجددة، على مدار العقود الخمسة الماضية، تناقصًا كبيرًا، إذ بلغ عام 1962 نحو 800 متر مكعب سنويًا.
وقد أسهمت العوامل المناخية كذلك في تفاقم الأزمة، فنهر الأردن وبحيرة طبريا، على سبيل المثال، عانيا من موجات جفاف منذ ستينيات القرن الماضي، وهو ما دفع «تل أبيب» إلى الموافقة على بناء عدد من السدود لتوفير المياه للمزارعين في الشرق، مما أثّر سلبًا على منسوب المياه في النهر، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت».
غير أن «إسرائيل» تمكنت، خلال السنوات الأخيرة، من تحقيق تقدم هائل في إدارة المياه، مكنها من أن تحتل المركز الأول على مستوى العالم في كفاءة استخدام المياه، والمركز الرابع بين البلدان ذات اقتصاد المياه الأفضل، بحسب تصنيف Global Water Intelligence، بناءً على عدد من العوامل، من بينها مستوى البنية التحتية، والبحوث التي أُجريت.
إدارة الأزمة
البداية كانت مع «تحلية مياه البحر». ففي أغسطس/آب عام 2000، وافقت حكومة إيهود باراك على إنشاء أول محطة في الساحل الجنوبي لتحلية مياه البحر، لتوفير 50 مليون متر من المياه سنويًا. وحتى عام 2015، تمكنت «تل أبيب» من بناء 5 محطات لتحلية مياه البحر في مناطق «أشكلون»، و«بالماشيم»، و«الخضيرة»، و«سوريك»، و«أشدود»، بسعة إنتاج تخطت 580 مليون متر مكعب من المياه. وبالطبع لم يخلُ تاريخ هذه المحطات من مخالفات وانتهاكات.
وتحتل محطة «سوريك» المركز الرابع عالميًا في قائمة محطات تحلية المياه الأكبر في العالم، بسعة 624 ألف متر مكعب يوميًا، ولا يسبقها سوى 3 محطات تقع في السعودية والإمارات.
وفي عام 2019، أُعلن عن تأسيس المحطة السادسة في منطقة «سوريك» أيضًا، وفي عام 2020، تم طرح عطاء لبناء المحطة السابعة. ومن المتوقع أن تُغطي المنشآت المائية السبعة 85% -على الأقل- من استهلاك المياه السنوي في المناطق الواقعة فيها.
وحول تكلفة هذه التقنية، تقول «تل أبيب» إن التقدم التكنولوجي الهائل ومنافسة السوق أسهما في خفض تكاليف الأمر، وإذا ما قارننا التداعيات الاقتصادية لجفاف الأراضي الزراعية، بتكلفة تحويل المياه المالحة إلى مياه صالحة للشرب، فالنتيجة، بالطبع، ستكون لصالح الخيار الأخير. وقد بلغت قيمة المتر المكعب من المياه، في المناقصة الخاصة بمحطة سوريك الثانية قرابة 1.5 شيكل، أي ما يقل عن دولار واحد.
كذلك اتجهت «إسرائيل» إلى «إعادة تدوير المياه»، وتحديدًا مياه الصرف الصحي، ليكون معدل التدوير فيها الأعلى بين كافة بلدان العالم، بحسب الإحصائيات الرسمية.
يُستخدم الجزء الأكبر من كميات المياه المُعاد تدويرها في الزراعة كمصدر بديل عن المياه العذبة، وقرابة 10% منها تستعين به الحكومة في أغراض إطفاء الحرائق، وأحيانًا في زيادة درجة تدفق الأنهار، ويتم التخلص من 5% فقط في البحر.
وفي بداية انطلاق مشروعات إعادة تدوير المياه في الدولة العبرية، أنفقت «إسرائيل» ما يزيد على 750 مليون دولار، حتى باتت الآن تمتلك 67 منشأة لمعالجة المياه، من بينها محطة «شفدان»، التي صنّفتها الأمم المتحدة بأنها محطة نموذجية، وفقًا لما نقلته مؤسسة Fluence Corps الأمريكية. وحتى عام 2010، تخطت كميات المياه التي يتم معالجتها في «إسرائيل» سنويًا قرابة 400 مليون متر مكعب، أي 80% من مياه الصرف المنزلي آنذاك.
خطط مستقبلية
نعود إلى حديث «بريغر»، المسئول الإسرائيلي الذي يفتخر بقدرات بلاده في مواجهة الأزمة، إذ يؤكد أن أزمة المياه في العالم تكمن في الإدارة، وليس التكنولوجيا.
المنسق الإسرائيلي كشف عن نسب مصادر المياه التي ستعتمد عليها «إسرائيل» بحلول عام 2050، والتي ستحتل فيها مياه البحر المُحلاة نسبة 40% من المياه في الدولة العبرية، فيما ستُمثل المياه الآتية من الموارد الطبيعية نسبة 28.5%، وستكون نسبة مياه الصرف الصحي المعاد استخدامها نحو 26%، فيما ستتوزع النسبة المتبقية على المياه قليلة الملوحة، والمياه المُحلاة قليلة الملوحة.
ومن ثَمَّ، نجد أن «إسرائيل» كدولة احتلال، استولت على مصادر المياه الخاصة بسكان الأرض الأصليين، وموارد مياه الدول المجاورة. ففعليًا، تحصل الدولة اليهودية على كميات من موارد المياه الطبيعية أكبر من تلك التي تصل إلى سكان المملكة الأردنية والأراضي الفلسطينية، في الوقت الذي يرى البعض أنها ليست في حاجة لكل هذه الكميات.
وعندما نُلقي نظرة على كيفية تفاعل الدول العربية مع هذا السلوك الإسرائيلي، نجد أنها لم تسعَ إلى المواجهة بل إلى التعاون والاستفادة من التجربة الإسرائيلية. ففي العاشر من يناير/كانون الثاني 2021، نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية تفاصيل اتفاق مرتقب بين شركة «ميكوروت» الإسرائيلية وحكومة البحرين، لإمداد الأخيرة بتكنولوجيا تحلية مياه البحر. وكذلك الحال بالنسبة لدولة الإمارات، إذ زار رئيس شركة المياه الوطنية الإسرائيلية «إيلي كوهين» مدينة دبي، لإجراء مفاوضات بشأن المشروعات المستقبلية في مجال تكنولوجيا المياه.
أمّا التعاون بين «إسرائيل» من ناحية والأردن والسلطة الفلسطينية من ناحية أخرى، فلم يسِر بالسلاسة ذاتها، فمشروع «قناة البحرين» الذي اتفق عليه الأطراف الثلاثة عام 2013 لتحلية المياه، وإنشاء قناة تربط بين البحرين الأحمر والميت، لمواجهة الأخطار التي يعانيها الأخير، تعطل لأسباب مختلفة. وتعثرت مفاوضات المشروع حتى توقفت تمامًا، بعد أن أطلقت القوات الإسرائيلية الرصاص على اثنين من مواطني المملكة، في يوليو/تموز عام 2017، بالقرب من سفارة «تل أبيب» في عمّان، ولم تنجح جهود إعادة المفاوضات بسبب الأزمات الدبلوماسية بين المملكة والدولة العبرية.