عبقري ومُهرج وشرير: كيف صورت السينما المصرية الطبيب النفسي؟
في عام 1960 قدم «ألفريد هيتشكوك» عمله الأيقوني PSYCHO، الذي يحكي قصة سكرتيرة هاربة تجد نفسها في فندق مهجور يديره شاب مُضطرب وتتصاعد الأحداث حتى تؤدي لمصرعها، نجح «هيتشكوك» في تقديم حبكة مُحكمة شديدة الغموض لدرجة جعلت المُتلقين مُتشبثين بمقاعدهم من فرط الإثارة والنشوة، كان الحل الوحيد الذي لجأ له المخرج لتقديم نهاية تشبع تلك التوقعات وتويست ينال الخلود السينمائي هي اللجوء لتشخيصات الطب النفسي.
في المشهد الأخير يظهر الطبيب النفسي الأنيق بصوت ملؤه الثقة والحكمة ليُفسر لنا أن البطل «نورمان بيتس» تعرض لصدمة رؤية أمه مع عشيقها، فقتلهما معًا، ثم أصابه «اضطراب تعدد الشخصية» فتبنى شخصية أمه جوار شخصيته بينما احتفظ بجثة الأم مُحنطة ليُدير معها حواراته المريضة.
منح هذا التويست الحكاية خلودها السينمائي وجعل الفيلم مُستعادًا حتى اليوم باعتباره إحدى أيقونات الرعب والإثارة، كذلك فتح الفيلم الباب على مصراعيه للسينمائيين للتوسع في توظيف الطب النفسي باعتباره منجمًا عامرًا بالحبكات والقصص التي يُمكنها أن تقدم خدماتها بدوام كامل للسينما.
لكن كيف يُمكن أن نرى PSYCHO من منظور الطب النفسي؟
في كتابه «السينما وعلم النفس» يرى «سكيب يونج» أن سايكو عظيم سينمائيًا لكن يصعب قبوله نفسيًا، فالاضطراب المؤسس للحكاية يُسميه علماء النفس «اضطراب الهوية الانشقاقي» وليس تعدد الشخصية، وفيه تتشظى شخصية المريض بتبني شخصيات جديدة لا شخصيات يألفها، فلا يمكن للبطل أن يتبنى شخصية أمه لأنه يعرفها، وحتى لو حدث ذلك لا يُمكن أن يُدار حوار بينهما فميكانيزم المرض يدور حول الانفصال التام بين الشخصيات وليس وصال بعضها بالمحاورة، وحتى لو تقبلنا كل ما سبق فمرضى هذا الاضطراب ليسوا ذهانيين كفاية لتصديق أن جثة محنطة تتحدث أمامهم.
يصعب مُقارنة عدد المُهتمين باضطراب الهوية الانشقاقي نسبة للملايين الذين شاهدوا فيلم سايكو وانطبعت في مخيلتهم سمات المريض بالاضطرابات والفُصام، يذكر «يونج» أنه في قاعات التدريس ما إن يبدأ الحديث عن الفصام واضطرابات الهوية حتى تنهال عليه الأسئلة حول القتلة المتسلسلين الذين ينظرون لضحاياهم نظرة نورمان بيتس المروعة.
كل مرض نفسي له مرضاه وله علاجه لكنه كذلك له الحكاية السينمائية الخاصة به، يُعد الطب النفسي مُمارسة علاجية خلف أبواب مغلقة في إطار من السرية والرعاية، منظومة شديدة السرية نسبة لطبيعة أمراضه ومرضاه، يُشبه طقوس الاعتراف الكاثوليكية التي يصعب على المعترف أو أب الاعتراف مشاركة تفاصيلها على الملأ وتلك الميزة واجبة أخلاقيًا كما أنها تُشجع بوجودها المرضى على طلب العلاج دون خجل من الافتضاح، لكن الميزة ذاتها سمحت لعالم الأصحاء، للبشر العاديين خارج مدارات المؤسسات النفسية بقطبيها المرضى والأطباء أن يكونوا تصوراتهم الخاصة حول ما يحدث بالداخل، ونسبة لتاريخ المرض النفسي المُثقل بخرافات مثل القوى الخارقة والمس الشيطاني، حوصرت حقيقة المرض النفسي منذ البداية بأساطيره.
ولدت السينما في نفس الفترة الزمنية التي ولد فيها الطب النفسي الحديث لكنها مثلت منظومة نقيضة لسرية العلاج النفسي، منظومة قائمة على الذيوع والجماهيرية والإمتاع، وجد السينمائيون في تلك المؤسسة النفسية التي يكتنفها الغموض والأساطير منبعًا لحبكات لا تنتهي، لا يخضع فيها المرض والطب النفسي لحقيقة الواقع إنما لمنطق الحبكة وما تتطلبه، باختصار يمكن للطب النفسي أن ينبذ «نورمان بيتس» وينعت حبكة هيتشكوك بالضلال العلمي، لكن في النهاية يصعب أن ينكر أحد أن السينما منحت نورمان بيتس وفيلم سايكو خلود يجاوز قواعد الطب النفسي. وسيتم تذكره أضعاف ما يمكن تذكر تشخيص طبي جاف في دورية علمية.
اعتمدت السينما المصرية كغيرها على الطب والمرض النفسي في إثراء التيمات خاصتها، وتأثرت أفلام مصرية كثيرة بهوليوود مثل «المنزل رقم 13» سنة 1952، الذي لُقب مخرجه «كمال الشيخ» بهيتشكوك مصر، وأفلام أخرى خضعت لكوميديا زمنها مثل التوظيف الساخر لعالم المصحة النفسية في فيلم «إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين» 1958.
يُمكن تلخيص صورة الطبيب النفسي في السينما المصرية في تصنيفات رئيسية، تم عبرها تقديم تحف سينمائية كثير منها حي حتى الآن، كذلك تم عبرها تمرير صور نمطية أضرت بمنظومة الطب النفسي الحقيقية وأحاطت المرضى النفسيين بسياج من عُزلة يحتاج عبوره إلى مُجاوزة حقول ألغام من الخوف والوصم والمفاهيم الخاطئة، إليكم بعض تلك التصنيفات.
طبيب هيتشكوك في خدمة الحبكة
في دراسة نفسية بعنوان «صورة الطبيب النفسي في السينما المصرية» وجدت الباحثة «نرمين إبراهيم» أن الجلسات الفردية التي تعتمد على التداعي الحر والمُحاورة بين الطبيب والمريض هي أكثر الصور شيوعًا للعلاج النفسي في الأفلام المصرية مُقارنة بالأدوية والاختبارات النفسية وظهر ذلك في أفلام مثل «بئر الحرمان» و«أين عقلي» وصولًا لـ«كدة رضا» و«عصابة الدكتور عمر».
تخدم الجلسات الفردية الحبكة السينمائية لأنها في السينما ليست نمط علاج بل حيلة من المؤلف لاستنطاق دواخل الشخصية من خلال كسر حصونها وسردياتها عن نفسها، في مشهد واحد من خلال طبيب حاذق يُهاجم بعباراته عصب حساس، تتداعى حقائق الشخصية أمامنا، وغالبًا ما تنتهي الجلسة مع الشخوص الدرامية لحالة من الـCatharsis التطهير، تفصح الشخصية عن مكنونها وما حركها طوال الوقت.
عبر مشهد مكثف مع الطبيب النفسي يُعفى المؤلف من هندسة مواقف درامية عميقة تكشف مكنون الشخصية، فيقدم جوهر كتابته في صورة تشخيص طبي مُباشر يشبه تشخيص الطبيب الرتيب في سايكو الذي فض به غموض حبكة مُعقدة.
في هذا النمط أطباء النفس السينمائيين بارعين وأذكياء ومُستدعين بعناية ضمن حيلة درامية لا تسمح لهم بأن يكونوا عاديين، لكن هذا النمط قولب الطبيب النفسي الحقيقي فيما هو أكثر بكثير من قدراته، كثير من المرضى الحقيقيين حين يلجأون للجلسات النفسية يجدون طبيبًا عاديًا يصنع مُخططًا للعلاج قد يحتاج إلى أشهر من المُكاشفة والتجريب.
في فيلم «أين عقلي؟» ينجح «رشدي أباظة» في كشف عقدة نفسية مُترسخة في البطل ويمنحها الأبعاد والتشخيص والعلاج في ما لا يجاوز ثماني دقائق، بينما في الواقع يرى الطبيب «راندولف إم نيس» أن الأطباء النفسيين في البداية يٌشبهون مكفوفين يتحسسون فيلًا ضخمًا، أحدهم يتحسس قدمه ويصفه بجسم إسطواني وأحدهم يتحسس خرطومه ويصفه كما يصف الثعبان وهكذا، في النهاية الطب النفسي لا يتعامل سوى مع أعراض مثل الفوبيا والقلق وغيرهما، يحاول ترويضها وعلاجها أما سبر أغوار وجذور تلك الأعراض فيحتاج إلى مهارات وقدرات ومدى زمني يُجاوز توقعات كثير من المرضى.
تلك المراوحة الصعبة بين الطب النفسي الساحر سينمائيًا والمثابر في محدوديته واقعيًا، تسبب صدمة لكثير من المرضى وتجعلهم مُحبطين كفاية للتوقف عن العلاج، في النهاية الطبيب السينمائي يخدم الحبكة بما لا يقاس ويجعلها يسيرة، لكنه يرفع التوقعات في الواقع ويجعله أصعب.
الطبيب الكوميدي، منطق العدوى
يُخبرنا الفيلسوف «ميشال فوكو» أنه في عصر النهضة كان الناس ينظرون للمريض النفسي أو من يُنعت بالجنون أنه مُختلف وحسب، ولكن بالوصول للقرن الـ17 تغيرت تلك النظرة وصار الجنون يُرادف الجذام، وعليه تم إنشاء المصحات لاحتواء المضطربين نفسيًا وعزلهم عن الأصحاء، رغم تطور الطب وأنسنته عن تلك المرحلة القاسية فإن كثيرًا من جذور تلك النظرة ما زال حاضرًا في تعامل الأصحاء مع المريض النفسي. وتمتد تلك النظرة للطبيب ذاته، فلو كان المجنون يشبه المجذوم فالتعامل معه ينقل العدوى ولذا في النهاية يتحول الطبيب النفسي لكثرة تعاطيه مع المرض النفسي لنسخة مشوهة عالقة في وسط بين الأصحاء والمرضى، له سمت مُهرج مثير للضحك بتنقله المفاجئ بين حالة الحكمة وحالة الجنون.
في فيلم «إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين» تنبع الكوميديا من تضاد حالة الشخص الصحيح لدى دخوله العنبر مع المرضى، حتى يهزموه بمنطقهم ويضطر لمُجاراتهم، يٌشكل المرض النفسي هنا وحش سيريالي مُحتجز في مؤسسة عقابية، يكون جزءًا من جحيم البطل هو المرور به وانتقال جرثومة الجنون إليه، بينما في فيلم «مطاردة غرامية» تظهر الحالة الكاريكاتورية للطبيب النفسي في صورة «عبد المنعم مدبولي» وهو يُعالج مرضاه بطرق مثيرة للضحك.
في دراسة الباحثة «نرمين إبراهيم» السابق ذكرها وجدنا أن التقديم السينمائي للطبيب والمريض النفسي يختلف في سماته الإيجابية تبعًا لعوامل شتى، لكن بالنسبة للسمات السلبية فالسمة السلبية الأبرز والمتعلقة بالطرفين معًا، الطبيب والمريض النفسي، هي تقديمهما في صورة شخصيات كوميدية مثيرة للسخرية والفكاهة.
تتحول هنا السُخرية لوحش يقتات على طرفي العملية العلاجية، فلو خاف المريض أن يجعله مرضه مثار سُخرية، فالسخرية الأعظم هي اللجوء لمؤسسة علاجية موصومة بالشيء نفسه، في أوقات الكورونا العصيبة كان كثير من المرضى يخافون إعلان مرضهم خشية النبذ، كذلك كان كثير من المُرتابين يخافون من الذهاب للمستشفيات لأنها أكثر الأماكن المُرشحة للعدوى، وكلا القرارين أنتجا المزيد من المرضى.
بقدر ما أسهمت شخصية المريض/الطبيب المثيرة للضحك في تقديم أعمال خفيفة ما زالت محفوظة بالذاكرة بقدر ما رسخت صورة نمطية تؤطر المرض النفسي في قالب من السخرية والتجنب.
الطبيب الشرير، في حضرة الكهرباء
لا يظهر الطبيب النفسي دومًا في صورة الحكيم أو المهرج، كثيرًا ما توظفه الحبكة في صورة الشرير، على عتبة بابه يخلع المرضى حذرهم ويفضون بأسرارهم، حالة شديدة الهشاشة والإغراء لأن يستغلها الشرير، تلك التيمة تحضر باستمرار من أول «المنزل رقم 13» سنة 1952 وحتى «كده رضا» سنة 2007، حيث أطباء يستغلون سلطتهم والأسرار التي تُروى لهم في التلاعب بالمريض وابتزازه لصالحهم. وبقدر ما تُثير تلك النماذج ريبة المرضى الحقيقيين في السلطة العظمى للطبيب كشخص غريب يروون له في جلسة واحدة أدق أسرارهم، إلا أنه النموذج الوحيد المثير للتأمل والفائدة، ففي النهاية يحتاج المريض إلى الدراية الكافية ببروتوكول وشروط العلاج وحدوده وإلا قد يسقط فريسة لطبيب يُدرك جيدًا كيف يتلاعب نفسيًا بمريضه، لكن الأزمة أن التوصيف الشرير لا يتوقف عند سلطة طبيب ممكن فحصها وإخضاعها للبروتوكول الأخلاقي للمهنة بل يصل لتقويض أساليب علاجية لا غنى عنها أحيانًا في الطب النفسي.
في أفلام مثل «الهروب من الخانكة» و«خلي بالك من عقلك» و«أيام الغضب» تحضر المصحة النفسية باعتبارها وسيلة لإيداع الأصحاء والتخلص منهم بتعذيبهم وإفقادهم صوابهم عبر وسائل علاجية أشهرها جلسات الكهرباء.
يروي الطبيب الشهير «أحمد عكاشة» أن جلسات الكهرباء المخيفة التي تصورها الأفلام أسلوب علاج بدائيًا انتهى في بداية الستينيات، أما الجلسات الحالية فتُسمى «تنظيم إيقاع المخ» ويسبقها حقن مهدئة وأكسجين وقوامها تنبيه كهربي لا يُجاوز الثواني لمراكز الاكتئاب أو الفصام بالمخ وخلال 15 دقيقة من انتهاء الجلسة يمارس المريض أنشطته ببساطة، لكن كثيرًا من الآباء يرفضون بشكل قاطع تعريض أبنائهم المرضى للعلاج بتلك الطريقة بسبب الصورة السينمائية المُخيفة المُصاحبة لها.
الطبيب رجل، الهستيريا أنثوية والحكمة ذكورية
في دراسة «صورة الطبيب النفسي في السينما المصرية» التي اعتمدت على ما يقارب 45 فيلمًا سينمائيًا مصريًا يضمون نماذج من الطبيب النفسي، وجدت أن 87.7% من الأطباء النفسيين في تلك الأفلام رجال، كثيرًا ما تحتاج الحبكة السينمائية خلق حالة عاطفية بين الطبيب والمريض مثل فيلم «أرجوك أعطني هذا الدواء»، لكن رغم وجاهة السبب دراميًا فإنه يكشف جذور انحياز لا واع في الثقافة الجمعية يخلع صفات العقلانية والحكمة على الرجل والهيستيريا والعُصاب على المرأة.
يصعب أن يقتنع المتلقي بطبيبة نفسية أنثى، إما أن تكون المريضة أنثى فتروي أمراضها لرجل مما يفتح احتمالات أن تُحبه في النهاية مثل فيلم «حب البنات» الذي انتهى بارتباط الطبيب بمريضته، وإما أن يكون المريض ذكرًا وهنا يصعب أن نرى رجلًا قويًا يفضي بدواخله ويتعرى بضعفه لأنثى لا يعرفها، لا يفعل الرجال ذلك في حضرة إناث يعرفهم بالأساس، رغم ذلك مع بداية الألفية بدأت تظهر أدوار تلفزيونية للطبيبة النفسية مثل مسلسل ملفات سرية 2003 وخاص جدًا 2009 مما يبشر بتآكل تلك القولبة مٌستقبلًا.
الطب النفسي في مواجهة حرية الفن
كثيرًا ما يتعرض الفن للغضب الرقابي والمجتمعي من فئات بعينها لأنها تجد نفسها مُمثلة بصورة سيئة مثل نموذج الطبيب والضابط والمحامي الفاسد، الذي لو خضع له الفن على طول الخط سينتهي بقصة باهتة تقدم تحية مثالية للجميع، لا يهدف المقال لتجميل الطبيب النفسي أو المؤسسة النفسية، فهي مثل كل المؤسسات تحوي من أوجه القصور ما يوازي أوجه الكمال فيها، وكل قالب وصفناه بالنمطية هناك ما يطابقه في الواقع، بالتأكيد يوجد الطبيب الذكي الذي يكتشف عوار مريض في جلسة واحدة والطبيب الذي يتأثر بمرضاه ويتسرب له اضطرابهم والطبيب الشرير الذي يستغل سلطاته ويتلاعب بمرضاه.
الخصوصية الوحيدة هنا التي تتطلب تعاملًا متأنيًا مع نموذج الطب النفسي في السينما هو المرضى، يصعب أن يقاطع مجتمعًا ما فئة الأطباء العضويين أو المحامين أو الشرطة، مهما أدانتهم أعمال فنية، إنما يسهل على المريض النفسي أن يقاطع مؤسسة العلاج الوحيدة التي يُمكن أن تخرجه من سجن مرضه خوفًا من الوصم أو الاستغلال أو أن يسلم نفسه لمنظومة شريرة.
طبيعة التكتم التي تحيط الطب النفسي وميراث الأساطير والنبذ المتعلق بالمرض النفسي يجعل الفن معينًا مثاليًا وأوحد أحيانًا لاختلاس النظر وتكوين انطباعات جادة عن تلك المؤسسة دون دفع ثمن الاقتراب الفعلي منها، سواء من يختلس النظر هم المرضى أو الأصحاء، عندها يكون الجميع رهين حبكة قد تنصف تلك المؤسسة أو توظفها دون رحمة لصالحها.
في عالم 2014 قدم مروان حامد فيلم «الفيل الأزرق» الذي صاغ فيه مؤلفه «أحمد مراد» مُجاورة واضحة بين الطب النفسي كمؤسسة علاجية والخُرافة كواقع شيق تفرضه الحبكة، لينسل الطبيب «يحيى» من معطفه الأبيض لعالم مؤسس بالكامل على الجن والأساطير، ويصنع نجاته ونجاة شخوص حكايته لا بخبرته النفسية، بل بذكائه في فك أحاجي عالم الأساطير، يكشف الفيلم قدر التلازم الدائم بين عالم الطب النفسي والخرافة. تلازم نهلت السينما عبره لسنوات قصصها حتى صارت بوابة تعريف العالمين.
قد تخرج من فيلم وقد صار المريض النفسي مؤنسنًا كفاية للتعاطف معه وفهم جدوى العلاج النفسي، وقد تخرج من آخر وأنت تسأل، هل كل المرضى النفسيين يدفنون أمهاتهم في القبو مثل نورمان بيتس؟ هل للخرافة قوانين تنحسر أمامها جدوى الخبرة العلاجية مثلما حدث في الفيل الأزرق؟ في حرب سرية يخوضها مريض نفسي لا نعرفه مع القلق والوصم والنبذ، يُمكن للسينما أن تمنحه صوتًا أو تسجنه في قالب صمت أخير.