كيف اقتحمت كندا خارطة كرة القدم العالمية؟
هكذا تحدث رئيس الشئون الدولية والتسويقية لنادي بايرن ميونخ الألماني «يورج فيكر»، عن القيمة التسويقية الكبيرة للاعب الفريق الكندي «ألفونسو ديفيز»، والتي أكسبت بايرن ميونخ أرضية مشجعين جديدة في كندا.
كندا التي استقبلت قبل أيام خبر تأهل منتخبها إلى كأس العالم 2022 في قطر للمرة الأولى منذ عام 1986، والثانية تاريخيًّا للبلد الأمريكي الشمالي، وهو خبر للوهلة الأولى سيظهر جديدًا ومُفاجئًا، خاصةً لو علمنا أن كندا تتصدر تصفيات الكونكاكاف أمام منتخبات اعتادت التواجد موندياليًّا مثل كوستاريكا والمكسيك والولايات المتحدة.
صدمة ثقافية
اقتحمت كرة القدم كندا، تمامًا كما يحاول منتخبها اقتحام خارطة كرة القدم العالمية، فالبلد الذي اشتهر تاريخيًّا بالرياضات الجليدية، وجد نفسه أمام تنوع ثقافي وعرقي كبير، نظرًا لكثرة المهاجرين إليه من كل حدب وصوب، ومن هنا بدأت كرة القدم التسلل إلى ثقافة البلاد.
فعندما تتفحَّص تشكيلة المنتخب الكندي ستجد عديدًا من اللاعبين تعود أصولهم إلى دول مختلفة، فعلى سبيل المثال: «ألفونسو ديفيز» و«ريتشي لاريا» تعود أصولهم إلى غانا، بينما ينتمي لاعب الوسط «جوناثان أوسوريو» إلى أصول كولومبية، بالإضافة إلى الحارس «ميلان لورجان» القادم من صربيا، وينحدر القائد «أتيبا هاتشينسون» من أصول تعود إلى تريدنداد وتوباجو، كما نجحت كندا في إقناع الهداف «جوناثان ديفيد» في اللعب لمنتخبها على حساب جارتها الولايات المتحدة.
العامل المشترك بين الدول التي أتى منها أغلب قوام منتخب كندا، أن أغلبها شارك في المونديال طوال فترة غياب البلاد عن فعالياته، كما أنها شاركت في النسخ الأربعة الأخيرة مع اختلاف عدد مرات الحضور المونديالي وتوقيتها بين 2006 و2018.
وعندما تتجمع كل تلك الثقافات العاشقة لكرة القدم مع مدرب يأتي من بلاد تُروِّج بأنها مهد كرة القدم وتمتلك أقوى دوريات اللعبة، متمثلة في المدرب الإنجليزي «جون هيردمان»، سندرك حجم الصدمة الثقافية التي تعرَّض لها منتخب كندا كرويًّا، مما ساهم في تحسن نتائجه سواء بلعب نصف نهائي كأس الكوناكاف الصيف الماضي (2021)، أو بالوصول إلى نهائيات كأس العالم 2022 بقطر.
تعدد نماذج النجاح
عندما تنشأ في بلد مثل كندا لا تهتم كثيرًا لكرة القدم، تُدرِك جيدًا أن غياب الأساطير ومصادر الإلهام في تلك الرياضة، قد لعب دورًا كبيرًا في عدم الاهتمام بها، وأنا هنا أتحدث عن كرة القدم للرجال، لأن كندا على مستوى الكرة النسائية تؤدي بشكل جيد.
خلال العقد الماضي، وقبل ظهور ألفونسو ديفيز، لم يكن هناك لاعب كندي ينشط على مستوى عالٍ باستثناء الظهير «بول ستالتيري»، الذي لعب لأندية من ألمانيا وإنجلترا، أبرزها توتنهام وفيردر بريمن، وربما لو سألت الأطفال في كندا عنه فلن يتذكروه، وفي ظل تواجده في حقبة لم تكن فيها مواقع التواصل الاجتماعي بذات التأثير، فحتى الأطفال في جيله بالكاد سيتعرَّفون عليه.
في الوقت الراهن بات اللاعب الكندي أكثر انتشارًا في أوروبا وعلى مستويات أعلى، حيث سلَّط الكاتب الكندي «جون مولينارو» في مقاله على موقع CBC الضوء على مشاركة أربعة لاعبين كنديين في دوري أبطال أوروبا خلال الموسم الحالي (2021-2022)، وهي سابقة لم تحدث أبدًا في تاريخ الكرة الكندية، حيث يلعب ألفونسو ديفيز مع بايرن ميونخ، وشارك جوناثان ديفيد رفقة ليل، بينما لعب كلٌّ من أتيبا هاتشينسون وكايل لارين بقميص بيشكتاش التركي خلال دور المجموعات.
هو انتشار سيُساهِم بالتأكيد في اهتمام الناشئين باللعبة، وتواجد أكثر من مثال ناجح على الساحة، ليكون خير حافز أمامهم من أجل السير على نفس الخطى.
تكاليف أقل وتأثير أوسع
في عام 2018 نشر موقع تشارلاتان الكندي تقريرًا يشير إلى أنه بحلول عام 2016 كانت رياضة كرة القدم في كندا تحمل 800 ألف مُمارِس مقابل 630 ألف لرياضة الهوكي، وعند النظر إلى الرياضة من منظور آخر، وهو منظور عائلات اللاعبين، وجدوا أن ممارسة كرة القدم تُكلِّف العائلات أقل بكثير مما تُكلِّفه ممارسة الهوكي، على سبيل المثال من حيث المعدات أو التنقل لأماكن ممارسة تلك الرياضة.
فممارسة كرة القدم أسهل بكثير من حيث وفرة الأماكن المتاحة، بالإضافة إلى تنوع البلاد التي تأتي بمهاجرين من كل حدب وصوب ممَّن يعشقون كرة القدم. لذلك اتسعت ممارستها بين شباب الجيل الصاعد، وهذا ما يعكسه القوام الحالي للمنتخب الأول.
كما أن تأثير كرة القدم في التفاعلات المجتمعية أعلى بكثير، حيث أشار نفس المقال إلى ما يحدث في العاصمة أوتاوا من حراك على مستوى انتشار كرة القدم بين الشباب، ونقلت الصحيفة تصريحًا عن أحد طلاب جامعة كارلتون، وهو دائم التردد على الحانة الخاصة بالجامعة لمشاهدة المباريات، حيث قال:
محاكاة التجارب الدولية
للوهلة الأولى قد تظن أن الأمر منوط بحالة استنساخ، وهو ظن يبدو صحيح ظاهريًّا، فكندا لم تكتفِ بمشاركة أنديتها في الدوري الأمريكي، مثل نادي مونتريال أو نادي تورونتو (والذي يستعد لضم نجم الكرة الإيطالية لورينزو إنسيني في الصيف المقبل). ففي عام 2019 قرَّر الاتحاد الكندي إطلاق دوري محترف مُكوَّن من ثمانية أندية، بالإضافة إلى تقليد التجربة الأمريكية في جلب طلاب الجامعة، كما هو مُتبَّع في الدوري الأمريكي لكرة القدم وكرة السلة.
إلى هنا قد تظن أن كندا تستنسخ التجربة الأمريكية بغية التقليد، لكن الأمر بالنسبة لهم مغاير من حيث الغاية، فالهدف من الدوري الكندي هو تطوير الناشئين وإتاحة الفرص لهم من أجل المنافسة بشكل محترف، استعدادًا لتصديرهم إلى أوروبا أو الدوريات الأكثر شعبية في القارة، مثل الدوري الأمريكي أو المكسيكي، حيث العقود أفضل هناك والأعين الأوروبية تراقب هناك بشكل أفضل.
وقد ألزم الاتحاد الكندي الأندية المشاركة في الدوري بإشراك اللاعبين دون الـ 21 عامًا بمجموع دقائق خلال الموسم لا يقل عن 1500 دقيقة لكل لاعب، مما يعكس محاولة الكنديين الاستفادة من تجارب الآخرين، ولكن لتحقيق الأهداف التي رسموها لأنفسهم.
مجرد بداية
نجحت كندا في بلوغ نهائيات مونديال قطر (2022)، لأول مرة منذ عام 1986، ويبدو أن هذا «الإنجاز» هو مجرد ضربة بداية ونقطة انطلاق، حيث تستعد كندا لخوض نهائيات مونديال قطر توازيًا مع الاستعداد لاستضافة المونديال الذي يليه في عام 2026 رفقة الولايات المتحدة والمكسيك، مما يعني أن حملات الترويج لكرة القدم في البلاد لا تزال في طور الإطلاق.
فإذا اقتصر طموح المنتخب الكندي حاليًّا على مجرد المشاركة في كأس العالم، ففي المرحلة المقبلة سيكون طموحه هو مزاحمة الولايات المتحدة والمكسيك على زعامة القارة، والتواجد المستمر في المونديال حتى بعد استضافته.