كيف تستفيد الدول النامية من ارتفاع أسعار الغذاء عالميًا؟
لاتزال العديد من الدول – خاصة الدول النامية – تعاني من أزمة ارتفاع أسعار الغذاء عالميًا، مما يحد من قدراتها على توفير الأمن الغذائي لمجتمعاتها، ويؤثر بشده على سلامة وصحة الأفراد.
فهناك ما يقارب 805 ملايين شخص في العالم ليس لديهم غذاء يكفي لأن يتمتعوا بحياة صحية نشيطة، ويعادل ذلك قرابة واحد من بين تسعة أشخاص على ظهر الأرض، بينما يفضي سوء التغذية إلى حوالي النصف (45 في المائة) من حالات وفيات الأطفال دون سن الخامسة؛ أي 3.1 مليون طفل سنويًا.
وقد سجلت أسعار الغذاء العالمية أعلى مستوى لها منذ عامين بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، وأرجعت الفاو السبب إلى أن أسعار السكر زادت 6.7 بالمئة بسبب الطقس السيئ في البرازيل أكبر منتج ومصدر للسكر في العالم، إلا أن الفاو رفعت توقعاتها لإنتاج الحبوب العالمي في موسم الحالي إلى 2.569 مليار طن، وهو ارتفاع قياسي ويعادل زيادة 1.5 بالمئة عن الموسم السابق.
ومن المتوقع أن يصل إنتاج القمح العالمي إلى 742.4 مليون طن بزيادة طفيفة عن التوقعات السابقة التي كانت 740.7 مليون طن، وأن تصل مخزونات الحبوب العالمية إلى 659.9 مليون طن في موسم 2016-2017.
إن ارتفاع أسعار الغذاء يؤثر بشدة على الموارد البشرية لأي مجتمع، فعندما يعيش مواطن بأقل من دولارين في اليوم فذلك يؤثر بشدة على تغذيته السليمة وبالتالي صحته، فبينما يضحي بكمية وجودة الطعام الذي يحصل عليه في مقابل ما هو متوفر له من نقود، يؤثر ذلك بالتالي على صحة أفراد أسرته، خاصة الأطفال، لذلك فالحكومات والمؤسسات الدولية الكبرى والمتخصصون في مجالات التنمية أوضحوا قلقهم بشدة من ارتفاع أسعار الغذاء عالميًا.
وعلى الجانب الآخر، يرى العديد من الخبراء أن ارتفاع أسعار الغذاء قد يكون له بعد إيجابي على بعض الفئات، وخاصة في الدول النامية التي تعتمد في مصادر دخلها ومواردها على الزراعة وتصدير المنتجات الزراعية، فالمصدران في الدول النامية يفضلون ارتفاع أسعار الغذاء لأن ذلك يعني ارتفاع قيمتها، وبالتالي زيادة حجم الصادرات، مما يعني زيادة حجم الموارد المتاحة للتعليم والصحة والبنية التحتية في الدولة.
كذلك الذين يعيشون في القرى، فقد يكون لهم أيضًا نصيب كبير من الاستفادة من ارتفاع أسعار الغذاء لأنه سيسمح لهم بزيادة الإنتاج أكثر من الاستهلاك، على العكس من الفقراء في المدن الذين تتأثر عدد الوجبات لديهم بارتفاع الأسعار وهم الأكثر حساسية بها، ذلك سيؤدي إلى ازدهار القرى والأرياف ويقلل من حجم العشوائيات، كما سيقلل من حجم الهجرة من الريف إلى المدن.
الفلاحون والمنتجون الزراعيون هم أيضًا مستفيدون من ارتفاع أسعار الغذاء، فذلك من شأنه أن يرفع من دخولهم وأن يصبحوا أكثر إنتاجية، ومع التوسع في خدمات التسليف والائتمان الزراعي والاهتمام بالمعرفة ونقل التكنولوجيا وتطوير اللوجستيات والطرق سيزيد ذلك من أعداد الأراضي المزروعة والمزارع، على الرغم من أن الأسعار لا يتم تحديدها عبر زيادة الإنتاج فقط، ولكن تتدخل فيها عوامل أخرى سياسية واقتصادية.
إن ارتفاع أسعار الغذاء أيضًا من شأنه أن يؤثر على مكانة الدولار الأمريكي كعملة أساسية، فإن زيادة أسعار الغذاء بالدولار الأمريكي لا تعني زيادة الأسعار بالعملة المحلية في الدول النامية، فلم يعد الدولار الأمريكي له نفس المكانة خاصة في أسواق الغذاء كما كان، ولكن عملات الأسواق الناشئة أصبح لديها وزن أيضًا كبير مما سيساهم في إنعاش اقتصادات هذه الدول.
ستظل العديد من الدول النامية تعاني من ارتفاع أسعار الغذاء، خاصة الدول النامية التي تعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجاتها السلعية والغذائية، ولمواجهة ذلك تلجأ بعض الحكومات إلى إجراءات تعتقد أنها تمكنها من السيطرة على الأسعار مثل فرض الضرائب على المصدرين، أو منع تصدير الغذاء، لكن مثل هذه الإجراءات لن يساعد في السيطرة على الأسعار وتستفيد منها الحكومات فقط ولكن المستهلك سيظل يعاني من ارتفاع الأسعار.
أما عن منع تصدير الغذاء فقد يؤدي إلى تقليل أسعار السلع ولكنه سيؤثر على قطاعات التصدير الأخرى.
البنوك المركزية لا تستطيع فعل أي شيء لمواجهة التضخم، فحتى إن رفعت أسعار الفوائد فأسعار الغذاء لن تقل؛ لأن أسعارهم تعتمد على ما يحدث في العالم.
إذًا التحكم في أسعار الغذاء غير مجدٍ؛ لأنه سيتم التعامل مع إجراءات مثل التخزين وتعطيش السوق ونمو السوق السوداء، كلها أنواع من الفساد تحدث في ظل محاولة التحكم في الأسعار.
و هنا تتفاقم مشاكل الفقراء، فأسعار الغذاء تتضاعف وأيضًا يندر وجودها، فماذا على الحكومات أن تفعل؟.
يقول خبراء التنمية إن على الحكومات أن تتحلى بالشجاعة وتجعل السوق يمضي، فالمستهلكون يستطيعون التعامل مع الأسعار واستمرار التصدير سيعود بالنفع على الدولة، لذلك فإن أفضل الطرق لمواجهة ارتفاع الأسعار بالنسبة للدول النامية من خلال برامج تعويض الفقراء التوسع في برامج التغذية المدرسية، وإنشاء مراكز توزيع للسلع بأسعار مخفضة أو بالمجان لغير القادرين و غيرها من الإجراءات التي تعيد بعض التوازن إلى الأسعار.