كيف قاد «دينج شياو بينج» الاقتصاد الصيني لزعامة العالم؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
بعدما أصبح دينج شياو بينج زعيم الحزب الشيوعي الصيني عام 1978، إثر وفاة ماو تسي تونغ قبل ذلك بعامين، أطلق برنامج الإصلاح الذي جعل الصين أخيرًا صاحبة أكبر اقتصاد في العالم فيما يتعلق بقوتها الشرائية لعام 2014، ووصلت العالم الماضي إلى نسبة 18.2% من إجمالي القوة الشرائية العالمية، مقارنة بـ 15.3% للولايات المتحدة.
ماذا حدث؟
كانت نقطة التحول الرئيسية هي الجلسة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني، والتي جرت في ديسمبر/ كانون الأول 1978. على مدى العقود الثلاثة الماضية، تمحور الإنتاج في الصين حول نموذج تخطيط مركزي؛ الزراعة الجماعية في المناطق الريفية والشركات الصناعية الحكومية في المناطق الحضرية. كما حددت الحكومة أسعار السلع والخدمات بدلًا من تركها لسياسة العرض والطلب.اعترف دينج بسوء النتائج التي توصل إليها الاقتصاد المخطط، حيث يعيش أكثر من 60% من السكان في ظل الفقر، لذا أطلق سلسلة من التدابير كفتح الاقتصاد أمام التجارة والاستثمار الخارجي. لخص واقعيته الواضحة بدلًا من النهج الأيديولوجي للتنمية بعبارة «لون القط لا يهم، سواء كان أسود أو أبيض، طالما أنه يصطاد الفئران».بالنسبة لدينج، لم يترك للسوق الحبل على الغارب من أول لحظة، إذ لم تكن نتائج «الانفجار العظيم» الذي حصل في اقتصادات أوروبا الوسطى والشرقية مركزية التخطيط مبشرًا، ودافعًا لسلك الطريق نفسه.بدلاً من ذلك، على حد تعبير باري نوتون، سُمح للاقتصاد الصيني ببساطة بـأن «ينمو خارج الخطة».على سبيل المثال، لم تخصخص الشركات الحكومية منذ البداية، فبدلًا من ذلك سُمح للشركات المملوكة للقطاع الخاص بالظهور بجانب الشركات الحكومية. أعطى هذا خيارات للمستهلكين الصينيين، وأجبرت المنافسة الشركات الحكومية على أن تصبح أكثر استجابة لطلب السوق وكفاءة في ممارساتها الإنتاجية.
تأثير الإصلاحات
كانت نتائج إصلاحات دينج غير مسبوقة تاريخيًّا.تشير أحدث البيانات إلى أن أقل من 1% من سكان الصين يعيشون في ظل الفقر. وعلى الرغم من إنقاذ مئات الملايين من براثن الفقر، بالطبع لا يعني هذا أن كل الصينيين أغنياء، حيث لا يساوي متوسط الدخل سوى حوالي ثلث الدخل في أستراليا مثلًا.ويمكن إسناد أسباب نجاح إصلاحات دينج إلى عاملين رئيسيين. الأول هو منطق السياسة. وأظهر جون ماكميلان وباري نوتون أن القطاع الخاص الذي ظهر حديثًا لعب دورًا حاسمًا في تحسين الكفاءة العامة للاقتصاد الصيني. كان أحد الاعتبارات الرئيسية الأخرى هو أن الصين استفادت من نقطة بدايتها. أفاد جيفري ساكس ووينغ ثاي أنه في عام 1978 كان معظم الصينيين فقراء ويعيشون في المناطق الريفية. مقارنة مع غيرها من الاقتصادات مركزية التخطيط مثل الاتحاد السوفييتي السابق، سهَّل هذا مهمة نقل العمالة من الإنتاج الزراعي منخفض الإنتاجية إلى السلع الصناعية عالية الإنتاجية.إلى أي مدى وصلت الصين إلى اقتصاد السوق؟ يعتمد هذا على المعيار والجزء المركز عليه في الاقتصاد الصيني.أشار ميكسين بي، الأستاذ بكلية كليرمونت ماكينا في الولايات المتحدة، الشهر الماضي إلى قطاع الدولة في الصين كدليل على تباطؤ نموها الاقتصادي. وكتب أن اقتصاد الصين «لم يكن قريبًا من كفاءة اقتصاد الولايات المتحدة». و «السبب الرئيسي وراء ذلك هو النفوذ المستمر للشركات الصينية الحكومية، والتي تستهلك نصف إجمالي الائتمان المصرفي في البلاد، لكنها تساهم بنسبة 20% فقط من القيمة المضافة والعمالة».مع ذلك وربما عن غير قصد، يقدم بي ملاحظة مهمة، قد تمثل الشركات الحكومية خُمس الناتج والوظائف الصينية ذات القيمة المضافة، لكن هذا يعني أن أربعة أخماسها تأتي الآن من القطاع الخاص لدينج.
الصلة المعاصرة
خلص العمل الدقيق الذي قام به نيكولاس لاردي في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي إلى أنه بحلول عام 2011، استخدم القطاع العام في الصين – بما في ذلك الشركات الحكومية – 11% فقط من القوة العاملة الصينية. على سبيل المقارنة، في عام 2013 استخدم القطاع العام في أستراليا نسبة 18.4% من إجمالي العمالة. بعبارة أخرى – على المستوى الكلي وفيما يتعلق بالتوظيف – فإن القطاع الخاص أكثر بروزًا في الصين منه في أستراليا.وجدت دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2010 أن 87% من القطاعات الصناعية الصينية البالغ عددها 523 كانت ذات قدرة تنافسية عالية، لاحظوا هذا مقارنة بالمعايير الدولية، بما فيها الولايات المتحدة. وكان المعلقون مثل مينكسين بي محقين في أن الشركات الحكومية الصينية تستفيد من دعم السياسات الحكومية، مثل القروض ذات الفوائد المنخفضة من البنوك الحكومية. لكن تشير البيانات إلى أن القطاع الخاص في الصين على قدر كبير من المنافسة، بمعنى أنه على الرغم من هذه السياسات التمييزية، استمر القطاع ككل في الازدهار.في وثيقة مؤتمر البنك الاحتياطي الأسترالي لعام 2016، أبرز نيكولاس لاردي تفوق الشركات الصناعية الصينية الخاصة على الشركات الحكومية بفارق كبير، من حيث نمو الإنتاج والربحية والمديونية. ويعني الدور البارز والحيوي الذي يلعبه القطاع الخاص في الصين اليوم أن نموه الاقتصادي قد يكون أكثر استدامة من تصور بعض منتقديه، لكن تباطأت وتيرة الإصلاح الاقتصادي في ظل الزعيم الصيني الحالي شى جين بينج، الذي تولى السلطة في عام 2012.وعلى نحو مثير للجدل يعود التباطؤ إلى أبعد من ذلك. على سبيل المثال، بشأن إخضاع الشركات الصينية للمنافسة المتزايدة من الشركات الأجنبية، بلغ متوسط التعريفة المرجحة للتجارة في الصين في عام 2000 نسبة 14.7%. وبعد دخول منظمة التجارة العالمية عام 2001، انخفضت بشكل كبير إلى 4.7% بحلول عام 2005، ومنذ ذلك الحين لم يُحرز أي تقدم. كانت النسبة أعلى عند 5.2% في عام 2016.على نحو مماثل، بعد أربعة عقود من بدء دينج في السماح بالاستثمار الأجنبي في قطاع الإنتاج، ظلت أجزاء أخرى من الاقتصاد الصيني – لا سيما ما يطلق عليه «المواقع القيادية» للاقتصاد مثل الطاقة والاتصالات والتمويل – مقيدة أو متوقفة تمامًا. عمومًا، تعتبر الصين أقل انفتاحًا على الاستثمار الأجنبي من الدول ذات الدخل المرتفع والعديد من الأسواق الناشئة أيضًا.هذا الافتقار إلى المعاملة بالمثل مسئول جزئيًّا على الأقل عن الكثير من انتقادات المجتمع الدولي لاقتصاد الصين اليوم. كتب جيسون يونغ – مدير مركز نيوزيلندا المعاصر للبحوث في الصين – الأسبوع الماضي أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين حاليًّا هي «نزاع على أي نماذج الاقتصاد السياسي تعتبر عادلة، وأي سياسة اقتصادية أكثر مشروعية في الاقتصاد العالمي المتكامل اليوم».خلال العقد الماضي نتج ما يقرب من ثلث النمو الاقتصادي العالمي من الصين. وتصدرت دول مثل أستراليا المستفيدين، حيث اشترت منها الصين بـ 116 مليار دولار العام الماضي. سيكون النمو الاقتصادي للصين – وبالتالي النمو العالمي – أكثر ثباتًا إذا استُعيد تراث دينج الإصلاحي من مجموعة القادة الحاليين في الصين، ومجرد الإعلان عن خفض التعريفات و أبواب جديدة للاستثمار الأجنبي هي خطوات في هذا الاتجاه.