بيزنيس وغسيل سمعة: كيف تستغل الدول اللاجئين؟
ترتفع أسهم اليمين المتطرف في أوروبا كلما تحدث عن ضرورة الحد من قبول اللاجئين، وأحيانًا منعهم تمامًا. اليمين الأوروبي يُحمل اللاجئين، أو المهاجرين، ذنب قلة فرص العمل وازدياد العبء على برامج الرعاية الاجتماعية. لكن على الجهة الأخرى نرى العديد من الدول الأفريقية، غالبًا، ما تفتح أذرعها لاستقبال اللاجئين والترحيب بهم. رغم أن الدول الأفريقية تعاني من أزماتها الخاصة المتعلقة بالفقر وصعوبة توفير الحياة الآدمية لمواطنيها الأصليين.
وبعد سيطرة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان، بادرت دول مثل أوغندا والسودان بإعلان استعدادهما لاستضافة اللاجئين الفارين من حكم طالبان، بينما لم تتطرق غالبية الدول الأوروبية لهذه النقطة. وحتى الولايات المتحدة الأمريكية التي تسببت في صنع أزمة أفغانستان على مدار عشرين عامًا من الحرب الطاحنة أعلنت أن اللاجئين الذين سوف تستقبلهم سيقيمون في أوغندا والسودان وبعض من الدول الأفريقية لعدة أشهر ريثما تنتهي الإجراءات الإدارية المتعلقة باستضافتهم على الأراضي الأمريكية.
بالتأكيد لا يمكن القول إن التاريخ المشترك أو الإنسانية هما الدافع وراء استقبال الدول لأعداد ضخمة من أبناء دول أخرى، لابد أن في الكواليس أسبابًا أخرى، سياسية واقتصادية وتجارية أحيانًا.
فمثلًا أوغندا تمتلك ثامن أكبر مخيم لاجئين في العالم، وبها أقدم مخيم لاجئين في أفريقيا بالكامل، وتاريخها في استضافة اللاجئين يمتد إلى الحرب العالمية الثانية حيث استضافت البولنديين الفارين من النازية الألمانية. مخيّم ناكيفال المنشأ عام 1958 استضاف على مدار سنوات عمله أكثر من 80 ألف لاجئ سوداني. كما يستضيف لاجئين من بورندي والصومال وإثيوبيا وإرتيريا. وكان لأوغندا قصب السبق في استقبال أوائل اللاجئين الأفغان، 51 لاجئًا، ومن المخطط أن تستضيف أوغندا قرابة 2000 لاجئ أفغاني.
أوغندا أكبر مخيم أفريقي
البيانات الرسمية الأوغندية تقول إنها تستقبل اللاجئين مدفوعةً بالشعور بالوحدة والتضامن بين الأفارقة. وتُدلل أوغندا على ذلك بأنها لا تحبس اللاجئين في مخيمات للاجئين، بل تدمجهم في البلد بأوراق قانونية رسمية وتمنحهم حرية الحركة كيفما شاؤوا. لكن يبقى الشك أمرًا منطقيًا حين ننظر إلى سجل النظام الأوغندي المليء باتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، خصوصًا في ظل وجود يوري مسوفني، الرئيس الأوغندي الذي يحكم منذ 35 عامًا، كما شهدت انتخابات الرئاسة في بداية 2021 قمعًا شرسًا للمعارضة.
فيمكن هنا القول بأن النظام الأوغندي يستخدم سياسة الصدر المفتوح أمام اللاجئين من أجل تلميع صورته دوليًا. كما تطرح أوغندا مسألة اللاجئين واستضافتهم كلما حاولت الولايات المتحدة التضييق على مسئولي الحكومة بتهم انتهاكات حقوق الإنسان. ويضيف لنا النموذج الأوغندي سببًا ثالثًا لاستضافة اللاجئين وهو الاستفادة من الدعم المالي الضخم الذي تقدمه الدول الغربية لنظيرتها الأفريقية مقابل تحملها عبء إقامة اللاجئين.
وفي حالة اللاجئين الأفغان مثلًا تتكفل الولايات المتحدة بمصاريف إقامتهم كاملة، ريثما تنتهي إجراءات نقلهم. فقد حصلت أوغندا عام 2021 على قرابة 34 مليون يورو دعمًا لجهودها في استضافة اللاجئين، وحصلت عام 2020 على 24 مليون يورو. في مقابل تلك الأموال قبلت أوغندا أن تكون بمثابة مخيم كبير ومفتوح للاجئين. فحين ضاقت إسرائيل بالآلاف من طالبي اللجوء الإرتريين والسودانيين، نقلتهم لأوغندا ثم رواندا.
رواندا هي الأخرى تشارك أوغندا سياستها المفتوحة أمام اللاجئين، فقد رحّلت الأمم المتحدة لاجئين أفارقة من ليبيا إليها. وحين أقرت الدنمارك تشريعًا لطرد المهاجرين لدولة وسيطة دون إعادتهم لبلادهم الأصلية اختارت رواندا، فباتت رواندا تستضيف قرابة 150 ألف لاجئ حاليًا.
نموذج رواندا يكشف لنا عن استغلال جديد ومبتكر للاجئين، بجانب الحصول على الدعم المالي واستخدامهم للضغط على المجتمع الدولي وتلميع صورة النظام الديكتاتوري، فرواندا تلاحقها اتهامات عن أنها تُجند اللاجئين المقيمين عندها من أجل إعادتهم لبلادهم وقلب نظام الحكم هناك، مثل ما فعلته مع اللاجئين البورنديين، فكشفت رواندا للعالم إمكانية الاستغلال السياسي للاجئين.
السودان كذلك يستضيف قرابة 100 ألف لاجئ يحاول من خلالهم الهروب من خانة الدول الداعمة للإرهاب التي حُصر فيها طوال فترة حكم الرئيس الأسبق عمر البشير. أما صوماليلاند، المنطقة التي أعلنت استقلالها من جانب واحد وأعلنت الحكم الذاتي دون أن تحصل على اعتراف من أي جهة دولية، فإنها أعلنت رغبتها في استضافة لاجئين أفغان في محاولة منها لانتزاع الاعتراف العالمي بوجودها وبأنها كيان له سيادة.
ألمانيا المستفيد الأكبر
استفادة الدول الفقيرة من اللاجئين والمهاجرين لا يعني أنهم عبء على الدول الغنية تدفع من أجل التخلص منه، بل أن أبحاث صندوق النقد الدولي تؤكد أن الناتج المحلي في الدول المتقدمة يزداد بدمج اللاجئين والمهاجرين في مجتمعها، وأن الأعداد التي تستقبلها الدول المتقدمة من اللاجئين تساعد في تعويض نقص العمالة الناتج عن أسباب محلية.
وتعتبر ألمانيا من أبرز الدول التي استفادت من اللاجئين، واستطاعت دمج عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في سوق العمل المحلي. وقدمت لهم دورات تدريبية لتأهيلهم لأعمال محددة يحتاجها المجتمع الألماني، خصوصًا الأعمال المهنية واليدوية. فوفق تصريحات غرفة التجارة في هامبورج، فإن الشباب الألماني قد عزف عن تلك المهن اليدوية والتي تحتاج لمجهود بدني متوسط أو عالٍ.
كما أن ألمانيا تعتمد على استقبال اللاجئين في الفئة العمرية من 15 إلى 25 عامًا من أجل تجديد دماء البلد، خصوصًا مع الانخفاض المستمر في أعداد السكان الألمان الأصليين. تلك الفئة التي تخضع لدورات تدريبية صارمة تنتظرهم وظائف كبيرة، حيث وصل عدد الوظائف الشاغرة في ألمانيا لأكبر نسبة منذ 20 عامًا مضت.
وتحاول ألمانيا الاستفادة من الأيدي العاملة التي يوفرها لها اللاجئون إلى درجة أنها سنّت قانون 3+2. وفق ذلك القانون لا يخشى صاحب طلب اللجوء المرفوض من الترحيل، بل يمكنه البقاء في ألمانيا رغم طلب لجوئه المرفوض، لينضم في دورات تدريبية لـ 3 سنوات ثم يعمل لمدة عامين، وبعدها يمكنه إعادة تقديم طلب جديد للجوء ويتم قبوله ورفضه حسب سجله في عمله والدورات طوال السنوات الخمس.
ورقة ضغط ودعارة
الدول الكبرى الأخرى التي تستقبل أعدادًا ضخمة من اللاجئين هي تركيا، لكن تركيا تعرف كيف تستغل لاجئيها. ففي عام 2016 وقّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاق إعادة القبول مع دول الاتحاد الأوروبي. يقضي الاتفاق على أن تحسن تركيا ظروف استقبال اللاجئين فيها ما سيؤدي إلى قلة فرارهم من تركيا لباقي دول الاتحاد، وفي المقابل تحصل تركيا على دعم بقيمة 6 مليارات يورو.
استفادت الدول الأوروبية أول الأمر من الاتفاق لأن أعداد المتدفقين عليها قلت بشكل ملحوظ، لكنها لاحقًا اكتشفت أنها وقعت في فخ تركيا. فاللاجئون هم ورقة الضغط الرابحة في يد أردوغان يلوح بها للأوروبيين كلما تحدثوا عن الوجود التركي في سوريا. وصرّح أردوغان أكثر من مرة مؤكدًا أنه في حال قامت أوروبا بالاعتراض على ما تفعله تركيا في سوريا خاصةً فإن بوابات اللاجئين سوف تُفتح إلى أوروبا.
رغم الغضب الأوروبي من تصريحات أردوغان وتلويحه المتكرر باللاجئين، فإن أوروبا غالبًا ما تخفف الضغط وتغض الطرف عما لا يعجبها من الرئيس التركي.
أمّا اليونان فكشفت تقارير أعدتها جامعة هارفرد أن استغلال اللاجئين فيها أخذى منحنًى مختلفًا تمامًا، شبكات الدعارة. ففي اليونان يتم وضع القصر والأطفال في أجنحة خاصة بهم منفصلة عن الكبار، وأفادت التقارير أن الحراسة على أقسام الأطفال ليست مشددة بشكل كبير، ما يمكنهم من الهروب بأنفسهم أو تهريبهم عبر آخرين. ولدفع مقابل عمليات التهريب أو تحسين ظروفهم يضطر الأطفال إلى الرضوخ لشبكات دعارة مقابل 15 يورو للطفل. فيجد الطفل، الذي لا يزال مترنحًا من آثار كرب ما بعد الصدمة الذي صعقته به الحرب والتهجير، نفسه وقد صار في شبكة لا ترحم للدعارة والاستغلال الجنسي.
إذن فالأخوة في الإنسانية والمسئولية العالمية تجاه الأزمات الدولية أو التوزيع العادل للاجئين وغيرها من المصطلحات التي تصوغها الأمم المتحدة أو مفوضية اللاجئين غالبًا ما تكون شعارات برّاقة للاستهلاك الإعلامي فحسب، أمّا الدول التي تفتح أبوابها للاجئين فهي تعرف جيدًا ما الذي سوف تستفيده من هؤلاء البشر الغرباء الذي جاءوا بلا أموال للاستثمار أو مهارات استثنائية وأحيانًا بلا أوراق ثبوتية.