كيف يمكن زيادة مشاركة المرأة في المجالس المحلية؟
تعتبر المجالس المحلية من أهم أدوات الديمقراطية، وخصوصًا من الناحية اللامركزية، حيث يتفق الفقه الحديث على تعريف اللامركزية الإدارية بأنها نوع من التنظيم الإداري للدولة الموحَّدة يقوم على نقل صلاحيات إدارية من الدولة المركزية إلى وحدات محلية منتخبة مباشرة من الشعب تتمتع بالاستقلالين الإداري والمالي. إذ إنها وسيلة لتحقيق التنمية والتوسُّع في اعتماد الديمقراطية على المستوى المحلِّي. كذلك تساعد على التقريب بين الدولة ومواطنيها، وتسمح البلديات وهيئات الحكم المحلى للمواطنين بالتعبير عن احتياجاتهم وتطلعاتهم، ووضع إستراتيجيات فاعلة لمواجهة المشكلات التي تواجههم وتؤثر عليهم، إلى جانب إدارة موارد الدولة.
وتواجه مصر تحديات كبيرة لتحقيق ذلك، أهمها قلة مشاركة النساء – اللاتي يمثلن نصف المجتمع بنسبة 48.5 % – في مواقع اتخاذ القرار، فلا زالت مشاركة النساء السياسية وتمثيلهن محدودًا بالمجالس المحلية ومعظم الهيئات التنفيذية والتمثيلية وحتى المجتمع المدني، ويمثل ذلك اختلالًا في تحقيق المشاركة المتساوية بين النساء والرجال، وهو ما يعد أمرًا أساسيًّا لتحقيق الديمقراطية.
وبالنظر إلى تعقيدات هذه المشكلة نجد فجوة نوعية كبيرة لصالح الرجال بشأن نسب تمثيل النساء في المجالس المحلية، ويتطلب القضاء على هذه الفجوة وتحقيق المساواة بين الجنسين مجموعة من الإجراءات، منها فتح حوار سياسات يسمح بمراجعة جملة القوانين القائمة، وإقرار سياسات عامة من منظور النوع الاجتماعي، تتضمن إجراءات محددة من أجل تحقيق تكافؤ الفرص في قطاع المحليات.
فمن منظور قانوني يأتي ضعف التمثيل النسائي بسبب غياب التشريع الذي ينظم عملية انتخابات المجالس المحلية كما جاء في المادة 180 من دستور 2014 الذي خصص ربع المقاعد للنساء ووضع قواعد وآليات تحمي تلك الكوتا من الالتفاف عليها والتحايل على مقاعدها حتى يتمكن المجتمع من جني ثمار النص الدستوري، فضلًا عن الثقافة الذكورية السائدة والتي تضع النساء في أُطر تقليدية، وتكرس للتمييز ضدهن في شغل المناصب القيادية بما يخالف المادتين 11 و53 من الدستور المصري، وتحول دون وصولهن لمواقع اتخاذ القرار. بالإضافة إلى قانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1920 بتعديلاته سنوات 1985 و2000 و2005 ومشروع قانون الأحوال الشخصية لعام 2021 المقدم من الحكومة المصرية للبرلمان، والذي تمثل مواده تراجعًا وانتقاصًا غير مسبوق لحقوق المرأة.
ولا شك أن المحاولات السابقة لإشراك المرأة في الحكم المحلي كانت طموحة خصوصًا أنها جاءت بعد سنوات قليلة من إلغاء الملكية في مصر ومشاركة المرأة عام 1957 في تنظيمات الاتحاد القومي من خلال اللجان الخاصة بالأحياء والشياخات ولجان المحافظات، وكذلك حصول المرأة علي حق الانتخاب والترشح للبرلمان، إلا أنها كانت محدودة ولم يصاحبها برامج ثقافية لتصويب المفاهيم المجتمعية المتوارثة عبر الأجيال، والقادمة من الخطاب الديني والثقافة الذكورية الأبوية المسيطرة على المجتمع، ما أثَّر على مشاركة المرأة بفاعلية في المجال العام.
كذلك المحاولات الحالية التي لا تتوقف عن المطالبة بحق المرأة في المجالس المحلية هي بالطبع جيدة وقد استطاعت المشاركة في خروج مواد دستورية مثل المادة 45 و46 و202 لدستور 2014، وكذلك المادة 198 لسنة 2017، وهي قوانين مباشرة الحقوق السياسية والبرلمان وتقسيم الدوائر ومفوضية الانتخابات، إلا أنها ما زالت تحتاج إلى مزيد من المراجعات لأنها ما زالت تعيق مشاركة النساء تصويتًا وانتخابًا وإشرافًا على العملية الانتخابية، ولا تضمن التمثيل العادل للنساء وقضاياهن.
تعريف المشكلة والسياسات التي تحكمها
المشكلة وتأثيرها على المجتمع المحلي
أثرت محدودية دور المجالس الشعبية المحلية على مدى العقود الماضية وعدم فاعلية أدوات المساءلة المتاحة وغياب سلطة إصدار قرارات ملزمة للأجهزة التنفيذية، على عدم استيعاب المواطنين لدورها الحقيقي، مما أضعف من المشاركة بشكل ملحوظ ليس فقط من النساء، وإنما من القطاع الأكبر من المواطنين، وخاصة مع ارتفاع نسبة الأُمية – إذ إن نسبة الأُمية بين النساء المصريات 37% وهي نسبة أكبر من الرجال – ما يزيد حرمانهن من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم تَقل فرصهن في ممارسة الحق الدستوري. وتتعدد أسباب وعراقيل محدودية دور المجالس المحلية مثل عدم وجود رقابة على تنفيذ اللوائح والقوانين المنظمة له، ما يفتح الباب أمام الفساد المالي والإداري، وهذا بالطبع يوثر على خدمات الجمهور مثل مشكلة القمامة، وانتشار الأمراض، والصرف الصحي والعشوائيات. كذلك غياب التشريع المنظم لانتخابات المجالس المحلية وتشكيلها وعملها، ما يفتح الباب أمام الالتفاف والتحايل على مشاركة المرأة في المحليات والتمييز ضدها والانتقاص من حقوقها السياسية.
سياسة الدولة المعمول بها
النظام دائمًا أسيرًا لإشكالية الدولة المركزية ومفهوم الديمقراطية كما ذكرنا في المقدمة، فالدولة المركزية في مصر قد اتخذت في فترات كثيرة معنى الدولة المسيطرة أو المهيمنة، بينما النظام المحلي يتطلب قدرًا من الاستقلالية للمناطق المختلفة، التي تعكس الاحتياجات التنموية للنظم المحلية وزيادة فاعليتها لإشراك المواطنين وتحديدًا النساء للتعبير عن قضاياهن، وأن تكون العلاقة بينه وبين المركز علاقة تتسم بقدر كبير من الديمقراطية، فضلًا عن أنه لا يجب عزل نصف المجتمع عن المشاركة في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وإنما مشاركة كل مكوناته بمستوياتها المختلفة من خلال سياسات تدعم المساواة النوعية.
المعلومات والأدلة المتاحة المتعلقة بالمشكلة
بداية يجب التنويه بأن آخر انتخابات للمجالس المحلية كانت عام 2008، ومثلت النساء نسبة أقل من 5%، وهي نسبة ضئيلة جدًّا لا تتناسب مع حجم وجود المرأة – على سبيل المثال لا الحصر – في الأنشطة الاقتصادية داخل المجتمع المصري.
بعد ثورة يناير 2011 أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة – الحاكم آنذاك – مرسومًا بقانون رقم 116 لسنة 2011، بحل المجالس المحلية، وبتشكيل مجالس محلية مؤقتة، وما زال هذا الوضع المؤقت قائمًا حتى الآن، بالرغم من مرور عشر سنوات عليه. وحتى بعد صدور الدستور المصري عام 2014، الذي نص في مادته رقم 208 من نظام الحكم: «على الهيئة الوطنية للانتخابات، هيئة مستقلة، تختص دون غيرها بإدارة الاستفتاءات، والانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، بدءًا من إعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، واقتراح تقسيم الدوائر، وتحديد ضوابط الدعاية والتمويل، والإنفاق الانتخابي، والإعلان عنه، والرقابة عليه، وغير ذلك من الإجراءات حتى إعلان النتيجة، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون».
وقد بقيت هذه المادة دون تفعيل، نظرًا لاشتراط الإشراف عليها من قبل الهيئة الوطنية للانتخابات التي لم تكن شُكلت بعد ــ وأصدر الرئيس المصري الحالي، قرارًا جمهوريًّا بتشكيل مجلس إدارة هيئة الانتخابات في أكتوبر 2017 ــ ولا بد في هذا السياق أن نؤكد على ما جاء بالدستور المصري، حيث تنص المادة 242 من دستور 2014 على: «يستمر العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه في الدستور بالتدريج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه»، هذا ما يعنى ضرورة إنجاز انتخابات المحليات عام 2019 على أقصى تقدير وهذا لم يحدث حتى الآن.
تضمَّن دستور 2014 عددًا من المواد التي تُمثل فرصة جيدة من أجل تعزيز المشاركة السياسية للنساء ووصولهن لمواقع اتخاذ القرار، وألزم الدولة في المادة 9 بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وجرَّم التمييز في المادة 53 بجميع أشكاله، وأصبحت أي ممارسة تمييزية جريمة تستوجب العقاب. كما نصت المادة 11 على ضرورة قيام الدولة بإجراءات وتدابير للتصدي للتمييز الذي تتعرض له النساء بشأن شغل المناصب القيادية والوظائف العامة وتولي الوظائف في الهيئات القضائية. وألزمتها بتطبيق إجراءات تسمح بتمثيل النساء تمثيلًا مناسبًا في مجلس النواب، ولكنها تركت للمشرع تنظيم ذلك دون النص على ضمانات دستورية يلتزم بها.
ثم جاءت المادة 180 لتكون من أهم المكاسب لصالح المرأة في دستور 2014، وهي المادة المعنية بنظام الإدارة المحلية، إذ إنها وضعت خطوات أكثر وضوحًا بتخصيص نسبة من المقاعد للنساء، ونصت على أن «تنتخب كل وحدة محلية مجلسًا بالاقتراع السري المباشر، لمدة أربع سنوات، ويشترط في المترشح ألا يقل عمره عن واحد وعشرين سنة ميلادية، وينظم القانون شروط الترشح الأخرى وإجراءات الانتخاب، على أن يخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن الخامسة والثلاثين، وربع العدد للمرأة …» «وتختص المجالس المحلية بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على السلطة التنفيذية من اقتراحات، وتوجيه أسئلة، وطلبات إحاطة، واستجوابات وغيرها، وفى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية، على النحو الذى ينظمه القانون. ويحدد القانون اختصاصات المجالس المحلية الأخرى، ومواردها المالية وضمانات أعضائها واستقلالها».
التشريعات المصرية والاتفاقيات والمعاهدات الدولية
تُلزم المادة 93 من دستور 2014 المُشرِّع بضرورة اتساق التشريعات والقوانين مع الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صدقت عليها الحكومات المصرية المتعاقبة، فقد صادقت مصر على عدد من الاتفاقيات مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، والذي شاركت مصر في صياغته بصفتها عضوًا مؤسسًا في هيئة الأمم المتحدة، والعهدين الدوليين للحقوق السياسية والمدنية، وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سيداو لعام 1980، واتفاقية حقوق الطفل لعام 1990، والإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة لعام 1993 وإعلان ومنهاج عمل بيجين بشأن المرأة لعام 1995.
وبالرغم من تصديق مصر على العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بضمان حقوق النساء المدنية والسياسية والاجتماعية، إلا أن كيفية تطبيق الدولة المصرية لتلك البنود ومدى جديتها في تفعيل تلك الاستحقاقات للنساء ما زال قاصرًا وما زالت العديد من السياسات وأطر حماية النساء وحقوقهن غائبة.
المؤشرات المتاحة لقياس تمكين المرأة في المواقع المحلية
هناك مؤشرات كميَّة وأخرى كيفيَّة لقياس تمكين المرأة في المواقع المحلية مثل نسبة النساء المرشحات في انتخابات المجالس المحلية من إجمالي عدد المرشحين، والنسبة المخصصة بالأساس لتمثيل المرأة في المجالس المحلية، ونسبة البرامج الإعلامية الداعمة للمرشحات والمناظرات التليفزيونية، وكذلك عدد القيادات الطبيعية المساندة لمرحلة رفع وعي الأسر، ونسبة النساء في القيادات المحلية كمحافظ أو سكرتير عام – رئيس قرية – رئيس مدينة – رئيس حي – عمدة.
بالإضافة إلى مؤشرات كيفيَّة مثل مدى وعي المرشحات بالاحتياجات المحلية، وبالجوانب القانونية والتشريعية والأطر السياسية ومدى تفاعلهن مع المجتمع وتبني قضاياه، ومدى إلمامهن بالأسلوب الانتخابي للمحليات، مدى توافر المعلومة الإلكترونية عن التقسيم الإداري للمستويات المحلية، مدى توافق قانون التنمية المحلية مع احتياجات النوع الاجتماعي. وهذه المعلومات يمكن الوصول إليها عن طريق: مرصد المرأة المصرية الذي أنشأه المجلس القومي للمرأة، جهاز التعبئة العامة والإحصاء، التقارير والدراسات التي تصدرها منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة، كذلك من خلال الإحصاءات المصنفة وفقًا للنوع الاجتماعي التي يصدرها المجلس القومي للمرأة وجهاز التعبئة العامة والإحصاء.
عن الفرص والقيود
لا شك أن مؤسسات الدولة المعنية بحقوق المرأة مثل المجلس القومي للمرأة وكل فروعه في المحافظات، وبقطاع التنمية المحلية مثل وزارة التنمية المحلية وغيرهم من المؤسسات، هم أكثر المعنيين بالمشكلة المطروحة، وهم الجهات الرئيسية التي يجب فتح حوار معها، فكثير من الأشخاص العاملين في هذه المؤسسات كانوا ضمن لجنة الخمسين التي كتبت الدستور، مثل السفيرة ميرفت التلاوي الأمين العام السابق للمجلس القومي للمرأة، وبما أن تشريعات دستور 2014 مهدت في عدد من أبوابها وموادها فرصة حقيقية لمشاركة المرأة في المراكز التنفيذية مثل المجالس المحلية – وهذا يحسب للعديد من أولئك المشاركين في تشريعها إلى جانب نضال الحركة النسوية والحقوقية والتقدمية في مصر – إلا أن وظيفة الدستور هي وضع قواعد عامة، وبالتالي تحتاج إلى تفعيل وأن تُترجم لتشريعات تنظمه.
موقف هذه المؤسسات يمكن تقييمه في ثلاث إشكاليات تحول دون تحقيق مواد الدستور، وهي:
أولًا: صدور تشريعات تفرغ النص من مضمونه، إما بترك مساحة من الحرية لجهات تابعة للسلطة التنفيذية مثل الأجهزة الأمنية لتنظيم الأمور المتعلقة بتنفيذ القانون، ما يسمح لهذه الجهات بوضع لوائح تمكنها من إفراغ النص التشريعي والدستوري من مضمونه، لا سيما القوانين المعنية بمشاركة النساء في المحليات والمواقع التنفيذية.
ثانيًا: تُقدم السلطة التنفيذية للمجلس التشريعي تشريعات تَعي جيدًا أنها غير دستورية فَتَسقُط أمام المحاكم الدستورية بسبب عدم دستوريتها، وبالتالي تتهرب من مسئولية تطبيقها مثل بطلان عدد من المجالس التشريعية بقوانين طبقت القائمة النسبية وأعطت المرأة حق التمثيل عن طريق الحصص.
ثالثًا: يتجاهل المجلس التشريعي إما بإيعاز من الحكومة او الأجهزة الأمنية – صاحبة التركيبة المحافظة «الذكورية» – ترجمة نصوص الدستور لتشريعات مثل قانون المجالس المحلية الذي لم يصدر حتى تاريخ كتابة هذه الورقة وكذلك قانون إنشاء مفوضية التمييز الذي جاء في المادة 53 من دستور 2014.
منظمات المجتمع المدني
بالرغم من قلة منظمات المجتمع المدني الفاعلة في مجال دعم المشاركة السياسية للمرأة، بسبب قانون الجمعيات الأهلية الذي يمنع عمل الجمعيات الأهلية بالسياسة، إلا أن هناك العديد من المنظمات النسوية التي تدعم المشاركة السياسية للمرأة، ومع زيادة وأهمية الجهود الذي تبذلها، إلا أنها تظل محدودة بمحدودية عددها وإمكاناتها وقبل كل هذا التضييق الذي تواجهه وعرقلة تطبيق برامجها من خلال القوانين التعسفية، وتقييد الوصول إلى مصادر التمويل.
يمكن القول إن منظمات المجتمع المدني عندها من الفرص التي يمكن أن تستفيد منها مثل التجربة التشيكية وتحديدًا منتدى 50% تلك المنظمة غير الحكومية التي تأسست عام 2004 ولا تنتمي لأي حزب سياسي، بهدف دعم المرأة في لعب دور سياسي من منظور المساواة بين الجنسين، وتشجيع التصويت للنساء من خلال العمل على مستوى القاعدة بحملات إعلامية واسعة، وتشكيل لوبي مع منظمات أخرى وجهات وطنية في دولة التشيك، للدفاع عن حقوق المرأة.
نقاط التلاقي والحلول المقترحة
لا يستطيع أحد أن ينكر أن التمييز بين النساء والرجال ظاهرة عالمية منتشرة مع اختلاف الدرجات، وهناك اتجاه عالمي يشير إلى انخفاض مشاركة النساء في السياسات المحلية. وهذا هو الخلاف الرئيسي. على مستوى دينامية المجالس المحلية المصرية يقتضي دعم مشاركة النساء في المحليات تدخلات على مستوى السياسات المحلية الرسمية، وتدخلات على مستوى السياسات المحلية غير الرسمية. ومما لا شك فيه أن كلا النوعين من التدخلات لا ينفصل بعضه عن بعض، فكلاهما هدفه تكوين كوادر نسائية محلية، قادرة على المشاركة السياسية والمدنية، سواء في المجالس المحلية الرسمية أو تنظيمات المجتمع المدني المحلية.
1. كما ذكرنا يمثل دستور 2014 فرصة جيدة من حيث توفير الإطار الدستوري الذي يضمن سياسات محلية فعالة وكفء، فتكفل الدولة في المادة 176 دعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية؛ وينظم القانون وسائل تمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق المحلية، وتحديد الإطار الزمني لنقل السلطات والموازنات إلى وحدات الإدارة المحلية. إلا أن فرصة اللامركزية القائمة في دستور 2014 مرهونة بصدور قانون للإدارة المحلية يحققها على أرض الواقع.
2. الفرصة الثانية في نص المادة 180 بتخصيص 25% من مقاعد المجالس الشعبية المحلية للنساء. ولتفعيل هذه المادة يجب على البرلمان الحالي أن يعمل على إصدار تشريع يضمن تمثيل الفئات المذكورة، وفي الوقت نفسه وقف التحايل على دمج تلك النسبة بفئات أخرى يُلزم الدستور بتمكينها مثل ذوي الاحتياجات الخاصة أو الشباب أو المسيحيين، وذلك بضبط تعريفاتها في التشريع، وكذلك النص بوضوح على منع تكرارها في القوائم الانتخابية حتى يتم الحفاظ على هذه النسبة الدستورية.
3. إن عملية الاستفادة من هذه القوانين مرتبط بأمر أساسي، وهو توسيع مفهوم السياسات المحلية ليتجاوز مجرد مشاركة النساء في المجالس المحلية إلى مشاركة النساء بشكل أساسي في إدارة مجتمعاتهن وتحديدًا الخدمات الأساسية التي تتقاطع بشكل يومي مع مسارات حياتهن وأسرهن سواء صحة أو تعليم أو تدريب أو غيره.
4. التغلب على القيود التي تفرضها الأبعاد الثقافية بالعمل مع قطاعات أعرض من النساء في الريف وفي المجتمعات المهمشة، والتعامل بجدية أكبر مع مشكلات الفقر والعنف والتمييز والممارسات الثقافية الجائرة، وتشجيع المبادرات المحلية في المشروعات الصغيرة والإبداعات الثقافية للمرأة. فهناك حاجة مُلحة أن يأتي التغيير من أسفل، وأن يكون العمل الثقافي والاجتماعي نابع من القاعدة.
5. إعداد الكوادر النسائية باتخاذ عدد من إجراءات التمييز الإيجابي يساعد على مشاركتها في كل المجالات، سواء في العمل أو التعليم أو غيره، وذلك لمدة محددة حتى يتحقق الهدف من التمييز الإيجابي، وهو قدرة هذه الفئة على الدخول في حلبة المنافسة مع كل فئات المجتمع الأخرى على أساس الجدارة والكفاءة.
6. رفع ثقة المجتمع المصري في إمكانات وكفاءة المرأة المصرية وقدرتها على تولي المناصب المختلفة من خلال تغيير الثقافة الحاكمة لمدركات المصريين والمصريات والتي تُعلي من قدرات الرجل على حساب المرأة. يحدث هذا بتسليط الضوء على نماذج المرأة الناجحة في مصر باعتبارها مثالًا يحتذى به.
7. يجب على المنظمات غير الحكومية فتح قنوات أكبر للحوار مع المؤسسات الوطنية بهدف تكوين تحالفات على نقاط التلاقي بينهم، وكي تستطيع هذه التحالفات الضغط للتأثير في السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية لإقرار إستراتيجيات وطنية وسياسات عامة لدمج قضايا المساواة بين الجنسين في جميع الميادين وعلى كل المستويات. وقبل كل هذا التشبيك والاستفادة من تجارب كل جهة، وذلك من خلال تبادل المعلومات وتنسيق الأنشطة التي تمت في منطقة معينة والبناء عليها حتى لا تتكرر نفس الأنشطة.
- أصل هذه المقالة ورقة قدمها الباحث ضمن برنامج «حوار المتوسط للحقوق والمساواة».