رحلة طويلة للإجابة عن سؤال قديم: هل نحن وحدنا في الكون؟
في فبراير/ شباط عام 1990 أرسل المسبار «فوياجر 1 – Voyager 1» هذه الصورة من على بعد حوالى 6 مليارات كيلومتر فقط من الأرض، والتي أثبتت لنا كم نحن صغار جدًّا لا نُرَى، بل إن كوكبنا بأكمله بدا باهتًا يشكل فقط 0.12 بكسل.
تساؤلات كثيرة طُرحت، كان أهمها كيف لنا أن نكون وحدنا في هذه المساحات الشاسعة! قناعاتنا وتركيزنا بدأ يتجه بشكل أكبر نحو أننا سنجد أحدًا غيرنا في هذا الكون يومًا؛ خصوصًا مع هذا التقدم السريع في هذا المجال والمعلومات المتجددة يوميًّا. وأصبح التفكير في مسألة وجود حياة أخرى غير حياتنا أمر يُحسم بمرور الوقت، نعم.. إنها مسألة وقت فقط.
أول الإشارات التي جعلتنا نتمسك أكثر بأنهم في مكان ما جاءت في أكتوبر/ تشرين الأول 1995، عندما أُعلن عن اكتشاف أول نجم شبيه بالشمس «51 Pegasi»، وهو نجم يُرَى من الأرض ضمن كوكبة «الفرس الأعظم – Pegasus» ويَبعد عنا نحو 50 سنة ضوئية، ويدور حوله كوكب يسمى «pegasi b 51» يبلغ حجمه نصف حجم كوكب المشتري، ويُكمل دورة كاملة حول نجمه خلال ما يزيد عن الأربعة الأيام بقليل.
بالرغم من حرارته العالية التي تصل إلى 1000 درجة مئوية، إلا أننا وجدنا كوكبًا يدور حول شمس تشبه شمسنا. لم أكن حتى ولدت حينها، ولكن أعتقد أنهم قالوا فرحين: لنعثر على المزيد. جاء بعد ذلك مسبار كيبلر الشهير الذي أثار فضولنا أكثر وجعل صيغة السؤال تتحول بشكل كبير نحو إيجاد أماكن أخرى صالحة للحياة، وسُمي بكيبلر نسبة لأول من وضع قوانين تصف حركة الكواكب، وهو الألماني يوهانز كيبلر.
أُطلق مسبار كيبلر في مارس/ آذار عام 2009 لتكون مهمته الرئيسية هي البحث عن الكواكب الخارجية «exoplanets»، وتركز بحثه في كوكبة الدجاجة أو الطائر «Cygnus»، ليكشف لنا العديد من الكواكب يتراوح حجمها بين حجم الأرض ونيبتون الذي يعادل حجم الأرض أربع مرات. كانت الطريقة التي يعتمد عليها كيبلر لاقتناص الكواكب هي قياس التغير في الضوء القادم من النجم الناتج من مرور الكوكب أو مجموعة الكواكب أمامه، بتكرار رصد نفس الموقع لفترات طويلة للتأكد من أن هذا التغيّر نتيجة لمرور كوكب وليس لأي سبب آخر.
كيبلر عمل بشكل جيد حتى مايو/ آيار عام 2013 حيث حدثت بعض الأعطال الفنية دفعت القائمين عليها بإجراء بعض التغيرات واستخدموا الرياح الشمسية لتحقيق الاستقرار والعمل بشكل جيد. واستمر المسبار البالغ طوله 4.7 متر، وقطره 2.7 متر في إبهارنا ببياناته حتى وصل لاكتشاف «Trappist-1» وهو نظام شمسي يتكون من سبعة كواكب يصلح ثلاثة منها على الأقل لوجود حياة عليها. كنت قد ولدت حينها وأكاد أجزم أنهم قالوا: حسنًا إننا نقترب، لنتابع.
مكتشف الكواكب الخارجية الذي كلف حوالي 600 مليون دولار أُطلق وفي خزان وقوده 12 كيلوجرام من الهيدرازين الذي يعتبر وقود المركبات الفضائية. وكعادة أي شيء له بداية، أعلنت ناسا أن خزان كيبلر قد فرغ، وبهذا انتهت المهمة رسميًّا في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.
قام كيبلر بعمل رائع لكنه بالرغم من كل هذه المعلومات فإنه كان يبحث في قطاع صغير ومحدود جدًّا بالنسبة للسماء حول كرتنا الأرضية بالكامل. لذلك استدعى الأمر أن نجد ما يجعلنا نرى بزاوية أوسع، ما يتيح لنا الفرصة لتغطية أكبر قدر مما حولنا.
لنصنع مسبارًا يحتوي على أربع كاميرات، كل منها يغطي قطاعًا يمثل 24 درجة مربعة من القبة السماوية لتكون الأربع الكاميرات معًا قطاعًا يغطي 96 درجة *24 درجة خلال 27 يومًا. ندره قليلًا ليكشف لنا القطاعات التالية، وهكذا حتى ننتهي من نصف الكرة السماوية الجنوبي، ثم بنفس الطريقة في نصفها الشمالي، على أن يتم ذلك خلال سنتين فقط من تاريخ إطلاقها. وبذلك قد نكون عالجنا مشكلة كيبلر، وبحثنا في جميع الاتجاهات حولنا. حدث ذلك بالفعل بواسطة Transiting Exoplanet Survey Satellite اختصارًا « TESS» الذي أُطلق بواسطة صاروخ «سبيس إكس – فالكون 9» (spaceX falcon 9) في 18 أبريل/ نيسان عام 2018 ليغطي 85% من السماء، أي ما يعادل مساحة أكبر من التي غطاها كيبلر بـ 400 مرة.
وكما أن اتجاهًا واحدًا لا يكفي للبحث في هذه المساحة الشاسعة فإن طريقةً واحدة لا تكفي أيضًا، وهذا ما يعمل عليه مصممو تليسكوب جيمس ويب الذي من المتوقع إطلاقه خلال 2021 القادم. يعتمد جيمس ويب في عمله على قياس الأشعة تحت الحمراء (IR)؛ لأنها تنتقل عبر تجمعات الغاز الكثيفة، وهذا سيدعم بيانات تليسكوب هابل أيضًا، حيث إن هابل يقيس الضوء المرئي الذي يُفقد كثيرًا منه بواسطة هذه التجمعات.
الفكرة جيدة لكن هناك عقبتين رئيسيتين لا بد من التغلب عليهما لينجح الأمر، الأولى هي أننا نحتاج لهذا النوع مرايا كبيرة الحجم لالتقاط ما يكفي من الضوء، أما الثانية فلا بد أن يبقى التليسكوب باردًا لمنع مصادر الأشعة غير المرغوب فيها من التداخل مع الأشعة المرصودة.
اقرأ أيضًا: جيمس ويب: تلسكوب ناسا المستقبلي يبصر الكون بعد هابل
إن كُتب النجاح لويب فسوف يدور في مدار يبعد عن الأرض بمليون ميل، وسيكون أكبر تليسكوب أطلق للفضاء على الإطلاق.
ما حدث في منتصف التسعينيات بعد اكتشاف «51 pegasi b» حدث مجددًا بعد اكتشاف كوكب في نظام «ألفا قنطورس – Alpha centauri»، وهو نظام يتكون من ثلاثة نجوم: «Alpha cetauri A» و «Alpha centauri B» وهما «نجمان ثنائيان – binary system»، أما الثالث فهو «Proxima cetauri». كان ذلك تحديدًا في أغسطس/ آب 2016 حيث اُكتشف «Proxima b» وهو كوكب حجمه قرب حجم الأرض يدور حول «Proxima cetauri» الذي يبعد عن الأرض 4.22 سنة ضوئية فقط، ويقع في منطقة صلاحية الحياة بالنسبة لنجمه، وهي المنطقة التي تتاح الظروف فيها لوجود ماء سائل على سطحه، والماء يعني الحياة.
وبدأ السؤال يتغير من جديد..
لماذا نكتفي بالنظر من هنا؟ لماذا لا نقترب منه ونرى ماذا هناك خصوصًا أنه يدور حول أقرب النجوم لنا.
بالرغم من قربه النسبي هذا فإننا لو صنعنا شيئًا يسير نحوه بسرعة مليون ميل في الساعة، أي ما يعادل 20% من سرعة الضوء لوصلنا إليه بعد 20 عامًا من الإطلاق. حسنًا، لنصنعه ونطلق مهمة جديدة تسمى «Breakthrough Starshot» تعتمد في عملها على أشرعة مربعة الشكل، تبلغ مساحة كل شراع منها 10 أمتار مربعة، ويقل وزنها قليلًا عن جرام واحد تُطلق للفضاء. ثم نسلط عليها عددًا كبيرًا من الحزم الضوئية ذات خواص ليزرية منبعثة من أجهزة على الأرض تولد ما يعادل 100 جيجاوات، يستقبل هذه الحزم شريحة لا يتجاوز حجمها الطابع البريدي مثبتة في وسط الشراع تحتوي على الكاميرات وأجهزة الملاحة والحواسيب.
هذا ما اقترحه العبقري الراحل «ستيفن هوكينج» بهدف الوصول لأقرب كوكب خارجي تم العثور عليه، بل أكثر الأماكن احتمالية لوجود ماء وحياة غير الأرض والعمل متواصل للوصول لذلك.
يستمر عدد الكواكب التي نتأكد من وجودها في الازدياد يومًا بعد يوم، لقد اقتربنا من تجاوز الـ 4000 كوكب خارجي نعرف عنهم الكثير، كدرجات الحرارة وبعدهم عن نجومهم وغيرها من المعلومات التي تقودنا للحكم على من منهم يصلح كي يكون مكانًا للحياة .
بإنشاء تلسكوبات أرضية وبمساعدة ويب سنبحث عن المزيد ونركز على الإجابة على هذا السؤال الذي يتطور مع تقدم العلم، وقد يتغير في يومًا من الأيام حين نجدهم، ليكون كيف سنتواصل معهم؟ وهل سيأتون إلينا أم سنذهب إليهم ؟ هل حضارتنا أقدم أم حضارتهم، هل نحن أقوى أم هم؟ هل … وهل … وإلى ذلك الحين لنتابع البحث.