كيف نجنب العالم دمار الحرب النووية وسط هذا الجنون؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
على يد دونالد ترامب، أصبح الأمريكيون ينظرون إلى القوة العسكرية الأمريكية ذات النظرة التي يراها بها العالم، كوسيلةٍ مرعبةٍ للعنف العشوائي القاسي. وليس هذا وفقط، بل إن تعاطف الأمريكيين مع ضحايا حربنا الأبدية، يدفعهم للتصدي لقدرة بلدهم غير المسبوقة على التدمير. إنه الخوف على حياتهم، وعلى وجه التحديد الخوف من الموت في حرب نووية يُحرض عليها رئيس غريب الأطوار مع وجود قوى تدمير العالم في متناول يده.كانت هذه المخاوف من نهاية العالم النووية هي القضية الأبرز لهذا الأسبوع، بعد ثلاثة أيام مليئة بفلسفات ترامب النووية؛ التي أدت لانتشار فكاهات نصف حقيقية حول هلاكنا الوشيك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يوم الثلاثاء أدلى ترامب بتعليقاته الشائنة حول إطلاق العنان لـ «النار والغضب كما لم يشهده العالم من قبل» ضد كوريا الشمالية. أما يوم الأربعاء، وعبر الحساب الرئاسي الرسمي على تويتر، فاستحسن عملية تحديث الترسانة النووية -على الرغم من أنها بدأت بالفعل أثناء فترة رئاسة أوباما وسوف تستغرق ثلاثين عامًا و 1.2 تريليون دولار لإكمالها. وبالأمس، تساءل عما إذا كانت تعليقاته الأولية حول جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية ليست «قوية كفاية»، مما يضمن استمرار الخوف لدورة إخبارية أخرى.
من الواضح أن ترامب قادر على زيادة الإرهاب النووي بنفسه، إلا أن السجال القائم بينه وبين كيم جونغ أون -الزعيم الاستبدادي لآخر دولة سُلحت نوويًا- والذي تغذيه وسائل الإعلام، يزيد من تفاقم الوضع، فبينهما؛ زادت المخاوف العامة من الحرب النووية، التي لم تحدث من أي من القادة الوطنيين منذ ريغان وأندروبوف.
ومع ذلك، فقد رأى البعض أنه ربما يكون من الظلم إلقاء نصف اللوم لهذه الأجواء الساخنة على عاتق كيم جونغ أون وحكومة كوريا الشمالية. فالحقيقة أنه يصعب على الخبراء -ناهيك عن الناس العاديين- تمييز حقيقية جونغ أون من الرسوم الكاريكاتورية المنتشرة في وسائل الإعلام، والتي صُممت خصيصًا لإعادة تأكيد صورة الفزّاعة لكوريا الشمالية. هذا الأسلوب الغني والعنصري في صحافة السياسة الخارجية يتشرب بعمق مما يدعوه هيو غوسترسون بـ «الاستشراق النوو ي» – والذي هو فكرة أن حكامنا النوويين هادئون وعقلانيون، في حين أن حكام الشرق غامضون ومندفعون وخطرون.
واتضح أن دونالد ترامب – خاصة بعد تصريحه بـ«دعها تكون سباق تسلّح»- يشكل تحديًا لهذا الثنائي الاستعماري، لكن لا يزال يتعين علينا أن نرى ما إن كان سيدمر شرعيته تمامًا. وكما يشير غريغ أفينوجينوف في N + 1، فإن مؤسسة الأمن القومي ستكون أكثر سعادة باستبدال ترامب بآخر محترم من الترسانة النووية. ثم إنه بالتخلي عن ورقة أجهزةيوم القيامة التي كشفها، فإنه قد يعود أشخاص خطرون للتخطيط لكوارث أصغر نطاقًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وعلى عكس القصة السائدة، فإن كيم جونغ أون ليس مجنونًا، ومن المؤكد أنه أكثر عقلانية من الصورة التي صورتها عنه أمريكا. إن الفكرة الشعبية المتزايدة بأن هونولولو أو سياتل يجب أن تعيد إحياء تدريبات الدفاع عن النفس أو حفر ملاجئ العواصف العامة تحسبًا لأول هجوم لكوريا الشمالية هو حقًا أمر مثير للسخرية. وفي حالة ما إذا قامت به كمفاجأة ضد الولايات المتحدة أو اليابان أو أي بلد آخر بخصوص هذه المسألة سيكون أمرًا انتحاريًا لقيادة كوريا الديمقراطية.
فأي هجوم نووي يمكن أن يقابله موجة مدمرة من الضربات المضادة من الولايات المتحدة التي تتفوق مواردها العسكرية –النووية وغيرها- على نظيرتها في كوريا الشمالية، وإنه لمن السخيف حتى المقارنة بينهما. يعد برنامج الأسلحة النووية لكوريا الديمقراطية مثيرًا للقلق، ولكنه موجود، لأن الحكومة تشعر بالرعب من تغيير النظام، نتيجة لخوف كيم جونغ أون الواقعي الذي سببته الإجراءات الأمريكية في العراق وليبيا.
الخطر الحقيقي – هو الموجود الآن بالتأكيد – هو أنه يمكن للبلدين -عن غير قصد- أن يشعلا من جديد الحرب الكورية. كان الوضع متوترًا بشكل غير عادي لعدة أشهر (تذكر حلقة كارل فينسون في نيسان/أبريل؟)، وتعليقات ترامب العدوانية قادرة بالفعل على تحويل هذه الأجواء الساخنة إلى «النار والغضب» بسرعة شديدة. إذا كان الرئيس قد صرّح بشيء يبدو وكأنه تهديد، فإنه سيُفسر على هذا النحو تحديدًا، مما سيدفع الجانب الآخر لاتخاذ إجراءات وقائية تحسبًا لهجوم فوري.
وربما في أجواء أقل تحريضًا، كان يمكن للشمال أن يتجاهل هذه التصريحات لمجرد أنها غير معتدلة وغير مدروسة. لكن الضربات الجوية وتغيير النظام أصبحا أمرين مترابطين في وسائل الإعلام الأمريكية، وقد اتخذت بعض الشخصيات العامة -محرضةً الرئيس- موقفًا متشددًا صارخًا ضد كوريا الشمالية.
وفى الأسبوعين الماضيين، أعلن رئيس ولاية كارولينا الجنوبية «ليندسي جراهام» والمسؤول السابق فى إدارة بوش «جون بولتون» عن تأييدهما للقيام بعمل عسكري ضد كوريا الديمقراطية الشعبية. وتحمل تصريحاتهما فرضية مزعجة؛ أن الحيوات الأمريكية هي في الحقيقة أكثر قيمة من حيوات الكوريين، سواء في الجنوب أو الشمال.
في صحيفة وول ستريت جورنال، تحدث بولتون عن حق أمريكي متأصل في الرفض حتى لرغبات حكومة كوريا الجنوبية، قائلا إنه «ليس هناك أي حكومة أجنبية، وإن كانت حليفًا وثيقًا، بإمكانها أن تستخدم حق النقض ضد إجراءٍ لحماية الأمريكيين من أسلحة كيم جونغ أون النووية». وحملت تعليقات جراهام ذات الطابع القومي، حيث قال إنه كان من الأفضل أن «يموت الآلاف هناك» على أن يواجه الأميركيون خطر هجوم من كوريا الشمالية. كما أشار إلى أن الرئيس كان متفقًا معه.
ومع هذا الخطاب الذي تناقلته الألسنة، وقاذفات الولايات المتحدة التي تحلق بانتظام فوق شبه الجزيرة، والتدريبات العسكرية في الأفق، وتبجح ترامب على طريقة وكالة الأنباء المركزية الكورية بأنه سيحول الشمال إلى بحر من النار، هل تستطيعون حقًا إلقاء اللوم على بيونغ يانغ لكونها مذعورة؟
قد يكون للمواجهة الحالية تداعيات نووية، وهذه السيناريوهات الغريبة تثير الخوف من هلاك حتمي على يد ترامب. ولكن الأمر الراهن الأكثر واقعية وقابلية للتنفيذ؛ يجب أن ينطوي على منع حرب أخرى لا داعي لها.
الأميركيون الخائفون من نهاية العالم على يد ترامب، استُثمِروا في الحفاظ على السلام نظريًا على الأقل. ولجعل هذا الشعور فعّالًا على الصعيد السياسي، يجب أن يتحول إلى شعور عميق بالتضامن مع الكوريين الجنوبيين والشماليين، ومع جميع الناس الذين يقاتلون من أجل السلام في شبه الجزيرة.
وهذا يعني رفض مغالاة جراهام وبولتون، بالإضافة إلى رفض حصر الدبلوماسية على النخبة الحاكمة فقط. وقد كتبت كريستين آهن في صحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق من هذا الشهر، تُذكّر القراء بأن دبلوماسية المواطن لعبت دورًا في تخفيف حدة التوترات بين الأعداء الصوريين لمدة طويلة، ولا سيما القوى النووية. ومع فرض حظر السفر على كوريا الشمالية، نجد حكومتها تعلق قائلةً بأن الحكومة الأمريكية تغلق باب المشاورات من بدايتها في ذات الوقت الذي تحتاج إليه بشدة. ويجب عليها تصحيح هذا الوضع.
إن الحمائم في مؤسسة السياسة الخارجية صدقت في ادعائها بأن المشاورات الدبلوماسية رفيعة المستوى مع كوريا الشمالية ستقلل من حدة التوترات وخطر الحرب. ولكن من دون حراك شعبي عالمي يطالبهم بها، هل نتوقع أن تجري مثل هذه المناقشات؟ في حين أن إدارة ترامب ترفض إمكانية إجراء محادثات دون فرض شروط مسبقة، حتى ولو كان هذا يجعل الحرب مع شبه الجزيرة وشيكة.
إن انتزاع الدبلوماسية من سيطرة النخبة هدٌف عظيمٌ بالفعل، تمامًا كنقل هؤلاء الخائفين من الإرهاب النووي إلى التضامن الدولي. لكن الأميركيين الذين يخشون من وجود إصبع ترامب على الزناد يدفعهم في منتصف الطريق إلى تغيير قناعاتهم، أولئك الذين يرغبون في السلام، أينما كانوا، متحدون في صراع واحد. ونحن باعتبارنا معارضين للنزعة العسكرية ودعاة إلى العدالة، فإن وظيفتنا هي دفعهم بعيدًا عن الخوف ونحو التضامن الدولي.
الوقت هو الجوهر؛ فالعقارب تدق و ساعة النهاية تقترب!