كيف يمكن أن ينجو أصحاب الأمراض المزمنة من حر الصيف؟
يستهين الإنسان بالظواهر المعتادة – حتى وإن كانت شديدة الخطورة – فيحيلها إلى أرضية خلفية حياته، وقد لا يلقي لها بالاً على الإطلاق، حتى تأتي لحظة الحقيقة، عندما تترجم تلك الظواهر خطورتَها على أرض الواقع، متمثلة في كارثة كبرى باهظة التكاليف. جميعنا نعاني من حر الصيف، والذي يكتسب في بلادنا الحارة فرادةً خطيرة. هو جزء لا يتجزأ من حياتنا جميعًا، يحتل أكثر من ربع أعمارنا، نفر منه إلى ظلال البيوت، وأنفاس أجهزة التكييف، لكن هل يمكن أن يكون الحر قاتلًا؟
في الأسابيع الماضية، ضربت القارة الأوروبية موجة من الحرارة الشديدة، وصلت في فرنسا إلى 45 درجة مئوية. ورغم الاستعدادات الكثيفة، لتقليل الخسائر الصحية والبيئية، سجلت العديد من حالات الوفاة، وحرائق الغابات، لكن يحسب لتلك الإجراءات أنها غيرت المشهد كثيرًا عما حدث عام 2003م، عندما اجتاحت موجة حارة مفاجئة القارة الأوروبية، أسفرت بشكل مباشر وغير مباشر عن وفاة أكثر من 70 ألف شخصٍ، غالبيتهم العظمى من كبار السن، بالأخص من المصابين بالأمراض المزمنة.
ما هي الأمراض المزمنة المقصودة؟
لابد أولًا أن نؤكد أن التعرض المباشر لأشعة الشمس، والحرارة العالية، يحمل خطورةً على الأصحاء أيضًا، من كافة المراحل العمرية، لكن التركيز هنا على أصحاب الأمراض المزمنة، لأن الخطر يكون أضعافًا مضاعفة، وينذر لدى الكثيرين منهم بوقوع الكوارث الصحية، والتي قد يكون حدوث الوفاة بعد بعضها، تخفيفًا من الله ورحمة!
كلما تقدَّم سن المريض، وتفاقمت شدة المرض المزمن، وطالت مدة معاناة المريض منه، وكان علاجه أقل كفاءة، ومضاعفاته أكثر حضورًا، كلما كانت خطورة الحر الشديد على صاحبه أشد وبالاً. ونخص بالذكر أمراض ارتفاع سكر الدم، وضغط الدم، وقصور شرايين القلب التاجية، وجلطات المخ، والقصور الكلوي المزمن، وفشل وظائف الكبد المزمن، والأورام السرطانية الخبيثة عمومًا، والمنتشرة منها في أجزاء عديدة من الجسم خصوصًا.
كيف يقتل الحر أصحاب الأمراض المزمنة؟
إذا أردنا تلخيص أضرار تعرض أصحاب الأمراض المزمنة للحرارة الشديدة في كلمة واحدة، ستكون هي الجفاف. يحاول الجسم تبريد نفسه عند التعرض للحر الشديد، من خلال زيادة العرق، والذي يرطب سطح الجسم، لكن التعرق الشديد، لفتراتٍ طويلة من النهار، قد يسبب فقدان جانب هام من سوائل الجسم، والذي ما لم يتزامن معه التعويض الجيد بشرب السوائل، يصاب الجسم بالجفاف الشديد، والذي يسبب العديد من الكوارث الصحية لأصحاب الأمراض المزمنة.
1. الإصابة بالفشل الكلوي المزمن والحاد، والذي تمثل الكثير من الأمراض المزمنة – كالضغط والسكر – في ذاتها، عوامل خطر، تزيد فرص وقوعه.2. زيادة فرص حدوث الجلطات داخل الأوعية الدموية، في أيّ منطقةٍ بالجسم، سواءً جلطات الأوردة، مثل جلطات الأوردة العميقة بالساق، وجلطات الشريان الرئوي، وكذلك جلطات الشرايين، كجلطات شرايين المخ، أو الشرايين التاجية للقلب. السبب في ذلك، هو أن الجفاف يسبب زيادة لزوجة الدم، نتيجة فقدانه لجزءٍ من مكونه السائل، مما يبطئ سريان الدم، ويزيد فرص تجلطه. يزداد احتمال حدوث الجلطات لدى أصحاب الأمراض المزمنة، خاصة السكر والضغط والقلب، والفشل الكلوي المزمن.3. انخفاض ضغط الدم بشدة عند القيام المفاجئ، وما يصاحب ذلك من شعور بالغثيان، قد يتطور إلى فقدان مؤقتٍ للوعي، والسقوط أرضًا، والتعرض لإصاباتٍ خطيرة كالكسور، والنزيف وغيرها.
اقرأ أيضًا: عن الموتِ الذي يجري في عروقنا
كذلك قد يسبب التعرض لأشعة الشمس المباشر، ضررًا مباشرًا للجسم، فيما يعرف ب ضربة الشمس heat stroke، والتي تزداد فرص حدوثها، وتفاقم مضاعفاتها لدى أصحاب الأمراض المزمنة، وقد تسبب الوفاة – خاصة لكبار السن منهم – خلال ساعاتٍ قليلة، وأشهر أعراضها حروقٌ بالجلد، والإصابة بالجفاف الشديد، والفشل الكلوي، واضطراب وظائف المخ.
اقرأ أيضًا: نصائح مهمة حتى لا يؤذي حر الصيف صحتك
كيف يمكن لأصحاب الأمراض المزمنة العبورُ الآمن من حر الصيف؟
ليس الأمر أبدًا بالمهمة المستحيلة، إذ يمكن لتعليمات بسيطة أن تُحدثَ فارقًا بارزًا، وتجنِّب الغالبية العظمى أصحاب الأمراض المزمنة الاخطار التي ذكرناها آنفًا …
الوقاية خير من العلاج
رأس الوقاية، هو تجنب التعرض للحر الشديد، وأشعة الشمس المباشرة، وقضاء النهار في مكان بارد، ويستحسن أن يكون مكيَّف الهواء. وفي حالة الاضطرار للخروج نهارًا، يجب تعويض ما يُفقَد بالعرق، بالشرب الجيد للسوائل، ومحاولة المشي في حماية الظلال، وترطيب سطح الجسم بالمياه ما أمكن، واستخدام كريمات الحماية من الشمس sunscreen بمعامل حماية SPF 30 على الأقل، والقادر على الحماية من أكثر من 97% من الأشعة فوق البنفسجية الضارة.
التغذية الجيدة المتوازنة، والغنية بالسوائل
أفضل الأطعمة في المواسم الحارة هي تلك الغنية بالسوائل مثل البطيخ، والخوخ، والخيار، والطماطم، والخس، والكرفس … إلخ، ولذلك يجب أن يكون لها نصيب وافر من الغذاء اليومي لأصحاب الأمراض المزمنة. وبالإمكان تنويع مصادر السوائل، بين شرب اللبن قليل الدسم، وشرب الماء مباشرة، وتناول أنواعٍ مختلفة من الحساء والعصائر الطازجة الباردة … إلخ، فهذا يعطي المزيد من القيمة الغذائية، بجانب تعويض فقدان السوائل. كذلك يحبذ استخدام بعض الإضافات التي تزيد فرص حدوث التعرق – يبرد العرق سطح الجسم وحرارته – مثل التوابل، والفلفل الحار.
كذلك يجب التقليل من تناول الأطعمة خارج المنزل ما أمكن ذلك، إذ تتزايد فرص تلوث الطعام، وفساده، في مواسم الحر الشديد، وتأثير الإصابة بتسمم الطعام يكون أخطر كثيرًا لدى أصحاب الأمراض المزمنة، والتي غالبًا ما تضعف أجهزة مناعتهم.
أيضًا يجب تجنب تناول الوجبات الثقيلة، لأنها يمكن أن تسبب أضرارًا عدة، تبدأ برفع درجة حرارة الجسم نتيجة زيادة تفاعلات الأيض الخلوي، ولا تنتهي بزيادة فرص تضرر الأعضاء الحيوية، نتيجة حرمانها من التغذية الدموية الكافية، حيث يسحب الطعام الثقيل، جانبًا كبيرًا من الدورة الدموية إلى الجهاز الهضمي.
ولا ننسى التأكيد على أن كل حالة مرضية مزمنة، لها نمطٌ خاص من التعليمات الغذائية، والتي ينبغي الالتزام بها، وفقًا لما ترسمه توجيهات الطبيب المختص.
الرياضة المنتظمة وفق ما تسمح به الحالة المرضية
للرياضة المعتدلة المنتظمة، دورٌ حيوي في تجنب الإصابة ببعض أهم الأمراض المزمنة، وعلى رأسها السكر والضغط وأمراض شرايين القلب. وفي حالة حدوث تلك الأمراض، فإنها تساعد كثيرًا في التحكم بأعراضها، وفي تقليل فرص حدوث مضاعفاتها.
من المفيد للغاية استغلال الأجواء المسائية الأكثر لطفًا، في ممارسة بعض الرياضة، بشكلٍ يومي، ولو مجرد المشي لـ 20-30 دقيقة. كذلك تعتبر السباحة المعتدلة من أنواع الرياضة الجيدة في المواسم الحارة، إذ بجانب فوائدها الجمَّة كرياضة، يساعد الماء على تبريد الجسم وترطيبه.
أيضًا تسهم الرياضة في تقليل السمنة، والتي تعد من عوامل الخطر التي تزيد فرص حدوث مضاعفات الحر الشديد لأصحاب الأمراض المزمنة.
الانتظام الجيد في علاج الأمراض المزمنة
كلما كانت الحالة المزمنة تحت السيطرة، عن طريق نمط الحياة الصحي، والعلاج الدوائي المنتظم تحت إشراف الطبيب المختص، العارف جيدًا بتاريخ الحالة وتطوراتها، كلما قلت فرص حدوث المضاعفات عمومًا، ومن بينها مضاعفات التعرض للحر الشديد بالطبع.
فمثلاً، الانتظام الجيد في علاج السكر يجنب المريض الإصابة بغيبوبات ارتفاع السكر، والتي إن حدثت، تسبب جفافًا شديدًا، قد يصبح مع التعرض للحر الشديد – ولو لوقتٍ قليل – قاتلًا.
اقرأ أيضًا: نصائح مهمة حتى لا يؤذي حر الصيف صحتك
طلب المشورة الطبية فورًا في حالة ظهور أيٍّ من أعراض الخطر
من أهم تلك الأعراض سخونة واحمرار الجلد، ارتفاع درجة حرارة الجسم خاصة إذا تجاوزت 39-40 درجة مئوية، والشعور بالدوخة والغثيان، والصداع الشديد، والإصابة بأيٍّ من درجات اختلال الوعي، وحدوث تشنجات صرعية، والإصابة بآلام الصدر، أو بضيقٍ شديدٍ في التنفس، أو نقص كمية البول أو انقطاعه أو تغير لونه إلى الأحمر أو الأسود … إلخ. كذلك يجب الكشف الطبي العاجل في حالة الإصابة ببعض الحالات المرضية التي تفاقم خطورة التعرض للحر الشديد، كالإصابة بنزلة معوية مصحوبة بإسهال شديد، أو حدوث القيء عدة مرات، إذ قد يسبب هذا الإصابة بالجفاف الشديد.
الخلاصة
كما يقول المثل المصري الدارج – بتصرف -: