هناك أسطورة صينية تحكي عن رسام، كان قد رسم واديًا، يشقه ممر يتلوى حتى يختفى وراء جبل. فتنه المنظر الذي أبدعه. دخل فيه ومشى في الممر حتى غاب وراء هذا الجبل ولم يظهر بعد ذلك أبدًا. تلح عليَّ هذه الحكاية الأسطورية حين أستمع إلى حسين سابزيان وهو يحكى عن الأثر الذي يتركه عليه مشاهدة فيلم سينمائي: «متى رأيت فيلمًا أذوب فيه، أتلاشى عن آخري، أضيع، فكأنما أفقد نفسي داخله».

سابزيان هو الشخصية الرئيسية في فيلم المخرج الإيراني «عباس كيارستمي» المعنون (close- up) الصادر عام 1990. حين يتحدث سابزيان عن السينما فإنه يصف دائمًا حالة كوجد الصوفيين، يحكي عن نوع من الفناء في المحبوب وعن ميلاد جديد مع كل فيلم جيد يشاهده. حين تطالع حياته ستكتشف أن هذا رجل تكاد حياته كلها  أن تكون اختبارًا لهذه المحبة.

ربما علينا أن نعود بالزمن إلى الوراء قليلًا، إلى خريف عام 1989 لنلتقى بسابزيان في لحظة مصيرية من حياته حين أدخلته يد الرب في التجربة، لنشهد اللحظة التي سيعبر فيه أخيرًا إلى الجانب الآخر من الشاشة إلى داخل الكادر حيث تشتبك حكايته الخاصة بحكاية السينما إلى الأبد.

اقرأ أيضًا: سينما «عباس كيارستمي»: الشعر أقدر على مجابهة الزمن

فلاشباك أول

 

 كان كيارستمي يعمل آنذاك على مشروع فيلم عن أطفال المدارس ومصروف الجيب، وكان على وشك أن يبدأ التصوير حين قرأ حوارًا صحفيًّا في مجلة سروش الأسبوعية بعنوان «القبض على مخملبوف المزيف»، عن عامل مطبعة فقير  ينجح في إقناع عائلة ميسورة الحال تدعى «آهنخواه» أنه المخرج السينمائي «محسن مخملبوف»، وأنه بالإمكان أن يصور فيلمه القادم «بيت العنكبوت» في بيتهم، وأن يضم أحد أبناء العائلة كممثل في الفيلم، ذلك قبل أن ينكشف سره ويتم إلقاء القبض عليه. بيت العنكبوت! هذا عنوان يصلح كمجاز لحكاية سابزيان. فتنت الحكاية كيارستمي، أمضى الليلة بكاملها يفكر في هذا الرجل قبل أن يقرر أن  حكايته هذه ستكون فيلمه القادم. يخيل لي أحيانًا أن هذه الحكاية لو لم تحدث في الواقع لاخترعها كيارستمي.

في فيلمه «المسافر» يدفع الشغف بكرة القدم الطفل جاسم أن يخدع الناس مقنعًا إياهم أنه يلتقط لهم صورًا  فوتوغرافية بكاميراه الفارغة للحصول على المال اللازم للذهاب لمشاهدة مباراة للفريق الوطني في طهران. جاسم بالطبع شخصية يمكن أن تتماهى معها سابزيان.إن الطفل بداخله هو الذي  يحركه أيضًا. الطفل الباحث عن لذته: لذة أن تسعى في أثر ما تحب أو أن تكون من تحب دون اعتبار للواقع، ما فعله سابزيان أقرب لهذا اللعب الطفولي الذي يتجاهل مبدأ الواقع.

في فيلم «أين منزل الصديق» بعد أن يعجز الطفل أحمد في إعادة دفتر واجبات صديقه، وتعاطفًا معه -كان المدرس قد توعد بطرد صديقه- يقرر أن يكون هذا الصديق ويكتب واجبه بنفسه، وفي اللحظة التي يقدم فيها الدفتر لمدرسه يقدم دفتر صديقه على أنه دفتره يقول له مدرسة من أنت؟ هل أنت نعمت زاده/ لقب صديقه؟ لدى كيارستمي ولع بمثل هذه الشخصيات التي تتخطى الحدود المتفق عليها لما هو مسموح، تحرك حدود الواقع قليلًا أبعد مما هو متاح. لا ليكشف لنا فقر الواقع وضيقه فقط، بل إن هناك براحًا أكثر قليلًا مما نعتقد، علينا فقط أن نكون مستعدين لدفع ثمن ذلك.

في كل منا شيء من سابزيان

 
باختراع الأكاذيب ربما لن نصل أبدًا للحقيقة لكننا سنكون دومًا في الطريق إليها.

يعرف كيارستمي جيدًا لماذا سينجذب مشاهدوه لحكاية سابزيان. يعرف أننا أقرب إلى أحلامنا مما نحن عليه في حياتنا اليومية. عندما لا تكون سعيدًا مع ذاتك الحقيقية تبدأ في التخيل. ما هو مثير في فيلم كيارستمي أنه لا أحد في الفيلم يبدو راضيًا عن ذاته. يرغب الصحفي  في تحقيق مثير يجلب له  الشهرة،  يريد أن يكون «أوريانا فالاتشي»، نلمح  النظرة المعلقة لسائق التاكسي – الذي كان طيارًا زمن الحرب – بطائرة تعبر سماء المشهد، ربما يحن إلى ذاته القديمة، وكذلك ابن عائلة آهنخواه الذي يرغب في أن يكون ممثلًا.

أرادت العائلة أن تصدق سابزيان، لأنهم رغبوا أن يظهر بيتهم في السينما، لحظة ستجلب لهم الكثير من الوجاهة وإن أنكروا لاحقًا هذه الرغبة، لكي لا يظهروا أمام الجميع مثل السذج. يأسرنا سابزيان لأنه استطاع أن يسير خلف رغبته بينما نحن نكبت رغباتنا. لم يبالِ بثمن الرغبة، لم يعترض على العقاب، كل ما أراده أن يعرف الجميع أنه أكثر مما يبدو عليه، أنه محب للفن أو ربما فنان فوحده الفنان الذي يستطيع أن يكذب مثل هذه الكذبة الجميلة.

 يكتب المحلل النفسي جاك لاكان عما يسميه مرحلة المرآة وهي مرحلة أساسية في تشكيلنا النفسي.  تكون في الشهور الأولى من حياة الطفل، لماذا ينجذب الطفل الذي يبلغ عمره ستة شهور لصورته في المرآة؟  يمكنه أن يظل محدقًا فيها لزمن طويل لأن باستطاعته أن يرى جسده كاملًا  بينما في الواقع لا يمكن أن يرى سوى أجزاء متفرقة من جسده/ أشلاء، إذا هذه الصورة في المرآة تمنحه وهم الاكتمال. ما يراه لاكان هنا أننا منجذبون منذ الطفولة الأولى لصورة محرفة عن الذات يمكن أن نسميها الذات المثالية، وكلما زادت المسافة بين هذه الصورة وبين ما نحن عليه في الواقع زادت معاناة الإنسان. في ضوء ذلك بإمكاننا أن ندرك معاناة سابزيان كرجل يعيش في الخيال أكثر من الواقع، يقتات على تجسدات خيالية على شاشة السينما تنسيه ذاته الحقيقية.

سابزيان ما بعد «كلوز أب»

https://www.youtube.com/watch?v=bdJQvtapgOQ

لينك فيلم close- up long shot

ينتهي (close- up) بنغمة متفائلة إلى حد ما. سابزيان مجددًا على باب بيت العائلة التي سبق أن خدعهم ومعه مخملبوف. يخبر مخملبوف السيد آهنخواه بأن سابزيان قد تغير، وأن عليه أن يراه بعيون جديدة، فيجيبه: أتمنى أن يكون حسن السلوك وأن يجعلنا فخورين به. مع  كل مرة أشاهد فيها نهاية الفيلم يأخذني الفضول بشأن ما جرى له وما فعلت به الأيام؟ لأكتشف بداية: وفاته في التاسع والعشرين من سبتمبر 2006 مبكرًا في عمر الثانية والخمسين.

هناك فيلمان وثائقيان صُنعا عنه فيما بعد كلوز أب أولهما: (close- up long shot) للمخرجين مسلم منصوري ومحمود شكر الله من إنتاج عام 1996، وهو متاح على موقع youTube بترجمة إنجليزية ومنه استقيت العديد من قصص هذا المقال بالإضافة لشذرات من مقالات عن (close up)  أو مقابلات مع كيارستمي أفادتني في تصور شكل حياته ما بعد فيلم كلوز أب. الفيلم الثاني بعنوان (the film school of hossein sabzian) للمخرجة آزاده أخلاقي التي عملت مساعدة مخرج مع كيارستمي في الفترة من 2005 إلى 2008 قبل أن تتفرغ لاحقًا للفوتوغرافيا. لم أجد أي مصدر متاح لمشاهدته.

يحكي كيارستمي أنه بعد 3 أو 4 سنوات من عرض (كلوز أب) كان هناك أحد المهرجانات السينمائية في طهران  يعرض فيلم سيرجي باراجانوف (لون الرمان- the color of pomegranates). كنت أرغب في مشاهدة الفيلم، لكن لم أنجح في الحصول على تذكرة له. كان سابزيان داخل صالة العرض وحين علم بوجودي خرج وأدخلني معه بعد أن قدمني لمسئول المهرجان، كان قد صار أكثر شهرة مني آنذاك. هذه لحظة عاشها الكثير من ممثلي السينما الإيرانية غير المحترفين الذين ينالوا الشهرة قليلًا بعد مشاركتهم في فيلم ما، ثم يطويهم النسيان. كان سابزيان يتصل بكيارستمي أحيانًا أو يذهب لزيارته قبل أن يُفقد أثره لعدة سنوات. خلال هذه السنوات كان سابزيان يبيع أسطوانات  مدمجة لأفلام سينمائية في باصات جنوب طهران. يلتقي به أحد الأصدقاء القدامى داخل أحد هذه الباصات، ربما لمح في عين صديقه سؤالًا عما وصل إليه، فيخبره ماذا تريد أن أقول لك: حلمت أن أكون جنرالًا وانتهى بي الحال جندي مشاة.

توفيت والدته خلال هذه الفترة، وبالقليل الذي ورثه منها اشترى كاميرا. ربما حلم كثيرًا بما سيصوره بهذه الكاميرا، لكنه لم يستخدمها قط. في وقت فراغه يكتب سيناريوهات ويرسلها لمخرجين سينمائيين لكنها كانت تعود دائمًا بالرفض.

في 2006 تواصل مدير مهرجان بوسان الكوري باعتباره أحد المعجبين بفيلم كلوز أب مع كيارستمي، وأراد عرضه في المهرجان بحضوره وحضور سابزيان.

رفض كيارستمي فكرة حضور سابزيان: كان خائفًا من أن يسبب ذلك مزيدًا من العذاب لسابزيان كيف سيتحمل العودة لإيران بعد أن رأى عالمًا مختلفًا ولقي الاهتمام والاحتفاء الذي ينشده واقترح عمل فيلم وثائقي عنه. تواصل  كيارستمي معه وأخبره بذلك، كان سابزيان غاضبًا جدًّا من رفض كيارستمي حضوره للمهرجان. اتفق كيارستمي معه على اللقاء في السابعة صباحًا بأحد الميادين من أجل بدء العمل على الوثائقي. تأخر سابزيان عدة ساعات عن موعده وحين تواصل معه اكتشف أنه أصيب بأزمة تنفسية حادة بمترو طهران، دخل إثر مضاعفاتها إلى العناية المركزة. ظل غائبًا عن الوعي لـ 4 شهور قبل أن يتوفى. بماذا كان يحلم سابزيان خلال نومه الطويل؟

فلاشباك ثانٍ

 

كان في سن العاشرة تقريبًا حين أخذه والده من يده إلى واحدة من دور العرض السينمائية في مدينة أصفهان، ومنذ هذه اللحظة تغيرت حياته إلى الأبد. يتذكر سابزيان العمل السينمائي الذي شاهده ذلك اليوم: (The bride of the sea) وهو فيلم إيراني من إنتاج عام 1965. خرج حسين سابزيان الطفل من السينما هذا اليوم تاركًا قلبه هناك عالقًا في ظلام قاعة العرض محاطًا بذكرى الأطياف وبقايا الصور. لذلك كان لزامًا عليه أن يعود مجددًا لهذا المكان. كل صباح يحمل كتبه المدرسية ويذهب إلى السينما بديلًا عن المدرسة، وفي المساء وقبل أن يعود إلى بيته، كان يكتب في دفاتره واجبات وهمية ثم يمنح نفسه درجة عليها ويوقع باسم مدرسيه كي لا ينكشف أمره، ربما شاهد ذلك في أحد الأفلام. بعد ثلاثة شهور افتضح سره ونال عقابه في المدرسة والبيت مع وعد بألا يكرر فعل ذلك مجددًا. ذات يوم منحته أمه نقودًا لشراء الجازولين للبيت، ترك الزجاجة الفارغة في الحمام وأخذ المال وذهب للسينما ليشاهد فيلم (The hell under my foot).

مشهد كهذا حدث في فيلم «سينما باراديسو الجديدة – nouveau cinema paradiso» للإيطالي «جوسيبي تورناتوري»، حين يتفق الطفل الفقير سالفاتوري/ توتو النقود التي منحتها له الأم من أجل شراء اللبن على السينما. فيلم آخر عن طفل مهووس بالسينما في قرية نائية في صقلية. كبر توتو الإيطالي وصار مخرجًا لكن الحياة كانت أكثر قسوة مع سابزيان. لا أعرف إن كان سابزيان شاهد هذا الفيلم أم لا، ربما شاهده وتوحد أيضًا مثلما توحدنا مع توتو، وربما شاهده وكرهه لأنه ينكأ جرحه.

خوفًا من العقاب، لم يعد للبيت وأقام في بيت أحد أصدقائه لعدة شهور قبل أن تعثر عليه عائلته لينال عقابه مجددًا. أخرجه والده من الدراسة وجعله يذهب معه إلى العمل، لكن حسين لم يتوقف عن الذهاب للسينما حتى فاض الكيل بأبيه. أخذه من يده مجددًا دون أن يخبره إلى أين، ربما ظن حسين لوهلة أنهما ذاهبان إلى السينما لكن الجهة المقصودة كانت بيت أحد أصدقاء الأب. كان صاحب البيت في انتظار الأب مع عشرة أصدقاء آخرين،  بدأ الأب يسألهم عما يجب أن يفعله مع ابنه؟ وهنا  أخذوه إلى القبو، تحلقوا حوله وتناوبوا في ضربه وسط ذهول الصبي وضحك الجميع من حوله. كأس من العذاب في صحة السينما لن يكون الأخير.

 حين كان يلعب مع أصحابه كان يحلو له أن يمثل دور مخرج سينمائي، لكن الدور الذي منحته له الحياة كان دور عامل في مطبعة. يتزوج، يصير أبًا لابنين ثم تنفصل عنه زوجته وتأخذ أحد الولدين معها تاركة له الآخر ليعيش معه. يشاهده الجيران والأصدقاء يحمل معه دائمًا كتابًا عن السينما، مجلة أو سيناريو لأحد الأفلام، وحين يسألونه عن ذلك يجيبهم ببساطة:  أنا أحب السينما. كلما ضاقت الحياة عليه صار أكثر توحدًا مع نفسه وانغماسًا في أحلامه. يأتي يوم يصعد إلى أحد الباصات ومعه سيناريو أحد الأفلام التي يعشقها، فيلم يعبر أكثر من أي فيلم آخر عن معاناته، يعتبره قطعة من روحه وهو فيلم «الدراج» لمخملبوف. ربما أراد أن يتحدث لأحد عن الفيلم وسيكون الكتاب مبررًا لفتح الموضوع ربما شاهد أحدهم السيناريو في يده وذهب ليشاهد الفيلم وفي معاناة نسيم بطل الفيلم سيلمس معاناته. تسأله السيدة التي تجلس إلى جواره عن المكان الذي حصل منه على الكتاب فيجيبها من أحد المكتبات. يعرض عليها أن تأخذه  كهدية لكنها ترفض وتسأله عن عنوان المكتبة، فيخبرها أنه كاتب الكتاب مستعيدًا لأول مرة منذ زمن طويل روح اللعب الطفولية لديه حين كان يلعب مع أصحابه، ثم يتقمص الدور أكثر ويوقع لها الكتاب.

أتوقف قليلًا أمام اللحظة التي يبرر فيها سابزيان أثناء محاكمته المصورة في فيلم (close- up) لماذا أخذ مالًا من العائلة؟ يخبرنا سابزيان، ينبغي للمخرج أن يمتلك مالًا، كانت فكرة أن يعود في الليل بعد مغادرة العائلة سابزيان الفقير تؤلمه، لا ينبغي لمخرج سينمائي كمخملبوف أن يكون مفلسًا لدرجة ان  يكون عاجزًا على جلب هدية بسيطة لابنه أو أن يصحو من النوم فلا يجد في بيته كسرة خبز، هذا يكسر الإيهام . هذا رجل يريد أن يتوحد مع قناعة، ولا يريد أن يفرط في تلك المساحة التي حفرها في جدار الواقع حيث بإمكانه أخيرًا أن يؤدي دورًا طالما رغب فيه، يقول أشياء طالما حلم أن يفصح عنها ويجد من يستمع إليها باهتمام.

حين التفتت السينما نحو سابزيان

لقطتا نهاية أضواء المدينة وكلوز أب

هناك الكثير من التقاطعات بين نهاية فيلم كيارستمي وواحدة من أكثر نهايات الأفلام أيقونية، نهاية فيلم أضواء المدينة لشابلن. خرج صعلوك شابلن من السجن لتوه مثل سابزيان. فعل كل شيء من أجل الفتاة التي أحبها، من أجل أن تستعيد بصرها ولكنه حين يواجهها الآن خائف أن تراه أو تتعرف عليه.

إنه متشرد وليس ثريًّا كما تظن، تمنح الفتاة الصعلوك وردة وقطعة نقود لأنه أضحكها، لكنها تتعرف عليه من يديه اللتين كانتا  دائمًا مصدر إحسان ولطف زمن عماها. لتكتشف أن هذا الصعلوك هو فارس الأحلام الذي تنتظره. يسألها هل ترين الآن:  تجيب بشيء من المرارة: نعم أرى. نعم تبصر، ونعم ترى فارس أحلامها الآن. تحتضن يده وتضعها على قلبها وتنظر إليه بامتنان، ثم تقطع الكاميرا إلى وجه شابلن المبتهج بهذا الامتنان ممسكًا بوردة الحب بين أسنانه. إنها تقبله الآن، تعرف أنه أكثر من مجرد صعلوك. توقه للحب يكلل بهذا الاعتراف والامتنان دون وعد بمآل هذا الحب.

ينتهي فيلم كلوز أب بتجميد للكادر (freeze frame)  حيث لا يزال سابزيان يحمل الورد الذي جلبه كاعتذار في يده وبقايا ابتسامة صغيرة على وجهه. في لغة السينما  يسمى هذا الكادر بالإطار الثابت أو الأثر المفاجئ ويكون غالبًا ذا أثر شعري أو تعبيري، لكن الأهم أنه يضع الوسيط السينمائي في المقدمة، كأنك تربت على كتف المشاهد برفق لينتبه، أنت تشاهد فيلمًا الآن، أفق قليلًا من انغماسك.

الكادر الثابت هنا يمثل لمسة لطف بالغة من كيارستمي، وكأن السينما تلتفت أخيًرا  لحسين سابزيان وتمنحه الاعتراف والقبول.