أمل ما بعد «سنوات اليأس»
كثير من السيدات يقعن في أزمة نفسية مع كل تقدم بالعمر وخصوصًا حينما يكسرن حاجز سن الثلاثين، ولكن الأسباب تكون مختلفة بين كل واحدة والأخرى.
هناك من ستراها من ناحية المظهر وتبدأ في الخشية من ظهور علامات الكبر التي ستلاحقها بعد بضع سنوات والتي – من وجهة نظرها – تفقدها بريق جمالها أو مؤشر لقرب انقضاء أيام شبابها، وأخريات تراهن من ناحية الإنجاز المهني، فقد يرى البعض أن هذا العمر يعني معه نقص الفرص في تحقيق إنجاز كبير كانت تسعى إليه مقارنة نفسها مع من حولها ممن هم أصغر أو أكبر سنا وتغض الطرف عن النماذج الناجحة التي شرعت في تحقيق أحلامها بعد سن الثلاثين مثل «جوان رولينغ» مؤلفة سلسلة هاري بوتر أو «فيرا وانج» مصممة ملابس الزفاف أو «مارثا ستيوارت» مصممة ديكورات المنازل أو «جوليا تشايلد» الطاهية الفرنسية.
هناك من ستراها من الناحية الاجتماعية إن كانت ما زالت تبحث عن الشريك الذي سيكون له شقا رئيسيا من جوانب حياتها وكثرة حديث الأقارب عنها وبدء إطلاق الاتهامات عليها بعبارات العنوسة، وذلك الأمر الذي بدوره قد يدخلها في حلقة جديدة وكبيرة من التفكير حول ما إذا تأخرت أكثر من ذلك عن الزواج فستدخل في حلقة من مشاكل الإنجاب والتي من الممكن أن تكون عقبة تكدر الكثيرين وتدفعهن للجوء إلى الزواج السريع وبدون تفكير في شريك بعينه، ولكن الأهم أن تلحق بذلك القطار الذي لن ينتظرها قبل أن تكون على مشارف هذه السن المسماة بـ«سن اليأس» والتي ستحطم لها حلما قد يعنيها كثيرا وهو أن تصبح أماً، ولكن لنستفيض هنا قليلا، ونرى هل حقا انتهى الطريق عند تلك النقطة وأصبحت سن اليأس واقعا يؤرق حياة كافة النساء؟
ما هي سن اليأس؟
سن اليأس أو المعروفة باسم «انقطاع الطمث – Menopause» هي المرحلة التي تكون عندها السيدة قد انقطعت عن الدورة الشهرية بصورة نهائية، وبالتالي انقطاع خصوبتها الإنجابية تماما لعدم قدرة المبايض للقيام بدورها وإنتاج البويضات، وهي حالة طبيعية من التحول وليست مرضا، ولكنها مع ذلك تحمل تأثيرات كثيرة على صحة المرأة، فتحمل سن اليأس معها الكثير من الأعراض المؤرقة مثل: الهبات الساخنة، والتعرق الليلي، واضطرابات النوم، وجفاف المهبل، ويظل السبب الرئيسي في سن اليأس هو التقدم في العمر فغالبا ما يحدث بين عمر الـ40-50 عاما، ولكن قد يحدث بصور أخرى مثل العلاج الكيماوي أو العلاج الإشعاعي حينما لا تقم السيدات بتجميد بويضاتهن، أو عمليات استئصال الرحم، كما أن النساء المدخنات يبدأن في سن اليأس مبكرا عن غير المدخنات، ويمكن تحديد إن كن قد بدأن فيه أو لا من خلال متابعة حالة انقطاع الطمث لمدة لا تقل عن 12 شهرا متتالية حتى وإن لم تظهر الأعراض الأخرى بعد.
تحدث هناك كثير من المؤشرات التي تدل على اقتراب انقطاع الطمث، فلا يحدث فجأة ولكن بشكل تدريجي، ففي الأشهر الأخيرة قبل بدايته تبدأ المرأة بحالة من عدم انتظام الطمث وظهور بعد الأعراض البسيطة ولكن بصورة غير ثابتة، وأحيانا قد ينقطع لديها الطمث لأشهر ويعود مرة أخرى، ولكنها مع ذلك تظل قادرة على الإنجاب في تلك الفترة، وكذلك لا يمكن مقارنة حالة بالأخرى فهو ليس شيئا ثابتا لدى جميع السيدات فالعوامل المسببة له تختلف وكذلك أعراضه، فليس بالضرورة أن تواجه جميع السيدات نفس الأعراض أو بنفس درجة شدتها.
تتجه الكثير من السيدات بعد بدئهن لفترات انقطاع الطمث إلى عديد من الأدوية لتقليل تلك الأعراض ولكن أغلبها تكون بدائل هرمونية، والتي حذرت منظمة الغذاء والدواء بأنه لا يجب استخدامها سوى لفترات قصيرة، حتى لا تسبب زيادة خطورة التعرض للكثير من الأمراض أو المشاكل الضخمة مثل النوبات القلبية أو السكتات الدماغية أو جلطات الدم أو سرطان الثدي، ولذلك فترتكز أغلب العلاجات البديلة على أدوية عشبية أو وسائل تعتمد على الأغذية الصحية، وممارسة الرياضة، وتحسين النوم، وتخفيف الضغط والاكتئاب.
ولكن كثيرا من سيدات المجتمعات الغربية قررت أن تتوقف عن اعتبار تلك المرحلة العمرية هي محطة النهاية بالنسبة لحياتهن، بل يجب أن تعتبر كبداية حقبة جديدة من الحرية والنشاط وأن تستمر في ممارسة حياتها بصورة طبيعية وأفضل، وواحدة من تلك السيدات هي الطبيبة كريستين نورثوب الخبيرة في صحة النساء، دعت كل سيدة على مشارف بدء حياتها مع سن انقطاع الطمث أن تحتفل بتلك المرحلة، وأن تعتبرها خطوة جديدة من السعادة والنشاط لتتعرف على نفسها مرة أخرى وألا تقطع علاقتها مع حياتها الجنسية بل تحييها بشكل جديد.
رغبة الأمومة
على الرغم من كل تلك المحاولات كان يظل العائق الوحيد لدى أي سيدة هو رغبتها في أن تصبح أماً بأي شكل من الأشكال، وخصوصا لهؤلاء اللاتيعانين من مشاكل حالت دون تمكنهن من الحمل والاستقرار لتكوين عائلة، أو من انشغلن في رحلتهن المهنية دون البحث عن أي شريك حتى اقترب منهن صوت ناقوس الخطر الذي خشين منه، ولكن هل توقفت هنا آمالهن؟
سعى الأطباء والباحثون كثيرا من السنوات محاولين بكافة طاقتهم إيجاد حل لتلك الأزمة، ولكن ظل أغلبها يمتلك نسبة فشل تفوق نسب نجاحه، وكان من تلك المحاولات هي تجارب اعتمدت على اللحاق بالفرص الأخيرة لتلك السيدات قبل انقطاع مبايضهن عن عملية الإباضة بصورة نهائية، وتلك الطرق هي ما تتم إما بوسائل التلقيح الصناعي أو الطبيعي.
وهي تلك الوسيلة التي تعتمد في الأساس على حقن المبايض بهرمون ليحفز إنتاج البويضات بشكل أكبر ثم يتم أخذ تلك البويضات من السيدة وتلقيحها داخل المعمل بحيوانات منوية من زوجها وبعد ذلك يتم حفظها لمدة من 3 لـ5 أيام، ثم يتم فحص أيهما له مقدرة أكبر على النجاة لتتم إعادتها إلى تلك السيدة وحقنها في بطانة الرحم لتكمل عملية النمو حتى يتكون في النهاية الجنين.
ولكن ما تزال هذه الوسيلة مقتصرة فقط على من لديهم فرص في عملية التبويض وجودة تلك البويضات أو إمكانية إنجاح الحمل ولذلك فنرى أن نسب نجاحها تقل مع كل تقدم بالعمر، فالسيدات في سن الخامسة والثلاثين تكون نسب نجاح العملية تصل إلى حوالي 43%، على عكس ممن هن في سن الأربعين تكون نسب نجاح العملية لا تتعدى 18% فقط، وعليه فلا تزال السيدات اللاتي وصلن لمرحلة انقطاع الطمث بلا أي أمل في أن يمتلكن أطفالا، ولكن هل وجد العلم حلا لتلك الحالة؟
أمل ما بعد سن اليأس
في شهر يوليو/تموز الماضي نشر عدد كبير من الصحف العالمية خبرا كان الأول من نوعه، وقد حمل الخبر نفس العنوان:انعكاس انقطاع الطمث يعيد الدورة الشهرية وإنتاج البويضات المخصبة، وقد حمل في عباراته أن النساء اللاتي بالفعل تعدين سن اليأس وانقطع الطمث لديهن أصبح عندهن فرصة جديدة في الحمل وامتلاك أطفال بواسطة علاج جديد وهو الذي قام به باحثون في مركز Genesis Athens اليوناني للخصوبة.
قامت فكرة العلاج الجديد بالكامل على مكونات الدم وهي أن أحد تلك المكونات هي الصفائح الدموية المسؤولة عن التئام الجروح ونمو الأنسجة والأوعية الدموية وإصلاح تلف العضلات والعظام، وذلك من خلال فصل ذلك المكون بجهاز الطرد المركزي عن باقي مكونات الدم فنحصل على بلازما الدم الغنية به بمفرده، ثم قاموا بحقنه في مبيض عدد من السيدات وتابعوا بعدها تقدم تلك المبايض والتأثيرات التي يتعرضت لها فوجدوا بعد فترة أن تلك السيدات تمكن مرة أخرى من استعادة قدرتهن على إنتاج البويضات وعادت دورتهن الشهرية، وكانت منهن سيدة انقطع عنها الطمث لحوالي 5 سنوات كاملة، ولكن مع ذلك لم يعرفوا كيف يعمل ذلك العلاج، ولكن كل ما توقعه بأن الخلايا الجذعية المسؤولة عن إنتاج البويضات تنشط بفعل تلك البلازما المحقونة وتستعيد قدرتها بالإضافة إلى تنشيط إنتاج الهرمونات فتعود المرأة للخصوبة من جديد.
كانت تجاربهم حينها على ما يقرب من 30 سيدة تتراوح أعمارهن بين 46-49 عاما، أغلبهن أردن أن يحصلن على فرصة جديدة للحمل ولكن كان هناك جزء منهن يردن فقط التخلص من تلك الأعراض المؤرقة لسن اليأس، كما أن من أردن الحمل هناك منهن من سيحتجن إلى علاج طويل نتيجة وجود مشاكل أخرى في الرحم، ولكن هناك من هن مستعدات لذلك وبالفعل قام الفريق بالحصول على بعض تلك البويضات وقمن بتلقيحها صناعيا، ولكن على الرغم من ذلك رفض كثير من الباحثين في أماكن أخرى عند معرفتهم بتلك الأخبار ما قام به هؤلاء الأطباء، حيث إنهم لم يأخذوا النهج المعهود للأبحاث بصورة رسمية، فكان يستدعي على الأقل أن يقوموا بتجربة تلك الفكرة على الحيوانات أولا ولكنهم قرروا أن يخوضوا تلك المخاطرة، وهي ما قد تبشر بمشاكل أكبر، وفريق آخر لم يهاجم ما فعلوه ولكنهم رأوا أن تجربة مثل تلك قبل أن يتم اعتمادها عليهم أن يقوموا بتجارب عدة على كثير من الحالات العشوائية لرؤية مدى نجاحها وأيضا متابعة محاولات الحمل بعدها وإلى ماذا ستصل بتلك السيدات في نهاية المطاف؟
وبعد انقطاع عن الأخبار لفترة استمرت لثمانية أشهر عادت مرة أخرى تزف أنباء مهمة جدا، ففي شهر مارس/آذار أعلن الفريق بأن إحدى السيدات أصبحت الآن في شهرها السادس من الحمل بعد أن تلقت العلاج، وعند لقاء تلك السيدة -التي تبلغ من العمر 40 عاما- مع عدد من الصحف لتحكي عن قصتها مع العلاج، قالت إنها من بعد ولادة أول طفل لها في عام 2009 وهي تحاول أن تحصل على طفل آخر، وقد قامت بستة محاولات من التلقيح الصناعي ولم تنجح أي منها، حتى أن طبيبها قد نصحها بالتوقف عن المحاولة ويمكنها أن تتبرع ببويضاتها إلى سيدات أخريات قد يمتلكن فرصة أفضل منها في الحمل، وأنه أخبرها بأنها قد اقتربت من سن اليأس وكثيرا من بويضاتها فارغة وغير صالحة للتلقيح، حتى إنها قد قامت ببيع كل شيء خاص بطفلها الذي حاولت الحصول عليه ولكنها ومع ذلك بعد أن عرفت بالعلاج من خلال ذلك المقال الذي نشر في شهر يوليو/تموز عن تجارب هؤلاء الأطباء، قررت أن تسافر إلى أثينا في اليونان لتتلقى ذلك العلاج مقابل ألف يورو والذي تم في يوم واحد، وفي اليوم التالي قبل عودتها إلى ألمانيا تم فحصها مرة أخرى للاطمئنان على صحتها، وبعد أن أخبرت أطباءها في العيادة الخاصة بها عن تلقيها للعلاج ضحكوا من تلك التجربة.
ولكن المفاجأة كانت أنها تمكنت من إنتاج ثلاث بويضات جيدة وإحداها ذات شكل مناسب لأول مرة عن كل المحاولات السابقة وقادرة على التلقيح الصناعي، وهو بالفعل ما قامت به والآن هي أصبحت في الأسبوع الثلاث والعشرين من حملها والتي عرفت بأن الجنين هي فتاة والتي اعتبرت ما حدث لها معجزة.
كما أن هناك حالة أخرى نجحت هي الأخرى في عملية التلقيح وتمكنت من عبور الثلث الأول من الحمل ولكن ساءت حالتها وأجهضت، ولكن كما قال الطبيب من مركز Genesis Athens أنها متفائلة جدا ومستعدة لتجربة التلقيح مرة أخرى وهي واثقة أنها ستتمكن من الحمل، كما قال إن عدد الحالات التي وصلت إليهم تقريبا 180 حالة ومن بلدان مختلفة فهناك سيدة قد جاءت إليهم من منغوليا أيضا، ولكن ما زالت أبحاثهم مستمرة لفهم كيف يعمل ذلك العلاج ولتأكيد توقعهم الذي يخص علاقته بالخلايا الجذعية.
الأزمة الأخلاقية في الحمل
مع كل تلك الأخبار المبشرة والآمال الكبيرة التي قد يعلقها الكثيرون على العلاج يظل هناك العقبة الأخلاقية التي ستواجهه، وهو هل يجب أن يتم وضع حدود على فئة عمرية معينة لتعالج به أم يترك متاحا للجميع، وبالأخص في السيدات اللاتي قد تعدين حاجز الستين من أعمارهن، وأن الحمل يصبح خطرا كبيرا مع الشيخوخة، ولكن هناك من يتأخرن كثيرا على ما أن يجدن شريكا مناسبا لهن، فهل يمنع عنهن فرصة أن يتمكن من الحمل أم تكون متاحة لهن، أم يقتصر العلاج فقط على من تعرضن لسن اليأس المبكرة بصورة طبيعية أو نتيجة العلاج الكيماوي أو العلاج الإشعاعي، ولكن الباحثين لم يضعوا لذلك الأمر اهتماما كبيرا الآن لحين الانتهاء في البداية من كافة تجاربهم حتى يتمكنوا من التأكد من فاعلية علاجهم ونجاحه ثم يرون ماذا سيفعلون به حينها.
ولكن حتى يأتي ذلك اليوم، فهل سينجح هؤلاء الأطباء في هذا العلاج وسيكون حلا لهؤلاء السيدات؟ وكم سيدة على استعداد أن تقوم بتلك الخطوة؟ وهل حقا هناك من تعدين سن الستين سيظل عندهن الرغبة في امتلاك أطفال متحدين خطورة الحمل مع الشيخوخة؟ وهل في ظل كل الدعوات لنشر ثقافة اللاإنجابية هل ستجد تلك الأخبار سبيلا لها أم سينشأ نزاع قوي بين الطائفتين؟