الأبقار المقدسة: «هتاكلوا برشلونة يعني»؟
«الأبقار المقدسة في برشلونة». مصطلح عرف طريقه إلى كل وسائل الإعلام خلال السنوات العشر الأخيرة والسبب لا يتعلق فقط بكرة القدم.
هذا ما يمكن أن نوجز به حديثًا طويلًا سيتطرق إلى كرة القدم قليلًا، وإلى خارج مستطيلها الأخضر أكثر بكثير.
حين ترى جوردي ألبا وسيرجيو بوسكيتس وعلى الأخص جيرارد بيكيه يجلس على دكة بدلاء برشلونة دون فرصة كبيرة للعب، عليك أن تعلم أن الأمر أكبر من مجرد كرة قدم، هذا ببساطة لأن مشروع بيكيه على وجه التحديد في برشلونة هو مشروع استحواذ كامل.
بشرى لكل برشلوني: ميسي عاد!
كيف ذلك؟ قبل أن نتناول بيكيه باستفاضة، دعنا نعرج إلى أهم الأبقار المقدسة خلال السنوات الأخيرة، الذي يرتبط اسمه ببرشلونة في كل سياقات التناول حتى بعد أن رحل عنه. ليونيل ميسي، أعظم لاعب في تاريخ برشلونة دون منازع، الذي يرجو كل مشجعي برشلونة أن يرتبط بالنادي مجددًا في أي دور، ولكن هل تعلم أن هذا قد حصل بالفعل؟
ليونيل ميسي يملك نسبة في ملكية برشلونة الآن. أمر مفاجئ أليس كذلك؟
برشلونة وكي يتخلص من ديونه المتراكمة ويستطيع تسجيل لاعبيه في الميركاتو الصيفي المنصرم، أبرم عديدًا من صفقات بيع الأصول ضمن ما سماه «الرافعات الاقتصادية».
وضمن ذلك المخطط، باع برشلونة 24.5% من حقوق استوديوهاته لشركة «سوسيوس» وموقعها الإلكتروني الذي يحمل ذات الاسم.
الاستوديوهات نفسها بيعت أكثر من مرة؛ لأن برشلونة لم يكن يبرم عمليات البيع بشكل حصري للمشترين. في نهاية الميركاتو حسمت تلك الاستوديوهات الموازنة الكتالونية، وكانت العلامة التي أنجحت مساعي لابورتا في تسجيل كل صفقاته الجديدة ولكن بعد بيع 49.5% من أصولها، وتبقي 50.5% لصالح برشلونة كي يواصل الاستحواذ على قراره فيها دون أي مضايقات من المشترين.
ما يهمنا الآن هو «سوسيوس» التي تدعم صناعة «البلوك تشين» للمعاملات المالية ودخولها لمجال الرياضة بين المشجعين. يملك ميسي نسبة في أسهمها نظير حملة دعائية رئيسة في شراكة طويلة الأمد مع المنظمة خصوصًا في مشروعاتها بقارة أمريكا الجنوبية، ويتقاضى منها سنويًا 20 مليون يورو.
ولكن ملكية ميسي بعيدة بعض الشيء، وحتمًا لم يكن الأرجنتيني على علم بتوجهات المنظمة الاقتصادية حيال مسألة استوديوهات برشلونة، صحيح أن الواقع الآن يقول إن الأرجنتيني بات أحد ملاك برشلونة الكثر جدًا، إلا أن حالة بقرة مقدسة آخر، تنضح بالتفاصيل المادية.
هتاكل برشلونة يعني؟
جيرارد بيكيه، أحد أكثر من دمجوا الرياضة بـ«البيزنيس» من خلال شركاته التي افتضح في كثير من الأحيان تدخلها في أمور تجعل تضارب المصالح أمرًا حتميًا، ولكن هل وصل الأمر إلى برشلونة؟
التفاصيل الصادمة آتية إليك. حاول بيكيه شراء برشلونة أكثر من مرة، بالتحديد في مناسبتين تم رفضهما من قبل إدارتي جوسيب ماريا بارتوميو وخوان لابورتا على الترتيب. المحاولتان كانتا عن طريق شركته العملاقة «كوزموس» المختصة بالخدمات الإعلانية.
«كوزموس» تلك كانت من أهم ملفات صراع بارتوميو مع كبار برشلونة الشائك، الذي اقتضى تفجر ما يعرف بفضيحة «بارسا جيت» حين تعاقد النادي من ميزانيته المعلنة مع شركة لترويج محتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي ينال من كبار الفريق وعلى رأسهم ليونيل ميسي وجيرارد بيكيه ولويس سواريز وجوردي آلبا.
في 2021، أعلنت صحيفة «سبورت» المقربة من البيت الكتالوني أن بيكيه عرض شراء 49% من شركة برشلونة بواسطة شركته «كوزموس» التي تدير أعمالًا عديدة على الصعيد الكروي، منها المساهمة على سبيل المثال في إقامة السوبر الإسباني بالمملكة العربية السعودية.
العرض قوبل برفض قاطع من إدارة بارتوميو، ليعود بيكيه في الصيف الماضي فقط ويطرح عرض شراء جديد في عهد لابورتا مجربًا تداعيات الأزمة الاقتصادية الطاحنة واتخاذ برشلونة قرارًا واضحًا ببيع أصوله.
حينها رفض لابورتا إعطاء شركة بيكيه 24.5% من الاستوديوهات أيضًا، ذات النسبة التي حصلت عليها «سوسيوس» وحينها غلّب على شركة بيكيه عرضًا آخر من «أورفيوس ميديا» التي نجحت في الدخول ضمن ملاك استوديوهات البارسا.
بيكيه: ابن مخلص أم مستثمر؟
يتعامل بيكيه مع برشلونة بوجهين. الوجه الأول هو جيرارد بيكيه المخلص ابن «لا ماسيا» الذي لا يجد غضاضة في تقليص راتبه أو جدولته على سنوات عديدة. لا يحدث المشكلات بالجلوس على دكة البدلاء ويستعد لتحمل إخفاق الفريق في أي مناسبة ويعلن نفسه كأول الراحلين إذا احتاج الفريق ذلك كما حدث بعد فضيحة الثمانية من بايرن ميونخ في 2020.
يسهل حصول برشلونة على رعاية من «راكوتين» وينفذ تعليمات النادي الدعائية إذا تعلق الأمر بشركة «كوزموس» رغم أنه أنتج في وقت سابق فيلمًا بعنوان «القرار» في 2018 يشرح حيثيات رفض أنطوان جريزمان لعرض من برشلونة وتشبثه بالبقاء في ناديه أتلتيكو مدريد آنذاك، وهو أمر أثار استياء إدارة بارتوميو ودفع نائبه جوردي ميستري آنذاك للتعبير عن ذلك الاستياء علنًا حين قال إن «تصرف بيكيه أثار انزعاج النادي والجماهير».
أما الوجه الثاني فهو بيكيه رجل الأعمال الملياردير صاحب الشركات العديدة، الذي يتعامل مع برشلونة كفرصة استثمارية سانحة أكثر من غيرها، لأن رئيس هذه الشركات كلها لديه من السنوات ربع قرن كاملًا إذ دخل أكاديمية ناشئي برشلونة عام 1997 ولم ينفصل عنها سوى في 4 أعوام من 2004-2008 حين انتقل إلى مانشستر يونايتد قبل أن يعود إلى ناديه.
الحديث عن بيكيه كرئيس مرتقب لبرشلونة مستغلًا مواقفه من قضية كتالونيا وإرثه الكبير في النادي، ربما يكون سطحيًا دون تناول هذه الطروحات التي يمزج فيها بيكيه الوجهين معًا، إذ إن نجاح الوجه الثاني يعتمد على حبكة الوجه الأول وإتقانه بشكل مثالي، والخروج من خشبة المسرح وسط تصفيقات الجماهير.
لذلك لا يريد بيكيه الاعتزال إلا عند لحظة أيقونية تمتزج فيها كرة القدم بالسياسة كي يبلور تلك الصورة التي يريد أن يصدرها بقية عمره بعد انتهاء مشواره الكروي التي يعرف جيدًا كيف «سيأكل بها عيش» ويملك الخطة الكاملة لذلك.
بنسبة كبيرة سيكون بيكيه أول بقرة مقدسة في كرة القدم يمتلك جزءًا من ملكية ناديه بشكل واضح وبشركة يديرها. يخطط بيكيه ليكون أكثر من بقرة مقدسة، يطمح لأن يكون مالكًا بطابع مستديم وليس رئيسًا فقط للنادي، وربما يكون شراء شركته «كوزموس» حصة كاملة في نادي «أندورا» الإسباني الذي يرأسه منذ سنوات. مجرد بروفة لما سيحدث في المستقبل ولكن على مستوى أكثر اتساعًا وعالمية، بقدر اتساع وعالمية اسم برشلونة!