منذ أيام افتتح الفيلم المصري «اشتباك» قسم «نظرة ما» بمهرجان «كان» السينمائي الدولي الذي بدأت فعالياته في الحادي عشر من الشهر الجاري وتستمر حتى الثاني والعشرين من نفس الشهر. وقد لاقى الفيلم احتفاءً واسع المدى من رواد المهرجان، كما جاءت ردود الأفعال على الفيلم أكثر من إيجابية من الصحافة العالمية والتي ذهبت إلى حد وصف الفيلم بـ«جوهرة كان المكنونة» كما جاء في تقرير بموقع «هوليود ريبورتر».وقد علق المخرج والكاتب السينمائي عمرو سلامة على الاحتفاء الدولي بفيلم «اشتباك» بالقول بإنه إنجاز كبير للسينما المصرية والعربية، ربما يوازي أن يصل منتخب مصر إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم وينافس بشراسة.

https://www.facebook.com/amrmasalama/posts/10156919979445243?pnref=story
تدور أحداث الفيلم في صيف 2013 في الفترة التي تلت عزل الرئيس المصري «محمد مرسي» وشهدت العديد من المظاهرات والاشتباكات بين أنصار جماعة الإخوان المسلمين وقوات الشرطة. الفيلم بالكامل تم تصويره داخل عربة للترحيلات جمعت مجموعة من المواطنين من ذوي التوجهات المختلفة ساقهم حظهم إلى الالتقاء بهذا المكان. الفيلم من إخراج «محمد دياب»، ومن بطولة «نيللي كريم» و«هاني عادل». نستعرض في هذا التقرير جانبًا من تناول الصحف والمواقع العالمية للفيلم المصري اشتباك.

الجارديان: دراما المكان الواحد المرعبة تتناول الصراع المصري

من فيلم اشتباك
من فيلم اشتباك

كيف يتسنى لمخرج أن يقوم بنقل مشاعر الرعب الهائلة التي قد تنتاب شخصًا يعيش ببلد في حالة حرب مع نفسها؟، فيلم محمد دياب المثير للقلق والجريء فنيًا يضع المشاهد داخل عربة ترحيلات تابعة للشرطة المصرية في 2013 في الوقت الذي كانت تغلي فيه توترات ما بعد الثورة. على الرغم من أن هذا لم يكن سوى فيلم دياب الثاني بعد فيلم «القاهرة 678» الذي يتناول ظاهرة التحرش الجنسي في القاهرة، إلا أن مهارة الصنعة في هذا الفيلم خاطفة للأنفاس.

واحدًا تلو الآخر تمتلئ العربة بمجموعة متنوعة من المتظاهرين والصحفيين، الذين يظلون على نفس الحالة من الصراع المرير بين بعضهم البعض، وبين أنصار جماعة الإخوان المسلمين من ناحية، وداعمي الحكم العسكري من ناحية أخرى. يتابع الفيلم بشكل ممتع ومفعم بالحيوية دون أن يتحيز لأي من الفريقين، وبدلًا من ذلك يعرض لنا مجموعة من الناس أجبروا على الانقسام سواء بحكم الأوضاع الجارية أو بحكم الوراثة، دون أدنى رغبة في التراجع.

نشهد بطول الفيلم حالة من الغضب العارم وشعورًا بالحنق لانعدام العدالة، وتتنامى لدينا مشاعر التعاطف مع شخصيات الفيلم التي نبدأ في الاقتراب منها والتعرف عليها من خلال ما تتعرض له من ممارسات غير إنسانية من قبل رجال الشرطة الذين قاموا باحتجازهم. هذه الشخصيات لم تكن بالضروة شخصيات عنيفة أو خطرة، ومع ذلك تمت معاملتهم بطريقة جافة وقاسية، وهو ما أعطى القصة بعدًا عالميًا إضافيًا، مستدعيًا الحوادث الوحشية لرجال الشرطة والتي انتشرت بالولايات المتحدة مؤخرًا.بينما تتحرك سيارة الشرطة نرى بعض المشاهد لأحداث هرج ومرج تجري خارجها، ولكن المخرج يقاوم إغراء التصوير من الخارج بكادر أوسع، لنرى هذه المشاهد من نافذة سيارة الشرطة. هذا الفيلم متقن الصنع بدرجة كبيرة من بدايته حتى نهايته الموجعة. فالمشهد الأخير يتركنا، كما ينبغي له، في حالة من الذعر. ومن موقع تصوير «دياب» الصغير، ترك الفيلم تأثيرًا كبيرًا.

هافنجتون بوست أمريكا: فيلم «دياب» رسالة إلى الإنسانية

فيلم اشتباك للمخرج محمد دياب الذي طال انتظاره لصانع السينما المصري الموهوب بعد فيلمه الأول «678»، يفتتح قسم «نظرة ما» بمهرجان «كان» السينمائي هذا العام، ليمثل عودة السينما المصرية لهذا القسم للمرة الأولى بعد فيلم يسري نصر الله «بعد الموقعة» في عام 2012، ربما كان في ذلك ما يكفي من الريادة، ولكن ليس هذا فقط ما أنجزه هذا الفيلم.لقد استدعى فيلم اشتباك فكرة معينة ظلت تطاردني منذ أن قرأت في مقدمة كتاب «الدولة الإسلامية في العراق وسورية: تاريخ» لـ«فواز جرجس»؛ «كيف اندمجت داعش في الفوضي التي خلفها غزو الولايات المتحدة للعراق، وكيف دعم قمع الربيع العربي من هذا التنظيم وقوّاه».فيلم دياب الذي تدور أحداثه بالكامل داخل سيارة ترحيلات إبان التظاهرات الرافضة لخلع الرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو 2013، هناك داخل هذه السيارة المغلقة يقدم دياب صورة مصغرة من مصر الحديثة، حيث أعضاء الإخوان المسلمين يتشاركون في هذه المساحة الضيقة مع غيرهم من المواطنين الداعمين للحكم العسكري، رجال ونساء وأطفال، كلهم هناك كجزء من مصر الجديدة الفوضوية في مرجل على وشك الغليان.عادة لا أقوم بالكتابة عن أفلام لم أشاهدها بعد، ولكن مع اشتباك فأنا أعرف أنني سينتهي بي الحال إلى الاضطراب الشديد، ولكن أيضًا إلى الاستنارة التامة بعمل «دياب». لا أستطيع أن أتذكر المرة الأخيرة التي تُقت فيها إلى هذا الحد لمشاهدة فيلم ما بينما الآراء النقدية تزيد من اشتعال الرغبة في مشاهدته.

مجلة فرايتي: «اشتباك» دراما صاخبة وغاضبة

دراما صاخبة وغاضبة تم تصويرها بالكامل في عربة جافة إبان اندلاع الاشتباكات بين مؤيدي الحكم العسكري والإخوان المسلمين في مصر. الاشتباكات بطبعها مرعبة بما فيه الكفاية، ولكن أن يتم حبسك داخل سيارة ترحيلات أثناء هذه الاشتباكات فهذا ما يفوق أي تصور عن الرعب. ربما كان فيلم اشتباك صادمًا للبعض بتجاوزه حدود الهيستيريا، إلا أن هذا الفيلم البارع كان بمثابة رسالة عن الفوضى والوحشية ترتعد لها الفرائص.ينضم فيلم اشتباك إلى حفنة من الأفلام الناجحة (الفيلم اللبناني «قارب نجاة») تم تصويرها في مساحة محدودة جدًا؛ سيارة الترحيلات التي لا تزيد مساحتها عن ثمانية أمتار، وجميع الأحداث تجري إما داخل السيارة أو مرئية من أحد نوافذها. الارتباك يدفع برجال الشرطة إلى المزيد من نفاد الصبر فيلقون القبض على مجموعة من المتظاهرين ممن وقفوا في صفهم ونزلوا للاحتفال بالانقلاب على حكم مرسي، ويتم الزج بهم في عربة الترحيلات مع مجموعة من الإخوان المسلمين ممن قاموا بإلقاء الحجارة على رجال الشرطة؛ ما يخلق وضعًا أشبه بقدر الضغط، لا تعرف معه إذا كنت أكثر أمنًا داخل القدر أم خارجه.وبامتلاء العربة تتحول إلى مقطع عرضي للمجتمع المصري بطبقاته الوسطى والدنيا، وهنا استطاع دياب اللعب بمهارة على حقيقة أن كل هؤلاء المحبوسين داخل العربة بما يمثلونه من أطياف مختلفة، قد شاركوا في ثورة 2011، حينما امتلأ الهواء بشذا التغيير لفترة وجيزة، وآمن أغلب المواطنين بأن الانتخابات قد تقودهم إلى عدالة منصفة.تصوير «أحمد جابر» بالكاميرا المحمولة ساهم بشكل كبير في تصدير الإحساس شبه الدائم بعدم الارتياح بينما كل شيء غير متزن؛ ما جعل المشاهد يشعر بشعور الشخصيات بالاهتزاز وانعدام الاتزان. وفضلًا عن الشعور القوي برهاب الاحتجاز، رصدت العدسات مشاهدات سريعة ومرعبة من الفوضى خارج العربة، وفي النهاية كانت الرسالة واضحة: لقد تلاشى أي حسّ بالوحدة الوطنية، وتصاعُد العنف قاد مصر إلى حافة الجنون.

موقع العرض الأول:«اشتباك» صناعة رائعة في نطاق محدود

فيلم اشتباك
فيلم اشتباك
فيلم اشتباك
فيلم الافتتاح بقسم “نظرة ما” بمهرجان كان 2016 هو عمل مكثف ولافت يُدعى اشتباك، وهو بحق فيلم رائع.
إنه فيلم رائع حقًا، يتخطى ويتجاوز كثيرًا حدود عربة الترحيلات، فهو أكثر من مجرد عربة، حيث أكثر من عشرين شخصًا من جانبي الثورة المختلفيْن يتم الزج بهم داخل هذا الصندوق الحديدي الهائل. يحدث ذلك إبان اشتعال الأحداث، حيث تبدأ هاتان الزمرتان المتباينتان بالتجادل حول كل شيء صغيرًا كان أو كبيرًا؛ من تسبب بهذا؟، ومن فعل هذا بمن؟، وما يفعله كل ذلك ببلدهم؟.وعلى الرغم من ذلك، ووسط كل هذه الفوضى، هناك لحظات حقيقية من الإنسانية، من التواصل بين هذين الفريقين. وأمام كل ذلك لا يسعني إلا الاعتقاد بأن هذا ما كان محمد دياب يحاول أن يعرضه بالفعل؛ أنه بالرغم من هذا الصراع المستمر يمكننا التواصل، فلا يهم من نحن، في النهاية كلنا بشر، وكلنا يحاول النجاة، وأظنه قد عرض ذلك بشكل جميل.عندما يتم تصوير قصة في مكان واحد محدود من السهل أن تظهر العديد من الإشكاليات التي تتعلق بالتصوير السينمائي أو الشخصيات أو السرد ككل. لكن فيلم اشتباك، بطريقة ما، استطاع أن يتجاوز كل هذه الإشكاليات. الفيلم يبدو خانقًا عن قصد، غير أن التصوير كان على مستوى عالٍ من الكفاءة. فالطريقة التي تحركت بها الكاميرا لتعرض ما يحدث في الخارج سواء من خلال النوافذ أو الباب الخلفي، أو حتى من خلال مرايا الرؤية الخلفية على جانبي العربة هي حقًا مثيرة للإعجاب.في النصف الثاني من الفيلم تنتهي العربة إلى نقطة اشتباكات بين المتظاهرين ورجال الشرطة. كنت أستمتع بالفيلم بالفعل، ولكن عند هذه اللحظة أسرني كليًا. فحجم المجهود الذي تم بذله للتنسيق بين كل هذه الحركة التي تجري خارج العربة، بينما يتم الحفاظ على تزامن انفعالات الممثلين داخلها وفقًا للسيناريو، كانت مذهلة وساحرة.ووسط كل هذه الفوضى والصراع، استطاع المخرج محمد دياب أن يلمس العديد من الموضوعات بطريقة خلابة. «اشتباك» لم يكن فقط عن الروابط الحقيقية التي قد تجمع بيننا على الرغم من قناعاتنا المتباينة، ولكنه أيضًا عن رغبتنا في الصراع بحماس دفاعًا عن معتقداتنا، وهو أيضًا عن الطريقة التي نرى بها العالم من حولنا، وكيف أن اللحظات الصغيرة قد تصنع فارقًا. لم أتوقع أبدًا أن أتأثر بفيلم تم تصويره بالكامل داخل عربة ترحيلات، ولكن ها أنا ذا أعبّر بجموح عن مدى عظمة هذا الفيلم. لقد كنت سعيدًا جدًا لمشاهدته، وأتمنى أن تتاح الفرصة لكثيرين لمشاهدته أيضًا.